المجموع : 3
يا لَيلةً لَمّا نَأى بَدرُها
يا لَيلةً لَمّا نَأى بَدرُها / عَن أُفقِهِ باتَ إِلى جَنْبي
ضَجيعَ جِسمي وَغَرامِي بهِ / ضَجيع أسرارِيَ في قلبي
وَزارني واللّيلُ مُستحْلِكٌ / غَضبان ملآن منَ العَتْبِ
كَأنَّ ما يُجرِمه مِن يَدِي / أَو الّذي يُذنِبُهُ ذنبي
فَلَم أَزَلْ أَجعل خَدّي لهُ / تُرْباً لِرِجْلَيْهِ عَلى التُّربِ
حَتّى اِنثَنى يَضحَكُ عَن لُؤلؤٍ / رَطْبٍ ثَوى في مَشربٍ عَذْبِ
وَقالَ لي حَسبُك مِمّا أرى / فقلتُ أو ترضى فما حسبِي
أَيُّ فَتىً وورِي في التُّربِ
أَيُّ فَتىً وورِي في التُّربِ / قضى ولم أقضِ به نَحْبي
زوّدني بعد فراقي له / ما شاءتِ الأحزانُ من كربِ
قلتُ لرَكْبٍ قال لِي إِنّه / ذاق الرّدى أُرجلتَ من رَكْبِ
ولا رَعَتْ عيسُك في منزلٍ / نزلتَه شيئاً من العُشبِ
وَلا يَزلْ فوكَ وقد قال ليْ / ما قال مملوءاً من التربِ
قد ضرّني الصّدقُ فمنْ ذا الّذي / يَنفعني يا قومُ بالكذبِ
نعيتَ لا بوعدت من سيَّئٍ / أفضلَ من قلبي إلى قلبي
رُمحي الّذي يَفري نُحورَ العِدى / وَفي جلادِي هوَ لِي عَضْبي
فكمْ له دونِيَ من موقفٍ / آمنني فيه من الرُّعبِ
ولم يكن لي وهْوَ في قبضتي / على المُنى شيءٌ من العَتْبِ
ما قنعتْ إلّا بِهِ همّتي / وَلَم أَقلْ إِلّا بهِ حَسبي
وَعاضَني مِن حَرجٍ ضيّقٍ / عليَّ بالإفساحِ والرُّحْبِ
هوَ الرّدى يأخذُ مِن بَيننا / إِذْ هَمّ مَنْ شاء بلا ذنْبِ
وَليسَ يُسطاع دِفاعٌ له / بِالطعنِ بالرُّمْح ولا الضّربِ
إِنْ يَبغِ مَحجوباً فما إنْ له / مِن دونه شيءٌ من الحُجْبِ
أو شاءَ أن يَأخُذَ ذا هَضْبةٍ / عاليةٍ فهو بلا هضْبِ
بزّ اليمانيّين تيجانَهمْ / مِن دونها أَردية العَصْبِ
وَاِستَلَّ من كسرى بإيوانِهِ / أطواقَه الحُمرَ مع القُلبِ
ولم تزلْ تدخل رُوَّادُهُ / مِن مُضَرٍ شِعْباً إلى شِعْبِ
وَشرّدتْ أصحابَه بطشةٌ / منه بِهمْ فهْو بلا صَحْبِ
وَلفّهمُ لفّا بِأيدي القنا / لفَّ الصّبا للغُصُنِ الرَّطْبِ
كأنّهمْ تزهر أجداثهُمْ / ذوائبٌ خرّتْ منَ الشهبِ
وكم سطا فيهمْ بأُسْدِ الشّرى / ومُطعمِي الأضيافِ في الجَدْبِ
قُل لاِمرئٍ يَطمع في خُلدِهِ / فهْوَ غَفولٌ آمنُ السِّرْبِ
لَيس كَما قدّرتَه إنّما / خُلقتَ للتّربِ من التُّربِ
لا ترجُ أن تَنْجُوَ مشياً وقد / بغاك باغٍ واسعُ الوثْبِ
تنال كفّاه إذا مُدَّتا / من كان في بُعدٍ وفى قُرْبِ
يا نائياً عنّي ومن مُنيتي / أنْ بِعْتُ بُعدي منه بالقُربِ
كم لك عندي من أيادٍ مضتْ / بيضاً وإن كنتَ من الشُّحْبِ
واللّيل كالصّبحِ لنفع الورى / والسُّمرُ كالبيضِ لدَى الحربِ
وما جرى في النّاس شيءٌ لهمْ / مَجرى سَوادِ العينِ والقلبِ
وَالقزُّ في الصُّفرةِ مخلوقةً / خيرٌ لباغيهِ من العُطبِ
فَاِفخرْ على القومِ الأُلى سُوِّدوا / في الشّرق إِنْ شئتَ وفي الغربِ
فليس فيهمْ كلِّهمْ واحدٌ / سادَ جميعَ العُجْمِ والعُرْبِ
لم تألفِ السُّوءَ ولا بتَّ في / ناحيةِ القذفِ ولا الثَّلْبِ
ولم تعُجْ باللّهوِ في خلوَةٍ / ولا مزجتَ الجِدَّ باللّعبِ
وكلّما نِلْتَ بها رُتبةً / حَمَيْتَ فيها جانِبَ الجُنبِ
كم كنتَ للأملاكِ كهفاً وكمْ / حَمَيتهُمْ بالمُلك من خَطْبِ
وكم تلافيتَ بتفكيرةٍ / صافيةٍ شَعْباً من الشَّعْبِ
كانوا ومن رأيك آراؤهُمْ / مثلَ رَحى دارتْ على قُطْبِ
قد دَرّت الدّنيا لهمْ مرّةً / وأيُّ درٍّ ليس بالحَلْبِ
كَم ذا تَداركتَ اِعوِجاجاً لهمْ / على ظهورِ الضُّمَّرِ القُبِّ
يَطوينَ يَحملنَ الرّدى للعِدى / سَهْباً من الأرضِ إلى سَهْبِ
وَكُلّما زاحَمْنَ في غَمرةٍ / شوكَ القنا السّمر على إِرْبِ
كُسِينَ أَجلالاً بِنسجِ القَنا / مِنَ النجيعِ الأَحمرِ العَصْبِ
سَقى الّذي أَصبَحتَ رَهناً بهِ / مِنَ الثَّرى أنديةُ السُّحْبِ
وَلا سَمِعنا لِخريقٍ بهِ / صوتاً ولا زَعزَعَةَ النُّكْبِ
ولا يزلْ تُنضحُ حافاتُهُ / من الحَيا بالباردِ العَذْبِ
حتّى يُرى من بين أجداثِهمْ / ريّانَ مَلآْنَ من الخِصْبِ
فليس مُلْقىً في الثَّرى ميّتاً / موسّدَ الكفِّ على الجنْبِ
مَنْ طار في الآفاق ذكرٌ لهُ / وسار بالأقلامِ في الكتبِ
فَاِلحَقْ بِمَن سمّى لنا نفسَه / بأنّه يعفو عن الذّنبِ
فما أتت كفّاكَ من سيّئٍ / يضيقُ عنهُ كرمُ الربِّ
فديتُهُ من زائرٍ زارني
فديتُهُ من زائرٍ زارني / واللّيل مُسْوَدُّ الجلابيبِ
زار وفيه كلّ ما ينبغي / في النّاس من حُسنٍ ومن طِيبِ
ولم يَضِرْها أنّها زَورَةٌ / لعازبِ الآراء مكذوبِ
باطلةٌ روّتْ لنا غُلَّةً / والحقّ لم يأتِ بمطلوبِ
لولا الكرى ما جاد لي بالمُنى / معشّقٌ يعشقُ تعذيبي
وكيف لا أهوى لذيذَ الكرى / محبَّباً جاء بمحبوبِ