المجموع : 45
ذات تراأى النور من صفِّها
ذات تراأى النور من صفِّها /
وقد تجلى النشر من لفِّها /
وكلما غنت على دفها /
روَّعها البرقُ وفي كفِّها / برقٌ من القهوة لمَّاعُ
بها من الأكوان دارت رحى /
وخمرها شاربها ما صحا /
وسرها غيب الهدى أوضحا /
عجبت منها وهي شمس الضحى / كيف من الأنوار ترتاعُ
كم صورة في قطعة الشمعِ
كم صورة في قطعة الشمعِ / مفيدةٍ للفرق والجمعِ
يظهرها صانعها سرعة / فتبهر الأبصار باللمع
وتختفي ثم يرى غيرها / يضحك أو يبكي بلا دمع
وكلها فانية لا ترى / هناك إلا قطعة الشمع
فاعتبروا فعل الوجود الذي / أنتم به المنصوص في السمع
هل تعرفون العدم الصرفا
هل تعرفون العدم الصرفا / فتدركوا من لفظه حرفا
لا تحسبوا معناه مفهومكم / معناه شيء عنكمو يخفى
فكيف تدرون الوجود الذي / من عدم صرف هو الأخفى
وهو الذي نعنيه في وحدة ال / وجود لما نذكر الوصفا
إن الوجود الصرف إطلاقه / كالعدم الصرف لمن وفى
كلاهما من حيث نفساهما / تساويا فانعطفا عطفا
تقابلا واجتمعا عندنا / في عدم الإدراك إذ ينفى
إن كنت تدري الرزق في بلدة
إن كنت تدري الرزق في بلدة / أو في مكان فاطلب الرزقا
وإن علمت الحق ينساك من / رزقك يوماً ذكِّر الحقا
وإن دخلت البيت تبغي به / توكُّلاً كيلا ترى الخلقا
فإنها تجربة وهي في / ربك شكٌّ يمنع الصدقا
وإنما الحيلة في تركك ال / حيلة فاتركها لكي ترقى
ما الغير إلا بابه المغلقُ
ما الغير إلا بابه المغلقُ / وكلنا مفعوله المطلقُ
وليس مفعولاً به عندنا / لأننا للفعل لا نسبق
وإننا المعنى الذي فعله / جاء به لما لنا يخلق
وليس مفعول به ظاهراً / بالفعل والسبق له حققوا
وقولهم ذا ليس شرطاً له / يرده بالصدر من يصدق
بل كل مفعول به سابق / للفعل قطعاً عند من يفرق
وكل من يجحد قولوا له / هات مثالاً عندنا يطبق
يكون مفعولاً به ماله / سبق على الفعل الذي يلحق
فإن يكن حاول في لفظة / جاء بها في النطق إذ ينطق
فأخبروه ليس مقصودنا / لفظ لنا يأتي به المنطق
وإنما المعنى مراد الذي / يقول والحق به مشرق
ظهرت لي يا غيب يا مطلقُ
ظهرت لي يا غيب يا مطلقُ / بالروح روح الأمر بي تشرقُ
والروح روح واحد كلنا / أرواحنا منه لنا تسبق
لسانه العقل إذا رام أن / ينطق بي في نفسه ينطق
كلامنا نحن وكل الورى / في نفسه ربي له يخلق
طبيعة بالروح تبدو كما / تخفى فلا غرب ولا مشرق
بحر هو الروح وأمواجه / جميع ما يسكن أو يخفق
مثل معانيك التي أنت في / نفسك تعنيها إذا تحدق
والكل خلق الله لاحت لهم / في كل شيء آية تبرق
يا مالكي روحك روحي كما / قلت نفخت الروح إذ حققوا
بيني وما بينك هذا فإن / خفيت فيه فأنا الأسبق
والغيب أنت الغيب حق ولا / نقدر أن ندنو ولا نلحق
وإنما تعرفه بالذي / صوّره الروح لنا المطلق
معرفة من روحنا مثلنا / مخلوقة دون الذي يخلق
والروح هذا ملك واحد / بملئ ملك الله يستوثق
أحب مولاه ولا يستطع / إدراكه وهو له يعشق
حيران فيه فتراه لنا / مصوراً فهو بنا يرمق
هذا طريق واسع والسوى / ذاك طريق أعوج ضيق
لا تظلم الله بما لا يليقْ
لا تظلم الله بما لا يليقْ / به ولا تدخل له في مضيقْ
فإن أهل الجهل قد بالغوا / في حقه بالنقص وهو الشفيقْ
يرحمهم دوماً وهم في عمى / عنه حمير بالغت في النهيق
ظنونهم فيها احتقار لهم / من غير علم عندهم في الطريق
كل امرئ منهم يظن الردى / هو الهدى والظن بئس الرفيق
سكران من خمر جهالاته / يا ليته لو كان يوماً يفيق
يا ويح قوم شبَّهوا ربهم / وقيدوه وهو وهو الطليق
يؤذونه سبحانه بالذي / قد نسبوه وهو ما لا يليق
وكم شريك أثبتوه له / به فخرّوا من مكان سحيق
كذا له صاحبةً أثبتوا / وولداً قل ذاك عبد رقيق
وعبدوا الأصنام جهلاً وقد / خروا إليها سُجَّداً بالحقيق
وعلقوا بالبيت أصنامهم / ودنسوا البيت الحرام العتيق
والنار أيضا عبدوها كما / هم يعبدون الشمس ذات الشريق
ويعبدون العجل من جهلهم / وكفرهم بالله وهو المحيق
وهكذا يؤذونه دائماً / وهو صبور ماءهم لا يريق
كما حكى القرآن هذا لنا / وكان ما قد كان من كل ضيق
حتى أتى الله بنور الهدى / وزال عن إشراقه ما يعيق
وأسفر الفجر وفاحت به / حدائق الورد وروض الشقيق
وقد تجلى لقلوب الورى / رب لهم قد كان نعم الصديق
وإنه غيب عن العقل بل / عن الحواس الخمس قول حقيق
وما له ماهية تقتضي / ظهوره فيها لمن يستفيق
وإنما الخلق ظهوراته / بهم تجلى مثل برق بريق
لم يتغير جل وهو الذي / يغير الغير ويهدي الفريق
خذ علمه عني فإني به / بحرٌ مداه للأعادي عميق
واحذر من الجبار يلقيك في / بحري فكم من جاهلٍ بي غريق
واشرب معي كأس الوجود الذي / عن غيره يغنيك فهو الرحيق
وقل لمن لا يعرفون الذي / هم فيه من خبث لديهم معيق
يا عصبة الطغيان والإفترا / إلى متى كفوا الحريق الحريق
ما أنتمو مثلي لكي تعرفوا / ما حجر الكدّان مثل العقيق
العلم والمال عدوّان لم
العلم والمال عدوّان لم / يجتمعا إلا اقتضى الحالُ
فَسادَ وَصْفٍ منهما ذلك ال / آخرَ فليستيقظِ البالُ
فالعلم إن لم يفسد المالَ في / وجه الهدى أفسده المال
علم عظيم النفع للعالمِ
علم عظيم النفع للعالمِ / جل عن المفهوم والفاهمِ
وكيف لا ينكر وهو الذي / يجهله إبليس في آدم
حتى أبى عن أن يُرى ساجداً / لربه من قوة الواهم
والتبس الأمر عليه ولم / يقدر على التمييز في العالم
كم عدم أخفى وجوداً وكم / من زائلٍ غطَّى على دائم
يا ويحه والنهر في داره / من حائرٍ صادي الحشى حائم
وكل ذا من قسوة عنده / وحسد في نفسه قائم
لم يسلم الأمر إلى ربه / ولم يشاهد حكمة الحاكم
وعاند الخالق في خلقه / معترضاً سيف القضا القاصم
فاحذره واحذر أن تحاكي له / ترجع بحالِ الخاسر النادم
يا أيها الإنسان قم وانتبه / من لي بهذا الغافل النائم
ويحك قد أشقى إلهُ الورى / إبليس من أجلك يا آدمي
فكن سعيداً أنت واسبق إلى / نيل العلى واعرض عن اللائم
وكتْبَ محيي الدين طالعْ لها / بخاطرٍ عن غيرها صائم
معتقداً في حقها قاطعاً / بأنها دين أبي القاسم
ولا تكن في ذاك مستعملاً / علوم رسمٍ للبنا هادم
فإن محيي الدين شمس الهدى / وهو الإمام العارف الحاتمي
عليه رضوان من الله ما / تنعم المرحوم بالراحم
عجبت من شيئين قد أجمعت
عجبت من شيئين قد أجمعت / عليهما كل عقول الأنامْ
فالأول المعدوم من كل شَيْ / أزال عنه الله وصف انعدامْ
فصار موجوداً وأضحى له / وصفَ وجودٍ ظاهرٍ للعوام
فاعجب لموصوفٍ هو المنتفي / ووصفه الثابت دون انبهام
بمن ترى الوصف غدا قائماً / تحققوا يا قوم هذا الكلام
والآخر الحق الوجود الذي / قَدَّر كل الخلق بالإنتظام
كيف بمعدوماته قد غدا / متصفاً والعقل فيها إمام
حتى بدا التنزيه عنها به / واحتاج هذا الأمر للإختصام
وإنما القهار وهو الذي / أفعاله تجرى بحكم المرام
فيطلع العقل على ما يشا / من المعاني عن ضيا أو ظلام
تصرُّفاً منه به كيفما / أراد لا عتبٌ كما لا ملام
معرفتي مخلوقة وهي لا
معرفتي مخلوقة وهي لا / تليق بالخالق ربي القديمْ
لأجل ذا في كل وقت بدت / في صورة يطرب منها النديمْ
إذا تأملنا تناويعها / في كل معوجٍّ وفي مستقيم
وإنها قاصرة كلها / عن حضرة الغيب النزيه العظيم
قلنا صواب كلها قول من / يعتبر المخلوق ذاك العديم
وإنها استعداده قد بدا / منه لها يرجى قبول الكريم
وباعتبار الحق قلنا خطا / جميعها والوصف فيها ذميم
وإنما الحق تعالى الذي / بنفسه دون سواه عليم
فعلمنا بالحق منا له / إسلامُنا والقلب منا سليم
ونحن بالعلم الذي نفسه / تعلمه نعلمه يا فهيم
أشكو من الله إلى خلقه
أشكو من الله إلى خلقه / إني إذاً من أهل دار الجحيمْ
وإنما شكري له دائماً / على توالي الفضل منه العظيم
ألم يكن أوجد ما لم يكن / مني بإيجاد جواد كريم
وهو الذي يحفظني بالذي / يمدُّني منه برزق مقيم
وكيفما كنت أرى فضله / غامرني وهو الغفور الرحيم
نزيد في الشكر له دائماً
نزيد في الشكر له دائماً / وكلما زدناه زاد النِعَمْ
مثل تجارة الكريم الذي / له شياه ولديه نَعَمْ
فكلما قلنا له زد لنا / قال أيا من عاملوني نَعَمْ
قالوا غداً نأتي ديار الحمى
قالوا غداً نأتي ديار الحمى / ديار من هم أهل سلمى همو
فينظر القلب إليهم بهم / وينزل الركب بمغناهمو
وكل من كان مطيعاً لهم / وكان مشغوفاً بذكراهمو
فإنه إن جاءهم خائفاً / أصبح مسروراً بلقياهمو
قلت فلي ذنب فما حيلتي / أخشى بأن يطردني عنهمو
عندي الحيا منهم ولي خجلة / بأي وجه أتلقّاهمو
قالوا أليس العفو من شأنهم / وكم نجا عبد رجا منهمو
والصفح من أخلاقهم دائماً / لا سيما ممن ترجّاهمو
إن أقبل السعد وزال العنا
إن أقبل السعد وزال العنا /
وقد سكرنا بكؤوس المنى /
وموسم الأفراح لي إن دنا /
يا ربةَ العود خذي في الغنا / وحرِّكي من صوته ما ونى
قم يا نديمي موسم القرب جا /
وأبدل اليأس لنا بالرجا /
ولا تخف ظلم ظلام دجا /
فإن مسودَّ قميص الدجى / لوَّنه الصبح بما لوَّنا
حسن ملاح الكون لي هيما /
وتوبتي وهبتها اللوَّما /
فرحت مُغرىً في الهوى مغرما /
وفاز بالتوبة قوم وما / تاب من التوبة إلا أنا
إن قلتَ لم أقدر ولم أستطع
إن قلتَ لم أقدر ولم أستطع / ادفع عني كيد شيطاني
أو قلتَ ذا صعب على همتي / فأنت في كذب وبهتان
إن الشياطين من النار هم / والماء منه كل إنسان
والماء يطفي النار والنار لا / تسطو على الماء بسلطان
ما لم يحل بينهما موصل / لبرد ماء حر نيران
وها هنا النفس غدت حائلاً / فاكسر إناء الحائل الفاني
يبقى بعيداً عنك يخشاك أن / تُطفِيَهُ شيطانُك الداني
لله حمدي دائماً في الورى
لله حمدي دائماً في الورى / حمد مقيم النعمة القاطنِ
على انصلاح القلب والجسم من / سوء بليدٍ ضلَّ أو فاطن
أمامنا الأعظم في ظاهر / وشيخنا الأكبر في الباطن
لا معه نحن ولا معْنا
لا معه نحن ولا معْنا / ونحن لا حرفٌ ولا معنى
بل نحن أمر واحد كلنا / إشارة القوسين أو أدنى
وهو الوجود الحق كنّا به / وهماً على وهمٍ وما كنا
نذوب ذوب الثلج في مائه / إذا تجلى عندنا استغنى
صفاته مرجعها ذاته / إذ لا ثلاثٌ لا ولا مثنى
يا وحدةً مطلقةً ما على / وجودها حكم له يُعنى
بالعدم الصرف أحاطت كما / قالت لنا لما لها قلنا
ونحن لا قول ولا قائل / ولا نرى خوفاً ولا أمنا
وقد وقفنا عند أسمائه / شرعاً فما أغنى وما أقنى
وكلما جزنا به جاءنا / شرك الخفا يدني إلى المغنى
والأصل لا علمٌ به عندنا / كلا ولا جهلٌ به منا
ولا حضور لا ولا غيبة / وقد عدمنا الظهر والبطنا
هذا جنون الحق في عقلنا / يدريه من في الحق قد جنا
يا ابن طريق الحق لا تلحني / من وحد الموجود ما ثنّى
قول المجانين الذي قلته / أنَّى لعقلٍ فهمُه أنَّى
لا تخلط الواجب بالممكنِ
لا تخلط الواجب بالممكنِ / وكن بتمييزهما معتني
فالواجب الحق وجود وما / سواه غير العدم الممكن
لم يتغير واحد منهما / عما عليه كان قدماً بني
هذا الوجود الحق باد على / كل التقادير بما يعتني
بعلمه قامت سماواته / والأرض حتى كل شيء فني
وهو كثير في ظهوراته / وواحد في ذاته الأبين
مكوّن الذرات يأتي بها / وجوده بالقلم المقتني
يركّب الأشياء منها على / تصويرها من فاضل أو دني
حتى تراه ظاهراً بالذي / ركَّبه ينطق بالألسن
تراه في صورة ناعورة / وتارةً في شكل روض جني
وتارة في شكل بدر على / غصن مليح أهيف ينثني
وهو الذي قد جل في نفسه / عن صورة التصوير للأعين
والجاهل المنكر في غيه / وللذي يعرف عيش هني
تبارك الله الغني الذي / يعرفه بالحسِّ عبد الغني
لو أن من يطلب مولاهُ
لو أن من يطلب مولاهُ / مثل الذي يطلب ديناهُ
لكان يلقاه بلا شبهة / في كل شيء كان يلقاه
من يطلب الدنيا ترى قلبه / مستغرقاً فيها وأَحْشاه
وعقله قد أسرته كما / بذكرها قد أشغلت فاه
يحب من يوهمه بذلها / وإن يكن أبغض أعداه
ويركب الأهوال في نيلها / أهوال ديناه وعقباه
وقلبه في حبها صادق / يطلب منها ما تمناه
وليته في ربه هكذا / والناس أشكال وأشباه
لو أخلصوا في الله إخلاصهم / في غيره ناجاهم الله
وخصهم منه بما خصهم / وكان بالذكرى لهم جاه
ولكن التقدير قد عاقهم / عنه وفاز الكل لولاه
وهو الذي يقضي عليهم بهم / لأن علم الله مبداه
والعلم عنهم كاشف حيث هم / في عدم لا شيء معناه
وكيفما هم جاء إيجادهم / من نعمة المولى وجدواه
والخير والشر سواء له / أيهما بالخلق أولاه
والله لا يظلم شيئاً وقد / فاضت على الكل عطاياه