المجموع : 31
قَد قلت إِذ وافى نعيٌّ بكت
قَد قلت إِذ وافى نعيٌّ بكت / من هوله الأَقمارُ بعد الشُموسْ
لا تنفري آرامَ سفحِ اللوى / وَيا غصون النقا مَهْ لا تميس
وَبادِرا نبكي عَلى مَن مضت / بالرغم فاعتاضت بتلك الرموس
وَجدِّدا بالحزن تاريخها / عزّت عَلى الباكي حَياةُ النُفوس
كَم عبرة في محجرٍ جاهشهْ
كَم عبرة في محجرٍ جاهشهْ / عَن أَنفُسٍ فاضَت بها جائشهْ
تجري عَلى ما جرَّ سهمُ القضا / إِذ لم تطش مرمى الحَشى الرائشه
باللَه ما أَودى بشمس الضحى / في لَيلة إِلا اليد الغاطشه
بِاللَه ما أَغرى علينا النَوى / سِوى المَنايا إِذ هِيَ الباطشه
غضيضةُ العَينين في خدرها / مكنونةٌ لم تدرِ ما الفاحشه
زففتُها تُهدَى إِلى جنةٍ / لها بنات الحور مستوحشه
فقلت يا دار الرضى أَرّخي / فَرحمة اللَه عَلى عائشه
قُلتُ اعتدى فينا القضا فاشتفى
قُلتُ اعتدى فينا القضا فاشتفى / قَد يكتفى لكنه ما اكتفى
مازال يرمي جمعنا بالنَوى / وَيبتلي من كان منا اصطفى
قَد طال في عدوائه واجترى / وَجار لَما لم نجد منصفا
كَم يبتدرنا واحداً واحداً / كَأَنهُ لَم يَرضَ جَمعاً وَفى
ما يَبتغي من آل سهراب إِذ / أَخنى فَسوى رَسمهم صفصفا
يا دَهر قَد أَدركتَ ما تَرتجي / فَامسك عَليك الجور جزت الجَفا
جَرعتنا من غصة البَين ما / أَنسيتنا حَقّاً بِهِ ما صَفى
كَم مائد منا ذوى إذ زَهى / كَم نيِّرٍ فينا سَرى فاختفى
كَم من حبيب قد دَهاه الرَدى / كَم من محب دَمعه كفكفا
لِلّه دَهرٌ جار في حُكمه / وَبِالنَوى حَيث اعتدى أَسرفا
يا دَهر هوّن ما جَرى قَد جَرى / وَافرح فقد قلصت أُنساً ضيفا
أَسهرت منا أَعيناً بِالبُكا / وَقَد غفى تحتَ الثَرى من غفى
قَد كُنت أَلقى الخَطب من قبل ذا / بِالصَبر وَاليَوم أَراه انتفى
أَودعت قَلبي حسرة تصطلي / أَلزمت عيني عبرة تكتفى
أَعدمتني من كان بي راحماً / أَحرمتني من كان بي أَرأفا
أَواه ما قضّيتُ من واجبٍ / وَيلاه ما وفيت حقّ الوَفا
يا ربة التَقوى وَأُخت الهُدى / يَهنئك دار بالرضى أَزلفا
قَد كُنت جسماً عابداً طائِعاً / بَل كُنت قَلباً خاشعاً خائِفا
هذا أَمان الدار دار الرضى / فاستبشري وَالشافع المصطفى
إِني أُهني إن أُؤرخ وَإِن / وَفيت للفردوس عين الصَفا
العبد والدينار لا يحفظا
العبد والدينار لا يحفظا / إلا لدى من كان ذا غاية
ينال هذا حيث لا غيره / ويعطي ذاك في قضا الحاجة
عبارة الأشواق لا تنتهي
عبارة الأشواق لا تنتهي / وعبرة المشتاق دمعٌ كثيرْ
وقد كفانا الشرحَ هذي النوى / وأنت بالحال لطيفٌ خبيرْ
أُفٍّ إلى الأيام فيما قضت
أُفٍّ إلى الأيام فيما قضت / تسعى إلى غي وتشكو لباغْ
كم يُتعِب الإنسانَ شغلُ الدُّنا / لِلّه ما أَهنا زمانَ الفراغْ
وافى جميل التيه في ليلةٍ
وافى جميل التيه في ليلةٍ / أَبصرتُ فيها جَنةً في ملكْ
فبتُّ أَرعى البَدر في أُفقهِ / وبات من أَهوى يديرُ الفلكْ
تنقضي الدُنيا وَسكانها
تنقضي الدُنيا وَسكانها / والمَوالي وَالمَوالي تَزولُ
لا تكن في كثرة تشتهي / كُلُّ شَيء ليس يَبقى قَليلُ
أحمل الأشواق ريح الصبا
أحمل الأشواق ريح الصبا / إليك يا روضَ الكمال الوسيم
فانظر إِلى ودي بعين الرضى / فإنه ودٌّ لطيفٌ سليم
لم أَنسني إذ بتُّ في فدفدٍ
لم أَنسني إذ بتُّ في فدفدٍ / والدهر يدني الحين للأينِ
فالنسر فيها قلبه واقعٌ / والضبُّ ضبعٌ فاقدُ العين
الحَمد لله عظيم الجَلالْ
الحَمد لله عظيم الجَلالْ / ووافر النَّعما وربِّ الكَمالْ
رب تعالى عزةً عن مثالْ / أوصافه عزّت على كل حالْ
سبحانه الفردُ الكثيرُ النَوالْ /
له خفايا اللطف في عبدهِ / من حيث لا يدري على رشدهِ
وكل ما يَأتي فمن عندهِ / فمن هداه كانَ من سعدهِ
وذو الشقا لن يهدي بالاحتيالْ /
وكم له من نعمة شاملهْ / غابت على أفهامنا الكاملهْ
وكم له من منة واصلهْ / قامت بنا في نقمة فاصلهْ
فنحن ما ندري سوى ما يحالْ /
وبعد حمدي اللَه أُهدي الصلاة / إِلى نبي أشرف الكائنات
والأل والأصحاب غر الصفات / آل العلا والفضل والمكرمات
ومن بهم نرجو كريم المآلْ /
وبعد ذا فاسمع مقال النصيحْ / يستخدم المعنى بقوله فصيحْ
دعاه للإخوان ودٌّ صريحْ / فقال قولاً للمُعَنَّى مريحْ
وللأديب الفرد هذا يقالْ /
سَلِّمْ عِنانَ الحزمِ كَفَّ القدرْ / واستعمل الفكرَ وخلّي الحذرْ
واستخدم البادي ودع ما استترْ / ولا تخض في الأمر فوق النظرْ
فإن مولانا شديد المحالْ /
أفعاله جلت عن المعرفهْ / فالخوض فيما تقتضيه سفهْ
فخل عنك القول بالفلسفهْ / فإنما أحكامه المنصفهْ
يضيق عن إدراكها ذو الجدالْ /
دع عنكَ أمراً ضلّ فيه الطَلبْ / واستعصم التقوى ليقوى السببْ
وانظر إِلى النفس على ما وَجَب / وجانس الناس بحسن الأدبْ
وارض إله الناس بالابتهالْ /
ودر مع الدُنيا تنال الأملْ / واستنصح العَزم وَخلِّ المللْ
ولا تَلُم زيداً على ما فعلْ / ولا تقل عمرو لهذا جهلْ
ولا تغاضب خالداً في مجالْ /
ولا تجادل جاهلاً يغلبُكْ / ولا تمازح سافلاً يغضبُكْ
ولا تهم في كل ما يعجبُكْ / فربما بعد الصفا يعقبُكْ
ما أعقب الظامي سراب وآلْ /
وعاشر الأشرافَ آلَ النهى / فإنهم بابُ العلا المشتهى
ولا تقل فضل مضى وانتهى / فإن من بعد السهى المنتهى
وليس يرقى المرءُ أوجَ المعالْ /
ولازم الأعلام في المجلسِ / واحفظ لما قالوه بالأنفسِ
ولا تكن سمّاع رشدٍ نَسِي / فإنما ينسى الذي قد نُسي
وبالنهى والعلم تعلو الرجالْ /
ولا تفنّد فاعلاً في فعلِهِ / ولا تراجع قائلاً عن قولهِ
ولا تعيّب خاملاً في شكلهِ / ولا تحقّر واحداً لأصلهِ
ودُم على الحُسنى وخلِّ الحيالْ /
ولا تعاني المدعي الجهولا / ولا تملِّكْ أمرَكَ العجولا
ولا تشاور في العلا ذلولا / ولا تسارر رجلاً قؤولا
ولا توالي من يوالي المقالْ /
ولا تشارك صانعاً في الصنعهْ / فإنها مذمة وشنعهْ
ولا تبخّل طالباً لوسعهْ / فإنها بين الأنام بدعهْ
وربما أدت الى الانتقالْ /
ولا تصاحب ضيغناً للجمعِ / ولا تعربد للطِّلا والسمعِ
ولا تكن وسيلة لمنعِ / ولا ترجِّ صاحباً في نفعِ
فإن هذا من ذميم الخصالْ /
ولا تصاحب حاسداً نمّاما / ولا تعاشر عاذلاً لوّاما
ولا تساير مكثراً كلاما / ولا تداني مدهناً مجذاما
ولا تخالل سيئ الاختيالْ /
ولا تكن تحقرْ ذوي معرفهْ / لخفةِ المَثوى وشين الصفهْ
كم درة في بحرها مصدفهْ / وجيفة تعلو بلا معنفهْ
وهكذا الدُنيا وتلك الليالْ /
ولا تته إن صرت ذا عزةِ / ولا تطش إن كنت ذا دولةِ
واحفظ وصن للجاه والنعمةِ / ولا تبح بالوجد في نقمةِ
فكل شيء منتهاه الزَوالْ /
ولا تراجع حاكماً في القَضا / والخير لا تحضر مجالَ القضا
واصبر لما يُمضي عليك القضا / بالحزم والتقوى وحسن الرضا
فإنما هذا مقام امتثالْ /
ولا تشاور في سوى التشاورْ / ولا تعلم نفسك التظاهرْ
ولا تمار في الجلي الظاهرْ / وخفف المجيء في التزاورْ
ولا أَقول يُحمَدُ الاعتزالْ /
ولا تباعد راغباً في صحبتكْ / ولا تضيع حافظاً لذمَّتكْ
ولا تذكّر عارفاً لنعمتكْ / فإنها تحقرةٌ لهمتكْ
فقد كفى من نال ذلَّ السؤالْ /
وخالق الناس بخُلْق حسنْ / ولا تكن في كيدهم ذا وَسَنْ
ولا تقل هذا الفتى ابن مَنْ / ولا تعيِّر من علا في الزمَنْ
بالسبب الأدنى فنال المنالْ /
ولا تكابر في الأمور المعضلهْ / واتّبع السهلَ وعنكَ المشكلهْ
ولا تُجهِّل عارفاً بالمسألهْ / من قبل درك فهي سوء المثقلهْ
فكم يسوق اللفظ للجاني وبالْ /
قل ما تشا إن كلام يغنمُ / واسكتْ كذا حيث السكوت أَسلمُ
وان تكن قلت فقل ما تَعلمُ / واستسهل الألفاظ فيما يُفهمُ
ولا تكن تأتي النِّسا بالعوالْ /
ثم اتخذ خدناً جرياً عاقلا / وصاحباً مشرّفاً وفاضلا
فذا يقيك جاهلاً تطوّلا / وذاكَ يغنيك إذا صوتٌ علا
ككاتبين عن يمين وشمالْ /
وإنما لا تقترب من مدّعِ / فإنه يورث للتصدّعِ
فإن من يقول شيأ لا يعي / ولا يميل للهدى بمسمعِ
إقناعه أبعدُ من صيد الخيالْ /
واستودع الحكمةَ في أَربابها / ثم البيوت فَأتِ من أَبوابها
بِأدبٍ وَقِفْ على أعتابها / حتى ترى ما يبدو من أَصحابها
فذاك شأنُ الرشدِ دأبُ الكمالْ /
وإن تجد مسعدةً فبادرْ / لا سيما إن كنت فيها قادرْ
واغنم ثناء فالزمان غادرْ / صفاؤُه يأتيك بالنوادرْ
والهمُّ منه مستديمٌ موالْ /
هذا وإن ملت لأهل الصبوةْ / أَو غزلٍ أَو لذةٍ وقهوةْ
فاختر من الندمان وقت الخلوةْ / من ليس فيه خفة وجفوةْ
فإن هذا غيرُهُ الابتذالْ /
واشرب مع المهذَّبِ الموافقْ / من ذي شعاع بالمزاجِ رائقْ
مِن كف ساق بالمقام لائقْ / مِن وَجنتيه تُفضَحُ الشقائقْ
وقدُّه كالغصن في الاعتدالْ /
إذا سقى في مجلسٍ هنَّاه / وإن سقى ذا ظمأٍ روّاهُ
ولو يُغنِّي ميتاً أَحياهُ / ينخسفُ البدرُ متى حيّاهُ
وتكسف الشمس أوان الزوالْ /
والشرط في النديم قبل الساقي / كمالُ حُسنِ الخَلْقِ والاخلاقِ
ومن تمام الحظ للرفاقِ / دوامُ هذا الأُنس والوفاقِ
لا سيما إن تكفلِ الجمعَ حالْ /
وأحسنُ الشرابِ في الرياضِ / أو فوق نهرٍ رائقٍ فيّاضِ
والزهر بين غاضبٍ وراضِ / حيث البهارُ زيَّنَ الأراضي
بحلة الأنوار والقلبُ خالْ /
وأَحسن الجلاس وقتَ الخمرِ / ساداتُنا أَربابُ قول الشعرِ
فهم لهم في الذوق كلُّ الأمرِ / ومنهم الآدابُ فيما تدري
بهم عرفنا الرشدَ حالاً وقالْ /
حتى إذا ما أَعرضت عنك الصبا / أَو قد جلا بدرُ التناهي الغيهبا
أَو قد رأَيت اللهو ولَّى مُغضَبا / أَو قد تبدّى العُمر يطوي سبسبا
قم هيّئ الزاد وأَيقن بارتحالْ /
واطلب بهذا جانبَ السلامةْ / واحْسِنْ من التوبة والندامةْ
وسل إلهاً راحماً من رامهْ / عساك تنجي من عنا القيامةْ
فإنه يوم عظيم النكالْ /
وصدق النذير فيما قد نذرْ / وكذب الآمال واستعمل حذرْ
فليس ما بعد الصفا إلا الكدرْ / أَو قل مشاق أَو فراق ينتظرْ
وعلى هذا قد مضى صحبٌ وآلْ /
ثم توسل بالصلاة الدائمةْ / على نبيٍّ قد ترى مكارمَهْ
فودِّعِ النديم والمنادمَهْ / وسل إلهَ الخَلقِ حُسنَ الخاتمهْ
فهو الَّذي يرجى لخير المآلْ /