المجموع : 12
ما لآفاقِكَ يا قلبيَ سوداً حالكاتْ
ما لآفاقِكَ يا قلبيَ سوداً حالكاتْ /
ولأوْرادِكَ بَيْنََ الشَّوْكِ صُفراً ذاوياتْ /
ولأطْياركَ لا تلغو فأينَ النَّغَماتْ /
ما لمِزْمارِكَ لا يشدو بغير الشَهَقاتْ /
ولأوتارِكَ لا تَخْفُقُ إلاَّ شاكِياتْ /
ولأنغامِكَ لا تَنْطُقُ إلاَّ باكِياتْ /
ولقد كانتْ صَباحَ الأمْس بَيْنَ النَّسَماتْ /
كعذارى الغابِ لا تعرِفُ غيرَ البَسَماتْ /
هو ذا يا قلبيَ البَحْرُ وأمواجُ الحياةْ /
هو ذا القارِبُ مشدوداً إلى تِلْكَ الصَّفاةْ /
هو ذا الشاطئُ لكنْ أينَ رُبَّانُكَ ماتْ /
أين أحلامُك يا قلبي لقد فاتَ الفَواتْ /
تِلْكََ أطيارٌ أنيقاتٌ طِرابٌ فرِحاتْ /
غرَّدتْ ثمَّ توارتْ في غياباتِ الحَياةْ /
أَنْتَ يا قلبيَ قلبٌ أنضجَتْهُ الزَّفَراتْ /
أَنْتَ يا قلبيَ عُشُّ نَفَرَتْ عنهُ القَطَاةْ /
فأطارَتْهُ إلى النَّهْرِ الرِّياحُ العاتِياتْ /
فَهو في التيَّار أوراقٌ وأعوادٌ عُراةْ /
أَنْتَ حقلٌ مُجْدبٌ قَدْ هَزَأتْ منه الرُّعاةْ /
أَنْتَ ليلٌ مُعْتِمٌ تَنْدُبُ فيه الباكياتْ /
أَنْتَ كهفٌ مظلِمٌ تأوي إليه البائِساتْ /
أَنْتَ صرْحٌ شادَهُ الحُبُّ على نهرِ الحياةْ /
لِبَناتِ الشِّعْرِ لكنْ قوَّضَتْهُ الحادِثاتْ /
أَنْتَ قبرٌ فيه من أيامِيَ الأولى رُفاتْ /
أَنْتَ عودٌ مزّقت أوتارَه كفُّ الحياةْ /
فهو في وحشته الخَرساءِ بَيْنَ الكائِناتْ /
صامتٌ كالقبرِ إلاَّ من أنينِ الذِّكريات /
أَنْتَ لحنٌ ساحرٌ يَخْبُطُ في التِّيهِ المَواتْ /
أَنْتَ أنشودةُ فَجْرٍ رتَّلَتها الظُّلُماتْ /
أَيُّها السَّاري مع الظُّلْمةِ في غير أناةْ /
مُطرِقاً يَخْبُطُ في الصحراءِ مَكْبوحَ الشَّكاةْ /
تُهْتَ في الدُّنيا وما أُبْتَ بغيرِ الحَسَراتْ /
صلِّ يا قلبي إلى الله فإنَّ الموتَ آتْ /
صَلِّ فالنّازعُ لا تبقى له غيرُ الصَّلاةْ /
للهِ مَا أَحْلى الطُّفولَةَ
للهِ مَا أَحْلى الطُّفولَةَ / إنَّها حلمُ الحياةْ
عهدٌ كَمَعْسولِ الرُّؤَى / مَا بينَ أجنحَةِ السُّبَاتْ
ترنو إلى الدُّنيا / ومَا فيها بعينٍ باسِمَهْ
وتَسيرُ في عَدَواتِ وَادِيها / بنَفْسٍ حَالمهْ
إنَّ الطّفولةَ تهتَزُّ / في قَلْبِ الرَّبيعْ
ريَّانةٌ مِنْ رَيِّقِ الأَنْداءِ / في الفَجْرِ الوَديعْ
غنَّت لها الدُّنيا / أَغاني حبِّها وحُبُورِهَا
فَتَأَوَّدَتْ نَشوى بأَحلامِ / الحَياةِ وَنُورِهَا
إنَّ الطُّفولَةَ حِقْبَةً / شعريَّةٌ بشُعُورِها
وَدُمُوعِها وسُرُورِها / وَطُمُوحِهَا وغُرُورِها
لمْ تمشِ في دنيا الكآبَةِ / والتَّعاسَةِ والعَذابْ
فترى على أضوائِها مَا في / الحَقيقَةِ مِنْ كِذَابْ
غَنِّني أُنْشودَةَ الفَجْرِ الضَّحُوكْ
غَنِّني أُنْشودَةَ الفَجْرِ الضَّحُوكْ / أَيُّها الصَّدَّاحْ
فَلَقَدْ جَرَّعَني صَوْتُ الظَّلامْ /
أَلَماً علَّمَنِي كُرْهَ الحَياةْ /
إنَّ قَلْبِي مَلَّ أَصْداءَ النُّوَاحْ / غَنِّنِي يَا صَاحْ
حَطَّمَتْ كَفُّ الأَسَى قِيثارَتي / فِي يَدِ الأَحْلامْ
فَقَضَتْ صمْتاً أَناشيدُ الغَرامْ /
بَيْنَ أَزْهارِ الخَريفِ الذَّاوِيَهْ /
وتَلاشَتْ في سُكُونِ الإكْتِئَابْ / كَصَدَى الغِرِّيدْ
كُفَّ عَنْ تِلْكَ الأَغاني البَاسِمَهْ / أَيُّها العُصْفُورْ
فَحَيَاتي أَلِفَتْ لَحْنَ الأَسَى /
مِنْ زَمَانٍ قدْ تَقَضَّى وعَسَى /
أَنْ يُثِيرَ الشَّدْوُ في صَمْتِ الفُؤَادْ / أَنَّةَ الأَوْتَارْ
لا تُغَنِّينِي أَغَاريدَ الصَّبَاحْ / بُلْبُلَ الأَفْراحْ
فَفُؤادِي وهوَ مَغْمُورُ الجِرَاحْ /
بتَبَارِيحِ الحَيَاةِ البَاكِيَهْ /
لَيْسَ تَسْتَهْويهِ أَلْحَانُ السُّرُورْ / وأَغَاني النُّورْ
إنَّ مَنْ أَصْغَى إلى صَوْتِ المَنُونْ / وصَدَى الأَجْداثْ
لَيْسَ تَسْتَهْويهِ أَلْحانُ الطُّيُورْ /
بَيْنَ أَزْهارِ الرَّبيعِ السَّاحِرَهْ /
وِابْتِسامَاتِ الحَيَاةِ السَّافِرَهْ / عَنْ جَلاَلِ اللهْ
غَنِّنِي يا صاحِ أَنَّاتِ الجَحِيمْ / واسْقِنِي الآلامْ
أَتْرِعِ الكَأْسَ بأَوْجَاعِ الهُمُومْ /
واسْقِنِي إنِّي كَرِهْتُ الابْتِسَامْ /
غَنِّنِي نَدْبَ الأَمَانِي الخَائِبَهْ / واللَّيالِي السُّودْ
غَنِّنِي صَوْتَ الظَّلامِ المُكْتَئِبْ / إنَّنِي أَهْواهْ
هَاكَ كَأْسَ القَلْبِ فَامْلأْهَا نُوَاحْ /
واسْكُبِ الحُزْنَ بِها حتَّى الصَّبَاحْ /
إنَّها من طِينَةِ الحُزْنِ المَرِيرْ / صَاغَهَا الخَلاّقْ
بِئْسَتِ الأَفْراحُ أَفْراحُ الحَيَاهْ / إنَّها أَحْلاَمْ
تَخْلُبُ اللُّبَّ بأَلْحانٍ عِذابْ /
وأَغَارِيدَ كأَمْلاكِ السَّمَا /
ثُمَّ لا تَلْبَثُ أَنْ تَذْوي كَمَا / تَذْبُلُ الأَزْهارْ
خبِّريني مَا الَّذي خَلْفَ الغُيُومْ / رَبَّةَ الأَحْلامْ
أَفَتَى الهَوْلِ وجَبَّارُ الهُمُومْ /
أَمْ عَرُوسُ الأَمَلِ العَذْبِ الشَّرُودْ /
تَتَهادَى بَيْنَ لأْلاءِ الصَّبَاحْ / كَمَلاَك النُّورْ
أَنَا في دَرْبِ الحَياةِ الغَامِضَهْ / تَائِهٌ حَيْرَانْ
بَيْنَما أُبْصِرُ في وَجْهِ الحَيَاةْ /
ظُلْمَةَ الأَحْزانِ في ظِلِّ الأَلَمْ /
إذْ أَرَى في جَفْنِها نُوراً بَديعْ / بَاسِماً فَتَّانْ
هَا أَنا أَسمَعُ في قَلْبِ الحِيِاةْ / صَيْحَةَ الآلامْ
مُرَّةً تَنْسابُ مِنْ قَلْبٍ حَطيمْ /
مَلأَ الحُزْنُ أَقَاصِيهِ دُمُوعْ /
هَا أَنا أسْمَعُ أَصْواتَ السُّرُورْ / كَضَّتِ الأَيَّامْ
سِرْتُ في الرَّوضِ
سِرْتُ في الرَّوضِ / وقد لاحَتْ تَباشيرُ الصَّباحِ
وجَناحُ الفَجْرِ يومي / نَحْوَ رَبَّاتِ الجَناحِ
والدُّجى يَسْعى رُوَيْداً / سَعْيَ غَيْداءَ رَدَاحِ
ونَسيمُ الصُّبْحِ يَسْري / سَجْسَجاً فَوقَ البِطاحِ
وخَريرُ النَّهْرِ سَكْرا / نٌ وزَهْرُ الرَّوضِ صاحِ
فَرَنَتْ نَحْوَ جَلالِ الكَوْ / نِ جَوْناءُ اللِّياحِ
ثمَّ بانَتْ في سُفو / رٍ فاضِحٍ أيَّ افْتِضاحِ
فاحْتَسَتْ خَمْرَ نَدى الدَّا / مِسِ من كاسِ الأقاحِ
واعْتَلَتْ بَلْقيسُ عَرْشَ / اللَّيلِ في تِلْكََ النَّواحي
ثمَّ مالَتْ لِغُروبٍ / بَعْدَ إضْرامِ الكِفاحِ
واستوى اللَّيلُ بِرَغْمِ الشَّمْ / سِ في العَرْشِ الفُساحِ
هكذا الدَّهرُ بأزياءٍ / غُدُوٍ ورُواحِ
وضياءٍ وظلامٍ / وسُكونٍ وصِياحِ
ونَشيدٍ وفَواحٍ / وانقِباضٍ وانْشِراحِ
إنَّما الدَّهرُ وَميثا / قُ اللَّيالي كَشُجاحِ
كلُّ مَا هبَّ وما دبَّ وما
كلُّ مَا هبَّ وما دبَّ وما / نامَ أَو حامَ على هذا الوُجُودْ
مِنْ طيورٍ وزُهورٍ وشذًى / وينابيعَ وأَغصانٍ تميدْ
وبحار وكهوف وذرى / وبراكين ووديان وبيد
وضياءٍ وظلالٍ ودجًى / وفصولٍ وغيولٍ ورعودْ
وثلوجٍ وضبابٍ عَابرٍ / وأَعاصيرَ وأَمطارٍ تجودْ
وتَعاليمَ ودِينٍ ورؤًى / وأَحاسيسَ وصَمْتٍ ونشيدْ
كلُّها تحيا بقلبي حرَّةً / غَضَّةَ السّحْرِ كأَطفالِ الخُلُودْ
ههُنَا في قلبيَ الرَّحْبِ العميقْ / يرقُصُ الموتُ وأَطيافُ الوجودْ
ههُنَا تَعْصِفُ أَهوالُ الدُّجى / ههُنَا تخفُقُ أَحلامُ الورودْ
ههُنَا تهتُفُ أَصداءُ الفَنا / ههُنَا تُعزَفُ أَلحانُ الخلودْ
ههُنَا تَمْشي الأَماني والهوى / والأَسى في موكبٍ فخْمِ النَّشيدْ
ههُنَا الفجرُ الَّذي لا ينتهي / ههُنَا اللَّيلُ الَّذي لَيْسَ يَبيدْ
ههُنَا ألفُ خِضَمٍّ ثَائرٍ / خالدِ الثَّورَةِ مجهولِ الحُدودْ
ههُنَا في كلِّ آنٍ تَمَّحي / صُوَرُ الدُّنيا وتبدو مِنْ جديدْ
قِفْ قليلاً أَيُّها السَّارِي القَمَرْ
قِفْ قليلاً أَيُّها السَّارِي القَمَرْ / واصْطَبرْ
يَا سَمِيري في أُوَيْقاتِ الكَدَرْ / والضَّجَرْ
واسقِني مِنْ جَدْوَلِ النُّورِ البَديعْ / قَدَحَا
عَلَّني أَفْهَمَ هَيْنُومَ الرَّبيعْ / إِنْ صَحَا
كَمْ فُؤادٍ إذْ تَوَلَّتْهُ الشُّجُونْ / والهمومْ
بُثَّ أَسْلاكَكَ والدَّمْعُ هَتُونْ / مَا يرومْ
إِنْ تَكُنْ تَضْحَكُ سُخْراً بالبَشَرْ / يَا قَمَرْ
فَلَكَمْ أَحْزَنَكَ الدَّهْرُ الخَطِرْ / بالنُّكُرْ
أَيُّها القامُوسُ يا صَوْتَ الحَيَاةْ / وصَدَاهَا
وأَغانيها العِذابَ الشَّادِياتْ / وَنَدَاهَا
مَا لأَمْواجِكَ يُطْغِيهَا الغُرورْ / فَتَثُور
ثُمَّ تَأْوي نحوَ هاتيكَ الصُّخُورْ / كَالكَسيرْ
أَتُراها تَذْكُرَ الأَمْسَ الجَمِيلْ / وَسَلامَهْ
فَتُحَيِّي ذَلِكَ المَجْدَ النَّبِيلْ / بِابتِسَامَهْ
وَتُغَنِّي ثمَّ لا تَلْبَثُ أَنْ / تَحْتَوِيها
لَوْعَةُ اليَوْمِ فَتَبْكِي وَتَئِنُّ / لِشَقَاهَا
في سُكُونِ اللَّيلِ لمَّا
في سُكُونِ اللَّيلِ لمَّا / عانَقَ الكَوْنَ الخُشُوعْ
واخْتَفَى صَوْتُ الأَماني / خَلْفَ آفاقِ الهُجُوعْ
رَتَّلَ الرَّعْدُ نَشيداً / رَدَّدَتْهُ الكائِناتْ
مِثْلَ صَوْتِ الحَقِّ إنْ صا / حَ بأَعْماقِ الحَيَاةْ
يَتَهَادَى بضَجيجٍ / في خَلايا الأَوْدِيَةْ
مَثْلَ جَبَّارِ بني الجِ / نِّ بأَقْصَى الهاوِيَةْ
فسأَلْتُ اللَّيْلَ واللَّيْ / لُ كَئيبٌ ورَهيبْ
شَاخِصاً باللَّيْلِ واللَّيْ / لُ جَميلٌ وغَريبْ
أَتُرى أُنشودَةُ الرَّعْ / دِ أَنينٌ وحَنينْ
رَنَّمَتْها بخُشُوعٍ مُهْجَ / ةُ الكَوْنِ الحَزينْ
أَمْ هيَ القُوَّةُ تَسْعَى / باعْتِسافٍ واصْطِخابْ
يَتَرَاءى في ثَنَايا / صَوْتِها رُوحُ العَذَابْ
غَيْرَ أَنَّ اللَّيْلَ قَدْ / ظَلَّ ركُوداً جَامِداً
صَامِتاً مِثْلَ غَديرِ القَفْ / رِ مِنْ دونِ صَدَى
كُلُّ قلبٍ حَمَلَ الخَسْفَ ومَا
كُلُّ قلبٍ حَمَلَ الخَسْفَ ومَا / مَلَّ مِنْ ذُلِّ الحَيَاةِ الأَرْذَلِ
كُلُّ شعبٍ قَدْ طَغَتْ فيهِ الدِّمَا / دونَ أَنْ يَثْأَرَ للحَقِّ الجَلِي
خَلِّهِ للموتِ يَطْويهِ فمَا / حَظُّهُ غيرُ الفَنَاءِ الأَنْكَلِ
كانَ في قلبيَ فَجْرٌ ونُجُومْ
كانَ في قلبيَ فَجْرٌ ونُجُومْ / وبِحارٌ لا تُغَشِّيها الغُيُومْ
وأَناشيدٌ وأَطْيارٌ تَحُومْ / وَرَبيعٌ مُشْرِقٌ حُلْوٌ جَميلْ
كانَ في قلبيَ صَبَاحٌ وإياهْ / وابتِساماتٌ ولكنْ واأَسَاهْ
آه مَا أَهولَ إعْصَارَ الحياهْ / آه مَا أَشقى قُلُوبَ النَّاسِ آه
كانَ في قلبيَ فجرٌ ونجومْ /
فإذا الكلُّ ظلامٌ وسَدِيمْ /
كانَ في قلبيَ فجرٌ ونُجومْ /
يا بني أُمِّي تُرى أَيْنَ الصبَّاح / قَدْ تقضَّى العُمْرُ والفَجْرُ بعيدْ
وطَغَى الوادي بمَشْبوبِ النواحْ / وانقَضَتْ أُنشودَةُ الفَصْل السَّعيدْ
أَيْنَ نايي هل تَرَامَتْهُ الرِّياحْ / أَيْنَ غابي أَيْنَ محراب السُّجُودْ
خبِّروا قلبي فما أَقسى الجراح / كيف طارتْ نشوَةُ العيشِ الحَميدْ
يا بني أُمِّي تُرى أَيْنَ الصَّباح /
أَوَراءَ البَحْرِ أَمْ خلفَ الوُجُودْ /
يا بني أُمِّي تُرى أَيْنَ الصَّباحْ /
ليتَ شِعري هلْ ستُسْليني الغداةْ / وتعزِّيني عن الأَمسِ الفَقيدْ
وتُريني أنَّ أَفراحَ الحَيَاةْ / زُمَرٌ تمضي وأَفواجٌ تَعودْ
فإذا قلبي صَباحٌ وإياه / وإذا أَحلاميَ الأولى وُرُودْ
وإذا الشُّحْرورُ حُلْوُ النَّغمات / وإذا الغابُ ضِياءٌ وَنَشيدْ
ليتَ شِعري هلْ ستُسْليني الغداةْ /
أم سَتَنْسَاني وتبقيني وَحيدْ /
ليتَ شِعري هل تُعَزِّيني الغَدَاةْ /
رَفْرَفَتْ في دُجْيَةِ اللَّيْلِ الحَزينْ
رَفْرَفَتْ في دُجْيَةِ اللَّيْلِ الحَزينْ / زُمرةُ الأَحْلامْ
فَوْقَ سِرْبٍ من غَمَاماتِ الشُّجُونْ / مِلْؤُها الآلامْ
شَخَصَتْ لمَّا رَأَتْ عَيْنُ النُّجُومْ / بَعْثَةَ العُشَّاقْ
وَرَمَتْها مِنْ سَمَاها بِرُجُومْ / تَسْكُبُ الأَحْراقْ
كنتُ إذْ ذاكَ على ثَوْبِ السُّكُون / أَنْثُرُ الأَحْزانْ
والهَوَى يَسْكُبُ أَصْداءَ المَنُونْ / في فُؤادٍ فَانْ
سَاكِتاً مِثْلَ جَميعِ الكَائِناتْ / رَاكِدَ الأَلْحانْ
هائِمٌ قَلْبي بأَعْماقِ الحَيَاةْ / تَائِهٌ حَيْرانْ
إنَّ للحُبِّ على النَّاسِ يَدا / تَقْصِفُ الأَعْمارْ
وَلَهُ فَجْرٌ على طُولِ المدى / سَاطِعُ الأَنْوارْ
ثَوْرَةُ الشَّرِّ وأَحْلامُ السَّلامْ / وجَمالُ النُّورْ
وابتسامُ الفَجْرِ في حُزْنِ الظَّلامْ / في العُيونِ الحُورْ
لَسْتُ يا أَمْسِيَ أَبكيكَ
لَسْتُ يا أَمْسِيَ أَبكيكَ / لِمجدٍ أَو لجاهْ
سلَبَتْهُ منِّيَ الدُّنيا / وبزَّتْني رداهْ
فأَنا أَحتقرُ المجدَ / وأَوهامَ الحَياهْ
أَو لعُمْرٍ بَلَغَتْ منهُ / اللَّيالي مُنْتهَاهْ
وتَلاشَتْ في خِضَمِّ / الزَّمنِ الطَّاغي قواهْ
فأَنا مَا زلتُ في / فَجْرِ شبابي أَو ضُحَاهْ
لا ولا أَبكيكَ يا أَمسي / إِذا مَا قلتُ آهْ
لنَعيمٍ لم يَنَلْ / قلبيَ منهُ مُشْتَهَاهْ
فبنو الأَيَّامِ في الدُّنيا / كما شاءَ الإِلهْ
إنَّما أَبكيكَ للحبِّ / الَّذي كانَ بَهَاهْ
يملأُ الدُّنيا فأَنَّى سِرْتُ / في الدُّنيا أَراهْ
فإذا مَا لاحَ فجرٌ / كانَ في الفجرِ سَنَاهْ
وإذا غرَّدَ طيرٌ / كانَ في الشَّدوِ صَدَاهْ
وإذا مَا ضاعَ عِطْرٌ / كانَ في العِطْرِ شَذَاهْ
وإذا مَا رفَّ زهرٌ / كانَ في الزَّهرِ صِبَاهْ
فهْو في الكونِ جمالٌ / يملأُ الأُفْقَ ضِيَاهْ
وتُوَشِّي هذه الأَكوانَ / بالسِّحْرِ رُؤَاهْ
وهو في قلبي الَّذي / عانَقَهُ الفَجْرُ إِلَهْ
عبْقرِيُّ السِّحْرِ ممراحٌ / وديعٌ في سَمَاهْ
يَنْسجُ الأَحلامَ في قلبي / بِأَضْواءِ الحَيَاهْ
ويُغَنِّيني فأنسى / في مَسَرَّاتِ غِنَاهْ
كلَّ مَا في الكونِ / مِنْ حُزنٍ وأَفراحٍ عَدَاهْ
أَقْبَلَ الصُّبْحُ يُغنِّي
أَقْبَلَ الصُّبْحُ يُغنِّي / للحياةِ النَّاعِسَهْ
والرُّبى تَحلمُ في ظِلِّ / الغُصونِ المائِسَهْ
والصَّبا تُرْقِصُ أَوراقَ / الزُّهورِ اليابسَهْ
وتَهادى النُّورَ في / تِلْكَ الفِجاجِ الدَّامسَهْ
أَقبلَ الصُّبْحُ جميلاً / يملأُ الأُفْقَ بَهَاهْ
فتَمَطَّى الزَّهرُ والطَّيْرُ / وأَمواجُ المياهْ
قَدْ أَفاقَ العالم الحيُّ / وغَنَّى للحياهْ
فأَفيقي يا خِرافي / وهَلُمِّي يا شِياهْ
واتبعِيني يا شِياهي / بَيْنَ أَسرابِ الطُّيورْ
واملإِي الوادي ثُغاءً / ومِراحاً وحُبُورْ
واسمعي هَمْسَ السَّواقي / وانشقي عِطْرَ الزُّهُورْ
وانظري الوادي يُغَشِّيهِ / الضَّبابُ المُسْتَنيرْ
واقطُفي من كلإِ الأَرضِ / ومَرعاها الجَديدْ
واسمعي شبَّابتي تَشْدُو / بمعسولِ النَّشيدْ
نَغَمٌ يَصْعَدُ مِنْ قلبي / كأَنفاسِ الوُرودْ
ثمَّ يَسْمو طائراً كالبلبلِ / الشَّادي السَّعيدْ
وإذا جئْنا إلى الغابِ / وغطَّانا الشَّجَرْ
فاقطُفي مَا شئْتِ مِنْ عُشْبٍ / وزهرٍ وثَمَرْ
أرضَعَتْهُ الشَّمسُ بالضَّوءِ / وغذَّاهُ القَمَرْ
وارتَوَى مِنْ قَطَراتِ الظَّلِّ / في وقتِ السَّحَرْ
وامْرَحي مَا شئتِ في الوديانِ / أَو فَوْقَ التِّلالْ
واربضي في ظلِّها الوارِفِ / إنْ خِفْتِ الكَلالْ
وامْضَغي الأَعشابَ والأَفكارَ / في صَمْتِ الظِّلالْ
واسمعي الرِّيحَ تُغَنِّي / في شَمَاريخِ الجِبَالْ
إنَّ في الغابِ أَزاهيراً / وأَعشاباً عِذابْ
يُنشِدُ النَّحْلُ حوالَيْها / أَهازيجاً طِرابْ
لمْ تُدَنِّسْ عِطرها الطَّاهرِ / أَنفاسَ الذِّئابْ
لا ولا طافَ بها الثَّعْلَبُ / في بعضِ الصِّحابْ
وشذاً حلواً وسِحْراً / وسَلاماً وظِلالْ
ونَسيماً ساحرَ الخطوَةِ / مَوْفُورَ الدَّلالْ
وغُصوناً يرقُصُ النُّورُ / عليها والجَمالْ
واخضراراً أَبديًّا / لَيْسَ تَمحوهُ اللَّيالْ
لن تَملِّي يا خِرافي / في حِمى الغابِ الظَّليلْ
فزَمَانُ الغابِ طفلٌ لاعبٌ / عَذْبٌ جميلْ
وزمانُ النَّاسِ شَيْخٌ / عابِسُ الوجهِ ثَقيلْ
يتمشَّى في مَلالٍ / فَوْقَ هاتيكَ السُّهولْ
لكِ في الغاباتِ مرعاكِ / ومَسْعاكِ الجميلْ
وليَ الإِنْشادُ والعَزْفُ / إلى وَقْتِ الأَصيلْ
فإذا طالتْ ظِلالُ الكَلإِ / الغضِّ الضَّئيلْ
فهلمِّي نُرْجِعِ المَسْعَى / إلى الحيِّ النَّبيلْ