القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أبو القاسم الشابي الكل
المجموع : 12
ما لآفاقِكَ يا قلبيَ سوداً حالكاتْ
ما لآفاقِكَ يا قلبيَ سوداً حالكاتْ /
ولأوْرادِكَ بَيْنََ الشَّوْكِ صُفراً ذاوياتْ /
ولأطْياركَ لا تلغو فأينَ النَّغَماتْ /
ما لمِزْمارِكَ لا يشدو بغير الشَهَقاتْ /
ولأوتارِكَ لا تَخْفُقُ إلاَّ شاكِياتْ /
ولأنغامِكَ لا تَنْطُقُ إلاَّ باكِياتْ /
ولقد كانتْ صَباحَ الأمْس بَيْنَ النَّسَماتْ /
كعذارى الغابِ لا تعرِفُ غيرَ البَسَماتْ /
هو ذا يا قلبيَ البَحْرُ وأمواجُ الحياةْ /
هو ذا القارِبُ مشدوداً إلى تِلْكَ الصَّفاةْ /
هو ذا الشاطئُ لكنْ أينَ رُبَّانُكَ ماتْ /
أين أحلامُك يا قلبي لقد فاتَ الفَواتْ /
تِلْكََ أطيارٌ أنيقاتٌ طِرابٌ فرِحاتْ /
غرَّدتْ ثمَّ توارتْ في غياباتِ الحَياةْ /
أَنْتَ يا قلبيَ قلبٌ أنضجَتْهُ الزَّفَراتْ /
أَنْتَ يا قلبيَ عُشُّ نَفَرَتْ عنهُ القَطَاةْ /
فأطارَتْهُ إلى النَّهْرِ الرِّياحُ العاتِياتْ /
فَهو في التيَّار أوراقٌ وأعوادٌ عُراةْ /
أَنْتَ حقلٌ مُجْدبٌ قَدْ هَزَأتْ منه الرُّعاةْ /
أَنْتَ ليلٌ مُعْتِمٌ تَنْدُبُ فيه الباكياتْ /
أَنْتَ كهفٌ مظلِمٌ تأوي إليه البائِساتْ /
أَنْتَ صرْحٌ شادَهُ الحُبُّ على نهرِ الحياةْ /
لِبَناتِ الشِّعْرِ لكنْ قوَّضَتْهُ الحادِثاتْ /
أَنْتَ قبرٌ فيه من أيامِيَ الأولى رُفاتْ /
أَنْتَ عودٌ مزّقت أوتارَه كفُّ الحياةْ /
فهو في وحشته الخَرساءِ بَيْنَ الكائِناتْ /
صامتٌ كالقبرِ إلاَّ من أنينِ الذِّكريات /
أَنْتَ لحنٌ ساحرٌ يَخْبُطُ في التِّيهِ المَواتْ /
أَنْتَ أنشودةُ فَجْرٍ رتَّلَتها الظُّلُماتْ /
أَيُّها السَّاري مع الظُّلْمةِ في غير أناةْ /
مُطرِقاً يَخْبُطُ في الصحراءِ مَكْبوحَ الشَّكاةْ /
تُهْتَ في الدُّنيا وما أُبْتَ بغيرِ الحَسَراتْ /
صلِّ يا قلبي إلى الله فإنَّ الموتَ آتْ /
صَلِّ فالنّازعُ لا تبقى له غيرُ الصَّلاةْ /
للهِ مَا أَحْلى الطُّفولَةَ
للهِ مَا أَحْلى الطُّفولَةَ / إنَّها حلمُ الحياةْ
عهدٌ كَمَعْسولِ الرُّؤَى / مَا بينَ أجنحَةِ السُّبَاتْ
ترنو إلى الدُّنيا / ومَا فيها بعينٍ باسِمَهْ
وتَسيرُ في عَدَواتِ وَادِيها / بنَفْسٍ حَالمهْ
إنَّ الطّفولةَ تهتَزُّ / في قَلْبِ الرَّبيعْ
ريَّانةٌ مِنْ رَيِّقِ الأَنْداءِ / في الفَجْرِ الوَديعْ
غنَّت لها الدُّنيا / أَغاني حبِّها وحُبُورِهَا
فَتَأَوَّدَتْ نَشوى بأَحلامِ / الحَياةِ وَنُورِهَا
إنَّ الطُّفولَةَ حِقْبَةً / شعريَّةٌ بشُعُورِها
وَدُمُوعِها وسُرُورِها / وَطُمُوحِهَا وغُرُورِها
لمْ تمشِ في دنيا الكآبَةِ / والتَّعاسَةِ والعَذابْ
فترى على أضوائِها مَا في / الحَقيقَةِ مِنْ كِذَابْ
غَنِّني أُنْشودَةَ الفَجْرِ الضَّحُوكْ
غَنِّني أُنْشودَةَ الفَجْرِ الضَّحُوكْ / أَيُّها الصَّدَّاحْ
فَلَقَدْ جَرَّعَني صَوْتُ الظَّلامْ /
أَلَماً علَّمَنِي كُرْهَ الحَياةْ /
إنَّ قَلْبِي مَلَّ أَصْداءَ النُّوَاحْ / غَنِّنِي يَا صَاحْ
حَطَّمَتْ كَفُّ الأَسَى قِيثارَتي / فِي يَدِ الأَحْلامْ
فَقَضَتْ صمْتاً أَناشيدُ الغَرامْ /
بَيْنَ أَزْهارِ الخَريفِ الذَّاوِيَهْ /
وتَلاشَتْ في سُكُونِ الإكْتِئَابْ / كَصَدَى الغِرِّيدْ
كُفَّ عَنْ تِلْكَ الأَغاني البَاسِمَهْ / أَيُّها العُصْفُورْ
فَحَيَاتي أَلِفَتْ لَحْنَ الأَسَى /
مِنْ زَمَانٍ قدْ تَقَضَّى وعَسَى /
أَنْ يُثِيرَ الشَّدْوُ في صَمْتِ الفُؤَادْ / أَنَّةَ الأَوْتَارْ
لا تُغَنِّينِي أَغَاريدَ الصَّبَاحْ / بُلْبُلَ الأَفْراحْ
فَفُؤادِي وهوَ مَغْمُورُ الجِرَاحْ /
بتَبَارِيحِ الحَيَاةِ البَاكِيَهْ /
لَيْسَ تَسْتَهْويهِ أَلْحَانُ السُّرُورْ / وأَغَاني النُّورْ
إنَّ مَنْ أَصْغَى إلى صَوْتِ المَنُونْ / وصَدَى الأَجْداثْ
لَيْسَ تَسْتَهْويهِ أَلْحانُ الطُّيُورْ /
بَيْنَ أَزْهارِ الرَّبيعِ السَّاحِرَهْ /
وِابْتِسامَاتِ الحَيَاةِ السَّافِرَهْ / عَنْ جَلاَلِ اللهْ
غَنِّنِي يا صاحِ أَنَّاتِ الجَحِيمْ / واسْقِنِي الآلامْ
أَتْرِعِ الكَأْسَ بأَوْجَاعِ الهُمُومْ /
واسْقِنِي إنِّي كَرِهْتُ الابْتِسَامْ /
غَنِّنِي نَدْبَ الأَمَانِي الخَائِبَهْ / واللَّيالِي السُّودْ
غَنِّنِي صَوْتَ الظَّلامِ المُكْتَئِبْ / إنَّنِي أَهْواهْ
هَاكَ كَأْسَ القَلْبِ فَامْلأْهَا نُوَاحْ /
واسْكُبِ الحُزْنَ بِها حتَّى الصَّبَاحْ /
إنَّها من طِينَةِ الحُزْنِ المَرِيرْ / صَاغَهَا الخَلاّقْ
بِئْسَتِ الأَفْراحُ أَفْراحُ الحَيَاهْ / إنَّها أَحْلاَمْ
تَخْلُبُ اللُّبَّ بأَلْحانٍ عِذابْ /
وأَغَارِيدَ كأَمْلاكِ السَّمَا /
ثُمَّ لا تَلْبَثُ أَنْ تَذْوي كَمَا / تَذْبُلُ الأَزْهارْ
خبِّريني مَا الَّذي خَلْفَ الغُيُومْ / رَبَّةَ الأَحْلامْ
أَفَتَى الهَوْلِ وجَبَّارُ الهُمُومْ /
أَمْ عَرُوسُ الأَمَلِ العَذْبِ الشَّرُودْ /
تَتَهادَى بَيْنَ لأْلاءِ الصَّبَاحْ / كَمَلاَك النُّورْ
أَنَا في دَرْبِ الحَياةِ الغَامِضَهْ / تَائِهٌ حَيْرَانْ
بَيْنَما أُبْصِرُ في وَجْهِ الحَيَاةْ /
ظُلْمَةَ الأَحْزانِ في ظِلِّ الأَلَمْ /
إذْ أَرَى في جَفْنِها نُوراً بَديعْ / بَاسِماً فَتَّانْ
هَا أَنا أَسمَعُ في قَلْبِ الحِيِاةْ / صَيْحَةَ الآلامْ
مُرَّةً تَنْسابُ مِنْ قَلْبٍ حَطيمْ /
مَلأَ الحُزْنُ أَقَاصِيهِ دُمُوعْ /
هَا أَنا أسْمَعُ أَصْواتَ السُّرُورْ / كَضَّتِ الأَيَّامْ
سِرْتُ في الرَّوضِ
سِرْتُ في الرَّوضِ / وقد لاحَتْ تَباشيرُ الصَّباحِ
وجَناحُ الفَجْرِ يومي / نَحْوَ رَبَّاتِ الجَناحِ
والدُّجى يَسْعى رُوَيْداً / سَعْيَ غَيْداءَ رَدَاحِ
ونَسيمُ الصُّبْحِ يَسْري / سَجْسَجاً فَوقَ البِطاحِ
وخَريرُ النَّهْرِ سَكْرا / نٌ وزَهْرُ الرَّوضِ صاحِ
فَرَنَتْ نَحْوَ جَلالِ الكَوْ / نِ جَوْناءُ اللِّياحِ
ثمَّ بانَتْ في سُفو / رٍ فاضِحٍ أيَّ افْتِضاحِ
فاحْتَسَتْ خَمْرَ نَدى الدَّا / مِسِ من كاسِ الأقاحِ
واعْتَلَتْ بَلْقيسُ عَرْشَ / اللَّيلِ في تِلْكََ النَّواحي
ثمَّ مالَتْ لِغُروبٍ / بَعْدَ إضْرامِ الكِفاحِ
واستوى اللَّيلُ بِرَغْمِ الشَّمْ / سِ في العَرْشِ الفُساحِ
هكذا الدَّهرُ بأزياءٍ / غُدُوٍ ورُواحِ
وضياءٍ وظلامٍ / وسُكونٍ وصِياحِ
ونَشيدٍ وفَواحٍ / وانقِباضٍ وانْشِراحِ
إنَّما الدَّهرُ وَميثا / قُ اللَّيالي كَشُجاحِ
كلُّ مَا هبَّ وما دبَّ وما
كلُّ مَا هبَّ وما دبَّ وما / نامَ أَو حامَ على هذا الوُجُودْ
مِنْ طيورٍ وزُهورٍ وشذًى / وينابيعَ وأَغصانٍ تميدْ
وبحار وكهوف وذرى / وبراكين ووديان وبيد
وضياءٍ وظلالٍ ودجًى / وفصولٍ وغيولٍ ورعودْ
وثلوجٍ وضبابٍ عَابرٍ / وأَعاصيرَ وأَمطارٍ تجودْ
وتَعاليمَ ودِينٍ ورؤًى / وأَحاسيسَ وصَمْتٍ ونشيدْ
كلُّها تحيا بقلبي حرَّةً / غَضَّةَ السّحْرِ كأَطفالِ الخُلُودْ
ههُنَا في قلبيَ الرَّحْبِ العميقْ / يرقُصُ الموتُ وأَطيافُ الوجودْ
ههُنَا تَعْصِفُ أَهوالُ الدُّجى / ههُنَا تخفُقُ أَحلامُ الورودْ
ههُنَا تهتُفُ أَصداءُ الفَنا / ههُنَا تُعزَفُ أَلحانُ الخلودْ
ههُنَا تَمْشي الأَماني والهوى / والأَسى في موكبٍ فخْمِ النَّشيدْ
ههُنَا الفجرُ الَّذي لا ينتهي / ههُنَا اللَّيلُ الَّذي لَيْسَ يَبيدْ
ههُنَا ألفُ خِضَمٍّ ثَائرٍ / خالدِ الثَّورَةِ مجهولِ الحُدودْ
ههُنَا في كلِّ آنٍ تَمَّحي / صُوَرُ الدُّنيا وتبدو مِنْ جديدْ
قِفْ قليلاً أَيُّها السَّارِي القَمَرْ
قِفْ قليلاً أَيُّها السَّارِي القَمَرْ / واصْطَبرْ
يَا سَمِيري في أُوَيْقاتِ الكَدَرْ / والضَّجَرْ
واسقِني مِنْ جَدْوَلِ النُّورِ البَديعْ / قَدَحَا
عَلَّني أَفْهَمَ هَيْنُومَ الرَّبيعْ / إِنْ صَحَا
كَمْ فُؤادٍ إذْ تَوَلَّتْهُ الشُّجُونْ / والهمومْ
بُثَّ أَسْلاكَكَ والدَّمْعُ هَتُونْ / مَا يرومْ
إِنْ تَكُنْ تَضْحَكُ سُخْراً بالبَشَرْ / يَا قَمَرْ
فَلَكَمْ أَحْزَنَكَ الدَّهْرُ الخَطِرْ / بالنُّكُرْ
أَيُّها القامُوسُ يا صَوْتَ الحَيَاةْ / وصَدَاهَا
وأَغانيها العِذابَ الشَّادِياتْ / وَنَدَاهَا
مَا لأَمْواجِكَ يُطْغِيهَا الغُرورْ / فَتَثُور
ثُمَّ تَأْوي نحوَ هاتيكَ الصُّخُورْ / كَالكَسيرْ
أَتُراها تَذْكُرَ الأَمْسَ الجَمِيلْ / وَسَلامَهْ
فَتُحَيِّي ذَلِكَ المَجْدَ النَّبِيلْ / بِابتِسَامَهْ
وَتُغَنِّي ثمَّ لا تَلْبَثُ أَنْ / تَحْتَوِيها
لَوْعَةُ اليَوْمِ فَتَبْكِي وَتَئِنُّ / لِشَقَاهَا
في سُكُونِ اللَّيلِ لمَّا
في سُكُونِ اللَّيلِ لمَّا / عانَقَ الكَوْنَ الخُشُوعْ
واخْتَفَى صَوْتُ الأَماني / خَلْفَ آفاقِ الهُجُوعْ
رَتَّلَ الرَّعْدُ نَشيداً / رَدَّدَتْهُ الكائِناتْ
مِثْلَ صَوْتِ الحَقِّ إنْ صا / حَ بأَعْماقِ الحَيَاةْ
يَتَهَادَى بضَجيجٍ / في خَلايا الأَوْدِيَةْ
مَثْلَ جَبَّارِ بني الجِ / نِّ بأَقْصَى الهاوِيَةْ
فسأَلْتُ اللَّيْلَ واللَّيْ / لُ كَئيبٌ ورَهيبْ
شَاخِصاً باللَّيْلِ واللَّيْ / لُ جَميلٌ وغَريبْ
أَتُرى أُنشودَةُ الرَّعْ / دِ أَنينٌ وحَنينْ
رَنَّمَتْها بخُشُوعٍ مُهْجَ / ةُ الكَوْنِ الحَزينْ
أَمْ هيَ القُوَّةُ تَسْعَى / باعْتِسافٍ واصْطِخابْ
يَتَرَاءى في ثَنَايا / صَوْتِها رُوحُ العَذَابْ
غَيْرَ أَنَّ اللَّيْلَ قَدْ / ظَلَّ ركُوداً جَامِداً
صَامِتاً مِثْلَ غَديرِ القَفْ / رِ مِنْ دونِ صَدَى
كُلُّ قلبٍ حَمَلَ الخَسْفَ ومَا
كُلُّ قلبٍ حَمَلَ الخَسْفَ ومَا / مَلَّ مِنْ ذُلِّ الحَيَاةِ الأَرْذَلِ
كُلُّ شعبٍ قَدْ طَغَتْ فيهِ الدِّمَا / دونَ أَنْ يَثْأَرَ للحَقِّ الجَلِي
خَلِّهِ للموتِ يَطْويهِ فمَا / حَظُّهُ غيرُ الفَنَاءِ الأَنْكَلِ
كانَ في قلبيَ فَجْرٌ ونُجُومْ
كانَ في قلبيَ فَجْرٌ ونُجُومْ / وبِحارٌ لا تُغَشِّيها الغُيُومْ
وأَناشيدٌ وأَطْيارٌ تَحُومْ / وَرَبيعٌ مُشْرِقٌ حُلْوٌ جَميلْ
كانَ في قلبيَ صَبَاحٌ وإياهْ / وابتِساماتٌ ولكنْ واأَسَاهْ
آه مَا أَهولَ إعْصَارَ الحياهْ / آه مَا أَشقى قُلُوبَ النَّاسِ آه
كانَ في قلبيَ فجرٌ ونجومْ /
فإذا الكلُّ ظلامٌ وسَدِيمْ /
كانَ في قلبيَ فجرٌ ونُجومْ /
يا بني أُمِّي تُرى أَيْنَ الصبَّاح / قَدْ تقضَّى العُمْرُ والفَجْرُ بعيدْ
وطَغَى الوادي بمَشْبوبِ النواحْ / وانقَضَتْ أُنشودَةُ الفَصْل السَّعيدْ
أَيْنَ نايي هل تَرَامَتْهُ الرِّياحْ / أَيْنَ غابي أَيْنَ محراب السُّجُودْ
خبِّروا قلبي فما أَقسى الجراح / كيف طارتْ نشوَةُ العيشِ الحَميدْ
يا بني أُمِّي تُرى أَيْنَ الصَّباح /
أَوَراءَ البَحْرِ أَمْ خلفَ الوُجُودْ /
يا بني أُمِّي تُرى أَيْنَ الصَّباحْ /
ليتَ شِعري هلْ ستُسْليني الغداةْ / وتعزِّيني عن الأَمسِ الفَقيدْ
وتُريني أنَّ أَفراحَ الحَيَاةْ / زُمَرٌ تمضي وأَفواجٌ تَعودْ
فإذا قلبي صَباحٌ وإياه / وإذا أَحلاميَ الأولى وُرُودْ
وإذا الشُّحْرورُ حُلْوُ النَّغمات / وإذا الغابُ ضِياءٌ وَنَشيدْ
ليتَ شِعري هلْ ستُسْليني الغداةْ /
أم سَتَنْسَاني وتبقيني وَحيدْ /
ليتَ شِعري هل تُعَزِّيني الغَدَاةْ /
رَفْرَفَتْ في دُجْيَةِ اللَّيْلِ الحَزينْ
رَفْرَفَتْ في دُجْيَةِ اللَّيْلِ الحَزينْ / زُمرةُ الأَحْلامْ
فَوْقَ سِرْبٍ من غَمَاماتِ الشُّجُونْ / مِلْؤُها الآلامْ
شَخَصَتْ لمَّا رَأَتْ عَيْنُ النُّجُومْ / بَعْثَةَ العُشَّاقْ
وَرَمَتْها مِنْ سَمَاها بِرُجُومْ / تَسْكُبُ الأَحْراقْ
كنتُ إذْ ذاكَ على ثَوْبِ السُّكُون / أَنْثُرُ الأَحْزانْ
والهَوَى يَسْكُبُ أَصْداءَ المَنُونْ / في فُؤادٍ فَانْ
سَاكِتاً مِثْلَ جَميعِ الكَائِناتْ / رَاكِدَ الأَلْحانْ
هائِمٌ قَلْبي بأَعْماقِ الحَيَاةْ / تَائِهٌ حَيْرانْ
إنَّ للحُبِّ على النَّاسِ يَدا / تَقْصِفُ الأَعْمارْ
وَلَهُ فَجْرٌ على طُولِ المدى / سَاطِعُ الأَنْوارْ
ثَوْرَةُ الشَّرِّ وأَحْلامُ السَّلامْ / وجَمالُ النُّورْ
وابتسامُ الفَجْرِ في حُزْنِ الظَّلامْ / في العُيونِ الحُورْ
لَسْتُ يا أَمْسِيَ أَبكيكَ
لَسْتُ يا أَمْسِيَ أَبكيكَ / لِمجدٍ أَو لجاهْ
سلَبَتْهُ منِّيَ الدُّنيا / وبزَّتْني رداهْ
فأَنا أَحتقرُ المجدَ / وأَوهامَ الحَياهْ
أَو لعُمْرٍ بَلَغَتْ منهُ / اللَّيالي مُنْتهَاهْ
وتَلاشَتْ في خِضَمِّ / الزَّمنِ الطَّاغي قواهْ
فأَنا مَا زلتُ في / فَجْرِ شبابي أَو ضُحَاهْ
لا ولا أَبكيكَ يا أَمسي / إِذا مَا قلتُ آهْ
لنَعيمٍ لم يَنَلْ / قلبيَ منهُ مُشْتَهَاهْ
فبنو الأَيَّامِ في الدُّنيا / كما شاءَ الإِلهْ
إنَّما أَبكيكَ للحبِّ / الَّذي كانَ بَهَاهْ
يملأُ الدُّنيا فأَنَّى سِرْتُ / في الدُّنيا أَراهْ
فإذا مَا لاحَ فجرٌ / كانَ في الفجرِ سَنَاهْ
وإذا غرَّدَ طيرٌ / كانَ في الشَّدوِ صَدَاهْ
وإذا مَا ضاعَ عِطْرٌ / كانَ في العِطْرِ شَذَاهْ
وإذا مَا رفَّ زهرٌ / كانَ في الزَّهرِ صِبَاهْ
فهْو في الكونِ جمالٌ / يملأُ الأُفْقَ ضِيَاهْ
وتُوَشِّي هذه الأَكوانَ / بالسِّحْرِ رُؤَاهْ
وهو في قلبي الَّذي / عانَقَهُ الفَجْرُ إِلَهْ
عبْقرِيُّ السِّحْرِ ممراحٌ / وديعٌ في سَمَاهْ
يَنْسجُ الأَحلامَ في قلبي / بِأَضْواءِ الحَيَاهْ
ويُغَنِّيني فأنسى / في مَسَرَّاتِ غِنَاهْ
كلَّ مَا في الكونِ / مِنْ حُزنٍ وأَفراحٍ عَدَاهْ
أَقْبَلَ الصُّبْحُ يُغنِّي
أَقْبَلَ الصُّبْحُ يُغنِّي / للحياةِ النَّاعِسَهْ
والرُّبى تَحلمُ في ظِلِّ / الغُصونِ المائِسَهْ
والصَّبا تُرْقِصُ أَوراقَ / الزُّهورِ اليابسَهْ
وتَهادى النُّورَ في / تِلْكَ الفِجاجِ الدَّامسَهْ
أَقبلَ الصُّبْحُ جميلاً / يملأُ الأُفْقَ بَهَاهْ
فتَمَطَّى الزَّهرُ والطَّيْرُ / وأَمواجُ المياهْ
قَدْ أَفاقَ العالم الحيُّ / وغَنَّى للحياهْ
فأَفيقي يا خِرافي / وهَلُمِّي يا شِياهْ
واتبعِيني يا شِياهي / بَيْنَ أَسرابِ الطُّيورْ
واملإِي الوادي ثُغاءً / ومِراحاً وحُبُورْ
واسمعي هَمْسَ السَّواقي / وانشقي عِطْرَ الزُّهُورْ
وانظري الوادي يُغَشِّيهِ / الضَّبابُ المُسْتَنيرْ
واقطُفي من كلإِ الأَرضِ / ومَرعاها الجَديدْ
واسمعي شبَّابتي تَشْدُو / بمعسولِ النَّشيدْ
نَغَمٌ يَصْعَدُ مِنْ قلبي / كأَنفاسِ الوُرودْ
ثمَّ يَسْمو طائراً كالبلبلِ / الشَّادي السَّعيدْ
وإذا جئْنا إلى الغابِ / وغطَّانا الشَّجَرْ
فاقطُفي مَا شئْتِ مِنْ عُشْبٍ / وزهرٍ وثَمَرْ
أرضَعَتْهُ الشَّمسُ بالضَّوءِ / وغذَّاهُ القَمَرْ
وارتَوَى مِنْ قَطَراتِ الظَّلِّ / في وقتِ السَّحَرْ
وامْرَحي مَا شئتِ في الوديانِ / أَو فَوْقَ التِّلالْ
واربضي في ظلِّها الوارِفِ / إنْ خِفْتِ الكَلالْ
وامْضَغي الأَعشابَ والأَفكارَ / في صَمْتِ الظِّلالْ
واسمعي الرِّيحَ تُغَنِّي / في شَمَاريخِ الجِبَالْ
إنَّ في الغابِ أَزاهيراً / وأَعشاباً عِذابْ
يُنشِدُ النَّحْلُ حوالَيْها / أَهازيجاً طِرابْ
لمْ تُدَنِّسْ عِطرها الطَّاهرِ / أَنفاسَ الذِّئابْ
لا ولا طافَ بها الثَّعْلَبُ / في بعضِ الصِّحابْ
وشذاً حلواً وسِحْراً / وسَلاماً وظِلالْ
ونَسيماً ساحرَ الخطوَةِ / مَوْفُورَ الدَّلالْ
وغُصوناً يرقُصُ النُّورُ / عليها والجَمالْ
واخضراراً أَبديًّا / لَيْسَ تَمحوهُ اللَّيالْ
لن تَملِّي يا خِرافي / في حِمى الغابِ الظَّليلْ
فزَمَانُ الغابِ طفلٌ لاعبٌ / عَذْبٌ جميلْ
وزمانُ النَّاسِ شَيْخٌ / عابِسُ الوجهِ ثَقيلْ
يتمشَّى في مَلالٍ / فَوْقَ هاتيكَ السُّهولْ
لكِ في الغاباتِ مرعاكِ / ومَسْعاكِ الجميلْ
وليَ الإِنْشادُ والعَزْفُ / إلى وَقْتِ الأَصيلْ
فإذا طالتْ ظِلالُ الكَلإِ / الغضِّ الضَّئيلْ
فهلمِّي نُرْجِعِ المَسْعَى / إلى الحيِّ النَّبيلْ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025