المجموع : 6
قسَماً منّي بأيام الصَّفاء
قسَماً منّي بأيام الصَّفاء / وبجَمْع الدّهرِ شَمْلَ القُرناءِ
وبتأميلِيَ منهم عودةً / لا أطعْتُ الشّوقَ في طُولِ البكاء
إنمّا أَذْخرُ عيْني لغَدٍ / إنْ قَضى اللهُ بوَشْك الالتقاء
ليسَ يشفى غيرُ عيني عِلَلي / إنْ تدانى الحَيُّ من بعدِ التّنائي
خَلِّها تَثْنِ إليهم نّظْرةً / ثمّ هَبْها عندهم للبُشَراء
لو يُفادّون بعُمْري منهمُ / يومَ وصلٍ لم يكنْ غالِي الفداء
أصفياءٌ كَدَّروا عيَشْي نوى / كيف يصْفو العيشُ دونَ الأصفياء
كم تجلَّدْتُ وما بي جَلَدٌ / وتصنّعْتُ وقد عَزَّ عزائي
جاحِداً وَجْدي بهم من حَذَرٍ / حين تَرميني عيونُ الرُّقَباء
وإذا ما سَبقتْني عَبرةٌ / عندهم غطَّيتُ وجْهي برِدائي
وإذا اليأسُ أَعَلَّ القلبَ لي / قلتُ للقلبِ تَعَلّلْ بالرّجاء
فأدالَ اللهُ من جَورِ النَّوى / بدُنُوِّ الدّارِ بعد العدواء
وانتَهى الحالُ إلى أن واصَلوا / فتَواهَبْنا بِداياتِ الجفَاء
سال من عَطْفِهمُ أوديةٌ / حَملَتْ كُلَّ جَفاءٍ كالجُفاء
لستُ أنسى يومَ بانوا جيرتي / ووُقوفي واجِماً في خُلَطائي
وسؤالي كُلَّ رَكبٍ عَنَّ لي / عنهمُ عند رَواحٍ واْغتداء
وانتِظاري لخيالٍ منهمُ / زَورةً بين صباحي ومسائي
ومَبيتي ساهراً مُرتفِقاً / بالفلا والنِّضْو مَعقولٌ إزائي
ونجومُ اللَّيلِ يَجْلو بينها / غُرةَ البدرِ لنا فَضْلُ الضياء
كبني هاشمٍ الغُرِّ وقد / أحدقُوا حول نقيبِ النُّقَباء
وبدا بدْرَ سماحٍ كاملٍ / بالعُلا إن لم يكنْ بَدْرَ سَماء
مَن رأى يوم تَجَّلى والورى / ناِصبُو أَعناقهم للاجتلاء
وعليه حُلّةٌ مَنسوجةٌ / من أَناسِيِّ عيونِ الأولياء
فوقَ طِرْفٍ يَسْرِقُ الطَّرفُ له / عزّةً كُلَّ عظيمِ الكِبْرياء
مُرْتَدٍ عَضْباً يُحاكِي رأْيَه / إن نضاهُ عند خَطْبٍ في المَضاء
ومن اللهِ عليه هَيبةٌ / في عيونِ النّاسِ شِيبَتْ ببهاء
والفتى من دَهَشٍ مُقْتَسَمٌ / حيث للخلْق ضجيجٌ بالدُّعاء
فيدٌ تُومي وقلبٌ فرِحُ / وفمٌ داعٍ وَطرْفٌ منه راء
يُبصِرون الغيثَ واللّيثَ معاً / والحَيا والشّمسَ من غيرِ امتراء
ويُحَيّون هُماماً ماجداً / بِشْرُه للوَفْدِ عُنوانُ السَّخاء
سابَقَ الآباءَ في شوْطِ العُلا / فهْو إن خاشَنْتَه صَعْبُ الإباء
قَسَّمَتْ أفئدةَ النّاسِ له / راحتاهُ بين خوفٍ وارْتجاء
هاشِمي عاقد حبوتَه / في ذُرا بيتٍ رَبوبِيِّ البِناء
يهبطُ الوحْيُ على سُكّانِه / فهمُ للهِ أهلُ الاصطفاء
بالهُداةِ الأُمناء انتظمَتْ / حافَتاهُ والملوكِ العُظماء
أيَّ سبْقٍ سبقُوا نحو العُلا / واقتفى آثارَهم أيَّ اقتفاء
ملِكٌ أصبح مَحذورَ السُّطا / مُرتجَى النّائلِ مأهولَ الفِناء
قد نَمتْه دَوحة من فَرْعها / شُعبةٌ مُثمِرةٌ بالخُلفَاء
من أبيهِ الحَبْرِ فيه شَبَهٌ / في بيانٍ وسَماح ودَهاء
يَضَعُ الأشياء في مَوضِعها / مِثْلما باشَرْتَ نُقباً بِهناء
شارعُ ديِنَ ندىً إعجازُهُ / أنمُلٌ تَنبَعُ فينا بالعَطاء
ذوُ بُدُو بعضُ أسابِ الّذي / ظَلّ يأتيهِ وبعض ذو خَفاء
ليس بالمسؤولِ عن أفعاله / بل على الأقوامِ حُسْنُ الاقتداء
ليس يَعْرى من جلابيبِ العُلا / عند مَيْلٍ منه أو عنْدَ استواء
وكذاك النّجمُ في أفلاكه / كيفما دار قَرينٌ للعلاء
كعبةٌ للمجدِ يُومي نحوَها / كُلُّ مَن في الأرضِ من دانٍ وناء
إنْ تَزُرْهُ تَر كفّاً كالحَيا / حين يُمتاحُ ووجْهاً ذا حَياء
هو كالطَّودِ وقاراً في الحُبا / وهْو كالجَودِ بِداراً بالحِباء
تَقْصُرُ الأنجُمُ عن آرائه / إن حكَتْها في سناً أو في سَناء
وبذاك النّطَرِ السّامي له / فاق في الآفاقِ كُلَّ النّظراء
وأميرُ المؤمنين اختَصَّه / من بنى الدّهرِ بقُرْبٍ واجتِباء
يحَمد النّاصحُ مَن كان ولا / مثْلَ حَمْدِ النصَحاء النُّسَباء
لم يَنَلْ ما قد تَمنّى كاشحٌ / داخلٌ ما بين عُودٍ ولِحاء
وإذا الأحبابُ بالوَصْلِ اكتَفَوا / نُبِذ الواشون نَبْذاً بالعَراء
إن تَسلْني عن زماني وأنا / ذو اخْتبارٍ لبنيهِ وابتلاء
فَعليٌّ لك يا عَمْرو العُلا / منتهَى بحرِ بنيك النُّجباء
هاكَها من رائق الشِّعرِ وإن / لم يكَدْ يَسلُكُ نهْجَ الشعَراء
يَشعَرُ الدّهْرَ ويَقْضي مُبدعاً / ما لشعرٍ منه قدْحٌ في قَضاء
مَدْحُه الدّهْرَ لقومٍ مَدْحُهم / مَحْضُ صدقٍ لم يِشِنْهُ بافْتراء
بكُمُ يا آل عبّاسٍ يُرى / من صُروفِ الدّهر ما عشتُ احتمائي
لم أزَلْ أشْفعُ فيكم طارِفاً / من مَديحي بتليدٍ من وَلائي
إنْ نشَرْتُم فعَنِ الشُّكرِ لكُم / أو طَويتُم فعلَى الوُدّ انطوائي
وإذا المَدْحُ سَرى في جَحْفلٍ / فأنا الحاملُ فيهِ للّواء
بقَريضٍ كلّما حَبرتُه / هزّ أعطافَ المُلوكِ الكُرَماء
قلتُ والرّكْبُ بأجوازِ الفَلا / عيسُهمُ مُنتعلاتٌ بالنَّجاء
بَكّروا والصُّبْحُ في طَيِّ الدُّجَى / وجْهُ حسناءَ حَييٌ في خباء
وحُداةُ العيسِ يَنفون الكَرى / ويُطيرون المَطايا بالحُداء
كُلُّ وجناءَ إذا ما طَرِبوا / عَطّتِ البيدَ بهم عَطَّ المُلاء
وإذا ما ادّرعَتْ هاجِرةً / جُعِلَ الظِّلُّ لها مثْلَ الحذاء
الرِّضَا يا حاديَ العيسِ الرِّضا / فَلَقَصْديهِ من النّاس ارتضائي
هو أكفَى الخَلْقِ للوفْدِ ندىً / وبه أيضاً عنِ الخَلْقِ اكتفائي
بل لذي الفَخْريْنِ نفسٌ كبُرتْ / منه عِزّاً في جُدودٍ كُبَراء
حَضْرةٌ منك تَحَلَّى جِيدُها / بنظامٍ هو مأْمون الوَهاء
وارتقَتْ في دَرَجِ العِزّ إلى / حيثُ لا يُوجدُ فَضْلٌ لارتقاء
إن يكن فَخْرُكَ في الوهْم انتَهى / فلْيَطُلْ عُمْرُك من غير انتهاء
عِشْ لطُلاب المعالي قُدوةً / بك يُبدون اقتداءً لاهتداء
هذه دولةُ مَجْدٍ وعُلاً / جَمعتْ بالجودِ شَمْلَ الفُضَلاء
أصْبَحَتْ مَنصورةً راياتُها / إذْ رَعتْها منك عَيْنُ الاعتناء
وبك استغنَتْ فلم تُبقِ لها / حاجةً يوماً إلى غيرِ اكتفاء
فلها فابْقَ يَميناً أبَداً / مُغْنياً في نَصْرِها كُلَّ الغناء
يا يميناً لو دعتْ كُل الورى / بشِمالٍ لغَدوا دونَ الوفاء
لا يَزلْ جوُدك يَجلوك لنا / في سوارٍ صيغَ من حُسْنِ الثّناء
قلتُ للحاسدِ نمّا
قلتُ للحاسدِ نمّا / عَمِلَتْ فيه البِشارَهْ
والوِلاياتُ جميعاً / عند أَهليِها مُعاره
ما عُبَيْدُ اللّهِ مِمّنْ / نالَ بالعَزْلِ خَساره
هو لم يُعزَلْ ولكنْ / عُزِلَتْ عنه الوِزاره
وكأنّي باللّيالي / ولقد تَكْفي الإشاره
أَيُّها الرّاكبُ مهْلاً
أَيُّها الرّاكبُ مهْلاً / واستمعْ منّي كَلاما
إنْ تَعرَّضْتَ لأَرْجا / نَ فَبَلّغْها السَّلاما
قلْ لها أبصرتُ في النَّا / سِ كئيباً مُستَهاما
يَتمنّاكِ ويَسْتَسْ / قي لمَغْناكِ الغَماما
إنّ في أرْجانَ خِلاًّ / سِرْتُ عنه وأقاما
فإذا اشْتاقَ فؤادي / ساكني أرْجانَ هاما
وإذا رامَ سُلُوّاً / عنهمُ زادَ أُواما
حبّذا تلكَ اللّيالي / عَيْشُنا لو كانَ داما
يا أخِلاّيَ الأداني / ونَدامايَ الكراما
أَتُرانا نَتلاقَى / قبلَ أنْ نَلْقَى الحِماما
كيف أنساكُمْ وقلبي / لا يَني إلاّ غراما
كلَّما أَذكُرُ يوماً / منكمُ أبكيهِ عاما
مَن رأَي قبلَ ثناياكِ مُداماً
مَن رأَي قبلَ ثناياكِ مُداماً / جَعلوا مَنزِلَها الدُّرَّ فداما
تَمترِي من عارضٍ إيماضُه / يخطِفُ القلبَ إذا أبدَى ابتساما
عارِضٌ تَجلوهُ نُعْمٌ غُدوةً / غَيرةَ العارِضِ تَحدوهُ النَّعامى
كلّما شِيمَ سقاني أَدمُعي / وسقَى المِسكَ سِواكاً والمُداما
قاتلَ اللهُ أراكاً بالحِمَى / أبداً يُملي على القلْبِ الغراما
يَصِفُ الثَّغْرَ لها يابِسُه / ويُحاكي رَطْبُه منها القَواما
يا أراكَ الجِزْعِ هَبْ لي رِيقَها / ولأطرافِكَ فاستَسْقِ الغَماما
أَرِدُ الماءَ وتَمَتاُح اللُّمَى / ساء هذا يا ابنةَ القومِ اقْتِساما
لو قضَى بالعدلِ قاضٍ بَيْنَنا / وكِلانا ذابِلٌ يشكو الأُواما
لسَقاهُ القَطْرُ ما سُقِّيتُه / وسَقاني الثّغْرُ ما يَسْقي البَشاما
بأبي من سرِّ قيس غادة / قرط الناس لها أذني الملاما
غالَطَتْني إذْ كَستْ جسمي الضّنَى / كُسوةً عَرَّتْ من اللّحْمِ العظاما
ثمّ قالت أنت عندي في الهوَى / مثلُ عَيْني صدَقتْ لكنْ سَقاما
كنتُ من قَتْلَي ليالي هَجْرِها / حُشِيَتْ منهنَّ أحشائي كِلاما
خِفْتُهُ حتّى إذا ما لَيْلُه / نالَ منها الطَّرْفُ ثأراً فأناما
قلتُ لمّا قتلتْني في الهوَى / حلَّتِ الخمرُ وقد كانت حراما
هل تَرى الرَّكبَ بشَرقيّ الحِمَى / يَشرَئبّونَ إلى وادي الخُزامى
كُلَّما لاحتْ لهمْ أطلالُه / جاذَبتْ راكِبَها العِيسُ الزِّماما
يأْمَنُ السَّيْرَ بنا أَعلامُها / ولقد تَشْجو الدِّيارُ المُسْتَهاما
فنَبذْنا نظْرةً نحوَ الحِمَى / ثُمَّ أَهدَيْنا منَ البُعْدِ السَّلاما
لا نِساءُ الحَىّ حيًّتْنا ولا / بخيامِ الحَيّ شَبَّهْنا الخِياما
طَرْبةٌ تَشْهَدُ كَفّي بَعْدَها / أنّها مرَّتْ على عَيْني مَناما
لم يكنْ غيرَ ليالٍ وَصلُها / كم عسى أنْ يُجْتَلى البدْرُ التِّماما
قُلْ لأحبائي وإنْ شَطَّ النَّوى / بعد عيشٍ ناعمٍ لو كانَ داما
كيف أَتاكُمْ ووَجْدي دائباً / يَسكبُ الدّمعَ على خَدّي سِجاما
كلّما أذكرُ يوماً لكمُ / لم يَطُلْ عنديَ أن أبكيهِ عاما
مِن مُديرٍ كأسَ دمع ساهراً / مغرماً قد رقَدتْ عنه النَّدامى
كلّما حنَّ إلى ذاتِ الغَضا / أنشأَتْ أنفاسُه فيها اضْطِراما
ذاكراً أحورَ مِن سِرْبِ المَها / لا يُوافي طَيْفُه إلاّ لِماما
حلَّ من قلبيَ بَيْتاً فارغاً / فهْو فردٌ فيه لا يَخْشَى زِحاما
فاتِلاً من صُدْغهِ أطْنابَه / ناصباً من قَدّهِ فيه دِعاما
حاطَهُ القلبُ وقد أسلَمني / فإلامَ الغدْرُ يا قلبُ إلاما
هكذا الدَّهرُ رماني صَرْفُه / بهمُومٍ قد أقامَتْ ما أقاما
رجَعَ الأيّامُ فيما وهبَتْ / لُؤْمَ طَبْعٍ ومتى كانتْ كراما
وبناتُ الدَّهرِ في غَدْرَتها / كبَنيهِ لا يُراقبْنَ ذِماما
كم أُناسٍ خلْتُهمْ لي جُنَناً / يومَ رَوْعٍ فغدَوا فيَّ سهاما
أمَّهُمْ دهريَ فائتَمّوا بهِ / هل أبٌ لم يَرْضَهُ الاِبْنُ إماما
تَبِعَ الظّلَّ يُحاكي غُصْنَه / كيفما مالَ لرِيحٍ واسْتَقاما
يا أخا الغَوْثِ وما الغَوْثُ سوى / أنْ يُلَفَّ الغَوْرُ بالنَّجْدِ اعْتزاما
إنّما وُدِّي وقد جَرّبْتَه / عُروةٌ وُثْقَى فلا تَخْشَ انْفِصاما
وإذا كان المَودّاتُ جَناحاً / لم يكنْ أقدامُها إلاّ القُدامى
فاخْشَ يا صاحِ أحاديثَ غَدٍ / إنْ تَصاحَبْنا ولا تَخْشَ الحِماما
نحن رِدْآنِ وأضحَى واحداً / قرْنُنا الدَّهرُ فلا تَرْضَ انْهزاما
كنْ ليَ الماءَ إذا خفْتُ صدىً / وسَنا النّارِ إذا خُضْتُ الظَّلاما
رَجُلاً يُوقظْهُ تحْريكُه / إنّما الطِّفْلُ إذا حُرّكَ ناما
إنْ تُرِدْ والمجدُ رَوضٌ عازبٌ / في ذُرا العزّ جميماً وجِماما
فأثِرْها حاكياتٍ في الفَلا / حينَ يَعْصِفُنَ نُعامَى أو نَعاما
لا سنامَ الأرضِ أبقَى وَخْدها / لا ولا الأرضُ لها أبقَتْ سَناما
أفنَتِ الأرضُ قصاصاً مَتْنَها / حينَ أفنَى مَتْنَها النِّضوُ لِطاما
تُودِعُ السَّيْرَ نهاراً خائناً / يأكلُ الظّلَّ إذا ما هو صاما
أو دُجَى ظلماءَ تُمسي بَطْنُها / من جَنينِ الصُّبْحِ للسّاري عَقاما
أخطأ المطلَعَ ذا الصُّبْحُ فهل / عَمِيَ النّاظرُ منه أو تَعامى
ما اعتلَى الأفْقَ رداءٌ بل هَوَى / منه فاعتمَّ به رأسي اعْتماما
أنا والدِّهرُ كقِرنَيْ مَعْرَكٍ / فتبصَّرْ أيُّنا أوفَى انْتِقاما
حينَ أبدَتْ يَدُه من شَيْبتي / صارماً منّي على المَفْرَقِ شاما
سَلَّ منصوراً على أحداثِه / من حُسامِ الدّينِ تأميلي حُساما
مُخْبِراً عن أثْرِه آثارُه / ماضياً يَغْتَنِمُ الحمدَ اغْتناما
صَقَل البِشْرُ مُحَيّا وجهه / فَجلا عن ناظرِ الحُرِّ القَتاما
مُشْرِعاً بحراً إذا مدَّ يداً / مُطْلِعاً بدراً إذا حَطَّ اللّثاما
كُلّما اهتزَّ به نادى النَّدَى / أشمسَ الوافدُ منه وأغاما
بأبي الخَطّابِ لي مُنتَصَرٌ / من خطوبِ الدّهرِ إن جُرْنَ احتكاما
وحُسامٌ ماسحٌ أعناقَها / عكْسُه وَصفٌ له دُرّي اهْتماما
بحُسامٍ قد نَماهُ عَضُدٌ / ثمَّ أوطاهُ منَ الأكفاء هاما
لن تَرَى نَدْباً هُماماً كاملاً / غيرَ مَنْ عُدَّ أباً نَدْباً هُماما
يا ابْنَ مَنْ شُدَّتْ يدُ المُلْكِ بهِ / فغدا يحمي من الجُنْدِ السّواما
وكفاهُمْ منه أن يَجْمَعَهُمْ / عارِضٍ يغدو من الجودِ رُكاما
عارِضٌ والجيشُ كالقَطْرِ له / يَمْطُرُ النَّعْماءَ والموتَ الزُّؤاما
عُوِّدَ الصّبْرَ على إعْناتِهمْ / مثْلَما لا يُسأمُ الرُّكْنُ اسْتلاما
تأخذُ الأقوامُ من آدابه / وأبَى القابسُ أن يَجني الضِّراما
لو جلا عن وجهِ أدْنَى عِلْمِه / لانْثَنى نَقْصُ بني الدَّهْرِ تماما
يُتَهادَى كُلُّ ما فاهَ بهِ / فهو الدُّرُّ انْتِشاراً وانْتظاما
بَهَرتْ آياتُها فانْقَسَمَ ال / حُسْنُ بينَ اللّفظِ والمعنى انْقساما
رُتَبّ منها و من عَلْيائها / تَملِكُ الحاسدَ أنفاً ورَغاما
يا إماماً جاعلاً سُدَّتَه / طالبَ الفضلِ لعَيْنَيْهِ إماما
ملكَ الفضلَ فحامَى دُونَه / وكذا مَن أصبحَ المسالكَ حامى
هاكَها مِن واردٍ عن ظَمأ / بعدما لابَ بها دهراً وحاما
قُرطُ آذانِ الأُلَى أصغَوا لها / مُلِئِ اللُّؤْلُؤَ فَذّاً وتُؤاما
ويَراها حاسدٌ من حَسَدٍ / صَمَماً في الأذْن منها وصماما
فاْبَق للمجدِ والعَلْياء ودُمْ / في ظلالِ العزِّ والنُّعْمَى دَواما
مُبْلياً غِمْدَ اللّيالي عِزّةً / تَصدُقُ الضّربَ ولا تَخْشَى انْئلاما
أعلى العهدِ القَديمِ
أعلى العهدِ القَديمِ / شِيَمُ الظَّبْيِ الرَّخيمِ
أم جفاني إذ رآني / واللَّيالي من خُصومي
ليس ذا الدّهرُ على خُلْ / قٍ لخَلْقٍ بمُقيم
زائرٌ زارَ منَ البَحْ / رِ به وَفْدُ الغُيوم
ثُمَّ لمّا أنْ مَلا فا / هُ من الدُّرِّ اليَتيم
قبَّل الأرضَ به بَيْ / نَ يدَيْ عبدِ الرَّحيم
لا ترَى غيرَ كريمٍ / عارفاً قدْرَ كريم
حَسّن الهَجْرَ مع القُرْبِ لعَيْني
حَسّن الهَجْرَ مع القُرْبِ لعَيْني / أنّنا لا نلتقي إلا بَبيْنِ
وَدَّعونا وفؤادي مَعهمْ / يا سقَى اللهُ عهودَ الظْاعنَيْن
واستَرابَتْ ببُكاها مُقلتي / كان مِن شَأْنَين أو من وَدَجَيْن
كُلُّ حَربٍ سَمِعوا يوماً بها / أوقَعوها بين أيّامي وبَيْني
والعيونُ العامريّاتُ إذا / فتكَتْ أنستْكَ فَتْكَ العامِرَيْن
بسهامٍ ما بَراها صَنَعٌ / وسُيوفٍ ما جلَتْها يَدُ قَيْن
منَ عَذيري مِن تَمادي حُرَقي / وتَوالي قَطَراتِ الدَّمْعَتَيْن
لي هوىً يُبْلي ولي دمعٌ يَشي / أىُّ أسراريَ تَخْفَى بينَ ذَيْن
ما على العاشقِ من عَتْبٍ إذا / خُزنَت أسرارُهمْ في المَدمَعيْن
هُمْ سَبَوا قلبيَ حتّى لم أجِدْ / مَوضعاً فيَّ لسرّي غيرَ عَيْني
أيّها الرَّكبُ بشَرقيّ الحِمى / هل لكمْ عِلْمٌ بأهلِ العَلمَيْن
ظَعنوا في أيّ واديّ الكُوَى / وحدا بالقلبِ أىُّ الحاديَيْن
يَملأ لِبيدَ بأشياخهمْ / كُلُّ عيديٍّ نَجيبٍ وعُصَيْني
ويُغيبُ الشّمسَ في نَقعهمْ / مَرَحُ الخيلِ وتَجريرُ الرُّدَيْني
وعلى أكوارِهمْ من وَجْرة / سُدُمُ الآرامِ تَنْحو رامَتَيْن
فيهمُ مَنْ عَلِقَ القلبُ به / وأطالَ الوجدَ غيْظُ اللاّئمَيْن
والقنا يَسْعَى حَوالَيْ خِدْرِه / دَورةَ الهُدْبِ على إنسانِ عَيْن
أسلَم الصَبَّ إلى حَرٍّ الجوَى / وإلى القَطْرِ بقايا الدِّمنتَيْن
لا تَظنُّوا أنّ سَجعاً شاقَني / أنا أطربتُ حَمامَ الواديَيْن
أنا علَّمتُ الشّتا حينَ بكَى / دَمعَهُ يَرقُمُ رَسْمَ الرَّقمتَيْن
لك أن تُخلِفَ ميعادَ الحَيا / أيّها البرقُ ولا بالرَّقمتَيْن
فسقاها غيرَ ماحِ رسْمها / دانيَ الهَيْدَبِ نائي الحَجْرتَين
واقفاً يبكي على آثارهم / وِقفةَ العاشقِ بَيْنَ العاذِلَين
يَسبِقُ الرَّعدَ ببَرقٍ مثْلَما / يَبْدُر الزَّجْرُ بلَمْعِ الحاجبَيْن
لستَ يا غَيثُ وإنْ روَّيتَها / مثْلَ زينِ المُلكِ في جودِ اليَدين
ومتى تَتْركُ أن تُشبهَهُ / فامْطِرِ الأرضَ بِتبْرٍ أو لُجَين
ماجدٌ كلتا يدَيْه في النَّدى / رِفدُها يخجِلُ رِفْدَ الرّافدَين
هو مَعْنَى العَدْلِ جوداً لا هوى / وهْو زينَ المُلك صدْقاً غيرَ مَيْن
زانَه حين دعاه زَينه / ولقد يدعَى بزَينٍ غيرَ زَين
يَحمِلُ الوَفْدَ إلى أبوابهِ / كُلُّ مُرتاحِ مَجالِ النّسعَتين
كَسبوا بينَ الأيادي بالسُّرى / والمطايا كَسْبُهمْ رُوحاً بأَيْن
صائبُ الرّأيِ بَعيدُ المُنتهَى / طاهُرُ العِرْضِ حَميدُ الشيمتَين
حَسَن أحسنُ ما في حُسنه / خُلُقٌ يَعدِلُ سَمتَ الحَنّين
لو رأينا مِثْلَه في عَصْرِه / لرأينا في المنامِ القَمَرين
وإذا هَزَّ لخَطْبٍ قَلماً / ناب عن كُلِّ رقيقِ الشَّفْرتَين
وإذا أعملَ حَدَّيْ رأيه / في عَدُوٍّ كان أمضَى المُرهَفيْن
جُمع الجَدُّ معَ الجِّدِ له / لا يزالا عندهُ مُجتَمِعَين
وتَناهَى العلْمُ والجودُ به / فتَواردْنا لبَحْرٍ لُجَّتَيْن
أسرَع الصّومُ إلى ساحتِه / باسمَ الثّغْرِ صَدوقَ البُشْرَييْن
فَلْيصُمْ أمثالُه في نِعمةٍ / وعُلاَ تَبقَى بقاءَ الرّافدَين
يا مُقيمَ المجدِ في أعلَى السُّها / ومُطارَ الذِّكْرِ بينَ الخافقَين
هاكَها مصقولةً لو جُسِّمَتْ / قُرِّطَ السّامعُ منها دُرَّتَيْن
مَأْخَذُ الشِّعْرِ قَريبٌ أَمَمٌ / فإذا شئْتُ يفوقُ الفرقَديْن
فابْقَ في عزِّ عُلاً لا يَنقضي / عَهدُه قبلَ مآب القارِظَين
تَقتفي كُلَّ وليٍّ بغِنَى / وإلى كُلِّ أخي ضِغْنٍ بحَين
فإذا غَيَّر حالاتِ الورَى / كان كالدَّهرِ مُقيمَ الحالتَين