القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِحُ الدين الأَرَّجاني الكل
المجموع : 6
قسَماً منّي بأيام الصَّفاء
قسَماً منّي بأيام الصَّفاء / وبجَمْع الدّهرِ شَمْلَ القُرناءِ
وبتأميلِيَ منهم عودةً / لا أطعْتُ الشّوقَ في طُولِ البكاء
إنمّا أَذْخرُ عيْني لغَدٍ / إنْ قَضى اللهُ بوَشْك الالتقاء
ليسَ يشفى غيرُ عيني عِلَلي / إنْ تدانى الحَيُّ من بعدِ التّنائي
خَلِّها تَثْنِ إليهم نّظْرةً / ثمّ هَبْها عندهم للبُشَراء
لو يُفادّون بعُمْري منهمُ / يومَ وصلٍ لم يكنْ غالِي الفداء
أصفياءٌ كَدَّروا عيَشْي نوى / كيف يصْفو العيشُ دونَ الأصفياء
كم تجلَّدْتُ وما بي جَلَدٌ / وتصنّعْتُ وقد عَزَّ عزائي
جاحِداً وَجْدي بهم من حَذَرٍ / حين تَرميني عيونُ الرُّقَباء
وإذا ما سَبقتْني عَبرةٌ / عندهم غطَّيتُ وجْهي برِدائي
وإذا اليأسُ أَعَلَّ القلبَ لي / قلتُ للقلبِ تَعَلّلْ بالرّجاء
فأدالَ اللهُ من جَورِ النَّوى / بدُنُوِّ الدّارِ بعد العدواء
وانتَهى الحالُ إلى أن واصَلوا / فتَواهَبْنا بِداياتِ الجفَاء
سال من عَطْفِهمُ أوديةٌ / حَملَتْ كُلَّ جَفاءٍ كالجُفاء
لستُ أنسى يومَ بانوا جيرتي / ووُقوفي واجِماً في خُلَطائي
وسؤالي كُلَّ رَكبٍ عَنَّ لي / عنهمُ عند رَواحٍ واْغتداء
وانتِظاري لخيالٍ منهمُ / زَورةً بين صباحي ومسائي
ومَبيتي ساهراً مُرتفِقاً / بالفلا والنِّضْو مَعقولٌ إزائي
ونجومُ اللَّيلِ يَجْلو بينها / غُرةَ البدرِ لنا فَضْلُ الضياء
كبني هاشمٍ الغُرِّ وقد / أحدقُوا حول نقيبِ النُّقَباء
وبدا بدْرَ سماحٍ كاملٍ / بالعُلا إن لم يكنْ بَدْرَ سَماء
مَن رأى يوم تَجَّلى والورى / ناِصبُو أَعناقهم للاجتلاء
وعليه حُلّةٌ مَنسوجةٌ / من أَناسِيِّ عيونِ الأولياء
فوقَ طِرْفٍ يَسْرِقُ الطَّرفُ له / عزّةً كُلَّ عظيمِ الكِبْرياء
مُرْتَدٍ عَضْباً يُحاكِي رأْيَه / إن نضاهُ عند خَطْبٍ في المَضاء
ومن اللهِ عليه هَيبةٌ / في عيونِ النّاسِ شِيبَتْ ببهاء
والفتى من دَهَشٍ مُقْتَسَمٌ / حيث للخلْق ضجيجٌ بالدُّعاء
فيدٌ تُومي وقلبٌ فرِحُ / وفمٌ داعٍ وَطرْفٌ منه راء
يُبصِرون الغيثَ واللّيثَ معاً / والحَيا والشّمسَ من غيرِ امتراء
ويُحَيّون هُماماً ماجداً / بِشْرُه للوَفْدِ عُنوانُ السَّخاء
سابَقَ الآباءَ في شوْطِ العُلا / فهْو إن خاشَنْتَه صَعْبُ الإباء
قَسَّمَتْ أفئدةَ النّاسِ له / راحتاهُ بين خوفٍ وارْتجاء
هاشِمي عاقد حبوتَه / في ذُرا بيتٍ رَبوبِيِّ البِناء
يهبطُ الوحْيُ على سُكّانِه / فهمُ للهِ أهلُ الاصطفاء
بالهُداةِ الأُمناء انتظمَتْ / حافَتاهُ والملوكِ العُظماء
أيَّ سبْقٍ سبقُوا نحو العُلا / واقتفى آثارَهم أيَّ اقتفاء
ملِكٌ أصبح مَحذورَ السُّطا / مُرتجَى النّائلِ مأهولَ الفِناء
قد نَمتْه دَوحة من فَرْعها / شُعبةٌ مُثمِرةٌ بالخُلفَاء
من أبيهِ الحَبْرِ فيه شَبَهٌ / في بيانٍ وسَماح ودَهاء
يَضَعُ الأشياء في مَوضِعها / مِثْلما باشَرْتَ نُقباً بِهناء
شارعُ ديِنَ ندىً إعجازُهُ / أنمُلٌ تَنبَعُ فينا بالعَطاء
ذوُ بُدُو بعضُ أسابِ الّذي / ظَلّ يأتيهِ وبعض ذو خَفاء
ليس بالمسؤولِ عن أفعاله / بل على الأقوامِ حُسْنُ الاقتداء
ليس يَعْرى من جلابيبِ العُلا / عند مَيْلٍ منه أو عنْدَ استواء
وكذاك النّجمُ في أفلاكه / كيفما دار قَرينٌ للعلاء
كعبةٌ للمجدِ يُومي نحوَها / كُلُّ مَن في الأرضِ من دانٍ وناء
إنْ تَزُرْهُ تَر كفّاً كالحَيا / حين يُمتاحُ ووجْهاً ذا حَياء
هو كالطَّودِ وقاراً في الحُبا / وهْو كالجَودِ بِداراً بالحِباء
تَقْصُرُ الأنجُمُ عن آرائه / إن حكَتْها في سناً أو في سَناء
وبذاك النّطَرِ السّامي له / فاق في الآفاقِ كُلَّ النّظراء
وأميرُ المؤمنين اختَصَّه / من بنى الدّهرِ بقُرْبٍ واجتِباء
يحَمد النّاصحُ مَن كان ولا / مثْلَ حَمْدِ النصَحاء النُّسَباء
لم يَنَلْ ما قد تَمنّى كاشحٌ / داخلٌ ما بين عُودٍ ولِحاء
وإذا الأحبابُ بالوَصْلِ اكتَفَوا / نُبِذ الواشون نَبْذاً بالعَراء
إن تَسلْني عن زماني وأنا / ذو اخْتبارٍ لبنيهِ وابتلاء
فَعليٌّ لك يا عَمْرو العُلا / منتهَى بحرِ بنيك النُّجباء
هاكَها من رائق الشِّعرِ وإن / لم يكَدْ يَسلُكُ نهْجَ الشعَراء
يَشعَرُ الدّهْرَ ويَقْضي مُبدعاً / ما لشعرٍ منه قدْحٌ في قَضاء
مَدْحُه الدّهْرَ لقومٍ مَدْحُهم / مَحْضُ صدقٍ لم يِشِنْهُ بافْتراء
بكُمُ يا آل عبّاسٍ يُرى / من صُروفِ الدّهر ما عشتُ احتمائي
لم أزَلْ أشْفعُ فيكم طارِفاً / من مَديحي بتليدٍ من وَلائي
إنْ نشَرْتُم فعَنِ الشُّكرِ لكُم / أو طَويتُم فعلَى الوُدّ انطوائي
وإذا المَدْحُ سَرى في جَحْفلٍ / فأنا الحاملُ فيهِ للّواء
بقَريضٍ كلّما حَبرتُه / هزّ أعطافَ المُلوكِ الكُرَماء
قلتُ والرّكْبُ بأجوازِ الفَلا / عيسُهمُ مُنتعلاتٌ بالنَّجاء
بَكّروا والصُّبْحُ في طَيِّ الدُّجَى / وجْهُ حسناءَ حَييٌ في خباء
وحُداةُ العيسِ يَنفون الكَرى / ويُطيرون المَطايا بالحُداء
كُلُّ وجناءَ إذا ما طَرِبوا / عَطّتِ البيدَ بهم عَطَّ المُلاء
وإذا ما ادّرعَتْ هاجِرةً / جُعِلَ الظِّلُّ لها مثْلَ الحذاء
الرِّضَا يا حاديَ العيسِ الرِّضا / فَلَقَصْديهِ من النّاس ارتضائي
هو أكفَى الخَلْقِ للوفْدِ ندىً / وبه أيضاً عنِ الخَلْقِ اكتفائي
بل لذي الفَخْريْنِ نفسٌ كبُرتْ / منه عِزّاً في جُدودٍ كُبَراء
حَضْرةٌ منك تَحَلَّى جِيدُها / بنظامٍ هو مأْمون الوَهاء
وارتقَتْ في دَرَجِ العِزّ إلى / حيثُ لا يُوجدُ فَضْلٌ لارتقاء
إن يكن فَخْرُكَ في الوهْم انتَهى / فلْيَطُلْ عُمْرُك من غير انتهاء
عِشْ لطُلاب المعالي قُدوةً / بك يُبدون اقتداءً لاهتداء
هذه دولةُ مَجْدٍ وعُلاً / جَمعتْ بالجودِ شَمْلَ الفُضَلاء
أصْبَحَتْ مَنصورةً راياتُها / إذْ رَعتْها منك عَيْنُ الاعتناء
وبك استغنَتْ فلم تُبقِ لها / حاجةً يوماً إلى غيرِ اكتفاء
فلها فابْقَ يَميناً أبَداً / مُغْنياً في نَصْرِها كُلَّ الغناء
يا يميناً لو دعتْ كُل الورى / بشِمالٍ لغَدوا دونَ الوفاء
لا يَزلْ جوُدك يَجلوك لنا / في سوارٍ صيغَ من حُسْنِ الثّناء
قلتُ للحاسدِ نمّا
قلتُ للحاسدِ نمّا / عَمِلَتْ فيه البِشارَهْ
والوِلاياتُ جميعاً / عند أَهليِها مُعاره
ما عُبَيْدُ اللّهِ مِمّنْ / نالَ بالعَزْلِ خَساره
هو لم يُعزَلْ ولكنْ / عُزِلَتْ عنه الوِزاره
وكأنّي باللّيالي / ولقد تَكْفي الإشاره
أَيُّها الرّاكبُ مهْلاً
أَيُّها الرّاكبُ مهْلاً / واستمعْ منّي كَلاما
إنْ تَعرَّضْتَ لأَرْجا / نَ فَبَلّغْها السَّلاما
قلْ لها أبصرتُ في النَّا / سِ كئيباً مُستَهاما
يَتمنّاكِ ويَسْتَسْ / قي لمَغْناكِ الغَماما
إنّ في أرْجانَ خِلاًّ / سِرْتُ عنه وأقاما
فإذا اشْتاقَ فؤادي / ساكني أرْجانَ هاما
وإذا رامَ سُلُوّاً / عنهمُ زادَ أُواما
حبّذا تلكَ اللّيالي / عَيْشُنا لو كانَ داما
يا أخِلاّيَ الأداني / ونَدامايَ الكراما
أَتُرانا نَتلاقَى / قبلَ أنْ نَلْقَى الحِماما
كيف أنساكُمْ وقلبي / لا يَني إلاّ غراما
كلَّما أَذكُرُ يوماً / منكمُ أبكيهِ عاما
مَن رأَي قبلَ ثناياكِ مُداماً
مَن رأَي قبلَ ثناياكِ مُداماً / جَعلوا مَنزِلَها الدُّرَّ فداما
تَمترِي من عارضٍ إيماضُه / يخطِفُ القلبَ إذا أبدَى ابتساما
عارِضٌ تَجلوهُ نُعْمٌ غُدوةً / غَيرةَ العارِضِ تَحدوهُ النَّعامى
كلّما شِيمَ سقاني أَدمُعي / وسقَى المِسكَ سِواكاً والمُداما
قاتلَ اللهُ أراكاً بالحِمَى / أبداً يُملي على القلْبِ الغراما
يَصِفُ الثَّغْرَ لها يابِسُه / ويُحاكي رَطْبُه منها القَواما
يا أراكَ الجِزْعِ هَبْ لي رِيقَها / ولأطرافِكَ فاستَسْقِ الغَماما
أَرِدُ الماءَ وتَمَتاُح اللُّمَى / ساء هذا يا ابنةَ القومِ اقْتِساما
لو قضَى بالعدلِ قاضٍ بَيْنَنا / وكِلانا ذابِلٌ يشكو الأُواما
لسَقاهُ القَطْرُ ما سُقِّيتُه / وسَقاني الثّغْرُ ما يَسْقي البَشاما
بأبي من سرِّ قيس غادة / قرط الناس لها أذني الملاما
غالَطَتْني إذْ كَستْ جسمي الضّنَى / كُسوةً عَرَّتْ من اللّحْمِ العظاما
ثمّ قالت أنت عندي في الهوَى / مثلُ عَيْني صدَقتْ لكنْ سَقاما
كنتُ من قَتْلَي ليالي هَجْرِها / حُشِيَتْ منهنَّ أحشائي كِلاما
خِفْتُهُ حتّى إذا ما لَيْلُه / نالَ منها الطَّرْفُ ثأراً فأناما
قلتُ لمّا قتلتْني في الهوَى / حلَّتِ الخمرُ وقد كانت حراما
هل تَرى الرَّكبَ بشَرقيّ الحِمَى / يَشرَئبّونَ إلى وادي الخُزامى
كُلَّما لاحتْ لهمْ أطلالُه / جاذَبتْ راكِبَها العِيسُ الزِّماما
يأْمَنُ السَّيْرَ بنا أَعلامُها / ولقد تَشْجو الدِّيارُ المُسْتَهاما
فنَبذْنا نظْرةً نحوَ الحِمَى / ثُمَّ أَهدَيْنا منَ البُعْدِ السَّلاما
لا نِساءُ الحَىّ حيًّتْنا ولا / بخيامِ الحَيّ شَبَّهْنا الخِياما
طَرْبةٌ تَشْهَدُ كَفّي بَعْدَها / أنّها مرَّتْ على عَيْني مَناما
لم يكنْ غيرَ ليالٍ وَصلُها / كم عسى أنْ يُجْتَلى البدْرُ التِّماما
قُلْ لأحبائي وإنْ شَطَّ النَّوى / بعد عيشٍ ناعمٍ لو كانَ داما
كيف أَتاكُمْ ووَجْدي دائباً / يَسكبُ الدّمعَ على خَدّي سِجاما
كلّما أذكرُ يوماً لكمُ / لم يَطُلْ عنديَ أن أبكيهِ عاما
مِن مُديرٍ كأسَ دمع ساهراً / مغرماً قد رقَدتْ عنه النَّدامى
كلّما حنَّ إلى ذاتِ الغَضا / أنشأَتْ أنفاسُه فيها اضْطِراما
ذاكراً أحورَ مِن سِرْبِ المَها / لا يُوافي طَيْفُه إلاّ لِماما
حلَّ من قلبيَ بَيْتاً فارغاً / فهْو فردٌ فيه لا يَخْشَى زِحاما
فاتِلاً من صُدْغهِ أطْنابَه / ناصباً من قَدّهِ فيه دِعاما
حاطَهُ القلبُ وقد أسلَمني / فإلامَ الغدْرُ يا قلبُ إلاما
هكذا الدَّهرُ رماني صَرْفُه / بهمُومٍ قد أقامَتْ ما أقاما
رجَعَ الأيّامُ فيما وهبَتْ / لُؤْمَ طَبْعٍ ومتى كانتْ كراما
وبناتُ الدَّهرِ في غَدْرَتها / كبَنيهِ لا يُراقبْنَ ذِماما
كم أُناسٍ خلْتُهمْ لي جُنَناً / يومَ رَوْعٍ فغدَوا فيَّ سهاما
أمَّهُمْ دهريَ فائتَمّوا بهِ / هل أبٌ لم يَرْضَهُ الاِبْنُ إماما
تَبِعَ الظّلَّ يُحاكي غُصْنَه / كيفما مالَ لرِيحٍ واسْتَقاما
يا أخا الغَوْثِ وما الغَوْثُ سوى / أنْ يُلَفَّ الغَوْرُ بالنَّجْدِ اعْتزاما
إنّما وُدِّي وقد جَرّبْتَه / عُروةٌ وُثْقَى فلا تَخْشَ انْفِصاما
وإذا كان المَودّاتُ جَناحاً / لم يكنْ أقدامُها إلاّ القُدامى
فاخْشَ يا صاحِ أحاديثَ غَدٍ / إنْ تَصاحَبْنا ولا تَخْشَ الحِماما
نحن رِدْآنِ وأضحَى واحداً / قرْنُنا الدَّهرُ فلا تَرْضَ انْهزاما
كنْ ليَ الماءَ إذا خفْتُ صدىً / وسَنا النّارِ إذا خُضْتُ الظَّلاما
رَجُلاً يُوقظْهُ تحْريكُه / إنّما الطِّفْلُ إذا حُرّكَ ناما
إنْ تُرِدْ والمجدُ رَوضٌ عازبٌ / في ذُرا العزّ جميماً وجِماما
فأثِرْها حاكياتٍ في الفَلا / حينَ يَعْصِفُنَ نُعامَى أو نَعاما
لا سنامَ الأرضِ أبقَى وَخْدها / لا ولا الأرضُ لها أبقَتْ سَناما
أفنَتِ الأرضُ قصاصاً مَتْنَها / حينَ أفنَى مَتْنَها النِّضوُ لِطاما
تُودِعُ السَّيْرَ نهاراً خائناً / يأكلُ الظّلَّ إذا ما هو صاما
أو دُجَى ظلماءَ تُمسي بَطْنُها / من جَنينِ الصُّبْحِ للسّاري عَقاما
أخطأ المطلَعَ ذا الصُّبْحُ فهل / عَمِيَ النّاظرُ منه أو تَعامى
ما اعتلَى الأفْقَ رداءٌ بل هَوَى / منه فاعتمَّ به رأسي اعْتماما
أنا والدِّهرُ كقِرنَيْ مَعْرَكٍ / فتبصَّرْ أيُّنا أوفَى انْتِقاما
حينَ أبدَتْ يَدُه من شَيْبتي / صارماً منّي على المَفْرَقِ شاما
سَلَّ منصوراً على أحداثِه / من حُسامِ الدّينِ تأميلي حُساما
مُخْبِراً عن أثْرِه آثارُه / ماضياً يَغْتَنِمُ الحمدَ اغْتناما
صَقَل البِشْرُ مُحَيّا وجهه / فَجلا عن ناظرِ الحُرِّ القَتاما
مُشْرِعاً بحراً إذا مدَّ يداً / مُطْلِعاً بدراً إذا حَطَّ اللّثاما
كُلّما اهتزَّ به نادى النَّدَى / أشمسَ الوافدُ منه وأغاما
بأبي الخَطّابِ لي مُنتَصَرٌ / من خطوبِ الدّهرِ إن جُرْنَ احتكاما
وحُسامٌ ماسحٌ أعناقَها / عكْسُه وَصفٌ له دُرّي اهْتماما
بحُسامٍ قد نَماهُ عَضُدٌ / ثمَّ أوطاهُ منَ الأكفاء هاما
لن تَرَى نَدْباً هُماماً كاملاً / غيرَ مَنْ عُدَّ أباً نَدْباً هُماما
يا ابْنَ مَنْ شُدَّتْ يدُ المُلْكِ بهِ / فغدا يحمي من الجُنْدِ السّواما
وكفاهُمْ منه أن يَجْمَعَهُمْ / عارِضٍ يغدو من الجودِ رُكاما
عارِضٌ والجيشُ كالقَطْرِ له / يَمْطُرُ النَّعْماءَ والموتَ الزُّؤاما
عُوِّدَ الصّبْرَ على إعْناتِهمْ / مثْلَما لا يُسأمُ الرُّكْنُ اسْتلاما
تأخذُ الأقوامُ من آدابه / وأبَى القابسُ أن يَجني الضِّراما
لو جلا عن وجهِ أدْنَى عِلْمِه / لانْثَنى نَقْصُ بني الدَّهْرِ تماما
يُتَهادَى كُلُّ ما فاهَ بهِ / فهو الدُّرُّ انْتِشاراً وانْتظاما
بَهَرتْ آياتُها فانْقَسَمَ ال / حُسْنُ بينَ اللّفظِ والمعنى انْقساما
رُتَبّ منها و من عَلْيائها / تَملِكُ الحاسدَ أنفاً ورَغاما
يا إماماً جاعلاً سُدَّتَه / طالبَ الفضلِ لعَيْنَيْهِ إماما
ملكَ الفضلَ فحامَى دُونَه / وكذا مَن أصبحَ المسالكَ حامى
هاكَها مِن واردٍ عن ظَمأ / بعدما لابَ بها دهراً وحاما
قُرطُ آذانِ الأُلَى أصغَوا لها / مُلِئِ اللُّؤْلُؤَ فَذّاً وتُؤاما
ويَراها حاسدٌ من حَسَدٍ / صَمَماً في الأذْن منها وصماما
فاْبَق للمجدِ والعَلْياء ودُمْ / في ظلالِ العزِّ والنُّعْمَى دَواما
مُبْلياً غِمْدَ اللّيالي عِزّةً / تَصدُقُ الضّربَ ولا تَخْشَى انْئلاما
أعلى العهدِ القَديمِ
أعلى العهدِ القَديمِ / شِيَمُ الظَّبْيِ الرَّخيمِ
أم جفاني إذ رآني / واللَّيالي من خُصومي
ليس ذا الدّهرُ على خُلْ / قٍ لخَلْقٍ بمُقيم
زائرٌ زارَ منَ البَحْ / رِ به وَفْدُ الغُيوم
ثُمَّ لمّا أنْ مَلا فا / هُ من الدُّرِّ اليَتيم
قبَّل الأرضَ به بَيْ / نَ يدَيْ عبدِ الرَّحيم
لا ترَى غيرَ كريمٍ / عارفاً قدْرَ كريم
حَسّن الهَجْرَ مع القُرْبِ لعَيْني
حَسّن الهَجْرَ مع القُرْبِ لعَيْني / أنّنا لا نلتقي إلا بَبيْنِ
وَدَّعونا وفؤادي مَعهمْ / يا سقَى اللهُ عهودَ الظْاعنَيْن
واستَرابَتْ ببُكاها مُقلتي / كان مِن شَأْنَين أو من وَدَجَيْن
كُلُّ حَربٍ سَمِعوا يوماً بها / أوقَعوها بين أيّامي وبَيْني
والعيونُ العامريّاتُ إذا / فتكَتْ أنستْكَ فَتْكَ العامِرَيْن
بسهامٍ ما بَراها صَنَعٌ / وسُيوفٍ ما جلَتْها يَدُ قَيْن
منَ عَذيري مِن تَمادي حُرَقي / وتَوالي قَطَراتِ الدَّمْعَتَيْن
لي هوىً يُبْلي ولي دمعٌ يَشي / أىُّ أسراريَ تَخْفَى بينَ ذَيْن
ما على العاشقِ من عَتْبٍ إذا / خُزنَت أسرارُهمْ في المَدمَعيْن
هُمْ سَبَوا قلبيَ حتّى لم أجِدْ / مَوضعاً فيَّ لسرّي غيرَ عَيْني
أيّها الرَّكبُ بشَرقيّ الحِمى / هل لكمْ عِلْمٌ بأهلِ العَلمَيْن
ظَعنوا في أيّ واديّ الكُوَى / وحدا بالقلبِ أىُّ الحاديَيْن
يَملأ لِبيدَ بأشياخهمْ / كُلُّ عيديٍّ نَجيبٍ وعُصَيْني
ويُغيبُ الشّمسَ في نَقعهمْ / مَرَحُ الخيلِ وتَجريرُ الرُّدَيْني
وعلى أكوارِهمْ من وَجْرة / سُدُمُ الآرامِ تَنْحو رامَتَيْن
فيهمُ مَنْ عَلِقَ القلبُ به / وأطالَ الوجدَ غيْظُ اللاّئمَيْن
والقنا يَسْعَى حَوالَيْ خِدْرِه / دَورةَ الهُدْبِ على إنسانِ عَيْن
أسلَم الصَبَّ إلى حَرٍّ الجوَى / وإلى القَطْرِ بقايا الدِّمنتَيْن
لا تَظنُّوا أنّ سَجعاً شاقَني / أنا أطربتُ حَمامَ الواديَيْن
أنا علَّمتُ الشّتا حينَ بكَى / دَمعَهُ يَرقُمُ رَسْمَ الرَّقمتَيْن
لك أن تُخلِفَ ميعادَ الحَيا / أيّها البرقُ ولا بالرَّقمتَيْن
فسقاها غيرَ ماحِ رسْمها / دانيَ الهَيْدَبِ نائي الحَجْرتَين
واقفاً يبكي على آثارهم / وِقفةَ العاشقِ بَيْنَ العاذِلَين
يَسبِقُ الرَّعدَ ببَرقٍ مثْلَما / يَبْدُر الزَّجْرُ بلَمْعِ الحاجبَيْن
لستَ يا غَيثُ وإنْ روَّيتَها / مثْلَ زينِ المُلكِ في جودِ اليَدين
ومتى تَتْركُ أن تُشبهَهُ / فامْطِرِ الأرضَ بِتبْرٍ أو لُجَين
ماجدٌ كلتا يدَيْه في النَّدى / رِفدُها يخجِلُ رِفْدَ الرّافدَين
هو مَعْنَى العَدْلِ جوداً لا هوى / وهْو زينَ المُلك صدْقاً غيرَ مَيْن
زانَه حين دعاه زَينه / ولقد يدعَى بزَينٍ غيرَ زَين
يَحمِلُ الوَفْدَ إلى أبوابهِ / كُلُّ مُرتاحِ مَجالِ النّسعَتين
كَسبوا بينَ الأيادي بالسُّرى / والمطايا كَسْبُهمْ رُوحاً بأَيْن
صائبُ الرّأيِ بَعيدُ المُنتهَى / طاهُرُ العِرْضِ حَميدُ الشيمتَين
حَسَن أحسنُ ما في حُسنه / خُلُقٌ يَعدِلُ سَمتَ الحَنّين
لو رأينا مِثْلَه في عَصْرِه / لرأينا في المنامِ القَمَرين
وإذا هَزَّ لخَطْبٍ قَلماً / ناب عن كُلِّ رقيقِ الشَّفْرتَين
وإذا أعملَ حَدَّيْ رأيه / في عَدُوٍّ كان أمضَى المُرهَفيْن
جُمع الجَدُّ معَ الجِّدِ له / لا يزالا عندهُ مُجتَمِعَين
وتَناهَى العلْمُ والجودُ به / فتَواردْنا لبَحْرٍ لُجَّتَيْن
أسرَع الصّومُ إلى ساحتِه / باسمَ الثّغْرِ صَدوقَ البُشْرَييْن
فَلْيصُمْ أمثالُه في نِعمةٍ / وعُلاَ تَبقَى بقاءَ الرّافدَين
يا مُقيمَ المجدِ في أعلَى السُّها / ومُطارَ الذِّكْرِ بينَ الخافقَين
هاكَها مصقولةً لو جُسِّمَتْ / قُرِّطَ السّامعُ منها دُرَّتَيْن
مَأْخَذُ الشِّعْرِ قَريبٌ أَمَمٌ / فإذا شئْتُ يفوقُ الفرقَديْن
فابْقَ في عزِّ عُلاً لا يَنقضي / عَهدُه قبلَ مآب القارِظَين
تَقتفي كُلَّ وليٍّ بغِنَى / وإلى كُلِّ أخي ضِغْنٍ بحَين
فإذا غَيَّر حالاتِ الورَى / كان كالدَّهرِ مُقيمَ الحالتَين

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025