القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ حَمْدِيس الكل
المجموع : 15
أشهابٌ في دجى الليل ثَقَبْ
أشهابٌ في دجى الليل ثَقَبْ / أم سراجٌ نارُهُ ماءُ العِنَبْ
أم عروسٌ فوق كرسيِّ يدي / يجتليها اللهوُ في عقدِ الحبب
يا شقيقَ النفس أنفاس الصَّبا / بَرَدَت والصبح لا شكّ اقترب
قمْ أمتِّعك بعيشٍ لمْ تَقَعْ / في صفاءٍ منْهُ أقذاءُ النّوب
فلقد حانَ لضوءِ الفجر أنْ / يضربَ السرحانُ فيه بذنب
فأدِرْها تحْتَ ليلٍ سَقْفُهُ / ظلمةٌ فيها من النور ثُقَبْ
أو على برقِ سماءٍ ضاحكٍ / غيمُهُ بالدّمْع منه منسكِب
سَكِرَ الرّوضُ وغنّى طيرُهُ / أفلا ترقصُ قاماتُ القُضُب
هات دُرّاً فيه ياقوتٌ وخُذْ / جسمَ ماءٍ حاملاً روحَ لهب
قهوَةً لو سُقِيَتْها صخرةٌ / أورقتْ باللّهو منها والطّرب
يجذبُ الرّوح إليه روحُها / ألطف الشيئين عندي ما انجذب
وُلِدَتْ بالشّيبِ في عنقودها / وهيَ اليومَ عجوزٌ لم تشب
كلَّما مَوّجَها المزنُ أَرَتْ / حَبَبَ الفضّةِ في ماءِ الذهب
ما درى خمّارُها عاصِرَها / فحديثُ الصدق فيها كالكذب
خندريسٌ عُتّقَتْ في أجوَفٍ / من دم العُنقودٍ مملوءٍ نُخَبْ
واضعٌ كفَّيْه في أخصارهِ / وقيامٌ في قعودٍ قد وجب
دفنوا اللَّذةَ فيها حيّةً / وأتى الدّهرُ عليها وذهب
ظَنَّهُ كنزاً فلمّا انْتَسَبَتْ / منهُ للأنفِ درى ذاك النسبْ
قلتُ إذ أبرَزَها في قعبه / أهيَ بنت الكرم أم أمّ الحقب
قتلتني وهي بي مقتولةٌ / صولةُ الميت على الحيّ عجب
كيفَ لا تصرعُني صَوّالةٌ / وهي منّي في عروقٍ وعصب
ومليح الدلّ إنْ علّ بها / قلتَ نجمٌ في فمِ البدر غرب
شعشعَ القهوةَ في صوب الحيا / وسقاني فضلةً مما شرب
فتلاقى في فمي من كأسِهِ / ماءُ كرْمٍ وغمامٌ وشَنَبْ
وشدا من مدح يحيى نَغَماً / هزّ منه الملكُ عِطفيه طَرَب
مِن مُعِزِّ الدّين في الفخر له / خيرُ جَدٍّ وتميمٌ خيرُ أب
مَنْ له وجْهُ سماحٍ سافراً / أبداً للمجتدي لا ينْتقب
مَلِكٌ عن ثُغْرَةِ الدّين اتّقى / ورمى الأعداءَ بالجيش اللجب
في سرير الملك منه قمرٌ / يُجْتَلَى يومَ العطايا بالسحب
طاهرُ الأخلاق مألوفُ العلى / طيّبُ الأعراق مصقول الحسب
عادلٌ تعكف بالحمد على / ذكره أفواهُ عُجمٍ وعرب
سالبٌ منه الندى ما سَلَبَتْ / من أعاديه عواليه السُّلُب
في نصابٍ لم يزل من حِمْيَر / مُعْرِقاً في كلّ قومٍ مُنْتَخَب
بُهَمٌ إنْ ذُكِرَ الجيشُ بِهِمْ / هالَ منه الرعبُ واشتدّ الرّهَب
والحديدُ الصلبُ لولا بأسُهُ / لم يخَفْ في الطعنِ من لين القصب
أثبت الإقدامُ في أنفسهمْ / أنّ مرّ الضّرْبِ حُلْوٌ كالضَّرَب
يتّقي فيضَ النّدى مَنْ كَفّهُ / عيل منه لدغ دهر يَنتَهب
وإذا ما ضحكت سنّ الرضى / منه لم يُخْشَ عبوسْ في الغضب
كلّ قطر منه يلقى مشرباً / من جداه ولقد كان سرب
يحسب الطودَ حصاةً حلمُهُ / وتظنّ البحرَ نعماهُ ثُغَب
نالَ أهلُ الفضلِ منه فضلَهُمْ / ومن الشمس سنا نور الشّهب
تتّقي الأعداءُ منه سطوةً / وهو في ظلّ علاه مُحتجب
والهصورُ الوردُ يُخْشى وثبهُ / وهو في الغيلِ مقيمٌ لم يثب
كم فمٍ طاب لنا من ذكره / فهو كالمسكِ وكم ثغر عَذُب
وكأنّ الرّوضَ في أوصافِهِ / تُغْمَسُ الأشْعار فيه والخطب
ثابتٌ كالطود في معتركٍ / جائلِ الأبطال خفّاقِ العَذَبْ
ورؤوسٌ بالمواضي تُخْتَلى / ونفوسٌ بالعوالي تُنتهب
كم شجاعٍ خاض في مهجته / بسنانٍ في الحيازيم رسب
قلمٌ يمشقُ في الطّعنِ فَقُلْ / أمَحَا العيشَ أمِ الموتَ كتب
أيها الواصلُ من إحسانِهِ / سبباً من كلّ منبَتِّ السبب
ربّ رأيٍ لك جَهّزْتَ به / جحفلاً ذاقَ العدى منه الشجب
كنتَ يوم الحرب عنه غائباً / وظُبَى نصرِكَ فيه لم تَغِبْ
كالّذي يلعبُ في شطرنجه / رأيُهُ عنه تَخَطّى في اللّعب
أنا مَنْ صاح به يومَ النوى / عن مغانيه غرابٌ فاغترب
طفتُ في الآفاق حتى اكتهلَتْ / غُرْبَتِي واحتنكت سنّ الأدب
ثمّ أقبلتُ إلى الملكِ الذي / مدَّ بالطَّوْلِ على الدنيا طُنُب
منَحَ العلياء كَفّيْ ناقدٍ / فانتقى الدرّ وأبقى المخشلب
فَلَعَلّي ببقايا عُمُري / منه أقضي البعضَ من حقٍّ وَجبْ
غَيّرَتْهُ غِيَرُ الدّهرِ فشابْ
غَيّرَتْهُ غِيَرُ الدّهرِ فشابْ / ورمته كلُّ خود باجتنابْ
فغدا عند الغواني ساقطاً / كسقوط الصّفْرِ من عدّ الحسابْ
وتَولى عنه شَيطانُ الصبا / إذ رماه الشيبُ رجماً بشهاب
وكأنّ الشَّعرَ منه سَعَفٌ / يلتظي فيه شواظٌ ذو التهاب
أيها المُغْرى بِتأنيبِ شجٍ / سُلّطَ الوجدُ عليه هل أناب
هامَ لا همتَ من الغيد بمن / حُبّها عَذْبٌ وإن كان عذاب
لمتَ لا لمتَ عميداً قَلْبُهُ / عن سماعِ اللوم فيها ذو انقلاب
والهوى باقٍ مع المرءِ إذا / كان مع عَصْرِ الصِّبا عنه ذهاب
بأبي من أقبلتْ في صورةٍ / ليس للتّائب عنها منْ مَتَاب
كلُّ حُسْنٍ كامِلٍ في خَلقها / لَيتها تَنجو منَ العينِ بعاب
فالقوامُ الغُصْنُ والرِّدف النَّقا / والأقاحُ الثَّغْرُ والطَّلُ الرُّضاب
ظبيةٌ في العقد إمّا التفتَتْ / ومهاة حين ترنو في النقاب
ضَاع قَلبي فالتَمِسْهُ عِندها / تُلْفِهِ في النحر وُسْطَى بِسِخاب
روضةٌ تعبقُ نشراً ما لها / غُمِسَتْ في ماءِ وردٍ وَمَلاب
عَنّفَتْ رُسْلي وَرَدّتْ تُحَفي / وأتَتْ تقرعُ سَمعي بالعِتاب
ومحتْ أسْطُرَ شوقٍ كُتِبَتْ / بدموع نِقْسُها قلبٌ مذاب
ثُمَّ غَطَّتْ بِنِقابٍ خَدّها / مَنْ رأى الشمسَ تَوارَت بالحِجاب
بِكَلامٍ يَسْتَبي أهلَ النّهى / ويحُطّ العُصْمَ من شُمّ الهِضاب
حيثُ أخلاقي رواضٍ خَضَعَتْ / في الهَوى منها لأخلاقٍ صِعاب
كَيفَ لا أَبكي بِهذا كلّهِ / وأنا الفاقدُ ريعانَ الشَباب
صدّت البيضُ عن البيضِ أما / كانَ ما بينَ الشَبيهَين انجذاب
أفلا أبكي شباباً فَقْدُهُ / قَلَبَ الماءَ لظمآنٍ سَرَاب
أَخطَأَ الشَيبُ ظُباءً والصِّبا / لو رماها خَذَفاتٍ لأَصاب
خُذْ برأيٍ في زماع واصلٍ / طَرَفَيْهِ بِسَفينٍ ورِكاب
واغتربْ وارجُ المنى كم من فتىً / مُعْدَمٍ نالَ المُنى بَعدَ اغتراب
إِنّ أَتراحَ النَوى يعقُبُها / بِجَزيلِ الحَظِّ أفراحُ الإياب
وإذا نابكَ خَطْبٌ فَاقْرِهِ / بمهيبٍ فهوَ للإِسلامِ ناب
إنّ للقائد عزّاً جارهُ / في جوار النجم محميّ الجناب
أسَدُ الرّوع الذي حِمْلاقُهُ / يُرْسِلُ اللحظةَ موتاً فَيُهاب
صارمٌ يُبْكي دُمَى الرومِ دَماً / إن تغنّى منه في الهامِ ذُباب
في جهادٍ قَرَنَ اللَّه به / عنده الزّلفى إلى حُسْن المآب
كم بأرْضِ الشرك من معمورةٍ / أصبحت في غَزْوِهِ وهي يَبَاب
في أساطيلَ ترى أحشاءَها / لبناتِ الرّومِ فيهنّ انتحاب
ككناسٍ بَغَمَتْ غزلانُهُ / من زئيرٍ راعها مِنْ أُسْدِ غاب
كلّ مُسْوَدّ قَرَاهُ خلقةً / لابساً من ذلك الليلِ إهاب
إنّ ثعبانَ سراه يقتدي / في نعيب منه بالبّرِ غراب
شَجَراتٌ حَمْلُها البيضُ إذا / نَوّرَتْ بالمشرفياتِ العضاب
أثمرتْ بالعينِ في الماءِ وإن / ثَوّرَتْ منه عَجاجات العُبَاب
تقرأ الأعلاجُ منها للرّدَى / فوْقَ طِرْسِ الماءِ أسطارَ كتاب
من صناديدهمُ إنْ ساوروا / أُسُدَ البيد وحيّاتِ الشعاب
لستُ أدري أقلوبٌ منهمُ / أمْ صخورٌ في الحيازيم صِلاب
بُهَمٌ إنْ ثَوّبَتْ حَرْبٌ بِهِمْ / أوجفوا البُزْلَ إليها والعِراب
أيّها العزمُ الذي منه زكا / في المعالي عنصُرُ المجدِ وطاب
هاكها بنتَ ضميرٍ أعْرَبَتْ / عن معاليك بألفاظٍ عِذاب
يا لها من حكمةٍ بالغةٍ / خاطبَ الفضلَ بها فَصْلُ الكتاب
وَصِلِ الغزوَ بتدميرِ العدى / وَاحْيَ في العِزِّ لتسهيلِ الصعاب
طَرَقَتْ واللّيلُ مَمدودُ الجَناحْ
طَرَقَتْ واللّيلُ مَمدودُ الجَناحْ / مَرْحباً بالشّمسِ في غيرِ صَباحْ
سلّمَ الإيماءُ عنها خجلاً / أوَمَا كان لها النّطقُ مُباح
غادَةٌ تَحملُ في أجفانِها / سقماً فيه منيّاتُ الصحاح
بتُّ منها مُستعيداً قُبَلاً / كانَ لي مِنها عَلى الدّهرِ اقتراح
أَلثم الدّرَّ حصىً ينبع لي / بزلالٍ ناقعاً فيه التياح
وأُروّي غُلَلَ الشّوقِ بما / لم يكُنْ في قُدْرَةِ الماءِ القَراح
باعتناقٍ ما اعتنَقْناهُ خَنىً / والتزامٍ ما التزمناهُ سفاح
ما على من صادَ في النّوم لَهُ / شَرَكُ الحلمِ مهاةً من جُناح
همتُ بالغيدِ فلو كنت الصِّبا / لم يكُنْ منّيَ عنهنّ بَرَاح
ورددتُ الشيبَ عنها معرضاً / بكلامِ السّلمِ أو كلْم الكفاح
عَلِّلِ النّفسَ بريحانٍ وراحْ / وأطِعْ ساقِيَها واعصِ اللّواح
وأدِرْ حمراءَ يسري لُطُفاً / سُكْرُها منْ شمِّها في كلّ صَاح
لا يغرّنّكَ منها خَجَلٌ / إنّها تُبديه في خدٍّ وَقَاح
واعْلُهَا بالماءِ تَعْلَمْ منهما / أنّ بينَ الماءِ والنّارِ اصطلاح
وإذا الخَمْرُ حماها صِرْفُهَا / تَرَكَ المزْجُ حماها مُسْتَباح
خلّني أُفْنِ شَبابي مَرَحاً / لا يُرَدّ المهرُ عن طَبْع المراح
إنّما يَنْعَمُ في الدّنْيا فَتىً / يدْفَعُ الجِدّ إليها في المزاح
فاسقِني عن إذْنِ سلطانِ الهَوَى / ليس يَشفي الرّوحَ إلّا كأسُ راح
وانتَظرْ للحلمِ بعدي كرّةً / كم فسادٍ كان عُقْباهُ صلاح
فالقضيبُ اهتَزّ والبَدرُ بدا / والكثيبُ ارتَجّ والعنبرُ فاح
والثريّا رجحَ الجوُّ بها / كابنِ ماءٍ ضمَّ للوكرِ جناح
وكأنّ الغَربَ منْها ناشقٌ / باقةً من ياسمينٍ أو أقاح
وكأنّ الصبحَ ذا الأنوار من / ظُلَمِ اللّيلِ على الظلماءِ صاح
فاشرَبِ الراحَ ولا تُخْلِ يداً / من يدِ اللّهوِ غُدُوّاً ورواح
ثَقّلِ الرّاحةَ مِنْ كاساتِها / برَداحٍ من يَدِ الخودِ الرّداح
في حديقٍ غَرَسَ الغَيثُ بهِ / عَبقَ الأرواح مَوْشيَّ البطاح
تعقلُ الطَّرفَ أزاهير به / ثمّ تعطيه أزاهيرَ صراح
أرْضَعَ الغَيمُ لباناً بانَهُ / فَتَربّتْ فيه قاماتُ المِلاح
كُلّ غصنٍ تَعتري أعطافَهُ / رِعْدَةُ النَشوانِ مِن كَأسِ اصطِباح
يكتسي صبغةَ وَرْسٍ كُلّما / ودَّعت في طَرَف اليَومِ براح
فكأنّ التربَ مِسْكٌ أذفَرٌ / وكأنّ الطلّ كافورُ رباح
وكأنّ الرّوْضَ رَشّتْ زَهْرَهُ / بمياهِ الوردِ أفواهُ الرّياح
أفَلا تَغنَمُ عَيشاً يقتَضي / سَيرُهُ عنكَ غُدوّاً ورواح
وإذا فارَقتَ ريعانَ الصِّبا / فَاللّيالي بأمانيكَ شِحاح
ليَ سَمْعٌ صدّ عن قَوْلِ اللّواحْ
ليَ سَمْعٌ صدّ عن قَوْلِ اللّواحْ / وفؤادٌ هامَ بالغيدِ الملاحْ
أحْدَقَ الوَجْدُ بهِ مِنْ حَدَقٍ / كَحَلَتْ بالحسنِ مرضاها الصّحاح
وَيح قلبٍ ضاقَ من أسهمها / عن جراحٍ وقعها فوق جراح
ما أرَى دمعيَ إلّا دَمَها / ربَّما احمَرّ على خَدّي وَساح
كم أسيرٍ من أُسارى قَيدِهِ / في وَثَاقِ الحبّ لا يرجو سَرَاح
وعليلٍ لا يداوى قَرْحُهُ / من جنيّ الرشفِ بالعذبِ القراح
والغواني لا غنىً عن وَصلها / أبِغَيرِ الماء يَرْوَى ذو التِياح
صَفِرَتْ كَفّايَ من صِفْرِ الوشاح / وهَفا حلمي بِهَيفاء رداح
طَفْلَةٌ تسرَحُ في أعطافِها / لِلأَظانين وللدَلِّ مراح
لَوْ هَفَا من أُذْنِها القُرْطُ على / حبلِها من بُعْدِ مَهْوَاهُ لطاح
تُورِدُ المِسْواكَ عذباً خَصِراً / كمُجاجِ النّحلِ قد شِيبَ براح
وإذا ما لاثِمٌ قَبّلَها / شقّ باللّثمِ شقيقاً عن أقاح
طارَ قلبي نَحوَها لمّا مَشَى / حسنُها نحويَ للقلبِ جناح
ما رأتْ عَينٌ قطاةً قبلها / تتَهادى في قلوبٍ لا بطاح
لا ولا شمساً بَدَتْ في غُصُنٍ / وهو في حقف يُنَدّى ويَراح
وكأنّ الحُسْنَ منها قائِلٌ / ما على من عَبَدَ الحُسْنَ جُنَاح
في اقترابِ الدّارِ أَشكو بُعدها / واقترابُ الدّارِ بالهَجرِ انتِزاح
وكَأَنّي لعبةٌ في يَدها / ما لها تُتلفُ جِدّي بالمزاح
أوَ هذا كلّه من لِمّةٍ / أبْصَرَتْ فيها بياضَ الشيبِ لاح
ما تريدُ الخود من شيخٍ غدا / في مدى السّبْعينَ بالعُمْر وراح
كان مِسْكُ اللّيلِ في مفرِقِه / فانجَلى عنهُ بِكَافورِ الصّباح
يا بَني الأَمجادِ هذا زَمَنٌ / رَفعَ الآدابَ من بعدِ اطّراح
فَسحابُ الجودِ وكّافُ الحيا / ومَراد العيش مُخْضَرّ النّواح
ويمينُ ابنِ تميمٍ عَلّمَتْ / صنعةَ المعروفِ أيْمانَ الشّحاح
مَلكٌ في البَهو منه أسَدٌ / يضعُ التّاجَ على البدر اللّياح
حالفَ النّصرَ منَ اللّه فإن / لقيَ الأعداءَ لاقاهُ النّجاح
كلّما هَمَّ بأمْرٍ جَلَلٍ / أتعبَ الأيّامَ فيه واستراح
يهبُ الآلافَ هذي هِمّةٌ / ضاقَ عنه دهرهُ وهي فياح
لَستُ أَدري نشوَةً في عِطفه / للقاءِ الوفد أم هزّ ارتياح
لو غَدت جَدوَى يَدَيه قَهوةً / ما مَشى مِن سُكرِها في الأَرض صاح
من ملوكٍ شُنّفَتْ آذانُهُمْ / بأغاريدَ من المدح فِصَاح
تَكحُلُ الأَبصارُ مِنهُم بِسنا / أوجهٍ مثلِ الدّنانير صِباح
قرّ طبعُ الجود في شيمَتِه / ما لِطَبعِ المَرءِ عَنهُ مِن بَراح
بَعضُ ما يُسديهِ مِن إِحسانِهِ / جلّ عن كلّ تَمَنٍّ واقتِراح
مِحْرَبٌ يَخرُجُ مِن أَغمَادِهِ / خُلُجاً توقدُ نِيرانَ الكِفاح
يَتحَفُ الحَربَ جناحَيْ جَحْفَلٍ / يَقذِفُ الأَعداءَ بالمَوتِ الذّباح
كُسِيَتْ قُمْصَ الأفاعي أُسُدٌ / تُوِّجَتْ فيه بِبيضات الأدَاح
تحسبُ الورد نثيراً حَوْلَهُ / وهو مُحْمَرّ مُجاجاتِ الرّماح
بَطَلٌ تَشْهَقُ مَنْ لهذمِهِ / في جباهِ الرّوعِ أفواهُ الجراح
جاعِلٌ للقِرْنِ إنْ عانَقَهُ / سَيْفَهُ طوقاً وكفَّيْهِ وِشاح
يا وَهُوبَ العيدِ في بَعضِ النّدى / والغنى والجودِ والكُومِ اللّقاح
إنَّ بَحرَيْك عَلى عَظمِهِما / حَسَدا كفَّيك في فيضِ السّماح
فإذا مُوّجَ هذا وطَما / برياحٍ جاشَ هذا برياح
حكيا جُودكَ جَهْلاً فهما / لا يزيدانِ به إلّا افتضاح
كَثُرَ الخُلْفُ ومن دانَ به / وعلى فضلِكَ للنّاسِ اصطلاح
وإذا الفخرُ تسمّى أهلُهُ / كنتَ منهم في فمِ الفخر افتتاح
نَثَرَ الجوُّ على الأرْضِ بَرَدْ
نَثَرَ الجوُّ على الأرْضِ بَرَدْ / أيّ دُرٍّ لنحورٍ لو جَمَدْ
لؤلؤٌ أصْدافُهُ السُّحْبُ التي / أنْجَزَ البارقُ منها ما وَعَد
منحتْهُ عارياً من نَكَدٍ / واكتساب الدُّرّ بالغَوصِ نَكد
ولقد كادَتْ تعاطَى لَقْطَهُ / رغبةً فيه كريماتُ الخُرُد
وتحلّي منهُ أجياداً إذا / عَطِلَتْ راقَتكَ في حَلي الغَيَد
ذَوّبَتْهُ من سماءٍ أدْمُعٌ / فَوْقَ أرْضٍ تتلقاهُ بِخَد
فَجَرَتْ منهُ سيولٌ حولَنا / كثعابين عجالٍ تَطّرِد
وترى كلّ غديرٍ مُتئقٍ / سَبَحَتْ فيه قواريرُ الزّبَد
من يعاليلَ كبيضٍ وُضِعَتْ / في اشتباكِ الماءِ من فوقِ زَرَد
أرّقَ الأجفانَ رعدٌ صوتُهُ / كهديرِ القَرْمِ في الشّوْلِ حَفَد
باتَ يَجتابُ بِأَبكارِ الحيا / بلداً يُرْويهِ مِنْ بَعْدِ بَلَد
فَهوَ كَالحادي رَوايا إن وَنَتْ / في السُّرَى صاحَ عَليها وجَلَد
وكأنّ البرقَ فيها حاذفٌ / بضرامٍ كلّما شَبّ خَمَد
تارةً يخفو ويَخفى تارَةً / كحسامٍ كلّما سُلّ غُمِد
يَذْعَرُ الأبْصارَ محمرّاً كما / قَلَبَ الحملاقَ في اللّيلِ الأسَد
وعليلِ النّبْتِ ظمآنِ الثرى / عرّج الرّائدُ عنه فزهد
خَلَعَ الخصبُ عليه حُلَلاً / لبديع الرقمِ فيهنّ جُدُد
وسَقاهُ الريَّ من وكّافَةٍ / فَتَحَ البرقُ بها اللّيلَ وسَد
ذاتِ قطرٍ داخلٍ جَوْفَ الثرى / كَحياةِ الروحِ في مَوتِ الجَسَد
فتثنَّى الغصنُ سكراً بالنّدى / وتغنّى ساجعُ الطيرِ غَرد
وكأنّ الصبحَ كَفٌّ حَلّلَتْ / من ظلامِ اللّيلِ بالنورِ عُقَد
وكأنّ الشمسَ تجري ذهباً / طَائراً في صَيدِهِ من كلِّ يَد
أنْكَرَتْ سُقْمَ مُذابِ الجَسَدِ
أنْكَرَتْ سُقْمَ مُذابِ الجَسَدِ / وهوَ مِن جِنسِ عُيونِ الخُرُدِ
وَبَكَتْ فَالدَّمْعُ في وَجنَتِها / كَجُمانِ الطلِّ في الوردِ النَدي
ما الَّذي يُبْكي بِحُزنٍ ظَبيةً / فَتَكَتْ مُقلَتُها بِالأُسدِ
والظباءُ الحُورُ إِمّا قَتَلَتْ / لَحَظاتُ العَينِ مِنها لا تَدِي
غادَةٌ إِن نيطَ مِنها مَوعِدٌ / بِغَدٍ فَرَّ إِلى بَعدِ غَدِ
هَكَذا عِنديَ يَجري مَطْلُهَا / بِخِلافٍ عندها مُطَّردِ
وهيَ مِن عُجْبٍ وَمِن تيهٍ لَها / كبدٌ تُرحمُ منها كبدي
ذَاتُ عَينٍ بِالهَوى نَابِعَةٌ / ضَلّ في الحُبِّ بِها مَن يَهتَدي
وهيَ نَجلاءُ حَكاها سِعَةً / جُرحُها في كُلِّ قَلبٍ مكمَدِ
لا يَذوقُ المِيلُ فيها إِثمداً / ما لأَحدَاقِ المَها والإِثمِدِ
قَذَفَتْ حَبّةَ قَلبي في الهَوى / هَل رَأَيتَ الجَمرَ في المُفتَأَدِ
سِحرُها وحيٌ بِنَجوى ناظِرٍ / ذُو نُفاثٍ للنُّهى في عقَدِ
ما لآسٍ في مُحِبٍّ عَمَلٌ / غيرُ داءِ الروح داءُ الجَسَدِ
خَفيَ البُرءُ على أَلطافِهِ / وهوُ في بَعضِ ثَنايا العُوّدِ
إِنَّ في ظَلْمِ ظَلُومٍ لَجَنى / شُهُدٍ واهاً لذاكَ الشُّهدِ
ذاب لي بالراحِ منها بَرَدٌ / هل يكونُ الراحُ ذَوْبَ البَرَدِ
هاتِها صَفراءَ ما اختَرتُ لَها / أُفُقَ الشمسِ على أُفْقِ يَدي
خارجٌ في راحتي مُقْتَنِصٌ / كُلّ هَمٍّ كامِنٍ في خَلَدي
جَرّدَ المَزجُ عَلَيها صارِماً / فَاتَّقَتْهُ بِدُموعِ الزّبَدِ
عُتّقَتْ ما عتقت في خَزَفٍ / بِرِداءِ القارِ فيهِ تَرتَدي
حَيثُ أَبلى جِسمَها لا روحَها / مُرُّ أَيّامِ الزّمانِ الجُدُدِ
ما أَطاقَ الدَّهرُ أَنْ يَسلِبَها / أرَجَ المِسكِ ولَونَ العَسجَدِ
فاقْضِ أوطارَ اللذاذاتِ على / نَقْرِ أوتارِ الغَزالِ الغرِدِ
فَلُحونُ العودِ والكاسُ لَنا / والندى وَالبَأسُ لِلمُعتَمَدِ
مَلِكٌ إِن بَدَأَ الحمدُ بِهِ / خَتَمَ الفخرُ به ما يَبتَدي
مُعرِقٌ في المُلكِ مَوصولاً بِهِ / شَرَفُ المَجدِ ومَحضُ السُؤدُدِ
مَن غَدا في كُلِّ فَضلٍ أَوحَداً / ذَلِكَ الأَوحَدُ كلّ العَدَدِ
مَن حَمى الإِسلامَ مِن طاغِيةٍ / كانَ مِنهُ في المُقيمِ المُقعَدِ
وكَستْ أسيافُهُ عاريةً / ذُلّ أهْلِ السبتِ أهلَ الأَحَدِ
ذو يدٍ حَمراءَ مِن قَتلهِمُ / وهيَ عِندَ اللَّه بَيضاءُ اليَدِ
تَقتَدي الأَملاكُ في العَدلِ بِهِ / وهوَ فيهِ بِأَبيهِ يَقتَدي
كَيفَ لا يُمْلي عَلى الناسِ العُلى / مُسْتَمِدٌّ من عُلا المُعتَضِدِ
عارِضٌ يَنهلُّ بالوَبلِ إِذا / كان للعارضِ كفَّ الجَلمَدِ
وهَصورٌ يَفرِسُ القِرْنُ إِذا / جَرّدَ المُرهفَ فَوقَ الأَجرَدِ
قَوّمَتْ عَزمَتُهُ عن نِيَّةٍ / مِن مَنارِ الدينِ مَيْلَ العَمَدِ
لا تَلُمْهُ في عَطاياهُ الَّتي / إن تَرُمْ مِنهُنَّ نَقصاً تَزدَدِ
فَنداهُ البَحرُ والبَحرُ مَتى / تعصفِ الرّيحُ عليه يُزْبدِ
ومحالٌ نَقْلُكَ الطبعَ الَّذي / كَانَ مِنهُ في كَريمِ المَولِدِ
كم لُهامٍ جَرّ في أوّلِهِ / رُمحَهُ فَهوَ لَهُ كَالمِقوَدِ
وَلُيوثٍ صالَ فيهِم فانثَنَوْا / وضَواريهم له كالنّقَدِ
بِحُسام مُطفئٍ أرواحهُمْ / بِشواظِ البارِقِ المُتَّقِدِ
لِغِرَارَيْهِ على هاماتِهِم / مِن شِرارِ القَدحِ ما في الزنَدِ
كَم تَغَنّى بِالمَنايا في الطلا / ظَبتاهُ عَن أَغاني مَعبَدِ
وَسِنان مشرعٌ في صَعْدَةٍ / كَلِسانٍ في فَمِ الأَيمِ الصَدي
في سَماءِ النقعِ مِنهُ كَوكَبٌ / طالعٌ في يَزَنِيٍّ أَملَدِ
أَبَداً يَدعو إلى مأدبةٍ / حُوّمُ الوَحشِ عَلَيها تَغتَدي
يا بَني البَأسِ مَنِ الذِّمْرُ الَّذي / جاءَ في كاهلِ عَزْم أيّدِ
شَيَّبَ الحَربَ اقتِحاماً بَعدَما / رَبِيَتْ في حِجرِهِ كَالوَلَدِ
يَرعَفُ اللَهذَمُ في راحَتِهِ / كُلَّما شَمَّ قُلوبَ الأُسُدِ
سَمهَريٌّ أَحرَقَتْ شُعْلَتُهُ / كُلَّ رُوحٍ في غَديرِ الزّرَدِ
أَنتَ ذاكَ الأَسَدُ الوَرْدُ فَهَلْ / كانَ في رمحك سَمّ الأسْوَدِ
أعِناقُ البُهَمِ استَحسَنتَهُ / وهو بَرْدٌ أم عِتاقُ الجُرُدِ
دُمتَ في المُلكِ لِمَعنَى مادِحٍ / يَنظِمُ الفَخرَ وَجَدوى مُجتَدِ
وَبَناتٌ مِن فَصيح مُفْلِقٍ / يَشْهَدُ الفضْلُ له في المَشهَدِ
فَهوَ بِالإِحسانِ في أَلفاظِها / مُحسِنٌ صَيْدَ المَعاني الشّرَّدِ
في بُيوتٍ أَذِنَت فيها العُلى / لَكَ بِالتَقريظِ في كُلِّ نَدِ
قَد تَناهى في عَرُوضٍ فهيَ لا / يَعرِضُ الهَدْمُ لَها في المُسْنَدِ
فَإِذا أَثْنَتْ عَلَيكُم فَتَقَت / لكمُ مِسْكَ الثّناءِ الأَبدي
وَإِذا استَحْيَتْ مِنَ المَجدِ أتَى / مُعْرِباً عَنها لِسانُ المُنشِدِ
أين منّي عَتْبُ أحبابٍ هجودْ
أين منّي عَتْبُ أحبابٍ هجودْ / قَتَلُوا نومي بإِحياءِ الصُّدودْ
وخِلِّي لم تَبِتْ أحْشاؤُهُ / آه من وصلٍ عَنِ القُربِ يَذود
وخَلِّي لمْ تَبِتْ أحْشاؤهُ / وهيَ بِالتبريحِ لِلنارِ وَقود
قَالَ كَم تَظما مِنَ الظَّلْمِ إلى / مَوْرِدٍ لم تَرْوَ منهُ بِوُرود
شِيبَ بِالمِسكِ وَبِالشهدِ معاً / وَالمَساويكُ على ذاكَ شُهود
أَو تُرجِّي نَيلَ صادٍ لِلَّمى / قلتُ لولا الماءُ ما أوْرَقَ عود
قَالَ إِنَّ البيضَ لا تَحظى بِها / أو تَرى بِيضَ ذؤاباتِكَ سُود
قُلتُ عِندي يومَ أَصطادُ المُنى / جَذَعٌ يُحْكِمُ تأنيسَ الشَّرُود
كم مُليمٍ قد نَضَا ثَوْبَ الصّبا / عنه رَدّتْهُ إلى الصّبْوَةِ رُوْد
بحديثٍ يُسْحَرُ السحر به / يَتمنَّاه مُعَاداً أن يَعود
تُنْزَلُ الطيرُ من الجوِّ به / وتُحَطّ العُصْمُ من شُمّ الرُّيُود
وَسَبَتْهُ قُضُبٌ في كُثُبٍ / مالتِ الأكفالُ منها بالقُدود
وثمارٌ نَطَقَتْ أوصافها / بإِشاراتٍ إِلى صُغرِ النُهود
عَدِّ بي عن كلّ هذا إنّني / لا أرى الدهر لإِحساني كَنُود
لي هوىً آوي إليه مرحاً / غَيرَ أَنِّي بِالنهى عَنهُ حَيود
إِنَّ هَمِّي هِمَّةٌ أَسمَرها / ولها قُمْتُ فما لي والقُعود
وفَلاةٍ أَبَداً ظامِئَةٍ / مُشْفِقٌ من قَطعِها العَوْدُ عَنود
حَمَل الماءَ ولا يَشْرَبُهُ / فهو للمُرْوَى به عينُ الحَسُود
جُبْتُهَا في مَتنِ ريحٍ تَنبَري / للسُّرَى بين سَيُوعٍ وَقتود
في ظلامٍ طَنّبَتْ أكنافُهُ / فوق أرجاءِ وهادٍ وَنُجود
وكَأَنَّ البدرَ فيهِ ملكٌ / والنجومُ الزُّهرُ حَولَيه وُفود
وكأنّ الشُّهبَ شُهْبٌ قَيّدَتْ / أَيدِياً منها على الجريِ قُيود
ولَقَد قُلتُ لحادي عيسِنا / وهيَ بِالبُخلِ عَنِ البُخلِ تَجود
أنَجَاءٌ تَخرِقُ الخَرْقَ به / كَابَدَتهُ مِنكِ أَم مَضغُ الكبود
فمتى يَفْلُقُ عن أبصارها / هامَةَ اللَّيل منَ الصبحِ عَمود
وأَرى ما اسوَدَّ من قارِ الدُّجى / ذابَ مِنهُ بِلَظى الشَّمسِ جُمُود
جالياً أقذاءَ عينٍ مَقَلَتْ / من محيّا حَسَنٍ بَدْرَ السعود
أروعٌ إن سَخُنَتْ عَيْنُ العلى / كَحَلَتْها مِنْ سَناهُ بِبُرود
في رُوَاقِ المُلْكِ منه مَلِكٌ / مُلْكُهُ من قبلِ عادٍ وثَمود
بَسَطَ الكفّ بجودٍ غَدَقٍ / قُبِضَتْ عَن بَذلِهِ كَفّ الصَّلُود
كَم سَبيلٍ نَحوَهُ مسلوكةٍ / فهي للقُصّاد كالأمِّ الوَلود
ذُو سَجايا في المَعالي خُلِقَتْ / لِلوَغى والسلمِ من بَأسٍ وَجُود
وأناةٍ أُرْسِيَتْ في خُلُقٍ / كَنَظيرِ الزَّهرِ في الرّوضِ المَجُود
وَمَصونُ العرضِ مَبذولُ الندى / مُعْرِقُ الآباء في مَحْضِ الجُدود
ثابِتٌ عِندَ المَعالي فَضلُهُ / هل يُطيقُ اللَّيلُ للصُّبح جُحود
مُقْدِمٌ يصطادُ أبطالَ الوغى / إنَّ شِبلَ اللَّيثِ للوَحشِ صَيُود
ذو ابتدارٍ في وقارٍ كامنٍ / لِلَظَى الزّنْدِ وقودٌ من خُمود
ألِفَتْ يمناهُ إسداءَ الغنى / والغنى تُسديه يُمنَى مَن يَسود
كم عُفَاةٍ في بلادٍ نَزَحَتْ / فَسَبَتْ مِنهُم أَياديهِ وُفُود
من ملوكٍ نَظَمَتْ مُدّاحُهُمْ / فِقَرَ المَدحِ لَهُم نَظْمَ العُقود
في بُيوتٍ بُنِيَتْ شِعْرِيّةٍ / لِثَناءِ المَرءِ فيهِنَّ خُلود
كُلُّ راسي الحلم حامٍ مُلْكَهُ / عادلِ السيرةِ وافٍ بالعُهود
أَسدٍ تَحسبُ في عامِلِه / أَسْوَداً يَنهَشُ أَعضاءَ الحُقود
نَشَؤوا في مَنعةٍ مِن عَزمِهم / لِلمَعالي في حُجورٍ وَبُنود
بيتُ مجدٍ جاوزت أرْبَعُهُ / أرْبُعَ الشُّهْبِ حُدوداً بِحُدود
يَقذِفُ الحربَ بِجَيشٍ لَجِبٍ / مُشْرَعِ الأَرماحِ مِقدامِ الجُنود
ذي موازيب حديدٍ فَهَقَتْ / بِصَبيبِ الدَّم من طَعنِ الكُبود
ونُسورٍ تَغتَدي أَحشاؤُها / مِن بَني الهَيجاءِ لِلقَتلى لُحود
زَاحِفٌ كَالبَحر مَدّاً بِالصبا / بِحَرورِ الموتِ في ظلِّ البُنود
نَقْعُهُ كالغيمِ ملتفّاً عَلى / صَعِقَاتٍ من بُروقٍ ورُعود
وَإِذا ما رَكَعتْ أَسيافُهُ / فَوقَ هاماتِ العِدى خَرَّتْ سُجود
لِلمَنايا عِندَهُ أَلْسِنَةٌ / قَلَّما تَعْمُرُ أفْواهَ الغُمود
كلّ عَضبٍ يحسبُ الناظرُ في / مَتْنِهِ للنار بالماءِ وقود
ونعوتُ البيض حُمْرٌ عِندَهُ / لِدَمٍ تُكْسَاهُ من قَتلِ الأُسود
وكَأَنَّ الأثْرَ فيها نَمَشٌ / كاد أن يَخْفَى بِتَوريدِ الخُدود
وكأنّ الفتكَ فيها أبداً / ذو حَياةٍ لِلعِدا مِنهُ هُمود
دُمْ لَنا يا ابن عَلِيّ مَلِكاً / في عُلاً ذاتِ سُعودٍ وصُعود
ودَنا مِنكَ بِتَقبيلِ الثرى / كلّ قَرمٍ سَيِّدٍ وهوَ مَسود
حَبَّذا فِتيانُ صدْقٍ أَعرسوا
حَبَّذا فِتيانُ صدْقٍ أَعرسوا / بعذارى من سُلافاتِ الخُمورْ
عَرْبَدَ الصحوُ عليهمْ بالأسَى / فاتَّقاه السُّكْرُ عَنهم بِالسُّرور
عَمَرُوا ربعَ الصِّبَا من قبلِ أنْ / يَتَمشّى فيه بالشَّيب دُثُور
إنّ للأَعمارِ أَعجازاً إذا / بُلِغَتْ لم تُثْنَ مِنهُنَّ صُدور
كلُّ نافي العمر في شِرَّتِهِ / للصِّبَا نارٌ وفي الوَجْنَةِ نور
يقتنون العيشَ من قانيةٍ / ذاتِ عمرٍ كَثُرت فيها الدُّهور
أطلَعَ الساقي عشاءً مِنهُمُ / أَنجُمَ الكاساتِ في أيدي البُّدور
عَدّ بالأكوابِ عَنّي إنّ لي / في يَدِ الآنسِ عَنهُنَّ نُفور
غَمَرَ الشَّيبُ الدُّجى مِن لِمَّتي / بِنُجومٍ طُلَّعٍ لَيسَتْ تَغور
لا نُشورٌ لِشَبابي بَعدَ ما / ماتَ مِن عُمري إلى يَومِ النُّشور
وَخِضابُ الشَّيبِ لا أَقبَلُهُ / إِنَّهُ في شَعَري شاهِدُ زُور
أَنا مِنْ وَجْدي بِأَيَّام الصِّبا / أَذرِفُ الدَّمعَ رَواحاً وَبُكور
فَكَأنِّي ذو غليلٍ تَلتَظي / لَوعةٌ مِنهُ إِلى ماءِ الثُّغور
أصِفُ الراحَ ولا أشْرَبُهَا / وهيَ بالشّدْوِ على الشَّرْبِ تَدور
كَالَّذي يأمرُ بالكرِّ ولا / يَصْطلي نارَ الوَغى حَيثُ تَفور
فَسَواءٌ بَينَ إِخوانِ الصّفا / وذَوي اللَّهوِ مَغيبي والحُضور
أَنا مَن كَسْب ذُنوبي وَجِلٌ / وإنِ استَغفَرتُ فَاللَّهُ غَفور
هاتِ كَأسَ الراحِ أَو خُذْها إِلَيكْ
هاتِ كَأسَ الراحِ أَو خُذْها إِلَيكْ / يَنْزِلِ اللهوُ بها بين يديْكْ
ريقةُ العيشِ بِها فاخلَع عَلى / شَفَتَيها كُلَّ حينٍ شَفَتَيك
وأَطِع فيها نَديمَيك بِما / حَكَما واعصِ عَلَيها عاذِلَيك
وإذا سَقّيْتَ منها شفَقاً / طَلَعَتْ حُمْرَتُهُ في وجنَتَيك
وتَناوَلْ نَشوةً مِن رَوضَةٍ / طَلَعَت كَالشَّمسِ بِالنجمِ عَلَيك
تَتَغَنّى بِنَسيبٍ قُلتَهُ / فَهَواها راجِعٌ مِنكَ إِلَيك
فَاوَضَتْ في الوَصْلِ عَيني عَينَها / فَازْدَهَتْ عَجباً وقالَت ما لَدَيك
أَعليلٌ أَنتَ ماذا تَشتَهي / قُلتُ قَطفي بِيَديْ رمّانَتَيك
فانثَنَتْ كِبراً وقالَتْ وَيلَتا / أَوَ هَذا كُلّهُ تَطلبُ وَيْك
أَنا شَمسٌ وَبَعيدٌ فَلَكي / وَضِيائي نافِرٌ مِن راحَتَيك
لَو بَدا أَمُركَ لي مِن قَبلِ ذا / ما رَأَتْ ناظِرَتي ناظِرَتيك
ما الَّذي أَعدَدتَ لِلمَوتِ فَقَدْ
ما الَّذي أَعدَدتَ لِلمَوتِ فَقَدْ / قُدِّرَ الموتُ بِلا شكَّ عَلَيك
أَذنوباً كاثَرت عِدّ الحصى / بِئسَ ما استَكثَرتَ مِن كَسبِ يَدَيك
بِئسَ ما يسمعُ مِن تَعظيمِها / مَلَكا القبرَ بِهِ مِن مَلِكَيك
أَيّ خَطْبٍ فادحٍ في رَقدةٍ / يُوقِظُ الحشرُ إِلَيها مُقلتيك
وَصِراطٍ لَستَ بالنَّاجي إِذا / وَطِئَتْهُ زلّةٌ من قَدَمَيك
فَلَكَ الوَيلُ مِنَ النارِ إِذا / مُقلَةُ الرحمَنِ لَم تَنظُرْ إِلَيك
مَلَّني مَن لا أمَلّهْ
مَلَّني مَن لا أمَلّهْ / وأذاب القلبَ دَلّهْ
رشأ ينفرُ خَوْفاً / كلَّما مَاشاهُ ظِلُّه
يا عليلَ الطرفِ جسمي / نظرة منك تُعِلّه
نيطَ في خَصْرِكَ رِدْفٌ / عَجَبي كيفَ تُقِلّهْ
يا غزالاً حَرّم ال / لَهُ دَمي وهو يُحلّه
إنّما الحسنُ مَحَلٌّ / لك أو أنت مَحلّه
بَعضهُ في أوجُهِ النّا / سِ وفي وجهِكَ كلّه
أرى الموتَ مرتعُهُ في الفحول
أرى الموتَ مرتعُهُ في الفحول / وأعننت للأخطئات الأملْ
وَرُبَّتما سالَ بعضُ النُّفوسِ / وبعضٌ لها بالمُنى مُشْتَغَل
أيّ رَوْحٍ ليَ في الرّيحِ القَبولِ
أيّ رَوْحٍ ليَ في الرّيحِ القَبولِ / وَسُرَاها من رسومي وطلولي
وظباءٍ أمِنَتْ من قانصٍ / لم ينلها الصيدُ في ظلّ المقيلِ
نشرتْ عنديَ أسرارَ هوى / كنتُ أطويهنّ عن كلّ خليلِ
وأشارتْ بالرّضى رُبّ رضىً / عنك يبدو في شهادات الرسولِ
عجبي كيفِ اهتدتْ مُهْدِيَةٌ / خَصَرَ الرِيِّ إلى حرّ الغليلِ
ما درت مضجَعَ نومي إنّما / دلّها ليلي عليه بأليلي
لستُ أبغي لسقامي آسياً / فَبُلولي منه بالريح البَليلِ
طرْفُهُ أشعثُ كالسيفِ سَرَى / حدّهُ بين مضاءٍ ونحولِ
عَبَرَتْ بحراً إليه واتّقتْ / حوله بحراً من الدمع الهمولِ
يا قَبُولاً قد جلا صيقَلُهُ / صدأً عن صفحةِ الماءِ الصقيلِ
عاوِدي منكِ هُبُوباً فيه لي / وَجَدَ البُرْءَ عليلٌ بعَليلِ
كرياحٍ عَلّلَتْني بِمنىً / كِدْنَ يُثْبِتنَ جوازَ المستحيلِ
أصَباً هَبّتْ بريحانِ الصِّبا / أو شمال أسْكَرَتْني بالشَّمولِ
حيثُ غنّتني شوادي روضةٍ / مطرباتٍ بخفيفٍ وثقيلِ
في أعاريضَ قصارٍ خَفِيَتْ / دِقّةً في الوَزْنِ عن فهمِ الخليلِ
ولحونٍ حارَ فيها مَعْبَدٌ / وله علمٌ بِموسيقى الهَديلِ
والدّجَى يرنُو إلى إصباحِهِ / بعيونٍ من نجومِ الجوّ حُولِ
خافَ من سيلِ نهارٍ غَرَقاً / فتولّى عنه مبلول الذيولِ
زرعَ الشَّيبُ بفوديّ الأسى / فنما منه كثيرٌ من قليلِ
فحسِبتُ البيضَ منها أنجماً / عن بياضٍ لاذَ منّي بالأفولِ
كلّ مَن يَنظُرُ من عِطْفِ الصّبا / نَظَرَ المُعْجَبِ بالخلقِ الجميلِ
فَجوازي باضطِرارٍ عِندَها / كجوازِ الفتح في الحرفِ الدخيلِ
كيف لي منها إذا ما غَضِبَتْ / بَرَّحتني محنةُ السّخطِ القَتولِ
غادةٌ يأخذُ منها بابلٌ / طرَفَ السحرِ عنِ الطرفِ الكحيلِ
فإذا قابلَ منها لحظَها / فلّلَتْ منه حديداً بكليلِ
أوَميضُ البرقِ في الليل البهيمْ
أوَميضُ البرقِ في الليل البهيمْ / أم أياةُ الشمس في كأس النديم
فَتَلَقّ الرَّوْحَ من ريحانةٍ / حَيّتِ الشَّربَ بها راحةُ ريم
عُصِرَتْ والدهرُ يومٌ مُفْرَدٌ / كقسيمٍ لم تُجِزْهُ بقسيم
جُنِيَتْ أعْنابُها مِنْ جَنّةٍ / نُقِلتْ منها إلى حرّ الجحيم
فَلَبُوسُ النارِ فيها سكةٌ / حَكَمَتْ للشَّرْبِ منها بالنّعيم
كفَّ حكمُ الماءِ منها سورةً / تُسْكِرُ الصّاحيَ منها بالشّميم
وكأنّ الكأسَ تاجٌ كُلّلَتْ / جَنَباتٌ منه بالدّرّ النّظيم
وقواريرُ حَبابٍ سَبَحَتْ / من سُلافِ الكرم في ماءٍ كريم
فَهِيَ الدّرْياقُ مِنْ سَمّ الأسى / حيثُ لا يَشْفيكَ درياق الحكيم
أقبَلَتْ تَسْعى بها خُمْصَانَةٌ / عمّ منها حُسْنُها خلقاً عميم
كلما قامت تثَنّى خَلَعَتْ / مَيَلَ التيه على خُوطٍ قويم
سِحْرُ هاروتٍ وماروتٍ بها / في فتُورِ اللحظِ واللفظِ الرّخيم
تودعُ الكفّ شهاباً محرقاً / كلّ شيطانٍ من الهمّ رجيم
في ظلامٍ بَرَقَ الصبحُ له / فتولى عنه إجفالَ الظليم
وحَكَتْ جَوْزاؤهُ ساقيةً / بنطاقٍ شُدّ في خَصْرٍ هضيم
وكأنّ الشُّهْبَ كاساتٌ لها / شاربٌ في الغرب للشُّرْبِ مديم
وكأنّ الصبحَ كفّ أُخْرِجَتْ / لك من جَيْبِ ابنِ عمرانَ الكليم
وكأنّ الشرقَ فيه رافعٌ / حُجُباً عن وجه يحيى بن تميم
مَلِكٌ في الملكِ يُبْدي فَخْرُهُ / جَوْهَراً في حَسَبِ المجد الصّميم
ذائدٌ بالسيف عَنْ دينِ الهدى / سالكٌ فيه سراطاً مستقيم
أحْلَمُ الأملاكِ عن ذي زَلّةٍ / سَبَقَ السيفَ له عَذْلُ الحليم
وسليمُ العِرْضِ تَلْقى مَالَهُ / أبداً من بذلِهِ غَيْرَ سليم
ذو إباءٍ من عِداهُ ناقمٌ / ورؤوفٌ برعاياهُ رَحيم
من أزاحَ الفقْرَ إذْ أسْدَى الغنى / وأباحَ الوَفْرَ إذ صانَ الحريم
من له طيبُ ثناءٍ أرِجٌ / راحلٌ في مِقْوَلِ الدّهْرِ مقيم
مَنْ له القِدحُ المُعَلّى في العلى / فائزٌ في الملكِ بالحظّ العظيم
مُنْعِمٌ نبْتُ مغانيه الغنى / أفَلا يعدم فِيهنّ العديم
لم تَزَلْ تُرْضِعُ أخلافَ الندى / يَدُهُ العافينَ مُذْ كان فطيم
ماءُ نعماهُ نميرٌ لا صَرىً / وَمُنَدّاهُ خصيبٌ لا وخيم
لا جمودُ القَطْرِ في المحل ولا / خُلّبُ البرق بعيْنَيْ مَنْ يَشيم
كم له من حُجّةٍ بالغةٍ / في لسانِ السيْفِ تُوْدي بالخصيم
يَعْمُرُ الحربَ بجيشٍ أرضُهُ / من دمِ الأعداءِ حمراءُ الأديم
يقتضي الذِّمْرُ من الذِّمْرِ بها / روحَهُ فالذِّمرُ للذِّمرِ غريم
وكأنّ الشمسَ من قَسْطَلِهِ / فَوْقَهُ تنظرُ من طَرْفٍ سقيم
دقّ فيه السّمْرَ طعناً وَثَنى / وَرَقَ الفولاذِ بالضربِ هشيم
كيفَ لا يُفْني عِدَاهُ في الوغى / مَلِكٌ يغدو له الموتُ خديم
كم فلاةٍ دونه يَدْفَعُها / سُنْبُكُ العدو إلى خفّ الرسيم
لابن آوى وَسْطَها وَعْوَعةٌ / تُوحِشُ الإنسَ وللبومِ نئيم
وعظيم الهولِ لولا آيةٌ / لم يكُنْ راكبُهُ إلّا أثيمْ
لم تزلْ عينيَ أو أذني به / تُؤذنُ القلب بخوْفٍ لا يُنيم
قد جَمَمْتُ العزمَ ما بينهما / بالسّرى والنجم بالليلِ البهيم
ووردتُ النّيلَ من نَيْلِ يدٍ / تَرْتَوي الآمالُ منها وهي هيم
يا أبا الطاهر جَدَّدْتَ على / ثني أزمانِ العلى المُلْكَ القديم
لستَ كالبحرِ فَمِلْحٌ ماؤهُ / لا ولا كالليثِ فالليثُ شتيم
بل حباكَ اللَّه بأساً وندىً / خُلُقاً منك على أكْرم خِيمْ
سَكَنَ القلبَ هوى ذي صَلَفٍ
سَكَنَ القلبَ هوى ذي صَلَفٍ / زادَهُ فيه سكوناً حَرَكُهْ
فهو كالمركزِ يَبْقى ثابتاً / كلّما دارَ عَلَيْه فَلَكُهْ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025