المجموع : 22
لَيسَ يَدري الهَمَّ غَيرُ المُبتَلي
لَيسَ يَدري الهَمَّ غَيرُ المُبتَلي / طالَ جُنحُ اللَيلِ أَو لَم يَطُلِ
ما لِهَذا النَجمِ مِثلِي في الثَرى / طائِرَ النَومِ شَديدَ الوَجَلِ
أَتُراهُ يَتَّقي طارِئةً / أَم بِهِ أَنّي غَريبُ المَنزِلِ
كُلَّما طالَعتُ خَطباً جَلَلاً / جاءَني الدَهرُ بِخَطبٍ جَلَلِ
أَشتَكي اللَيلَ وَلَو وَدَّعتُهُ / بِتُّ مِن هَمّي بِلَيلٍ أَليَلِ
يا بَناتِ الأُفقِ ما لِلصَبِّ مِن / مُسعِدٍ في الناسِ هَل فيكُنَّ لي
لا عَرَفتُنَّ الرَزايا إِنَّها / شَيَّبَت رَأسي وَلَم أَكتَهِلِ
سَهَدَت سُهدي الدَراري إِنَّما / شَدَّ ما بَينَ المُعَنّى وَالخَلي
لَيتَ شِعري ما الَّذي أَعجَبَها / فَهيَ لا تَنفَكُّ تَرنو مِن عَلِ
أَنا لا أَغبِطُها خالِدَةً / وَلَقَد أَحسُدُها لَم تَعقِلِ
كُلَّما راجَعتُ أَحلامَ الصِبى / قُلتُ يا لَيتَ الصِبى لَم يَزَلِ
أَيُّها القَلبُ الَّذي في أَضلُعي / إِنَّما اللَذَّةُ جَهلاً فَاِجهَلِ
تَجمُلُ الرِقَّةُ في العَضبِ فَإِن / كُنتَ تَهواها فَكُن كَالمِنصَلِ
هِيَ في الغيدِ الغَواني قُوَّةٌ / وَهيَ ضَعفٌ في فُؤادِ الرَجُلِ
لا يَغُرَّ الحُسنُ ذا الحُسنِ فَقَد / يَصرَعُ البُلبُلَ صَوتُ البُلبُلِ
تُقتَلُ الشاةُ وَلا ذَنبَ لَها / هِيَ لَولا ضَعفُها لَم تُقتَلِ
إِن تَكُن في الوَحشِ كُن لَيثَ الثَرى / أَو تَكُن في الطَيرِ كُن كَالأَجدَلِ
أَو تَكُن في الناسِ كُن أَقواهُمُ / لَيسَتِ العَلياءُ حَظَّ الوُكَّلِ
ما لِقَومي لا وَهيَ حَبلُهُمُ / قَنِعوا مِن دَهرِهِم بِالوَشَلِ
أَنا مِن أَمرِهِمُ في شُغُلٍ / وَهُمُ عَن أَمرِهِمُ في شُغُلِ
كُلَّما فَكَّرتُ في حاضِرِنا / عاقَني عاقَني اليَأسُ عَنِ المُستَقبَلِ
نَحنُ في الجَهلِ عَبيدٌ لِلهَوى / وَمَعَ العِلمِ عَبيدُ الدُوَلِ
نَعشَقُ الشَمسَ وَنَخشى حَرَّها / ما صَعِدنا وَهيَ لَمّا تَنزِلِ
قَد مَشى الغَربُ عَلى هامِ السُهى / وَمَشَينا في الحَضيضِ الأَسفَلِ
سَجَّلَ العارَ عَلَينا مَعشَرٌ / سَجَّلوا المَرأَةَ بَينَ الهَمَلِ
فَهيَ إِمّا سِلعَةٌ حامِلَةٌ / سِلَعاً أَو آلَةٌ في مَعمَلِ
أَرسَلوها تَزرَعُ الأَرضَ خَطا / وَتُباري كُلَّ بَيتٍ مِثلِ
تَتَهاداها المَوامي وَالرُبى / فَهيَ كَالدينارِ بَينَ الأَنمُلِ
لا تُبالي القَيظَ يَشوي حَرُّهُ / لا وَلا تَحذَرُ بَردَ الشَمأَلِ
وَلَها في كُلِّ بابٍ وَقفَةٌ / كَاِمرِءِ القَيسِ حِيالَ الطَلَلِ
تَتَّقي قَولَ اِغرُبي خَشَيتَها / قَولَةَ القائِلِ يا هَذي اِدخُلي
فَهيَ كَالعُصفورِ وافى صادِياً / فَرأى الصَيّادَ عِندَ المَنهَلِ
كامِناً فَاِنصاعَ يُدنيهِ الظَما / ثُمَّ يُقصيهِ اِتِّقاءُ الأَجَلُ
وَلَكَم طافَت بِهِ آمِلَةً / وَاِنثَنَت تَقطَعُ خَيطَ الأَمَلِ
وَلَكَم مَدَّت إِلى الرَفدِ يَداً / خُلِقَت في مِثلِها لِلقُبَلِ
ما بِها لا كانَ شَرّاً ما بِها / ما لَها مِن أَمرِها في خَبَلِ
سائِلوها أَو سَلو عَن حالِها / إِن جَهِلتُم كُلَّ طِفلٍ مُحُِلِ
في سَبيلِ المالِ أَو عُشّاقِهِ / تَكدَحُ المَرأَةُ كَدحَ الإِبِلِ
ما تَراها وَهيَ لا حَولَ لَها / تَحتَ عِبءٍ فادِحٍ كَالجَبَلِ
شُدَّتِ الأَمراسُ في ساعِدِها / مَن رَأى الأَمراسَ حَولَ الجَدوَلِ
جَشَّموها كُلَّ أَمرٍ مُعضِلٍ / وَهِيَ لَم تُخلَق لِغَيرِ المَنزِلِ
فَإِذا فارَقَتِ الدارُ ضُحىً / لَم تَعُد إِلّا قُبَيلَ الطَفَلِ
أَلِفَت ما عَوَّدوها مِثلَما / تَألَفُ الظَبيَةُ طَعمَ الحَنظَلِ
بِنتَ سورِيّا الَّتي أَبكي بِها / هِمَّةَ اللَيثِ وَروحَ الحَمَلِ
ما أَطاعوا فيكِ أَحكامَ النُهى / لا وَلا قَولَ الكتابِ المُنزَلِ
قَد أَضاعوكِ وَما ضَيَّعتِهِم / فَأَضاعوا كُلَّ أُمٍّ مُشبِلِ
اِمنَحيني يا نُجومُ الأَلَقا
اِمنَحيني يا نُجومُ الأَلَقا / وَهَبيني يا زُهورُ العَبَقا
أَبعَثُ الشِعرَ إِلى الدُنيا هَوى / وَضِياءً وَغِناءً شَيِّقا
فَإِذا خامَرَ نَفساً طَرِبَت / وَإِذا لامَسَ قَلباً خَفَقا
وَإِذا يُتلى لِمُشتاقٍ سَلا / وَإِذا يُروى لِباكٍ صَفَّقا
فَمِنَ الشِعرِ لِقَومٍ حِكمَةٌ / وَمِنَ الشِعرِ لِأَقوامٍ رُقى
أَنا لا أَستَعذِبُ الشِعرَ إِذا / لَم أَجِدهُ رَوضَةً أَو أُفُقا
حَبَّذا لَيلَتَنا مِن لَيلَةٍ / يُكرَمُ الأَحرارُ حُرّاً لَبِقا
شاعِرٌ ما أَن جَرى في حَلبَةٍ / أَبَداً إِلّا وَكانَ الأَسبَقا
كاتِبٌ لا بَل سَحابٌ هَتِنٌ / كَم رَوى الأَرواحَ خَمراً وَسَقى
قُل لِمَن حاوَلَ أَن يَلحَقَهُ / إِنَّ هَذا عارِضٌ لَن يُلحَقا
قَلَمٌ يَهمي عَلى أُمَّتِهِ / رَحمَةً إِذ تُمطِرُ الدُنيا شَقا
وَإِذا ما أوذِيَت أَو ظُلِمَت / أَمطَرَ الدُنيا شَواظاً مُحرِقا
وَدَوَت زَعَقاتُهُ كَاِبنِ الشَرى / ريعَ في عِرّيسِهِ أَو ضويِقا
هُوَ لِلحَقِّ إِلى أَن يَنجَلي / وَعَلى الباطِلِ حَتّى يُزهَقا
أَنفَقَ العُمرَ عَلى خِدمَتِها / آهٍ ما أَغلى الَّذي قَد أَنفَقا
قُل لِمَن أَرجَفَ كَي يُقلِقُهُ / في حِماهُ إِنَّهُ لَن يَقلَقا
وَلِمَن حاوَلَ أَن يُغضِبَهُ / إِنَّهُ أَعَلى وَأَسمى خُلُقا
أَأَميرٌ تَتَّقيهِ دَولَةٌ / يَتَوَقّى كاشِحاً مُختَلَقا
وَهوَ مِثلُ الشَمسِ لَن يَبلِغَها / صاعِدٌ مَهَما تَعالى وَاِرتَقى
إِنَّ يوبيلَكَ يُبيلُ النُهى / هَنَّأَت بَغدادُ فيهِ جُلَّقا
بِتُّ أَرعى في الظَلامِ الأَنجُما
بِتُّ أَرعى في الظَلامِ الأَنجُما / لَيسَ لِلعُشّاقِ حَظٌّ في الكَرى
صَرَعَتني نَظرَةٌ حَتّى لَقَد / كُدتُ أَن أَحسُدَ مَن لا يُبصَرُ
نَظرَةٌ قَد أَورَثَت قَلبي الكَمَد / ما بَلاءُ القَلبِ إِلّا النَظَرُ
لا رَعاكَ اللَهُ يا يَومَ الأَحَدِ / لا وَلا حَيّاكَ عَنّي المَطَرَ
أَنتَ مَن أَطلَعتَ هاتيكَ الدُمى / سافِراتٍ فِتنَةً لِلشُعَرا
هِمتَ فيمَن حَسُنَت صورَتُها / مِثلَما قَد حَسُنَت مِنها الخِصال
أَخجَلَت شَمسَ الضُحى طُلعَتُها / وَاِستَحى مِن لَحظِها لَحظُ الغَزال
كُلُّ ما فيها جَميلٌ يُشتَهى / ما بِها عَيبٌ سِوى فَرطِ الجَمال
لَو رَآها لائِمي فيها لَما / لامَني في هُبِّها بَل عَذَرا
ذاتُ حُسنٍ خَدُّها كَالوَردِ في / لَونِه وَالطيبِ في نَكهَتِهِ
زَهرَةٌ لَكِنَّها لَم تُقطَفِ / وَجَمالُ الزَهرِ في رَوضَتَيهِ
دُرَّةٌ ما خَرَجَت مِن صَدَفٍ / تُرخِصُ الدَرَّ عَلى قيمَتِهِ
بَضَّةُ الخَدَّين وَالنَهدَينِ ما / سَفَرَت إِلّا رَأَيتُ القَمَرا
ذاتُ شَعرٍ مُسبَلٍ كَالأُفعُوان / يَتهادى فَوقَ رِدفٍ كَالكَئيب
وَقَوامٌ لَو رَآهُ الغُصنُ بان / خَجِلاً مِن ذَلِكَ الغُصنِ الرَطيب
كادَ لَولا مابِهِ مِن عُنفُوان / يَقِفُ الوِرقُ بِه وَالعَندَليب
وَجُفونٌ أَشبَهَتني سَقَماً / كَمَنَ السِحرُ بِها وَاِستَتَرا
تَبعَثُ الحُبَّ إِلى قَلبِ الخَلي / وَهوَ لا يَدري وَلا يَستَشعِرُ
وَالهَوى في بَدَنِهِ عَذبٌ شَهِيُّ / كُلُّ شَيءٍ بَعدَهُ مُحتَقَرُ
كُلُّ مَن لا يَعرِفُ الحُبَّ شَقِيُّ / لا يَرى في دَهرِهِ ما يُشكَرُ
يَصرُفُ العُمر وَلَكِن سَأَماً / عَبَثاً يَطلُبُ أَن لا يَضجُرا
لَم أَكُن أَعرِفُ ما مَعنى الهَنا / قَبَ أَن أَعرِفَ ما مَعنى الغَرام
يَضحَكُ الناسُ سُرورا وَأَنا / عابِسٌ حَتّى كَأَنّي في خِصام
عَجَبوا مِنّي وَقالوا عَلَناً / قَد رَأَينا الصَخرَ في زَيِّ الأَنام
أَوشَكوا أَن يَحسِبوني صَنَماً / لَو رَأَوا الأَصنامَ تَخفي كَدَرا
لَم أَزَل في رَبقَةِ اليَأسِ إِلى / أَن أَعادَ الحُبُّ لي بَعضَ الرَجا
كُنتُ قَبلَ الحُبِّ أَسري في ظَلامٍ / وَلا أَلقى لِنَفسِيَ مَخرَجا
فَجَلاهُ الحُبُّ عَنّي فَاِنجَلى / مِثلَما يَجلو سَنا الشَمسُ الدُجى
باتَ قَلبِيَ بِالأَماني مُفعَما / وَهوَ قَبلاً كانَ مِنها مَقفَرا
رَوَّعَتني بِالنَوى بَعدَ اللِقاء / وَكَذا الدُنيا دُنُو وَاِفتِراق
غَضِبَ الدَهرُ عَلى كَأسِ الصَفاء / مُذ رَآها فَأَبى أَلّا تُراق
وَلَو أَنَّ الدَهرَ يَدري بِالشَقاء / ساعَدَ الصَبَّ عَلى نَيلِ التَلاق
لَم أَجِد لي مُشبِهاً تَحتَ السَما / في شَقائي لا وَلا فَوقَ الثَرى
وَأَبي لَو أَنَّ ما بي بِالجِبال / أَصبَحَت تَهتَزُّ مِن مُرِّ النَسيم
فَاِعذُروني إِن أَكُن مِثلَ الخَيال / وَاِعذُلوني إِن أَكُن غَيرَ سَقيم
إِنَّ دائِيَ جاءَ مِن صاد وَدال / وَدَواءُ القَلبِ في ضاد وَميم
باتَ صَبِيَ مِثلُ جِسمي عَدَما / إِنَّما يَصبُرُ مَن قَد قَدِرا
رُبَّ لَيلٍ عادَني فيهِ السُهاد / وَنَأى عَن مُقلَتي طيبُ الكَرى
هاجَتِ الذِكرى شُجوناً في الفُؤاد / فَبَكى طَرفي عَقيقاً أَحمَرا
نَبَّهَ الأَهلَ بُكائِي وَالعِباد / فَأَتوا يَستَطلِعونَ الخَبَرا
قُلتُ داءٌ في الفُؤادِ اِستَحكَما / كادَ قَلبِيَ مِنهُ أَن يَنفَطِرا
صَدَّقوا ما قُلتُهُ ثُمَّ مَضى / واحِدٌ مِنهُم يَستَدعي الطَبيب
سار وَالكُلُّ عَلى جَمرِ الغَضا / وَأَنا بَينَ أَنين وَنَحيب
لَم يَكُن إِلّا كَبَرقٍ وَمَضا / وَإِذا الدُكتورُ مِن مَهدي قَريب
قالَ لِلجُمهورِ ماذا الاِجتِماع / أُخرُجوا أَو زِدتُموهُ خَطَرا
خَرَجَ الكُلُّ فَأَمسَت غُرفَتي / مِثلُ قَلبِ الطِفلِ أَو جَيبِ الأَديب
فَدَنا يَسأَلُني عَن عِلَّتي / وَأَنا أَسمَعُ لَكِن لا أُجيب
فَنَضا الثَوبَ فَأَبصَرتُ الَّتي / كادَ جِسمِيَ في هَواها أَن يَغيب
خَلَعَت عَنها لِباسَ الحُكَما / فَرَأَت عَينايَ بَدراً نَيِّرا
وَاِعتَرَتني دَهشَةٌ لَكِنَّها / دَهشَةٌ مَمزوجَةٌ بِالفَرَحِ
كدتُ أَن أَخرُجَ عَن طَورِ النُهى / رُبَّ سُكرٍ لَم يَكُن مِن قَدَحِ
يا لَها مِن ساعَةٍ لَو أَنَّها / بَقِيَت كَالدَهرِ لَم تُستَقبَحِ
عانَقَتني وَأَنا أَبكي دَماً / وَهيَ تَبكي لِبُكائِيَ دُرَرا
وَجَعَلنا بَعدَ أَن طالَ العِناق / تَتَناجى بِأَحاديثِ القُلوب
بَينَما نَحنُ عَلى هَذا الوِفاق / قُرِعَ البابُ فَأَوشَكنا نَذوب
فَأَشارَت لِيَ قَد حانَ الفُراق / فَاِنقَطَعنا وَاِرتَدَت ثَوبَ الطَبيب
أَقبَلَ القَومُ فَقالَت كُلُّ ما / كانَ يَشكو مِنهُ عَنهُ قَد سَرى
دُميَةٌ حَسناءُ تُغري النَظَرا
دُميَةٌ حَسناءُ تُغري النَظَرا / أَم مَلاكٌ طاهِرٌ فَوقَ الثَرى
طِفلَةٌ ساذَجَةٌ أَطهَرُ مِن / زَهرَةِ الرَوض وَأَنقى جَوهَرا
شَرُفَت أَصلا وَطابَت عُنصُراً / وَاِرتَقَت نَفسا وَراقَت مَنظَرا
حَمَلَت قَلباً أَبى أَن يَحمِلَ / الحِقدَ أَو يَكتُمَ نَفَساً كَدَرا
تَجهَلُ الشَر وَلا تُحسِنُ أَن / تَخدَعَ الغَير وَلا أَن تَغدِرا
لا تُبالي بِبَناتِ الدَهرِ إِن / أَقبَلَ الدَهرُ بِها أَو أَدبَرا
وَعظُمُ الكَونُ لَدَينا جُرمُهُ / وَتَراهُ عِندَها قَد صَغُرا
إِنَّما الدُنيا لَدَيها كُلُّها / أَبَواها وَهُما كُلُّ الوَرى
جُؤذَرٌ لَكِنَّها آنِسَةٌ / لَم يَرُعها ما يَروعُ الجُؤذَرا
سَرَقَ التُفّاحُ مِن وَجنَتِها / وَاِستَعارَ الظَبيُ مِنها الحَوَرا
ذاتُ شِعرٍ ذَهَبِيٍّ لَونُهُ / قَد حَكى نورَ الضُحى مُنتَشِرا
وَعُيونٍ بِالنُهى عابِثَةٍ / جَذَبَ الغُنجُ إِلَيها الخَفَرا
شُغِفَت بِالبَدرِ حُبّاً فَهيَ لا / تَعرِفُ الغَمضَ إِلى أَن يُسفَرا
وَقَفَت تَرقُبُهُ في لَيلَةٍ / مِثلِ حَظِّ الأُدَباءِ الشُعَرا
تَكتُمُ الظَلماءُ مِن لَألائِها / أَيُّ بَدرٍ في الظَلامِ أَستَرا
أَرسَلَت نَحوَ الدَراري لَفتَةً / أَذكَرَت تِلكَ الدَراري القَمَرا
وَإِذا بِالبَدرِ قَد مَزَّقَ عَن / وَجهِهِ بُرقَعَهُ ثُمَّ اِنبَرى
فَأَضاءَ الجَو وَالأَرضَ مَعاً / نورُهُ الفِضِّيُّ لَمّا ظَهَرا
فَرَنَت عَن فاتِر وَاِبتَسَمَت / عَن نَظيمٍ قَد أَكَنَّ الدُرارا
ثُمَّ قالَت يا حَبيبي مَرحَباً / لا رَآكَ الطَرفُ إِلّا نَيِّرا
قِف قَليلاً أَو كَثيراً فَعَسى / نورُكَ الباهِرُ يَجلو البَصَرا
إِن تَغِب فَالصُبحُ عِندِيَ كَالدُجى / وَالدُجى إِن جِئتَ بِالصُبحِ اِزدَرى
لَم تُحِبَّ السَيرَ لَيلاً فَإِذا / ذَرَّ قَرنُ الشَمسِ عانَقتَ الكَرى
أَتَخافُ الشَمسَ أَم أَنتَ كَذا / تَعشَقُ اللَيل وَتَهوى السَهَرا
ثُمَّ ناجَت نَفسَها قائِلَةً / أَتُرى أَبلُغُ مِنهُ وَطَرا
لَيتَ لي أَجنِحَةً بَل لَيتَني / نَجمَةً أَتبَعُهُ أَنّى سَرى
وَهُمَ البَعضُ فَقالوا دِرهَمٌ / ما أَرى الدِرهَمَ إِلّا حَجَرا
وَلَقَد أَضحَكَني زَعمُهُمُ / أَنَّهُ يُشبِهُ في الحَجمِ الثَرى
زَعَموا ما زَعَموا لَكِنَّما / هُوَ عِندي لُعبَةٌ لا تُشتَرى
خَيرُ ما يَكتُبُهُ ذو مَرقَمٍ
خَيرُ ما يَكتُبُهُ ذو مَرقَمٍ / قِصَّةٌ فيها لِقَومٍ تَذكِرَه
كانَ في ماضي اللَيالي أُمَّةٌ / خَلَعَ العِزُّ عَلَيها حِبرَه
يَجِدُ النازِلُ في أَكنافِها / أَوجُهاً ضاحِكَةً مُستَبشِرَه
وَيَسيرُ الطَرفُ مِن أَرباضِها / في مَغانٍ حالِياتٍ نَضِرَه
لَم يَقِس شَعبٌ إِلى أَمجادِها / مَجدَهُ الباذِخَ إِلّا اِستَصغَرَه
هَمُّها في العِلمِ تُعلي شَأنَهُ / بَينَها وَالجَهلِ تَمحو أَثَرَه
ما تَغيبُ الشَمسُ إِلّا أَطلَعَت / لِلوَرى مَحمَدَةً أَو مَأثُرَه
فَتَمَنّى الصُبحُ تَغدو شَمسَهُ / وَتَمَنّى اللَيلُ تَغدو قَمَرَه
وَمَشى الدَهرُ إِلَيها طائِعاً / فَمَشَت تائِهَةً مُفتَخِرَه
كانَ فيها مَلِكٌ ذي فِطنَةٍ / حازِمٌ يَصفَحُ عِندَ المَقدِرَه
يَعشَقُ الأَمرَ الَّذي تَعشَقُهُ / فَإِذا اِستَنكَرَتهُ اِستَنكَرَه
بَلَغَت في عَهدِهِ مَرتَبَةً / لَم تَنَلها أُمَّةٌ أَو جَمهَرَه
فَإِذا أَعطَت ضَعيفاً مَوثِقاً / أَشفَقَت أَعدائُهُ أَن تَخفِرَه
وَإِذا حارَبَها طاغِيَةٌ / كانَتِ الظافِرَةَ المُنتَصِرَه
ماتَ عَنها فَآقامَت مَلِكاً / طائِشَ الرَأيِ كَثيرَ الثَرثَرَه
حَولَهُ عُصبَةُ سوءٍ كُلَّما / جاءَ إِدّاً أَقبَلَت مُعتَذِرَه
حَسَّنَت في عَينِهِ آثامَهُ / وَإِلَيهِ نَفسَهُ المُستَكبِرَه
وَتَمادى القَومُ في غَفلَتِهِم / فَتَمادى في المَلاهي المُنكَرَه
زَحزَحَ الأُمَّةَ عَن مَركَزِها / وَطَوى رايَتِها المُنتَشِرَه
وَرَأَت فيها اللَيالي مَقتَلاً / فَرَمَتها فَأَصابَت مُدبِرَه
فَهَوَت عَن عَرشِها مُنعَفِرَه / مِثلَما تَرمي بِسَهمٍ قُبَّرَه
كانَ فيها شاعِرٌ مُشتَهِرٌ / ذو قَوافٍ بَينَها مُشتَهِرَه
كُلَّما هَزَّت يَداهُ وَتَراً / هَزَّ مِن كُلِّ فُؤادٍ وَتَرَه
تَعِسُ الحَظ وَهَل أَتعَسُ مِن / شاعِرٍ في أُمَّةٍ موحتَضَرَه
يَقرَءُ الناظِرُ في مُقلَتِهِ / ثَورَةً طاهِرَةً مُستَتِرَه
ما يَراهُ الناسُ إِلّا واقِفاً / في مَغاني قَومِهِ المُندَثِرَه
حائِراً كَالرَيحِ في أَطلالِها / باكِيا وَالسُحُبَ المُنهَمِرَه
وَهيَ في أَهوائِها لاهِيَةٌ / وَكَذاكَ الأُمَّةُ المُستَهتِرَه
ما رَأَت مُهجَتُهُ المُنفَطِرَه / لا وَلا أَدمُعُهُ المُنحَدِرَه
فَشَكاهُ الشِعرُ مِمّا سامَهُ / وَشَكاهُ اللَيلَ مِمّا سَهَرَه
ثُمَّ لَمّا عَبِثَ اليَأسُ / مَزَّقَ الطِرس وَشَجَّ المِحبَرَه
مَرَّ يَوماً فَرَأى أَشيُخاً / جَلَسوا يَبكونَ عِندَ المَقبَرَه
قالَ مالُكُمُ ما خَطبُكُم / أَيُّ كِنزٍ في الثَرى ىَو جَوهَرَه
وَمَنِ لثاوي الَّذي تَبكونَهُ / قَيصَرٌ أَم تُبَّعٌ أَم عَنتَرَه
قالَ شَيخٌ مِنهُم مُحدَودِبٌ / وَدُموعُ اليَأسِ تَغشى بَصَرَه
إِنَّ مَن نَبكيهِ لَو أَبصَرَهُ / قَيصَرٌ أَبصَرَ فيهِ قَيصَرَه
كَيفَ يا جاهِلُ لا تَعرِفَهُ / وَحُداةُ العيسِ تَروي خَبَرَه
هُوَ مَلِكٌ كانَ فينا وَمَضى / فَمَضَت أَيّامِنا المُزدَهِرَه
وَلَبِثنا بَعدَهُ في ظُلَمٍ / داجِيَتٍ فَوقَنا مُعتَكِرَه
وَالَّذي كانَ بِنا مَعرِفَةً / لِصُروفِ الدَهرِ أَمسى نَكِرَه
فَاِنتَهى التاجُ إِلى مُعتَسِفٍ / لَم يَزَل بِالتاجِ حَتّى نَثَّرَه
كُلُّ ما تَصبو إِلَيهِ نَفسُهُ / مُعصَرٌ أَو خَمرَةٌ مُعتَصَرَه
مُستَهينٌ بَِلَّيالي وَبِنا / مُستَعينٌ بِالطَغامِ الفَجَرَه
كُلَّما جاءَ إِلَيهِ خائِنٌ / واشِياً قَرَّبَه وَاِستَزوَرَه
فَإِذا جاءَ إِلَيهِ ناصِحٌ / شَكَّ في نِيَّتِهِ فَاِنتَهَرَه
مُستَبِّدٌ باذِلٍ في لَحظَةٍ / ما اِذَّخَرناهُ لَه وَاِذَّخَرَه
يَهَبُ المَرء وَما يَملُكُهُ / وَعَلى المَوهوبِ أَن يَستَغفِرَه
هَزَأَ الشاعِر مِنهُم قائِلاً / بَلَغَ السوسُ أُصولَ الشَجَرَه
رَحَمَةُ اللَهِ عَلى أَسلافِكُم / إِنَّهُم كانوا تُقاةً بَربَرَه
رَحمَةُ اللَهِ عَلَيهِم إِنَّهُم / لَم يَكونوا أُمَّةً مُنشَطِرَه
إِنَّ مَن تَبكونَهُ يا سادَتي / كَالَّذي تَشكونَ فيكُم بَطَرَه
إِنَّما بَأسُ الأُلى قَد سَلَفوا / قَتلَ النَهمَةَ فيه وَالشَرَه
فَاِحبُسوا الأَدمُعَ في آماقِكُم / وَاِترُكوا هَذي العِظامَ النَخِرَه
لَو فَعَلتُم فِعلَ أَجدادِكُم / ما قَضى الظالِمُ مِنكُم وَطَرَه
ما لَكُم تَشكونَ مِن مُحتَكِمٍ / أُضتُمُ أَلسِنَكُم أَن تَشكُرَه
وَجَعَلتُم مِنكُم عَسكَرَهُ / وَحَلَفتُم أَن تُطيعوا عَسكَرَه
كَيفَ لا يَبغي وَيَطغى آمِرٌ / يَتَّقي أَشجَعُكُم أَن يَنظُرَه
ما اِستَحالَ الهِرُّ لَيثاً إِنَّما / ىُسُدُ الآجامِ صارَت هِرَرَه
وَإِذا اللَيثُ وَهَت أَظفارُهُ / أَنشَبَ السِنَّورُ فيهِ ظُفرَه
لا تَسَل أَينَ الهَوى وَالكَوثَرُ
لا تَسَل أَينَ الهَوى وَالكَوثَرُ / سَكَتَ الشادي وَبُحَّ الوَتَرُ
فَجأَة وَاِنقَلَبَ العُرسُ إِلى / مَأتَمٍ ماذا جَرى ما الخَبَرُ
ماجَتِ الدارُ بِمَن فيها كَما / ماجَ نَهرٌ ثائِرٌ مُنكَدِرُ
كُلُّهُم نُستَفسِرٌ صاحِبَهُ / كُلُّهُم يُؤذيهِ مَن يَستَفسِرُ
هَمَسَ المَوتُ بِهِم هَمسَتَهُ / إِنَّ هَمسَ المَوتِ ريحٌ صَرصَرُ
فَإِذا الحَيرَةُ في أَحداقِهِم / كَيفَما مالوا وَأَنّى نَظَروا
عَلِموا يا لَيتَهُم ما عَلِموا / أَنَّ دُنيا مِن رُأىً تُحتَضَرُ
وَالَّذي أَطرَبَهُم عَن قُدرَةٍ / باتَ لا يَقوى وَلا يَقتَدِرُ
يَبِسَ الضِحكُ عَلى أَفواهِهِم / فَهوَ كَالسُخر وَإِن لَم يَسخَروا
وَإِذا الآسي يَدٌ مَذولَةٌ / وَمُحَيّا اليَأسُ فيهِ أَصفَرُ
شاعَ في الدارِ الأَسى حَتّى شَكَت / أَرضَها وَطَأَته وَالجَدرُ
فَعَلى الأَضواءِ مِنهُ فَترَةٌ / وَعَلى الأَلوانِ مِنهُ أَثَرُ
وَالقَناني صُوَرٌ باهِتَةٌ / وَالأَغاني عالَمٌ مُندَثِرُ
الهَنا أُفلِتَ مِن أَيديهِم / وَالأَماني إِنَّها تَنتَحِرُ
ذَبَحَت أَفراحَهُم في لَمحَةٍ / قُوَّةٌ تَجني وَلا تَعتَذِرُ
تَقلَعُ النَبتَ الَّذي تَغرُسُهُ / وَالشَذا فيه وَفيهِ الثَمَرُ
إِعبَثِ ما شِئتِ يا دُنيا بِنا / وَتَحَكَّم ما تَشاءُ يا قَدَرُ
إِن تَكُن زَهراً فَما أَمجَدَنا / أَو نَكُن شَوكاً فَهَذا الخَطَرُ
فَلنَعِش في الأَرضِ زَهراً وَليَطُل / أَجَلُ الشَوكِ الَّذي لا يُزهِرُ
رَحَلَ الشاعِرُ عَن دارِ الأَذى / وَاِنقَضَت مَعَهُ اللَيالي الغُرَرُ
كَم حَوَته وَحَواها مَلِكاً / دَولَةُ الروحِ الَّتي لا تُقهَرُ
عاشَ لا يُنكِرُ إِلّا ذاتَهُ / إِنَّ حُبَّ الذاتِ شَيءٌ مُنكَرُ
شاعِرٌ أَعجَبُ مَعنىً صاغَهُ / لِلبَرايا مَوتُهُ المُبتَكَرُ
الجَمالُ الحَقُّ ما يَعبُدُهُ / وَالجَمالُ الزورُ ما لا يُبصِرُ
وَالحَديثُ الصَفوُ ما يَنشُرُهُ / وَالحَديثُ السوءُ ما يَختَصِرُ
إِنَّهُ كانَ مَلاكاً بَشَراً / فَمَضى عَنّا المَلاكُ البَشَرُ
وَنُفوسُ الخَلقِ إِمّا طينَةٌ / لا سَنا فيها وَإِمّا جَوهَرُ
يا رَفيقي ما بَلَغتَ المُنتَهى / لَيسَتِ الحَدَّ الأَخيرَ الحُفَرُ
فَاِعبُرِ النَهرَ إِلى ذاكَ الحِمى / حَيثُ جُبرانُ العَميدُ الأَكبَرُ
وَرَشيدٌ نَغمَةٌ شادِيَةٌ / وَنَسيبٌ نَغَمٌ مُستَبشِرُ
وَجَميلٌ فِكرَةٌ هائِمَةٌ / وَأَمينٌ أَمَلٌ مُخضَوضِرُ
قُل لَهُم إِنّا غَدَونا بَعدَهُم / لا حَديثٌ طَيِّبٌ لا سَمَرُ
كَسَماءٍ لَيسَ فيها أَنجُمٌ / أَو كَرَوضٍ لَيسَ فيهِ زَهرُ
كُلُّنا مُنتَظِرٌ ساعَتَهُ / وَالمَصيرُ الحَقُّ ما نَنتَظِرُ
طُوِيَ العامُ كَما يُطوى الرَقيم
طُوِيَ العامُ كَما يُطوى الرَقيم / وَهَوى في لُجَّةِ الماضي البَعيد
لَم يَكُن بَل كانَ لَكِن ذَهَبا / وَاِنقَضى حَتّى كَأَن لَم يَكُنِ
لَو دَرى حينَ أَتى المُنقَلَبا / لَتَمَنّى أَنَّهُ لَم يَبِنِ
أَيُّ نَجمٍ شارِقٍ ما غَرَبا / أَيُّ قَلبٍ خافِقٍ لَم يَسكُنِ
جاهِلٌ مَن حَسِبَ الآتي يَدوم / أَحمَقٌ مَن حَسِبَ الماضي يَعود
ما لَنا يَأخُذُ مِنّا الطَرَبُ / كُلَّما عامٌ تَلاشى وَاِضمَحَل
أَفَرِحنا أَنَّنا نَقتَرِبُ / مِن غَدٍ إِنَّ غَداً فيهِ الأَجَل
عَجَبٌ هَذا وَمِنهُ أَعجَبُ / إِنَّنا نَفنى وَلا يَفنى الأَمَل
فَكَأَنّا ما سَمِعنا بِالحُتوم / أَو كَأَنّا قَد نَعِمنا بِالوُجود
يا رَعاهُ اللَهِ مِن عامٍ خَلا / فَلَقَد كانَ سَلاما وَأَمان
صافَحَ الجَحفَلُ فيهِ الجَحفَلا / وَاِستَراحَ السَيفُ فيه وَالسِنان
ما اِنجَلى حَتّى رَأى النَعَ اِنجَلى / وَخَبَت نارُ الوَغى في البَلِقان
لَستُ أَنسى نَهضَةَ الشَعبِ النَأوم / إِنَّ فيها عِبرَةً لِلمُستَفيد
وَاِلتَقى البَحرانِ فيهِ بَعدَما / مَرَّتِ الأَجيالُ لا يَلتَقِيان
أَصبَحَ السَدُّ الَّذي بَينَهُما / تُرعَةً يَزخَرُ فيها الأَزرَقان
فَلتَدُم آمِرِكا ما اِلتَطَما / ما لِهَذا الفَتحِ في التاريخِ ثان
وَلتَعِش رايَتُها ذاتُ النُجوم / أَجمَلُ الراياتِ أَولى بِالخُلو
وَاِعتَلى الناسُ بِهِ مَتنَ الهَواء / فَهُمُ حَولَ الدَراري يَمرَحون
يَمخُرُ المِنطادُ فيهِم في الفَضاء / مِثلَما يَمخُرُ في البَحرِ السَفين
مُعجِزاتٍ ما أَتاها الأَنبِياء / لا وَلَم يَطمَح إِلَيها الأَقدَمون
سَخَّرَ العِلمُ لَهُم حَتّى الغُيوم / فَهُم مِثلَهُمُ فَوقَ الصَعيد
حَلَّقَ الغَربِيُّ فَوقَ السَمَواتِ / وَلَبِثنا نَندُبُ الرَسمَ المَحيل
فَإِذا ما قالَ أَهلُ المَكرُمات / ما وَجَدنا وَأَبيكُم ما نَقول
لَو فَقِهنا مِثلَهُم مَعنى الحَياة / ما أَضَعناها بُكاءً في الطُلول
أَلِفَت أَنفُسُنا الضَيمَ المُقيم / مِثلَما يَستَعذِبُ الظَبيُ الهَبيد
أَدرَكَت غاياتِها كُلُّ الشُعوب / نَهَضَ الصينِي وَما زِلنا نِيام
عَبِثَت فينا الرَزايا وَالخُطوب / مِثلَما يَعبَثُ بِالحُرِّ اللِئام
صودِرَ الكاتِبُ مِنّا وَالخَطيب / مُنِعَت أَلسُنُنا حَتّى الكَلام
نَحنُ في الغَفلَةِ أَصحابُ الرَقيم / نَحنُ في الذَلَّةِ إِخوانُ اليَهود
لَيتَ أَنا حينَ ماتَ الشَمَمُ / لَحِقَت أَرواحَنا بِالغابِرين
ما تَمَرَّدنا عَلى مَن ظَلَموا / لا وَلَم نَفكُك وِثاقاً عَن سَجين
لَيسَ يَمحو عارَنا إِلّا الدَمُ / فَإِلى كَم نَذرِفُ الدَمعَ السَخين
قامَ فينا أَلفُ جَبّارٍ غَشوم / غَيرَ أَنّا لَم يَمُت مِنّا شَهيد
يا لِقَومي بَلَغَ السَيلُ الذُبى / وَاِستَطالَ البَغي وَاِستَشرى الفَساد
فَاِجعَلوا أَقلامَكُم بيضَ الظُبى / وَاِستَعيروا مِن دَمِ الباغي المِداد
كَتَبَ السَيفُ اِقرَأوا ما كَتَبا / لا يُنالُ المَجدُ إِلّا بِالجِهادِ
أَيُّ رِجالَ الشَرقِ أَبناءَ القُروم / لا تَناموا آفَةُ الماءِ الرُكود
نَسِيَت عَهدي فَلَمّا جِئتُها
نَسِيَت عَهدي فَلَمّا جِئتُها / زَعَمَت أَنّي تَناسَيتُ العُهود
وَاِدَّعَت أَنّي خَلِيٌّ زاهِدٌ / أَنا لَو كُنتُ كَذا كُنتُ سَعيد
رَغِبَت في الصَدِّ عَنّي بَعدَما / بِتُّ لا يُحزِنُني مِثلُ الصُدو
مِثلَما أَنكَرَ ثَغري خَدُّها / أَنكَرَت فاتِنَتي تِلكَ الوُعود
يا شُهودي عِندَما كُنّا مَعاً / ذَكِّروها أَينَ أَنتُم يا شُهود
سَكَتَ البَدرُ الَّذي راقَبَنا / وَذَوَت في الرَوضِ هاتيكَ الوُرود
وَمَشَت ريحُ الصَبا حائِرَةً / في المَغاني حَيرَةَ الصَبِّ العَميد
يا هَواها قُل مَتى تَترُكُني / قالَ أَو تَصفَرَّ هاتيكَ الخُدود
أَنا لا أَدعو عَلَيها بِالضَنى / أَتَّقي أَن يَشمَتَ الحَسود
هاتِها في القَدَحِ
هاتِها في القَدَحِ / نَسمَةً في شَبَحِ
هاتِها فَالنَفسُ في / حاجَةٍ لِلفَرَحِ
وَاِسقِنيها كَوثَرا / وَعَلَيَّ اقْتَرِحِ
إِن تَكُن قَد حُرِّمتَ / فَعَلى المُستَقبَحِ
هِيَ في سُفرَتِها / تَلعَةُ المُفتَضَحِ
وَهِيَ في حُمرَتِها / كَخَديدِ المُسَتحي
وَهِيَ في شِدَّتِها / ثَورَةُ المُجتَرِحِ
وَهِيَ في رِقَّتِها / خاطِرٌ لَم يَلُحِ
أَتُراها شَفَقاً / كُلِّلَت بِالصُبحِ
أَم هِيَ الوَجناتُ قَد ذَوِّبَت في قَدَحِ
ذاتُ شَوكٍ كَالحِرابِ
ذاتُ شَوكٍ كَالحِرابِ / أَو كَأَظفارِ العُقابِ
رَبَضَت في الغابِ كَاللِصِّ / لِفَتك وَاِستِلابِ
تَقطَعُ الدَرَبَ عَلى الفَــ / ــلاح وَالمَولى المَهابِ
صُنتُ عَنها حُرَّ وَجهي / فَتَصَدَّت لِثِيابي
كُلَّما أَفلَتُّ مِن نابٍ / تَلَقَّتني بِنابِ
فَلَها نَهشُ الأَفاعي / وَلَها لَسعُ الذُبابِ
وَأَذاها في سُكوني / كَأَذاها في اِضطِرابي
وَهيَ كَالقَيدِ لِساقي وَلِجيدي كَالسَخابِ
فَكَأَنّا في عِناقٍ / لا نِضالٍ وَوِثابِ
قُلتُ يا ساكِنَةَ الغاب / وَيا بِنتَ التُرابِ
لا تَلَجّي في اِجتِذابي / أَو فَلَجّي في اِجتِذابي
إِنَّ عوداً فيهِ ماءٌ / لَيسَ عوداً لِاِحتِطابِ
أَنا في فَجرِ حَياتي / أَنا في شَرخِ شَبابي
الهَوى مِلءُ فُؤادي / وَالصِبى مِلءُ إِهابي
وَالمُنى تَنبُتُ في دَربي / وَتَمشي في رِكابي
أَنا لَم أَضجَر مِنَ العَيــ / ــشِ وَلَم أَملُل صِحابي
لَم أَزَل أَلمَحُ طَيفَ / المَجدِ حَتّى في السَرابِ
لَم أَزَل أَستَشعِرُ اللَذَّةَ / حَتّى في العَذابِ
لَم أَزَل أَستَشرِفُ الحُســ / ــن وَلَو تَحتَ نِقابِ
ما بِنَفسي خَشيَةُ المَو / تِ وَلا مِنهُ اِرتِهابي
أَنا لِلأَرض وَإِن طالَ / عَنِ الأَرضِ اِغتِرابي
غَيرَ أَنّي لَم يَزَل ضَر / عي لِرَي وَاِحتِلابِ
لَم أَهَب كُلَّ الَّذي عِنــ / ــدي وَلَم يَفرَغ وِطابي
أَنا نَهرٌ لَم أُتَمِّم / بَعدُ في الأَرضِ اِنسِيابي
أَنا رَوضٌ لَم أُذِع كُلَّ / عَبيري وَمَلابي
أَنا نَجمٌ لَم يُمَزِّق / بَعدُ جِلبابَ الضَبابِ
أَنا فَجرٌ لَم تُتَوِّج / فِضَّتي كُلَّ الرَوابي
لي رِغابٌ لَم تَلِد بَعدُ / فَتَبْلى بِالتَبابِ
وَبِنفَسِي أَلفُ مَعنى / لَم يُضَمَّن في كِتابِ
فَإِذا اِستَنفَدتُ ما في / دَنِّ نَفسي مِن شَرابِ
وَإِذا أَنجُمُ آمالي / تَوارَت في الحِجابِ
وَإِذا لَم يَبقَ في / غَيميَ ماءٌ لِاِنسِكابِ
وَإِذا ما صِرتُ كَالعَلـ / ـيقِ تِمثالَ اِكتِئابِ
لا يُرجينِيَ مُحتاج / وَلا يَطمَعُ سابِ
فَاِجذُبيني إِن يَكُن / مِنِّيَ نَفعٌ لِلتُرابِ
جُعتُ وَالخُبزُ وَثيرٌ في وِطابي
جُعتُ وَالخُبزُ وَثيرٌ في وِطابي / وَالسَنا حَولي وَروحي في ضَبابِ
وَشَرِبتُ الماءَ عَذباً سائِغاً / وَكَأَنّي لَم أَذُق غَيرَ سَرابِ
مِحنَةٌ لَيسَ لَها مِثلٌ سِوى / مِحنَةِ الزَورَقِ في طاغي العُبابِ
لَيسَ بي داءٌ وَلَكِنّي اِمرُؤٌ / لَستُ في أَرضي وَلا بَينَ صِحابي
مَرَّتِ الأَعوامُ تَتلو بَعضَها / لِلوَرى ضِحكي وَلي وَحدي اِكتِئابي
كُلَّما اِستَولَدَت نَفسي أَمَلاً / مَدَّتِ الدُنيا لَهُ كَفَّ اِغتِصابِ
أُفلِتَت مِنّي حَلاواتُ الرُؤى / عِندَما أُفلِتَ مِن كَفّي شَبابي
بِتُّ لا الإِلهامُ بابٌ مُشرَعٌ / لي وَلا الأَحلامُ تَمشي في رِكابي
أَشتَهي الخَمرَ وَكَأسي في يَدي / وَأُحِسُّ الروحَ تَعرى في ثِيابي
رَبِّ هَبني لِبِلادي عَودَةً / وَليَكُن لِلغَيرِ في الأُخرى ثَوابي
أَيُّها الآتونَ مِن ذاكَ الحِمى / يا دُعاةَ الخَيرِ يا رَمزَ الشَبابِ
كَم هَشَشتُم وَهَشَشنا لِلمُنى / وَبَكَيتُم وَبَكَينا في مُصابِ
وَاِشتَرَكنا في جِهادٍ أَو عَذابِ / وَاِلتَقَينا في حَديثٍ أَو كِتابِ
وَعَرَفتُم وَعَرَفنا مِثلَكُم / أَنَّما الحَقُّ لِذي ظُفرٍ وَنابِ
كُلُّ أَرضٍ نامَ عَنها أَهلُها / فَهيَ أَرضٌ لِاِغتِصابٍ وَاِنتِهابِ
زَعَموا الإِنسانَ بِالعِلمِ اِرتَقى / وَأَراهُ لَم يَزَل إِنسانَ غابِ
إِنَّهُ الثَعلَبُ مَكراً وَهوَ كَالس / سَرَطانِ غَدراً وَحَكيمٌ كَالغُرابِ
يا رِفاقي حَطِّموا أَقدَاحَكُم / لَيسَ في الدُنيا رَحيقٌ لِاِنسِكابِ
جَفَّ ضَرعُ الشِعرِ عِندي وَاِنطَوى / وَلَكَم عاشَ لِمَرعى وَاِحتِلابِ
أَيُّها السائِلُ عَنّي مَن أَنا / أَنا كَالشَمسِ إِلى الشَرقِ اِنتِسابي
لُغَةُ الفولاذِ هاضَت لُغَتي / لا يَعيشُ الشَدوُ في بَحرِ اِصطِخابِ
لَستُ أَشكو إِن شَكا غَيري النَوى / غُربَةُ الأَجسامِ لَيسَت بِاِغتِرابِ
أَنا في نِيويوركَ بِالجِسمِ وَبِالر / روحِ في الشَرقِ عَلى تِلكَ الهِضابِ
في اِبتِسامِ الفَجرِ في صَمتِ الدُجى / في أَسى تِشرينَ في لَوعَةِ آبِ
أَنا في الغوطَةِ زَهرٌ وَنَدى / أَنا في لُبنانَ نَجوى وَتَصابي
إِنَّني أَلمَحُ في أَوجُهِكُم / دَفقَةَ النورِ عَلى تِلكَ الرَوابي
وَأَرى أَشباحَ أَيّامٍ مَضَت / في كِفاحٍ وَنِضالٍ وَوِثابِ
وَأَرى أَطيافَ عَصرٍ باهِرٍ / طالِعٍ كَالشَمسِ مِن خَلفِ الحِجابِ
لَيتَهُ يُسرِعُ كَي أُبصِرَهُ / قَبلَ أَن أَغدو تُراباً في تُرابِ
لِيَ بَعلٌ ظَنَّهُ الناسُ أَبي
لِيَ بَعلٌ ظَنَّهُ الناسُ أَبي / صَدِّقوني أَنَّهُ غَيرُ أَبي
وَاِعدِلوا عَن لَومِ مَن لَو مَزَجَت / ما بِها بِالماءِ لَم يُستَعذَبِ
رُبَّ لَومٍ لَم يَفِد إِلّا العَنا / كَم سِهامٍ سُدِّدَت لَم تَصِبِ
يَشتَكي المَرءُ لِمَن يَرثي لَهُ / رُبَّ شَكوى خَفَّفَت مِن نَصَبِ
زَعَموا أَنَّ الغَواني لِعَبٌ / إِنَّما اللُعبَةُ طَبعاً لِلصَبي
وَأَنا ما زِلتُ في شَرخِ الصِبا / فَلِماذا فَرَّطَ الأَهلونَ بي
لِيَ قَدٌّ وَجَمالٌ يَزدَري / ذاكَ بِالغُصنِ وَذا بِالكَوكَبِ
قَد جَرى حُبُّ العُلى مَجرى دَمي / فَهيَ سُؤلي وَالوَفا مِن مَشرَبي
أَنا لَو يَعلَمُ أَهلي دُرَّةٌ / ظُلِمَت في البَيعِ كَالمُخَشلَبِ
أَخَذوا الدينارَ مِنّي بَدَلاً / أَتَراني سِلعَةً لِلمَكسَبِ
لا وَلَكِن راعَهُم عَصرٌ بِهِ / سادَ في الفِتيانِ حُبُّ الذَهَبِ
لَيسَ لِلآدابِ قَدرٌ بَينَهُم / آهِ لَو كانَ نُضاراً أَدَبي
حَسِبوني حينَ لازَمتُ البُكا / طِفلَةً أَجهَلُ ما يَدري أَبي
ثُمَّ بِالغولِ أَبي هَدَّدَني / أَينَ مِن غولِ المَنايا مَهرَبي
أَشيَبٌ لَو أَنَّهُ يَخشى الدُجى / شابَ ذُعراً مِنهُ رَأسُ الغَيهَبِ
لَيتَ ما بَيني وَبَينَ النَومِ مِن / فُرقَةٍ بَيني وَبَينَ الأَشيَبِ
يا لَهُ فَظّاً كَثيرَ الحُزنِ لا / يَعرِفُ الأُنسَ قَليلَ الطَرَبِ
يُخضِبُ الشَعرَ وَلَكِن عَبَثاً / لَيسَ تَخفى لُغَةُ المُستَعرِبِ
قُل لِأَهلِ الأَرضِ لا تَخشوا الرَدى / إِنَّهُ مُشتَغِلٌ في طَلَبي
وَلِمَن يَعجَبُ مِن بُغضي لَهُ / أَيُّها الجاهِلُ أَمري اِتّئِبِ
إِنَّما الغُصنُ إِذا هَبَّ الهَوا / مالَ لِلأَغصانِ لا لِلحَطَبِ
وَإِذا المَرءُ قَضى عَصرَ الصِبا / صارَ أَولى بِالرَدى مِن مَذهَب
إِبسِمي كَالوَردِ في فَجرِ الصَباء
إِبسِمي كَالوَردِ في فَجرِ الصَباء / وَاِبسُمي كَالنَجمِ إِن جُنَّ المَساء
وَإِذا ما كَفَّنَ الثَلجُ الثَرى / وَإِذا ما سَتَرَ الغَيمُ السَماء
وَتَعَرّى الرَوضُ مِن أَزهارِهِ / وَتَوارى النورُ في كَهفِ الشِتاء
فَاِحلَمي بِالصَيفِ ثُمَّ اِبتَسِمي / تَخلُقي حَولَكِ زَهراً وَشَذاء
وَإِذا سَرَّ نُفوساً أَنَّها / تُحسِنُ الأَخذَ فَسُرّي بِالعَطاء
وَإِذا أَعياكِ أَن تُعطي الغِنى / فَاِفرَحي أَنَّكِ تُعطينَ الرَجاء
زَحزَحَت عَن صَدرِها الغَيمَ السَماء
زَحزَحَت عَن صَدرِها الغَيمَ السَماء / وَأَطَلَّ النورُ مِن كَهفِ الشِتاء
فَالرَوابي حِلَلٌ مِن سُندُسٍ / وَالسَواقي ثَرثَراتٌ وَغِناء
رَجَعَ الصَيفُ اِبتِساماً وَشَذىً / فَمَتى يَرجِعُ لِلدُنيا الصَفاء
فَأَرى الفِردَوسَ في كُلِّ حِمىً / وَأَرى الناسَ جَميعاً سُعَداء
زالَتِ الحَربُ وَوَلَّت إِنَّما / لَيسَ لِلذُعرِ مِنَ الحَربِ اِنقِضاء
إِن صَحَونا فَأَحاديثُ الوَغى / في الحِمى الآهِلِ وَالأَرضِ العَراء
وَإِذا نِمنا تَراءَت في الكَرى / صُوَرُ الهَولِ وَأَشباحُ الفَناء
فَهيَ في الأَوراقِ حِبرٌ هائِجٌ / وَعَلى الرَاديو فَحيحُ الكَهرُباء
نَتَّقي في يَومِنا شَرَّ غَدٍ / وَإِذا الصُبحُ اِنطَوى خِفنا المَساء
عَجَباً وَالحَربُ بابٌ لِلرَدى / وَطَريقٌ لِدَمارٍ وَعَفاء
كَيفَ يَهواها بَنو الناسِ فَهَل / كَرِهوا في هَذِهِ الدُنيا البَقاء
إِن يَكُن عِلمُ الوَرى يَشفيهِمُ / يا إِلَهي رُدَّ لِلناسِ الغَباء
وَليَجئ طوفانُ نوحٍ قَبلَما / تَغرَقُ الأَرضُ بِطوفانِ الدِماء
وَاِعصِمِ الأَسرارَ وَاِحجُب كُنهَها / عَن ذَوي العِلمِ وَأَربابِ الذَكاء
فَلَقَد أَكثَرتَ أَسبابَ الأَذى / عِندَما أَكثَرتَ فينا العُلَماء
كَم وَجَدنا آفَةً مُهلِكَةً / كُلَّما زَحزَحتَ عَن سِرٍّ غَطاء
قَد تَرقى الخَلقُ لَكِن لَم تَزَل / شَرعَةُ الغابَةِ شَرعَ الأَقوِياء
حُرِّمَ القَتلُ وَلَكِن عِندَهُم / أَهوَنُ الأَشياءِ قَتلُ الضُعَفاء
لا تَقُل لي هَكَذا اللَهُ قَضى / أَنتَ لا تَعرِفُ أَسرارَ القَضاء
جاءَني بِالماءِ أَروي ظَمَأي / صاحِبٌ لي مِن صِحابي الأَوفِياء
يا صَديقي جَنِّبِ الماءَ فَمي / عَطَشُ الأَرواحِ لا يُروى بِماء
أَنا لا أَشتاقُ كاساتِ الطِلا / لا وَلا أَطلُبُ مَجداً أَو ثَراء
إِنَّما شَوقي إِلى دُنيا رِضىً / وَإِلى عَصرِ سَلامٍ وَإِخاء
لا تَعِدني بِالسَما يا صاحِبي / السَما عِندِيَ قُربُ الأَصدِقاء
وَأُراني الآنَ في أَكنافِهِم / فَأَنا الآنَ كَأَنّي في السَماء
كان في صدري سرّ
كان في صدري سرّ / كامن كالأفعوان
أتوقّاه وأخشى / أن يراه من يراني
وإذا لاح أمامي / عقل الذعر لساني
فكأني عند بحر / هائج أو بركان
لم أخفه غير أني / خفت أبناء الزمان
ولكم فان نظيري / خاف قلبي بطش فان
لم يسع سري فؤادي / لم تسع لفظي المعاني
فقصدت الغاب وحدي / والدّجى ملقي الجران
ودفنت السرّ فيه / مثلما يدفنّ جان
ورأى الليل قتيلي / فبكاه وبكاني
إنّ للّيل دموعا / لا تراها مقلتان
كنت حتى مع ضميري / أمس في حلرب عوان
فانقضى عهد التجافي / وأتى عهد التداني
خدّرت روحي فأمسى / شأن جلّ الخلق شأني
لا أرى في الخمر معنى / ولكم فيها معاني
فكأني آلة العاصر / أو إحدى الأواني
لم يعد قلبي كالبر / ق شديد الخفقان
لم تعد نفسي كالنجـ / ـمة ذات اللمعان
بتّ لا أبكي لمظلو / م ولا حر مهان
لا ولا أحفل بالبا / كي ولو ذو صولجان
صرت كالصخر سواء / هادم عندي وبان
يا لآمالي الغوالي / يا لأحلامي الحسان!
طوت الغابة سري / فانطوت معه الأماني
ضاع لما ضاع شيء / من كياني بل كياني
في صباح مستطير / كصباح المهرجان
لبست فيه الروابي / حلة من أرجوان
وتبدّى الغاب من أو / راقه في طيلسان
ساقني روح خفي / نحو ذيّاك المكان
فإذا بالسرّ أضحى / زهرة من أقحوان
يا رفيقي أنا لولا
يا رفيقي أنا لولا / أنت ما وقّعت لحنا
كنت في سرّي لما / كنت وحدي أتغنّى
ألبس الروض حلاه / أنّه يوما سيجنى
هذه أصداء روحي / فلتكن روحك أذنا
إن تجد حسنا فخذه / واطّرح ما ليس حسنا
إنّ بعض القول فنّ / فاجعل الإصغاء فنّا
تك كالحقل يردّ الـ / ـكيل للزراع طنّا
ربّ غيم صار لمّا / لمسته الريح مزنا
ربّما كنت غنيّا / غير أنّي بك أغنى
ما لصوت أغلقت من / دونه الأسماع معنى
كلّ نور غير نور / مرّ بالأعين وسنى
يا رفيقي أنت راعيـ / ـت ففجري صار أسنى
و إذا طفت بكرمي / زدته خصبا و أمنا
قد سكبت الخمر كي تشـ / ـرب فاشرب مطمئنّا
واسق من شئت كريما / لا تخف أن تتجنى
كلّما أفرغت كأسي / زدت في كأسي دنّا
فهي بالإنفاق تبقى / وهي بالإمساك تفنى
لست منّي إن حسبت الـ / ـشّعر ألفاظا ووزنا
خالفت دربك دربي / وانقضى ما كان منّا
فانطلق عنّي لئلّا / تقتني همّا و حزنا
واتّخذ غيري رفيقا / و سوى دنياي مغنى
صوت سوريا الجميلة
صوت سوريا الجميلة / صوتك العذب الرخيم
ضاحك مثل الخميلة / لا عب مثل النسيم
يا أخا الورقاء غنِّ / فالغنا شعر السماء
فهو في الغصن تئنّي / وهو في النجم بهاء
صوت سوريا الجميلة / صوتك العذب الرخيم
ضاحك مثل الخميلة / لاعب مثل النسيم
غنّنا حتّى نميلا / مثل أغصان الأراك
كم بنا صبا عليلا / لا يداويه سواك
صوت سوريا الجميلة / صوتك العذب الرخيم
ضاحك مثل الخميلة / لاعب مثل النسيم
أيّها المحزون هيّا / واسمع اليوم الكنار
ساجعا سجعا شجيّا / ذاكرا تلك الديار
صوت سوريا الجميلة / صوتك العذب الرخيم
ضاحك مثل الخميلة / لاعب مثل النسيم
ليتنا كنّا طيورا / حول عين أو غدير
نرشف الماء نميرا / نلقط الحبّ النثير
صوت سوريا الجميلة / صوتك العذب الرخيم
ضاحك مثل الخميلة / لاعب مثل النسيم
موطن نهوى سهوله / مثلما نهوى رباه
الصّبا فيه عليله / تتداوى بنداه
كم بدا البدر ضحوكا / راقصا فوق الكروم
واستوى اللّيل ممليكا / لابسا تاج النّجوم
صوت سوريا الجميلة / صوتك العذب الرخيم
ضاحك مثل الخميلة / لاعب مثل النسيم
عاد للأرض مع الصيف صباها
عاد للأرض مع الصيف صباها / فهي كالخود التي تمّت حلاها
صور من خضرة في نضرةٍ / ما رآها أحد إلاّ اشتهاها
ذهب الشمس على آفاقها / و سواد اللّيل مسك في ثراها
و نسيم في أشجارها / و شوشات يطرب النهر صداها
و السّواقي فتن راقصة / ضحكها شدو و تهليل بكاها
و الأقاحي صور خلّابة / و أغاني الطير شعر لا يضاهى
إنّها الجنة لامريء / هو فيها و قليلا ما يراها
أيّها المعرض عن أزهارها / لك لو تعلم يا هذا شذاها
أيّها النائم عن أنجمها / خلق الله لعينيك سناها
أيّها الكابح عن لذّاتها / نفسه هيهات لن تعطى سواها
لا تؤجّل لغد ليس غد / غير يوم كالّذي ضاع و تاها
و إذا لم تبصر النفس المنى / في الضحى كيف تراها في مساها
هذه الجنّة فاسرح في رباها / و اشهد السّحر زهورا و مياها
و استمع للشّعر من بلبلها / فهو الشعر الذي ليس يضاهى
ما أحيلى الصيف ما أكرمه / ملأ الدنيا رخاء ورفاها
عندما ردّ إلى الأرض الصّبا / ردّ أحلامي التي الدهر طواها
كنت أشكو مثلما تشكو الضّنى / فشفى آلام نفسي وشفاها
عندما أبدع هذا
عندما أبدع هذا / الكون ربّ العالمينا
و رأى كلّ الذي / فيه جميلا و ثمينا
خلق الشاعر / كي يخلق للناس عيونا
تبصر الحسن / و تهواه حراكا و سكونا
وزمانا و مكانا / و شخوصا و شؤونا
فارتقى الخلق / و كانوا قبله لا يرتقونا
واستمر الحسن في / الدنيا و دام الحبّ فينا
إنّه روح كريم لبس / الطين المهينا
و نبيّ بهر الخلق / و ما أعلن دينا
يلمح النّجم خفيّا / و يرى العطر دفينا
و يرينا الطّهر حتّى / في النّجاة الآثمينا
و يحسّ الفرح الأسمى / جريحا أو طعينا
كلّما شاعت دماه / أملا في البائسينا
من سواه فيه / وقار الناسكينا
من سواه عابد / فيه جنون الثائرينا
من سواه عانق / الله يقينا لا ظنونا
من ترى إلاّه يحيا / نغمات و لحونا
من ترى إلاّه يفني ذاته / في الآخرينا
لو أبى الله علينا / و هليه أن يكونا
عادت الأرض و هادا / شاحبات و حزونا
ترتدي الوحشة و الهول / ضبابا و دجونا
و أقاحيها هشيما / لا أريجا و فتونا
و سواقيها سرابا / هازئا بالظامئينا
و شواديها دمى / خرساء تؤذي الناظرينا
و استفاق الجدول الحالم / غيظا و جنونا
و استوى النهر على / وجه الثرى جرحا ثخينا
وانطوت دنيا الرؤى فيها / و مات الحالمونا
أي و ربّي لو مضى / الشاعر عنّا لشقينا
و لعشنا بعده في / غصص لا ينتهينا
ولأمسى الله مثل / الناس مغموما حزينا !
زعموا ولّى و لن يرجع / ويح الجاهلينا
لم يمت من كان لله / خليلا و خدينا
عاش حينا و سيحيى / بعدما غاب قرونا
هذه " ملفرد " قد لاحت رباها
هذه " ملفرد " قد لاحت رباها / فانس يا قلب اللّيالي و أذاها
واشهد الفنّ سفوحا و ذرى / و الهوى الصافي أريجا و مياها
ههنا أودعت أحلام الصبا / أفما تلمح نورا في ثراها ؟
أتلقى الوحي عن بلبلها / و هو و لهان يغني لرباها
و تحسّ الوحي روحي هابطا / من سماها في ضحاها و مساها
ذهبت عشرون في فرقتها / ليتها فيها انقضت لا في سواها
كم جلسنا تحت صفصافتها / أشتكي وجدي و تشكو لي هواها
و السّواقي استترت إلاّ غناها / و الرّوابي هجعت إلاّ شذاها
و الصدى في الغاب لم ننبس معا / نسبة إلاّ وعاها و حكاها
نتناجى ويدي في يدها / فإذا لاح خيال نتلاهى
أنا دنيا من شباب و هوى / و هي كالروضة قد تمت حلاها
أحسن الأيّام في العصر انقضت / آه لو ينشرها من قد طواها
صرت في نيويورك طيفا شاردا / مع طيوف حائرات في سراها
طرحت عنها رؤاها و مضت / ننشد المجد الذي فيه شقاها
كنعاج عميت أبصارها / ووهت في طلب العشب قواها
كلّما جدّت لكي تدركه / وجدته صار في الأرض وراها !
أين في نفسي رؤى تسعدها ؟ / سرقت نيويورك من نفسي رؤاها
في يدي أمري و لا أملكه / و معي ذاتي و أخشى أن أراها !
هذه " أمّ القرى " قف في حماها / تسترح نفسي من بعض جواها
ههنا الإنسان يلقى ذاته / ههنا لا يحجب المال الإلها
لا تقل لي جئتها عارية / فقرها عندي جميل كغناها
لم يزل للصيف فيها عبق / و سماء الصيف ما زالت سماها
لا يزال الحبّ في شلالها / و بواديها حديثا وانتباها
لم يجردها الشتا من وشيها / بل كساها روعة فوق بهاها
فهي في ديباجة من صبغه / ما رآها أحد إلاّ اشتهاها