القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إلياس أبو شبكة الكل
المجموع : 13
هذِهِ الدُنيا سَآمَه
هذِهِ الدُنيا سَآمَه / تَعبٌ فيها الإِقامَة
جَحد العاتي فَلَمّا / يُبقِ لي فيها كَرامَه
لَيسَ عَن ضُعفٍ قُعودي / عَنهُ لكِن عَن شَهامَه
ليَ نَفسٌ عَلَّمَتني / كَيفَ أَستَزري لِئامَه
ليَ آدابٌ أَراها / فَوقَ خَدّ العِلمِ شامَه
وَيراعٌ يَتَمَنّى ال / فَجرُ لَو كانَ اِبتِسامَه
يُعرَفُ النَذلُ وَلَو حَطَّ / عَلى الرَأسِ عَمامَه
كُلُّ نَذلٍ مُستَبَدٍّ / في مُحَيّاهُ عَلامَه
لَم أُحارِبهُ بِسَيف / بَل بِصِدقٍ وَاِستِقامَه
إِن أُفَضِّل صفعَه بِال / نَعلِ أَنصِفه مُقامَه
يا بِلادي
يا بِلادي /
هُوَ ذا قَلبِيَ يَبكي /
فَوقَ أَطلالي هَواهُ وَيُنادي /
يا بِلادي /
لَو تَرينَ الدَمعَ مِنهُ /
جارِياً في الصَدرِ مِثلَ الجَدوَلِ /
تَمتَلي مِنهُ عُيوني /
وَخُدودي الصفرُ مِنهُ تَمتَلي /
فَاِستَقي مِنهُ وداداً /
فَدُموعي مِن وُدادي /
يا بِلادي /
إِن أَرَ الحُبَّ قَسِيّاً /
لا أَجِد في جورِهِ إِلّا فُؤادي /
أَو أَرَ الذلَّ اِنتِشاراً /
لا أَجد في سَترِهِ إِلّا بِلادي /
أَخفِضي الرَأسَ إِلى أَن /
تَرفيعِهِ بِالجِهادِ /
يا بِلادي /
أَينَما سِرتُ أَرى الناسَ /
لَدى ذِكرِكِ دَوماً يَهزَؤون /
فَهُمُ مِنكِ وَلكِن /
جَحَدوا وَالناسَ قَومٌ جاحِدون /
وَهمُ الأَبناءُ باعوا /
الأُمَّ في سوقِ المَزادِ /
يا بِلادي /
حَدِّثينا عَن جدودٍ /
ظَلَّلَ الأَرزُ ثَراهُم مِن قَديمِ /
وَعَن الحُكّامِ لَما /
حَكَموا فيكِ بِقانونٍ قَديمِ /
عَلِّمي اليَومَ قضاةَ /
العَدلِ إِنصافَ العِبادِ /
يا بِلادي /
يا بِلادي إِن دَعاني /
نَسبي التَورابُ في تِلكَ اللحودِ /
وَاِنطَفَت نارُ هِيامي /
وَخبا زيتي بِمِصباحِ الوُجودِ /
لا تَعدّيني رَماداً /
فَهِيامي في رَمادي /
يا بِلادي /
هذِهِ القَصَّةُ لا شَأنَ لَها
هذِهِ القَصَّةُ لا شَأنَ لَها / بِأَقاصيص عَجوز خَطِلِ
فَهيَ نُطقٌ سَمِعتهُ أُذني / وَبَيانٌ أَبصَرَتهُ مُقلَي
فَأَنا في سَردِها أَصدقُ إِذ / إِنَّها قَد حَدَثَت في مَنزِلي
فَاِسمَعوها وَاِفقَهوا جَوهَرِها / وَخُذوا مَوعِظَةً مِمّا يَلي
قُمتُ في ذاتِ ضحىً من مَضجَعي / وَبناتُ الشِعرَ قَد قامَت مَعي
وَتَوَجَّهتُ كَأَمسي يائِساً / أَنزَوي مُنفَرِداً في مَخدَعي
مُخدعٌ كَالقَفص الضَيِّقِ قَد / سَكَنَت فيهِ عَذارى أَدمُعي
كُلَّ عَذراءَ عَلى قَيثارِها / هَجَعَت وَالشعرُ بَينَ المُقلِ
فَسمعتُ الطَيرَ في مَجثَمِهِ / مُنشِداً يَستَقبِلُ الفَجرَ الجَديدا
وَرَأَيتُ الفَجرَ سَكرانَ هَوىً / يَردُ الطهرَ وَلا يسقي الوُجودا
وَعلى قيثار فينوس شَدَت / ربةُ الحِكمَةِ ميزفا النَشيدا
إِنَّ لِلفَجرِ غَراماً طاهِراً / ما دَرى مَعناهُ غَيرُ البُلبُلِ
طَلَعَ الصُبحُ رُوَيداً وَأَنا / أَسكُبُ الأَشعارَ مِن قارورَتي
مُطلِقاً زَفرَةَ صَدري بِأَسى / فَأَثيرُ الروحَ في نرجيلَتي
وَأَرى دَخنَتَها ثائِرَةً / تَتَلاشى في زَوايا غُرفَتي
كُلَّما أَطلَقتُ فيها زَفرَةً / هَمَسَت في الصُبحِ حَتّى يَنجَلي
وَإِذا صَوتٌ تَعالى مُلحِناً / مِن بَعيدٍ مِثل أَوتارِ النَغَم
صادَمتَهُ نَسماتٌ في الصَبا / فَأَتى كَالهَمسِ في أُذنِ النسم
عِندَ ذا أَطلَلتُ من نافِذَتي / تارِكاً قِرطاسَ شِعري وَالقَلَم
فَإِذا بصارَةٌ برّاجةٌ / تَكشِفُ البَختَ بِقَولٍ مُنزلِ
ما تَرددتُ بِأَن نادَيتُها / وَعَلى ثَغري خَيالُ البَسمات
فَأَتَت وَالوَشمُ في مرشفِها / طُرقاتٌ لمرورِ المُعجِزات
قُلتُ يا عرّافَتي هل أَنتِ مَن / قَرَأَت في الغَيبِ أَسرارَ الحَياةِ
أَطلِعيني عَن مَآتي وَطَني / وَعن الحالَةِ في المُستَقبَلِ
فَأَجابَت بَعد أَن مَدَّت يَداً / لاِستِلامِ الغَرشِ من كَفّي نَصيب
وَرَمَت في حُجرَتي أَبواقِها / فَتَعالى نَغَمٌ مِنها غَريبُ
ضَع عَلى الأَبواقِ يُمناكَ وَقل / إِنَّني آمَنتُ بِاللَهِ المُجيب
ثُمَّ قالَت لي كَلاماً صائِباً / فَاِسمَعوا يا قَومُ ما قالَتهُ لي
إِنَّ لُبنانَ ضَعيفٌ رزاحٌ / تَحت أَثقالِ ظَلامٍ أَسودِ
لَعبَت فِتيانُهُ فيهِ دداً / ما اَرادَت مهنَةً غيرَ الدَدِ
هَجَعَت سكرى بِأَحلامِ الصِبا / هَل دَرَت ماذا تَوارى في الغَدِ
إِنَّ شَعباً كَثُرت أَحلامُهُ / لَهو شَعبٌ ضائِعٌ في الدُوَلِ
لبِلادِ الأَرزِ أَبناءٌ نَأَت / فَهيَ تَشقى في زَوايا المَهجرِ
وَلها قَلبٌ إِذا ما ذُكر ال / وَطنُ اِهتَزَّ اِهتِزازَ الشَجرِ
سَعدُ لُبنانَ كَبيرٌ إِنَّما / بِسِوى أَبنائِهِ لَم يكبُرِ
وَله بُرجٌ علا مُرتَفِعاً / مِن قَديمٍ وَغداً لا يُعتَلى
عِندَما الغُؤّابُ تَعتادُ الحمى / لِتَرى مُستَقبَلاً في الوَطَنِ
عِندَما الأَمواهُ تُمسي مُسكِراً / جارِياتٍ من أَعالي القُننِ
عِندَما المَهجِرُ يُمسي خالِياً / من رِجالٍ نَشَأَت في الدِمَنِ
بَشَّروا لُبنانَ بِالعودِ إلى / زَمنٍ مِثل الزَمانِ الأَوَّلِ
عِندَما البَغضاءُ تُمسي مهجاً / تَنسلُ الحُبُّ وَتَأوي الرجلا
عِندَما الأَرماحُ تُمسي سككاً / وَفرند السيفِ يُمسي منجلا
عِندَما الحاكِمُ في عِزَّتِهِ / يُنجِد الفَلّاح حَتّى يَعمَلا
بَشَّروا لُبنانَ بِالعِزِّ فَما / وَطنٌ عَزَّ بِغَيرِ العَملِ
كُنتُ أُصغي وَفُؤادي نابِضٌ / وَعُيوني شاخِصاتٌ في السَحاب
ناظِراً في عالَمِ الماضي إِلى / مَجد قَومي المُتَلاشي كَالضَباب
إِنَّ زَيتَ المَجدِ تشعلُهُ / زَفَراتٌ اليَاسِ من صَدرِ الشَباب
فَالتَآخي وَالقُوى تَضرُمُه / هَل مُؤاخاة بِهذا الجَبلِ
عِندَ هذا نَهَضَت عَرّافَتي / بَعد ما قَد جَمَعت أَبواقها
وَمَضَت تَسرع بِالمشي وَقد / وَهَبت من سحرها أَحداقها
وَلَدُن قَد خَرجَت مِن مَنزِلي / وَمَضَت ناشِدَةً عشاقَها
صَرخت بصارَةٌ براجةٌ / تَكشِفُ البَختَ بقَولٍ مُنزَلِ
أَتُرى جاءَت لِكَي تَصطادَ
أَتُرى جاءَت لِكَي تَصطادَ / في البَحرِ السَمَك
أَم أَتَت تَصطادُ قَلبي / بِلِحاظٍ كَالشَبك
إيهِ يا صائِدَةَ الأَسماكِ / لَستُ السَمَكَه
حَوِّلي الأَشراكَ عَن قَلبي / وَكفّي الحَرَكَه
إِنَّ قَلبي عالِقٌ في / غيرِ هذي الشَبَكه
عِندَما اِصطادَت فُؤادي غادَتي / ما رَحَمَتهُ
بَل رَمَتهُ فَوقَ كانو / نِ هَواها وَشَوَتهُ
وَاِنثَنَت تَلحس سَنّا / رَتَها مُذ أَكَلَتهُ
نَحنُ صِرنا في زَمانٍ لا / نَرى فيهِ ملاذا
سَمكُ البَحرِ كَقَلبي / لَيسَ مَن قالَ لِماذا
مِثلَما تُؤكل هذه / تُأكَلُ الغاداتُ هذا
إيهِ يا صائِدَةَ الأَسماكِ / لَستُ السَمَكَه
حَوِّلي الأَشراكَ عَن قَلبي / وَكفّي الحَرَكَه
إِنَّ قَلبي عالِقٌ في / غَيرِ هذهِ الشَبَكَه
جثمَ اللَيلُ بِأَحضانِ التِلال
جثمَ اللَيلُ بِأَحضانِ التِلال / حالَكَ البَردةِ مَنشورَ الظلال
كخضَمٍّ غَرقَ الهَمُّ بِهِ / فَاِعتَرى أَمواجَه صمتُ الجلال
وَأَنا في مخدَعي لا تَنثَني / عن جُفوني مُردا الشَهد الطوال
في فُؤادي مِن غَرامي صورَةٌ / وَعلى عَينَيَّ من حُبّي خَيال
هوذا البَدرُ بِأَبهى رَونَقِ / صاعِدٌ خَلفَ جبالِ المَشرقِ
غَرقت هالتُه في غيمَةٍ / كَدُموعٍ غَرَقَت في حَدَقِ
أَو كَأَحلامِ لَيالِيَّ وَقد / ذُوِّبَت بَين بخارٍ أَزرَقٍ
فَتَراءى اللَيلُ سَكرانَ بِما / ذابَ في مرشِفِهِ المحتَرِقِ
يا فَتاةً بَينَ جنبَيَّ هواها / لَكِ عندي حرمةٌ رَبّي رَعاها
كانَ في صَدرِيَ آمالٌ وَقَد / مَرَّ إِخفاقي عَلَيها فَمَحاها
إِنَّ في عَينَيكِ آثاري فَلا / تُنكِريها عَزَّزَ اللَهُ بَقاها
فَهما مِرآةُ قَلبي في الهَوى / كَم أَرَتني مُهجَتي عِندَ رُؤاها
يا فَتاتي تَحت زَهرِ الياسمين / قَد تَعاهَدنا عَلى حُبٍّ أَمين
لا يَزالُ الزَهرُ بَسّاماً لَنا / شاهِداً عَدلاً عَلى تِلك اليَمين
فَاِذكُري ذلِكَ وَالدَمعَ الَّذي / قَد ذرَفناهُ بِشَوقٍ وَحنين
كانَ ذاكَ الدَمعُ ماءً منزِلاً / عَمَّدَ الحُبَّ بِدينِ العاشِقين
يا فَتاتي كانَ لي مَسعىً وَقَد / صَفِرت مِنهُ عُيوني وَيَدي
إن يَكُن أَخفَقَهُ الحَظُّ فَلا / بُدَّ من يَومِ نُهوضٍ في الغَدِ
أَنا في العِشرينَ عَفواً إِنَّني / أَمرَدٌ لا تعبَثي بِالأَمرَدِ
إِنَّ لِلأَشبالِ ساعاتِ دَدٍ / وَكَذا لِلصبِّ ساعاتُ دَدِ
يا فَتاتي إِن تَكوني تَفخَرين / عِندَما أُذكَرُ بَينَ النابِهين
فَليَكُن فَخرُكِ قَلبي إِنَّهُ / ذابَ من أَجلِكِ في كَأسِ الأَنين
وَإِذا ما اِفتَخَرَ الناسُ غَداً / فَاِفتِخاري بِشِعارِ البائِسين
ريشَةٌ من قَصَبٍ عَلَّقتُها / فَوقَ تاريخِ الرِجالِ الخالِدين
ريشَةٌ من قَصبٍ ناجيتُها / وَأَنا أَلثُمُ هاتيكَ الخُدود
إِن أَكُن ناجيتُها مُنذُ الصِبا / سَوفَ من بعدي يُناجيها الوُجود
سَوف من بَعدِيَ تَبقى أَثَراً / بِرَسمُ المَجدَ عَلى لوحِ الخُلود
وَيُطِلُّ الدَهرُ مِن كوَّتِهِ / لِيَراها كَيف تُرمى بِالوُرود
إِنزَعوا مِنِّيَ قَلبي
إِنزَعوا مِنِّيَ قَلبي / رَحمَةً كَي أَستَريح
فَأَنا ما زالَ حُبّي / نامِياً أَبقى جَريح
أَيُّها الهائِمُ في هذي الفلاه / أَينَ تَنوي أَين
دائِماً أَلفاكَ تَذري العبرات / كاسِرَ الطَرفين
إِمسحِ الدَمعَ فَلا تُروي الحَياة / دَمعَةَ العَينَين
أَهجرِ الكَونَ فَمِصباحُ الوُجود / لَيسَ فيهِ زَيت
وَاِطلُبِ الأَنوارَ في مَأوى الخُلود / في قُصور المَوت
إِنزَعوا مِنِّيَ قَلبي / رَحمَةً كَي أَستَريح
فَأَنا ما زالَ حُبّي / نامِياً أَبقى جَريح
أَيُّها الحامِلُ قيثارَ الشَباب / قَطِّعِ الأَوتارِ
لَم تَعُد تَرشِفُ ذيّاكَ الرضاب / بِسِوى التِذكار
أَصبَحَت تِلكَ الأُوَيقاتُ العِذاب / مِثلَ حُلمٍ سار
سَئِمتُ نَفسِيَ أَنوارَ الصَباح / في حِمى الحَدثان
كُلَّ ما فيهِ بُكاءٌ وَنُواح / تَشهَدُ الأَجفان
إِنزَعوا مِني قَلبي / رَحمَةً كَي أَستَريح
فَأَنا ما زالَ حُبّي / نامِياً أَبقى جَريح
أَنتِ يا روحَ المَماتِ الهائِمَة / يا عَروسَ النور
لامِسي عَين غَرامي النائِمَة / في مَغاني الحور
وَاِجثُمي فَوقَ فُؤادي لائِمَة / ظُلمَةَ الديجور
عَلَّه إِن يَستَفِق من سَكرَتِه / يَهجُر الأَيّام
وَيَرى الحُبَّ الَّذي في خَمرَتِه / كُلَّهُ أَوهام
إِنزَعوا مِنِّيَ قَلبي / رَحمَةً كَي أَستَريح
فَأَنا ما زالَ حُبّي / نامِياً أَبقى جَريح
بَينَما كانَ فَتى المُستَقبَل
بَينَما كانَ فَتى المُستَقبَل / سائِراً بَينَ غياضِ الجَبلِ
بَدَرَت من مُقلَتَيهِ لَفتَةٌ / فَرَأى وَجهَ غَزالٍ مُقبِل
هُو ظَبيٌ يَتَثَنّى باسِماً / بَينَ زَهرٍ باسِمٍ لِلطَلَلِ
ذاكَ ظَبيُ العزِّ في المُستَقبَلِ / يَتَراءى قادِماً في عَجَلِ
سَكب الفَجرُ عَلَيهِ كَأسَه / وَسَقاهُ من رَحيقٍ سَلسَلِ
بَينَ عَينَيهِ تَراءى هَيكَلٌ / سَجد الحسنُ بِذاكَ الهَيكَلِ
أَرسلَ الشِعرُ إِلَيهِ راهِباً / فَغَدا مُحتَفِلاً بِالمرسَلِ
ثغرُهُ قارورَةٌ من عَسَلٍ / مَزجت مرشفَه بِالعَسَلِ
وَلهُ في وُجنَتَيهِ آيَةٌ / هَبط السِحرُ عَلَيها من عَلِ
عِندَها هاروتُ أَلقى طرفَه / صاح من وَهلَتِهِ وَآخجلي
وَاِنثَنى من وجهِه مُستَعجِلاً / راغِباً في مَشيةِ المُستَعجل
أَقبلَ الظبيُ عَلى ذاكَ الفَتى / مُستَرِقّاً فيهِ قَلبَ الرجلِ
وَأراهُ مُنجلاً في يَدِهِ / قائِلاً سرُّ الهَوى في المنجلِ
إِن تَرُم تَقرن بِالمَجدِ الهوى / فَتجنَّب عادِياتِ الكَسلِ
هوذا المُنجلُ فَاِطلُب عَملاً / إِنَّما المنجلُ رَمزُ العَمَلِ
شارِكِ العُمّالَ في مِهنَتِهِم / وَاِجتَهِد في كُلِّ أَمرٍ تَصِلِ
إِنَّما العُمّالُ أَركانٌ إِذا / هَبَطَت يهبِطُ مجدُ الدوَلِ
حينذا هبَّت نسماتُ الصَبا / مُنشداتٍ معَ لَحنِ البُلبُلِ
وَتَوارى الظَبيُ عَنهُ عِندَما / حَرَّكَت لُطفاً مياه الجدولِ
شعر الصبُّ بِحُبٍّ لم يَكُن / غير سَهمٍ من فُؤاد المُبتَلي
غَلبَ الحُزنُ عَلَيهِ إِنَّما / لَم يَكُن يَقطَع حَبلَ الأَمَلِ
قالَ لا بُدَّ لِجَفني مرَّةً / أَن يَراهُ راتِعاً في مَنزِلي
سَأُضَحّي كلَّ ما عِندي فَلا / بُدَّ لي من قَلبِهِ لا بُدَّ لي
حينذا أَصغى لِصَوتٍ قائِلٍ / لَن تَنالَ الغايَ فَوقَ المخمَلِ
إِن تَرُم تَهوى غَزالاً فَاِقتَرِن / قَبلَ هذا بِعَروسِ العَمَل
إِن تَرُم مجداً وَفَخرا
إِن تَرُم مجداً وَفَخرا / وَاِقتِداراً مُستَمِرّا
وَإِذا ما شِئتَ تَحيا / مُطلقَ الأَجنُحِ حُرّا
فَوقَ أَطباقِ الأَثيرِ /
جَنبَ أَبراجِ البدورِ /
وَعَلى مَرأى الضَميرِ /
إِبنِ لِلنَّفسِ مقرّا /
إِتبَعيني يا فَتاتي / وَاِبخلي بِالعبراتِ
فَمراراً قَد بَكينا / تَحتَ أَقدامِ الحَياةِ
إِنَّ مِن دَمعِ العَذارى /
مَلكُ الطهر اِستعارا /
فَحَرامٌ أَن يُوارى /
في تُرابِ الكائِناتِ /
نَحنُ في عُمرِ الشَبابِ / نَحنُ في عَهدِ التَصابي
وَأَرى آمالَ قَلبي / تَتَلاشى كَالضَبابِ
إِتبَعيني إِتبَعيني /
فَدُموعي وَجُفوني /
شَيَّدَت قَصرَ السُكونِ /
فَوقَ أَطباقِ السحابِ /
مُذ رَأى الناسُ هُزالي / وَجُمودي المُتَوالي
ضَحِكوا مِنّي وَقالوا / هُوَ يَحيا في الخَيال
لَو دَروا مَعنى نَشيدي /
لَرَأوني اِبنَ الخلودِ /
وَرَأوا جِسمَ الوجودِ /
يَتَمَشّى لِلزَوالِ /
إِتبَعني إِتبَعني /
فَدُموعي وَجُفوني /
شَيَّدَت قَصرَ السُكونِ /
فَوقَ أَطباقِ السَحابِ /
كَيفَ لا أَندَبُ أَمسي
كَيفَ لا أَندَبُ أَمسي / وَمَماتي في غَدي
فَاَنا مُذ حَلَّ تَعسي / فَرَّ حَظّي من يَدي
ضعفتُ روحي بِصَدري / وَتَلاشَت في الفُؤاد
فَاِنطَفَت جذوةُ عُمري / وَاِستَحالَت لرماد
مُنيَتي هَل تَذكُرينا / وَقفَةً قُربَ الغَدير
حَيثُ أَلفينا الغصونا / هامِساتٍ في الأَثير
وَالسنونو راحِلاتُ / تلمس الماءَ الركود
مثلها تِلكَ الحَياةُ / مخرَت بَحر الوُجود
يا لَهُ وَقتاً تَقَضّى / بَينَ لهو وَدَدِ
يَومَ كانَ الحُبُّ فَرضا / صافِياً كَالعسجَدِ
أَيُّها المُنشِدُ رِفقاً / فَلَقَد وَلّى الشَباب
مَن قَضى في الكَونِ عِشقاً / لا يُؤاسيهِ الرباب
إِنَّما قَبلَ المَماتِ / ذَكِّر الصَبَّ بميّ
غَنِّ لي لَحنَ الحَياةِ / ظبيَةَ الأُنسِ إِلَيَّ
أَميرَ الشِعرِ لا نورٌ وَحقُّ
أَميرَ الشِعرِ لا نورٌ وَحقُّ / وَلكِن سوءُ مُنقَلَبٍ وَخَرقُ
إِذا أَيَّدتَهم أَيَّدتَ حَقّاً / أَبي تَأييدَهُ شَرفٌ وَخُلقُ
أَميرَ الشِعرِ وَالثَوراتُ تَرقى / عَلى نُظُمٍ يُمَهِّدُها الحقُ
وَلا تَرقى عَلى مُهَجِ الأَيامى / فَإِنَّ دَمَ الأَيامى لا يحقُّ
أَباحوا في القِتالِ دَمَ النَصارى / وَفي أَجفانِهِم لِلبغضِ وَدقُ
وَما رَفَقوا بِأَيتامٍ صغارٍ / فَجازوهُم بِما لَم يَستَحقوا
وَقالوا نَهضَة الأَوطانِ تَقضي / وَعاثوا في بِلادِهِم وَشَقّوا
وَقِدرُ الدينِ في الجَهّالِ تَغلي / وَلم يُسمَع لِطَبل الدينِ طَرقُ
أَتَحتَرِمُ الحُقوقَ وَفي فَضاها / من الأَحقادِ زَوبَعَةٌ وَبَرقُ
وَفي راياتِها لَهفُ اليَتامى / لَهُ في كُلِّ ثانِيَتَين خَفقُ
أَلإستِقلالُ يَنمو بِالتَآخي / وَيَضمر بِالشقاقِ وَيستدقُّ
وَبِالحُبِّ الصَحيحِ يشيدُ صَرحاً / أَساسُ خُلودِهِ شَرفٌ وَصِدقُ
أَلَسنا في الهمومِ أولي اِتِّفاقٍ / فَلِم لا يَنتحِيا اليَومَ وفقُ
وَلم يَسعى إِلى التَفريقِ قومٌ / يوحّدُ بَينَهُم وَطَنٌ وَنُطقُ
أَعادوا سوءَةَ الماضي بِنزقٍ / وَلم يَنبِض لَهُم في الحُبِّ عِرقُ
كَأَنَّهُم أَرادوا نَفيَ رقٍّ / بِجَهلٍ فيهِ لِلأَوطانِ رِقُ
كِلانا شاعِرٌ بِالظُلمِ يَرثي / بِلاداً بِالمَظالِمِ تسترقُ
وَنَحنُ نؤيِّدُ الثوراتِ لكِن / نَخُطِّئُها إِذا هيَ لا تَرُقُ
أَميرَ الشِعرِ حَسبُ دِمَشقَ حُزنٌ / بِأَنَّ جنانِها يبسٌ وَطرقُ
فَأَزهرُها من الأَرزاءِ صَفرٌ / وَأَنهرُها من الأَهوالِ بلقُ
وَما في الغَوطتين سِوى زَفير / يصعِّدُهُ مِن الآلامِ عُمقُ
وَما في الجامِعِ الأَمَوِيِّ إِلّا / صُراخٌ من تَفَجُّعِهِ وَشَهقُ
كَأَنَّ الجِنَّ تَخطُرُ في دُجاه / وَفي جنباتِهِ لِلبومِ نعقُ
وَأَجفانُ السُموأَلِ فيهِ تَبكي / وَأَدمُعِها شكاياتٌ وَعِشقُ
أَلا أَينَ الخَرائِبُ من قُصورٍ / لَها بِمَذاهِبِ الآفاقِ سبقُ
وَأَينَ من السُمُوِّ جلالُ نَسق / هَوى رِضماً فَما بِدِمشقَ نَسقُ
وَأَينَ مَعاهِدُ الآثارِ فيها / وَأَينَ الحُسنُ وَالفَنُّ الأَدقُ
جَلائِلُ كُنَّ في الماضي مزاراً / جُموعُ حجيجِهِ خُلقُ فَخُلقُ
مطهَّرة العُصور بَغى عَلَيها / حَزازاتٌ من التَدنيسِ حُمقُ
عَلى مَن تَبعة الآثامِ تُلقى / وَكُلُّ هَوىً يَقولُ أَنا المُحقُ
غَمزَت إِباءَهم فَمَضى حَقوداً / وَضَجَّت مِن صَغارَتِهِ دِمَشقُ
وَلَو عَقلوا لَحرَّرهم نِظامٌ / عَلى أَبوابِ حَقِّهِمِ يدقُ
تخذتَ الشِعرَ لِلإِصلاحِ مرقىً / فَهل أَصلَحتَ خُلقَهُم لِيَشقوا
وَهَل عَلَّمتَهُم رميَ القَوافي / لِيَرموا بِاليَتيمِ وَليسَ رِفقُ
سَلِ الأَهرامَ يا اِبنَ المَجدِ عَنّا / يُجِبكَ الدَمعُ وَالنَفسُ الأَرقُ
فَفي الأَهرامِ يا شَوقي بَقايا / مِنَ النسبِ المُؤَثَّلِ لا تَعُقُ
وَفي النيلِ المُرَقرَقِ عاطِفاتٌ / مَشى مِنها إِلى لُبنانَ رزقُ
يَعزُّ عَلَيهِ أَن تَشقى بِلادٌ / بِها من شيمَةِ الأَجيالِ عتقُ
أَلَستَ تَرى أُميَّة كَيف تَرنو / إِلى لُبنانَ عَن مُقلٍ تُشقُ
وَكلٌّ مِنهُما يَهوي بِنَزعٍ / وَفي دَمِعِ من الأَهوالِ حَرقُ
وَلِلمُستَقبَلِ الآتي عَجيجٌ / عَلى قَدَمَيهِ لِلأَوطانِ زَهقُ
أَميرَ الشِعرِ حَسبُ الشِعرِ فَخرٌ / بِأَنَّ لماكَ لِلإيحاءِ فَتقُ
أَنا مُصغٍ إِلى قَطَراتِ سِحرٍ / لَها من شِعرِكَ العَلويِّ دَفقُ
أَلا هَذِّب شَبابَ الشَرقِ هَذِّب / لِيَرقى مَوطِنٌ لَهُمُ وَيَرقوا
وَقُل لَهُم أَخاكُم فَاِعضدوهُ / تَنالوا المَقصَدَ السامي وَتَبقوا
ناقِمٌ عَلى السَماء
ناقِمٌ عَلى السَماء / حاقِدٌ عَلى البَشَر
ساخِطٌ عَلى القَضاء / ثائِرٌ عَلى القَدَر
غَيرَ قَطرَة المَساء / لا أُحِبُّ في السَحَر
صِرتُ أَمقتُ الصَفاء / صِرتُ أَعشَقُ الكَدَر
غَيرَ مَشهَدِ الدِماء / لا أُحِبُّ في الصوَر
جَمِّلي ليَ الجَسَد / وَاِسكُبي ليَ الرَحيق
لا تُفَكِّري بَغد / قَد يَجي وَلا نَفيق
ما لَنا وَلِلأَبَد / إِن سَرَّهُ عَميق
أَلهوى إِذا اِتَّقَد / كانَ لِلبلى طَريق
فَلنَمُت يَداً بِيَد / وَلِنُغَيِّب البَريق
بَينَ شَهوَة الجَسَد / وَالرَحيق
أُسجُدي لِلَّهِ يا نَفسي
أُسجُدي لِلَّهِ يا نَفسي / فَقَد وافى المَغيب
هوذا الفَلّاحُ قَد عادَ من الحَقلِ الجَميل /
في يَدَيهِ المُنجَلُ الحاصِد وَالرَفشُ الطَويل /
وَعَلى أَكتافِهِ حِملٌ مِن القَمحِ ثَقيل /
فَهو تَعبانُ وَفي عَينَيهِ آثارُ اللَهيب /
أُسجي لِلَّهِ يا نَفسي فَقَد وافى المَغيب /
أُسجُدي لِلَّهِ وَاِسلي / فَترَةً ذِكرى العَذاب
قَبلَما تَزحَف في الوِديان / أَشباحُ الضَباب
وَاِستَعيدي ذِكرياتٍ / لِأُوَيقاتٍ عِذاب
لَم يَكُن ماضيكِ كَالحاضِرِ / مُرتاباً كَئيب
أُسجُدي لِلَّهِ يا نَفسي / فَقَد وافى المَغيب
إِسمَعي الأَجراسَ في / قُبَّةِ دَيرِ الراهِبات
يَحمِلُ الوادي صَداها / لِلنّفوسِ الزاهِدات
فيهِ أَصواتُ حَنانٍ / وَبَقايا زَفَرات
صَعَّدَتها راهِباتُ الدير / قُدّامَ الصَليب
أُسجُدي لِلَّهِ يا نَفسي / فَقَد وافى المَغيب
هذِهِ خمري فَذُقها يا نَديمي
هذِهِ خمري فَذُقها يا نَديمي / فَلَها طَعمٌ غَريبٌ في كُرومي
ليَ في كَأسي يَقينٌ لَم يَكُن / ذَهبَ الشَكُّ مَع الحُبِّ القَديمِ
إِنَّ في عَينَي حَبيبي طَرَباً / شاعَ آمالاً وَعِطراً في صَميمي
أَينَ مِنهُ ذلِكَ الهَمُّ جَرى / مِن أَفاعيهِ سُموماً في كُلومي
يا نَديمي أَبرَأَت جُرحي يَدٌ / فاضَ مِنها مَرهَمُ القَلبِ الكَريمِ
فَعَلى كلِّ شَقِيٍّ رَحمَةٌ / مِن سَمائي وَعَلى كُلِّ سَقيمِ
لَم يَكُن ماضِيَّ في الحُبِّ سِوى / مَطهَرٍ أَفضى إِلى هذا النَعيمِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025