المجموع : 7
يا لِسانَ الحَقِّ لا تَنطلِق
يا لِسانَ الحَقِّ لا تَنطلِق / فازَ بِالخُطوَةِ أَهلُ الملقِ
عَلِّمُونا يا أُولي الحُظوَةِ ما / قَد عَلمتم مِن طِلاءِ الخُلُقِ
وَاِمنَحونا ذَلِكَ الصِبغَ الَّذي / يُظهرُ الحُسنَ وَيُخفي ما بَقِي
أَو فَدلّونا عَلى صُنّاعِهِ / نَجتَليهِ بِبَقايا الرَمقِ
أَيُّ صِبغ ذاكَ ما أَعجَبَه / صادِقُ الغشِّ وَإِن لَم يَصدُق
أَلبَس الشَمسَ ظَلاماً داِمساً / وَكَسا الإِظلامَ شَمسَ المَشرِقِ
عَلِّمُونا نصف المَرءَ بِما / لَيسَ فيهِ مَن يُنافِق يَنفُقِ
يَمنَح الفِطنةَ أَغبى خَلقه / وَالذَكاءَ المحضَ رَأسَ الأَحمَقِ
إِن سَمِعنا ناهِقاً قُلنا لَهُ / إيه يا مَعبدُ بِالصَبِّ ارفُقِ
نَكذبُ العَصر كَما يَكذِبُنا / بئرُ مَين فاسقِ مِنها وَاِستَقِ
لا تَقُل أَفنيتُ عُمري دائِباً / وَبَذَلتُ الجُهد جهدَ المُرهَقِ
لَيسَ لِلدائِبِ حَظٌّ بَينَهُم / لا وَلا الجهدُ سَبيلُ المُرتَقي
تَزنُ العُمرَ وَعُمراً مِثلَهُ / لَحظَةٌ تَبذُلها في المَلقِ
فَاِستَبقِها فُرصَةً إِن سَنَحَت / إِنَّما الفُرصَةُ لِلمُستَبِق
لا تقُل سُهدي وَجَهدِي عُدَّتي / إِنَّما الجهد عَتادُ الأَخرَق
إيهِ يا علمي عُد جَهلاً عَسى / يَنهَضُ الجَهلُ بحَظٍّ مُوثَق
يا ذَكائِي عُد غَباءً أَستَرح / بِغَبائِي مِن شَقاءٍ مُطبِق
كَم كِفاياتٍ نَفاها قَومُها / وَجُهودٍ أُلقِيت في الطُرق
وُضِعَت في مَوطِئِ النَعلِ وَلَو / أَنصفُوها وُضِعَت في الحَدَق
فَأت عَلياءَهُمُ مِن بابِها / لا تُضِع عُمرَك بَينَ الوَرَقِ
لَم أَكُن في نَعتِهم مُختَلِقاً / لَعنَةُ اللَهِ عَلى المُختَلِقِ
عَلِّمونا أَنَّنا في بَلَدٍ / فيهِ من لَم يَتَمَلَّق يُملقِ
أَو دَعُونا فَلَكم دُنيا الغِنى / إِنَّما نَحيا بِدُنيا الخُلُقِ
مَرةً أَخطَأتُها في عُمري / بِثَناءٍ قُلتُه في نَزقِ
مُنذُ أَن أَخطَأت فيهِ لَم أَبت / لَيلَةً إِلا بِطَرفٍ أَرِق
لا تَذوبي مِن وَغاها فَزَعا
لا تَذوبي مِن وَغاها فَزَعا / وَتَعالَي نُجِبِ الحُبَّ مَعا
لا تَظُنّي الحَربَ تُنسينا الهَوى / إِنَّهُ قَلبي عَلى ما طُبِعا
فَلتَقُم أَو تقعدِ الدُنيا فَلا / يَحصُدُ الشَرَّ سِوى مَن زَرَعا
حارِبُوا ما شئتُم أَو سالِمُوا / وَاِعمُروها أَو دَعوها بَلقعا
لَيسَ لي ما عِشتُ في دُنياكُمُ / ما أَراهُ يَستَحِقُّ الطمَعا
لَستُ أَبغي رِيَّ آمالي بِما / سَفَكَ الظُلمُ دَماً أَو أَدمُعا
مَطلَبي أَطهَرُ مِن أَن يرتَعي / جُثثَ الإِخوَة يَبغي شِبَعا
فَدعُوا قَلبي وَما يَشغَلُه / لَم يَدَع فيهِ الهَوى مُتَّسَعا
غَرسَ الحُبُّ بِهِ دَوحَتَه / فَزكَت أَصلاً وَطالَت أَفرُعا
صادَفَت مَنبِتَها فَاِنبَسَقَت / وَأَصابَت مِن وَفائِي مَنبَعا
وَجَناها اليأَسُ إِلا أَنَّها / بَسَطَت مِن ظِلِّها ما أَطمَعا
يَتَغَنّى الشعرُ في أَفيائِها / مُرسِلاً في كُلِّ لَحنٍ مَدمَعا
باعِثاً في النَفسِ مِن ذِكرى الهَوى / ما شَفى اللَوعَةَ أَو ما أَوجَعا
يا مُنى نَفسي تَعالَي نَبتَدِر / مِن جَنى أَيامِنا ما أَينَعا
وَاِغنَمِيها لَحَظاتٍ إِنَّها / فُرَصٌ تَمضي وَتُبقي جَزَعا
أَمتِعينا وَالمُنى مُسعِدَةٌ / لَيسَ هَذا العَيشُ إِلّا مُتَعا
بِحَديثٍ كادَ أَن يَخلُقَ مِن / سِحرِهِ في كُلِّ شيء مَسمَعا
حَدِّثينا عَن تَباريح الجَوى / وَصِفي جَور الهَوى ما صَنَعا
حَدِّثي عَمّا جَنَت أَيدي النَوى / وَجَميلِ الصَبر ماذا نَفَعا
وَأَمانٍ كَم هَفا الصَبُّ لَها / خادعاً لِلنَفسِ أَو مُنخَدِعا
حَدِّثينا عَن غَرامٍ لَم يَدَع / في فُؤادَينا لواشٍ مَوضِعا
حَدِّثينا إِنَّ أَشهى مُتعَةٍ / مِنكِ إِن حَدَّثتِنا أَن نَسمَعا
عاوَد القَلب حَنينُه
عاوَد القَلب حَنينُه / مَن عَلى الشَوقِ يُعينُه
وَيحَ قَلبي مِن غَرامٍ / هاجَ بِالذِكرى كَمِينُه
يا لخفّاقٍ إِذا ما / قَرَّ هَزَّتهُ شُجونُه
واصِلٌ مَن صَدَّ عَنهُ / صائِنٌ مَن لا يَصُونُه
خانَهُ الصَبرُ وَلَولا الصَ / صَدُّ ما كانَ يَخونُه
يا زَماناً لَم تَكُن إِلا / هُنيهاتٍ سِنينُه
كُنتَ رَوضاً حالياً بِالوَص / لِ قَد رَفَّت غُصونُه
حُلُمٌ إِن يَمحُهُ الدَه / رُ فَفي الذِكرى مَصُونُه
كُلَّما مَرَّ بِقَلبي / ذِكرُهُ جُنَّ جُنونُه
لَو شَهِدتِ النَجمَ أَرعا / هُ وَتَرعاني عُيونُه
أَو رَأَيتِ اللَيلَ أَشكو / هُ وَتَشكُوني دُجُونُه
وَمِهادَ النَومِ كَم يقسُو / عَلى جَنبيَّ لِينُه
آهِ لَو تَدرِينَ ما بي / ضاقَ بِالقَيدِ سَجينُه
أَنتِ تَدرِينَ وَلَكن / لِصِبا الغِيدِ فُتُونُه
أَنتِ لي كُلُّ شئوني / وَيلَ مَن أَنتِ شُئونُه
كانَ لي دَمعٌ فَمالي / جفَّ مِن دَمعي مَعِينُه
مَن لِصَبٍّ غَدَرَ الوا / في بِهِ حَتّى جُفُونُه
كُلَّما منّاهُ ظَنٌّ / عادَ بِاليَأسِ يَقِينُه
سَكَنَ اللَيلُ فَما لل / قَلب يَجفُوهُ سُكونُه
كَم وَكَم أَقسَم أَن يَسلُو / فَما بَرَّت يَمينُه
كُلَّما ظَنَّ سُلوّاً / كَذَبَت فيهِ ظُنونُه
كَم فُنونٍ ذاقَ في الحُب / بِ وَلِلحُبِّ فُنونُه
فَليذُق ما شاءَ مِنهُ / ما رَعى العَهدَ أَمينُه
أَيُّها اللائِمُ دَعهُ / فَلَهُ في الحُبِّ دِينُه
ما غَناءُ الراحِ قَد ظَلَّت سِنيناً
ما غَناءُ الراحِ قَد ظَلَّت سِنيناً / حَدِّثينا تَبعَثي النَشوَةَ فينا
فَمُك الكاسُ فَهاتِي نَصطَبِح / مِن سُلافٍ لَذَّةٍ لِلشارِبينا
أَسمِعينا نَبَراتٍ أَخجَلت / وَتَر العُودِ حَناناً وَحَنيناً
وَاِنطِقي تُصغي الأَمانيُّ عَسى / أَن تَشائِي قَولَ كُوني فَتَكونا
وَاِبعَثي شَجوَ الهَوى مِن مَنطِقٍ / يَلمِسُ النَفسَ فيُذكِيها شُجُونا
وَاِنفُثي مِن سحرِهِ في مَيِّتٍ / تَبعَثِيهِ قَبلَ بَعثِ العالَمينا
وَاِهمِسي في يابِس النَبتِ بِهِ / تُلبِسيهِ نضرَةً لِلناظِرينا
مَلَكٌ أَنتِ فَإِن شَكّ امرُؤٌ / حَدِّثيه يَعُدِ الشَكُّ يَقينا
أَلهميهِ مِنك فُرقانَ الهَوى / في حَديثٍ يَجعَل الصَبوةَ دِينا
لَو عَلَى المِحرابِ مِنهُ كَلِمٌ / خَشَع المِحرابُ قَبلَ الخاشِعينا
تُوشِكُ النسمَةُ إذ تحمِلُه / عنك أن تحسُدَ فيهِ السامِعينا
وَدَّت النَسمةُ لَو ضَنَّت بِهِ / وَضَنينٌ كُلُّ مَن يَحوِي ثَمينا
تَتَمنّى العَينُ فيهِ لَو غَدَت / أُذُناً تَحظى بِحَظِّ المُنصِتينا
وَمُنى الآذانِ إِذ تَسمَعُ عَن / مُجتَلى حُسنِكَ لَو كانَت عُيونا
فِتنَةٌ جلَّ الَّذي أَودَعها / فِيكِ لا نُدرِكُها إِلا ظُنونا
لَكِ حَبّاتُ القُلوبِ اِنتَظَمَت / طَوِّقي جيدَك مِنها وَالجَبينا
أَرسِلي سِحرَكِ في صَوتٍ إِذا / ما سَرى فيَّ اليَأسِ مَنَّى اليائِسينا
صاغَهُ اللَهُ مِن الرِفق كَما / صاغَ ظِلَّ الخُلدِ وَالفَيضَ المعينا
ذابَ حَتّى كادَ يَخفى رِقّة / لَستُ أَدري أَرَنيناً أَم أَنِينا
حَدِّثينا وَأَعِيدي ما مَضى / مِن حَدِيثٍ واحسَبي أَنّا نَسينا
عَلِّلِينا بِالأَماني وَاِنجَلي
عَلِّلِينا بِالأَماني وَاِنجَلي / وَعِدينا بِالتَداني وَاِمطُلي
وَإِذا لَم تُسعِدي الشاكي بِما / يَرتَجيهِ أَسعِدي بِالأَمَلِ
كَم سَأَلنا وَقَنِعنا أَنَّنا / نَأمَلُ البَذلَ وَإِن لَم تَبذلي
وَرَضينا مِنكِ لَو أَجدى الرِضا / بِتَمنِّي الوَصلِ إِن لَم تَصِلي
فَاسأليهِ مَرّةً ما سُقمُه / حَسبُ مَن أَسقَمتِهِ أَن تَسأَلي
حَسبُهُ عِلمُك عَنهُ أَنَّهُ / مَسَّهُ الحُبُّ بِداء مُعضِلِ
حَسبُهُ الظَنُّ إِذا لَم تُوقِني / أَنَّهُ حُمِّلَ ما لَم يحمَلِ
أَخطِري وَهمَك فيهِ مَرّةً / خَطرَةَ الشَجوِ عَلى بالِ الخَلي
وَالمَحيهِ لَمحَ بَرقٍ خُلَّبٍ / يُطمِعُ الصادي وَإِن لَم يُسبِلِ
آهِ لَو أَصغَيت لِي أَشكو الَّذي / شَفَّ جِسمي آه لَو أَصغَيتِ لي
رُبَّ يَومٍ قُلتُ أَشكو فَرَنَت / نَظرَ العَطفِ وَإِن لَم تَفعَلِ
لَم تَكد تَعطِفُ حَتّى رَدَّها / عَن حَديثِ العَطفِ صَمتُ الخَجَلِ
وَجَرى بَينَ يَديها مَدمعي / فاتِحاً أَبوابَ قَلبٍ مُقفَلِ
فَأَجالت عَبرَةً تُمسكُها / خَشيَةَ الواشي فَلَم تَنهَملِ
لَستُ أَخشى عاذِلاً مِن غَيرِها / إِنَّ تِيهَ الغِيدِ أَقوى العُذَّلِ
لَيسَ في قَلبي لعَذلٍ مَوضِعٌ / أَنا عَن عَذلِهم في شُغُلِ
خُلِقَ الحُسنُ سَلاماً فَاِبسُطي / ظلَّه الوارِفَ رَحبَ المَنزلِ
لَم يَكُن سَيفاً تَصُولين بِهِ / نَزِقَ الحَدِّ رَهيبَ المُنصُلِ
لِمَ تُدعى أَسهُماً قاتِلَةً / فِتنَةُ الحُسنِ بِتِلك المُقَلِ
إِنَّما الحُسنُ حَياةٌ وَحَياً / فَاِبعَثي المَيتَ بِهِ لا تَقتُليِ
هُوَ ذاكَ المنهلُ الصافي فَلا / تَمنَعي الظامئَ صَفوَ المَنهلِ
إِنَّهُ مِن رَحمَةِ اللَهِ فَلا / تَجعَلي الجَنّةَ نارَ المُصطَلِي
لَكِ عَرشُ الحُسنِ فاِقضي حَقَّه / وَاِستَديمي مُلكَه أَن تَعدِلي
أدِّكاراً بَعدَ ما وَلّى الشَبابُ
أدِّكاراً بَعدَ ما وَلّى الشَبابُ / وَمِنَ الذِكرى نَعيمٌ وَعَذابُ
لا تَقُل تَعزية عَن فائِتٍ / كَم عَزاءٍ في ثَناياهُ المُصاب
وَإِذا الدارُ جَفاها أُنسُها / فَمَغانيها مَعَ التُربِ تُراب
وَإِذا الرَوضُ ذَوَت أَوراقُه / فَغِناءُ الوُرقِ في الرَوضِ اِنتِحاب
وَإِذا ما الزَهرُ وَلّى حُسنُهُ / فَبَقاياهُ عُبوسٌ وَاِكتِئاب
وَاِحمِرارُ الشَمسِ في مَغرِبِها / دَمعُها القاني أَو القَلبُ المُذاب
إِنَّما الذِكرى شُجُونٌ وَجَوى / يَسكُنُ القَلبُ لَها وَهيَ حِراب
رُبَّ نَفسٍ عَشِقَت مَصرَعَها / كَفَراشِ النارِ يُغريهِ الشِهاب
وَلَكَم أُنسٍ وَفيهِ وَحشَةٌ / وَاِقتِرابٍ هُوَ نَأيٌ وَاِغتِراب
عَلِّلي القَلبَ بِذكراكِ وَإِن / كانَ لا يُغني عَن الماءِ السَراب
وَصِلينا في الكَرى أَو في المُنى / مَن أَباهُ الصِدقُ أَرضاهُ الكِذاب
أَو عِدينا عِدَةً مَمطُولَةً / قَد يُشامُ البَرقُ إِن ضَنَّ السَحاب
كَم تَمَنَّينا عَقيماتِ المُنى / وَدَعَونا وَصَدى الصَوبِ جَواب
وَرَضينا بِقَليل مِنكِ لَو / أَنَّ مُشتاقاً عَلى الشَوق يُثاب
لا أَرى بَعدَكِ شيئاً حَسَناً / آهِلُ الأَرضِ بِعَينيَّ يَباب
رَنَّةُ العُودِ بِسَمعي أَنَّةٌ / وَسُلافُ الخَمرِ في الأَقداحِ صاب
يا زَماناً صَفِرت مِنهُ يَدي / غَيرَ ما تُبقي الأَمانيُّ العِذاب
لَيتَ نَفسي ذَهَبَت في إِثرِهِ / فَذهابُ الصَفوِ لِلمَرءِ ذَهاب
مَن لِقَلبٍ حامِلٍ مِن وَجدِهِ / ما يَذُوبُ الصَخرُ مِنهُ وَالهِضاب
حَمَلَ الأَيّامَ ذِكرَى وَمُنىً / ضاقَتِ الدُنيا بِها وَهيَ رِحاب
وَالمُنى عُذرُ الليالي إِن جَنَت / وَهيَ لِلشاكي عَلى الدَهرِ عِتاب
وَنَعيمٌ يَعِدُ القَلبُ بِه / نَفسَهُ حينَ المقاديرُ حِجاب
لَيتَها دامَت عَلى خُدعَتِها / أَحسبُ الخَيرَ وَيَعدوني الحِساب
رُبَّما رَفَّهَ ظَنٌّ خاطِئٌ / وَلَقَد يَجني عَلى النَفسِ الصَواب
غَيرَ أَنَ اليَأسَ قَد أَبقى بِها / مِثلَما يُبقي مِن الشَمسِ الضَبّاب
لَم يَدَع لي اليَأسُ ما أَحيا بِهِ / غَيرَ قَد كُنّا وَقَد كانَ الشَباب
لامَسَت في النَفسِ أَوتارَ هَواها
لامَسَت في النَفسِ أَوتارَ هَواها / غادَةٌ بِالسحرِ تَغزُو من غَزاها
كُلَّما مَسَّت يَداها وَتَراً / حسدَ الآخرُ ما مَسَّت يَداها
تَمنحُ الأَوتار كَفّاً رَخصةً / أَشجَتِ الأَوتارَ مِن قَبل شجاها
وَيَكادُ العُودُ يُدمي كَفَّها / قُبَلاً لَو أَنَّ لِلعُودِ شِفاها
لَحنُها يَبعَثُ في مَيتِ المُنى / نَضرَةَ العُمر وَمَعسول صِباها
خَفقاتٌ يَخفُق القَلبُ لَها / هِيَ أَنّاتُ فُؤادي أَو صَداها
وَحَنينٌ كادَ مِن رِقتِهِ / أَن يُذيب اللَحنَ في العُودِ مِياها
وَشُجونٌ طالَما أَخفَيتُها / نَفَذ العُودُ إِلَيها فَحَكاها
وَاِستَشَفَّ النَفس عَن أَسرارِها / لَم يَدَع خافيَةً إِلا جَلاها
صوَّرَ اللَوعَةَ في مَكمَنها / كَيفَ تَخبو ثُمَ يَشتَدُّ لَظاها
وَدَبيبَ الحُبِّ في أَوَّله / وَالجَوى مُلتَهِباً حِينَ تَناهى
وَفَناء النَفسِ فيمَن هَوِيَت / وَتَرى كُلَّ وُجودٍ في فَناها
وَشَقاءَ الحُبِّ في نعمَتِهِ / وَنَعيمَ النَفسِ فيهِ بِشَقاها
وَرضَا العُشاقِ مِن أَحبابِهم / بِالتِفاتٍ أَو خَيالٍ في كَراها
كُلُّ هَذا نطقَ العُودُ بِهِ / وَتَناجى هُوَ وَالنَفسُ شِفاها
لُغَةُ الأَوتارِ في عُجمَتها / تقصر الأَلسُنُ عَن دَركِ مَداها
تُسعدُ المَحزونَ في حُرقَتِهِ / وَتُؤاسي داءهُ إِن قالَ آها
أَلهمَ العودَ بكاءَ المُشتكي / مُلهمُ الطَير عَلى الأَيكِ بُكاها
تَحسَبُ الأَوتارَ فاضَت أَدمُعاً / وَتباريحَ الهَوى أَوهَت قُواها
يا لَها مِن ناحِلاتٍ نَحَلت / مِن جُسومٍ لاعِجُ الشَوقِ بَراها
وَضَعيفاتٍ وَفيها قُوةٌ / تَصرَعُ الأسد فَلا تَحمي حِماها
جلَّ مَن يَبعَثُ في الضعفِ قُوىً / أَخضَعَت مَن بِقُواه يَتَباهى
كُلَّما شَدَّت عَلى أَطرافِها / أَمعَنت في النَفس بِالسحر خُطاها
لا تَسَل سَمعيَ عَن أَلحانِها / سَبَقَ القَلبُ إِلَيها فَوَعاها