المجموع : 6
مُنيَتي طَيبَةُ لا أَبغي سِواها
مُنيَتي طَيبَةُ لا أَبغي سِواها / فَبِها الحُسنُ لِعَمري قَد تَناهى
كَيفَ أَنساها وَأَسلو حُبَّها / بَعدَما قَد خالَطَ الروحَ هَواها
لا أُطيلُ الشَرحَ أَقصى مُنيَتي / أَن أَراها وَأُرى تَحتَ ثَراها
لَو تَأَمَّلنا بِحَقٍّ أَرضَها / لَرَأَيناها جِباهاً وَشِفاها
فاقَتِ الدُنيا سَناءً وَسَنا / بِحَبيبِ اللَهِ خَيرِ الخَلقِ طَهَ
صاحِبِ المِعراجِ سِرِّ اللَهِ في / خَلقِهِ أَعلى الوَرى قَدراً وَجاها
خَصَّهُ اللَهُ بِأَعلى رُتبَةٍ / خَفضَ الخَلقَ جَميعاً فَعَلاها
قَد رَوى عَن ذاتِ مَولاهُ الهُدى / وَبِلا كَيفٍ وَلا كَمٍّ رآها
رِحلَةٌ نالَ بِها كُلَّ المُنى / وَبِهِ الأَفلاكُ قَد نالَت مُناها
قُدرَةُ الرَحمَنِ لا حَدَّ لَها / مُنتَهى كُلِّ كَمالٍ مُبتَداها
طَيبَةٌ طابَت وَهاتيكَ الجِهاتُ
طَيبَةٌ طابَت وَهاتيكَ الجِهاتُ / شَمِلتَها بِالنَبِيِّ البَرَكاتُ
فَاعِلاتُن فاعِلاتُن فاعِلاتُ / رَمَلاً سارَت إِلَيها اليَعمُلاتُ
خُذ كِتاباً جمعَ الفضلَ وإن
خُذ كِتاباً جمعَ الفضلَ وإن / كانَ كالنجمِ بعينيكَ صَغيرا
مِن مَزايا المُصطفى شمسِ الهدى / أُفقهُ أطلعَ للناسِ بدورا
وَإِذا حقّقتها تلقاهُ في / واحدٍ منها على الخلق أميرا
قُل بهِ ما شئتَ من مدحٍ ولا / تخفِ اللومَ ولا تخشَ النكيرا
فَجميعُ المدحِ من كلّ الورى / لَو أتى في حقّهِ كان قُصورا
طيبةٌ طابَت وهاتيكَ الجها
طيبةٌ طابَت وهاتيكَ الجها / تُ شَمِلتها بالنبيّ البركاتُ
فاعلاتٌ فاعلاتٌ فاعلاتُ / رملاً سارَت إليها اليعملاتُ
حيِّ يا سعدُ قباباً بالحِمى
حيِّ يا سعدُ قباباً بالحِمى / تَحتَها ربعُ المنى لم يدرسِ
جادهُ الغيثُ إِذا الغيث همى / لا زمانَ الوصل بالأندلسِ
إِن يكُن ما بلّ شوقي قربهُ / فلِساني دائماً يذكرهُ
وَبِقلبي مُستقرٌّ حبّه / بِهواهُ لم أزل أعمرهُ
أَعظمُ النعمةِ أنّي صبّهُ / دائِماً أحمده أشكرهُ
سعدُ إِن جئتَ إليهِ فاِنعَما / واِستضئ مِن نورهِ واِقتبسِ
وَإِذا بحرُ أَياديهِ طَما / فَاِنتبِه مِن فيضِه واِحترسِ
وَأَفض يا سعدُ مِن دمعِ الهنا / ما يُروّي الأرضَ إِن شحّ الغمام
كنتَ حالَ البعدِ تبكي حَزَنا / إِن رأيتَ البرقَ أو غنّى الحمام
وَبِهذا اليومِ قَد نلتَ المُنى / فاِبكِ واِستبكِ فما ثمّ ملام
آهِ مَن لي بالحِمى أَن ألثما / تربهُ لو نهزة المختلسِ
لَم يَحن بعدُ اللقا فاِبكي دما / وَاِهجسي يا نفسُ أو لا تهجسي
ليتَ شِعري هَل أُرى يوماً أجول / في رُبا طيبةَ أو تلكَ الجبال
وَأَرى مِن أَثلِها فوقي ذيول / سابِغاتٍ مِن ظَليلاتِ الظلال
حبّذا ثمَّ حُزونٌ وسهول / حلَّها الأنسُ وحلّاها الجمال
فاقتِ الحصباءُ فيها الأنجما / وَثَراها يَزدري بالأطلسِ
أَنا لَو خُيّرت في أَعلى سما / أَو بِها لاِخترتُ فيها مجلسي
يا بِرُوحي كلّما هبّت صبا / نفحةٌ أَنشقُها مِن عطرها
وَإِذا ما جاءَني مِنها نبا / أَملأُ الدُنيا بريّا شكرها
مُنيَتي بِالجزعِ والسفح ربا / عطّرت كلَّ الوَرى من نشرها
أيُّ شَوقٍ في فُؤادي اِضطَرما / جَفّفَ الدمعَ فلَم ينبجسِ
وَلَكَم فاضَت عُيوني ديَما / بِشواظِ الوجدِ لم تنحبسِ
كيفَ يا سعدُ ثنيّات اللِوى / أَتُراها بِنَداها تبسمُ
زادَ في قَلبي لِلُقياها الجَوى / فَمَتى أرشفُها أو ألثمُ
طابَ لي في حبِّها شرحُ الهوى / فبهِ إِن عزَّ وصلٌ أنعمُ
وَإِذا ليلُ غَرامي أظلَما / ولِنَفسي لَم أجِد من مؤنسِ
أَجدُ الراحةَ في شِعري فما / نَفّس الكربةَ إلّا نَفَسي
أَنا ذا أشدو بسلعٍ والنقا / وَرَوابي حاجرٍ والمُنحنى
لا أَرى الورقاءَ منّي أخلقا / إنّني أعظمُ منها حَزَنا
خيرَ أرضِ اللَّه غرباً مشرقاً / أَنا أَهوى وهيَ تَهوى الدمنا
فَاِرحمي طيبةُ صبّاً مُغرما / بكِ إن يرجُ اللِقا أو ييأسِ
هو لا ينفكّ عَبداً قيّما / شدّدي في هجرهِ أو نفّسي
لستُ واللَّه بذا الخلقِ خليق / إنّما ذلك تَمويهُ الكلام
إِن أَكُن حَقّاً بما قلتُ حقيق / فَعَلى ما ولِما هذا المُقام
وَلِماذا إِن يجِئ ذكرُ العقيق / لَستُ أُجريهِ بدمعٍ كالغمام
لَو تَرى طيبة عِندي هِمما / أَكتَسي مِنها بِأبهى ملبسِ
أَدخَلتني مِن رِضاها حَرَما / كلُّ مَن يدخلهُ لم يبأسِ
لكنِ الظنُّ بها ظنٌّ جميل / لَم يَزل يَزدادُ فيها أملي
عالمٌ أنّي أُرى فيها نزيل / يذهبُ العسرُ وتُشفى عللي
وَلِسانُ الدهرِ نادى مستحيل / إِذ بَدا فَقري وقلّت حيلي
قالَ ما أمّلتَ حتّى تغنَما / ومَتى تمّت أماني مفلسِ
قلتُ أمّلتُ النبيّ الأكرما / أَحتَسي مِن جودهِ ما أحتسي
سيّدُ الخلقِ لهُ الكلُّ عبيد / وَهوَ عبدُ الواحدِ الفرد الصمد
فائقٌ في فضلهِ فذٌّ وحيد / مُفردٌ في قربِ مولاهُ الأحد
أحمدُ الرسلِ لمولاه الحميد / أفضلُ الكلِّ وأعلاهُم رشَد
كانَ هذا الكونُ ليلاً مُظلما / وَمنَ الشرك الورى في غلسِ
فبصبحُ الحقِّ منه اِبتَسما / مُشرقاً من نوره لم يعبسِ
كلُّ آيِ الرسلِ من آياتهِ / قَد رَأى ذلكَ أربابُ العقول
قُل لِمَن يزعمُ مثلاً هاتهِ / ليسَ بينَ الخلقِ مثلٌ للرَسول
بدءُ هَذا الدهرِ مع غاياتهِ / فوقَ أَهليهِ لهُ حكمُ الشمول
وَبهِ خيرُ الوَرى قد حكَما / فهوَ في خدمتهِ كالحَرسي
إِن يُرِد يُقدم وإلّا أحجما / لَم يخالِف فعلَ عبدٍ كيّسِ
ليلةُ المِعراجِ لم يحظَ بها / غيرهُ في سالفِ الدهرِ كريم
كَم بِها نالَ اِختِصاصاً وبها / لَم يُقاربه خليلٌ وكليم
وَيح غمرٍ جاهلٍ ما اِنتبها / لاِقتدارِ اللَّه مولانا العظيم
قَد رَقى العرشَ بجسمٍ بعدما / أمَّ بالرسلِ ببيتِ المقدسِ
تَرَكَ السدرةَ خلفاً وسما / وَبِها خلّف روحَ القدسِ
وَإِلى مكّة للبيتِ اِنثنى / ذا اِبتِهاجٍ قبل إشراق الصباح
بَعدما نالَ منَ اللَّه المُنى / وَحباهُ كلّ فوز ونجاح
وَرَأى المَولى فأولاهُ الغِنى / وَلهُ دامَ الهنا والإنشراح
جوهرٌ فَردٌ تعالى قيَما / بِجحودٍ قدرهُ لم يبخسِ
بحرُ فَضلٍ فاضَ حتّى عمّما / لَم يدَع بينَ الورى من يبسِ
إنّما الخلقُ لمَولاهم عيال / وَهوَ عنهُ نائبٌ في خلقهِ
يرزقُ الكلَّ الكريمُ المُتعال / وهوَ قسّامٌ لجاري رزقهِ
هذهِ الشمسُ كبدرٍ وهلال / وَنُجومٌ لمعةٌ من برقهِ
كانَ عندَ اللَّه نوراً أعظما / وَالوَرى بعدُ بعُدمٍ مكتسي
خُلقوا منهُ فنالوا مغنما / كلُّ فردٍ فائزٌ بقبسِ
ثمّ لمّا ظَهروا هذا الظهور / آمنَ البعضُ وبعضٌ جحدوا
ليسَ بِدعاً جحدُهم أعظمَ نور / منهُ قبلَ اليومِ قدماً وجدوا
هذهِ العينُ بها عنها سُتور / وَتَرى مَن قرُبوا أَو بعُدوا
ما تفيدُ العينُ إن عمّ العمى / عينَ قَلبٍ مظلمٍ منتكسِ
وَلِسانٌ ناطِقٌ مهما نما / ليسَ يُجدي مَع فؤادٍ أخرسِ
كَم جَمادٍ في الورى كما حيوان / كَضبابٍ وذئابٍ وظباء
صدّقتهُ وأقرّت باللِسان / أنّهُ المرسلُ مِن ربِّ السماء
إنّما اللَّهُ المُعينُ المُستعان / مَن يَشأ يُضلِل ويَهدي مَن يشاء
لَم نَزَل نَحمدهُ أَن أنعَما / وَهَدانا بالنبيّ الأنفسِ
نَحنُ لَو لَم ينفِ عنّا الظُلما / لَم نزَل مِن غيّنا في حندسِ
وَهوَ مِن بعدُ على اللَّه كريم / فمَتى يَشفَع يشفّعهُ بنا
أَوَ ليسَ الصاحبَ الجاه العظيم / إِذ خليلُ اللَّه يَشكو ما جَنى
آدَمٌ نوحُ المسيحُ والكليم / قائلٌ كلٌّ أَنا نَفسي أنا
إِذ يَرَونَ الهولَ هولاً أعظَما / يَستَوي المُحسنُ فيهِ والمُسي
وَالوَرى في ليلِ كربٍ أظلما / كلُّ فَردٍ منهم في محبسِ
وَمَتى جاؤوهُ جاؤوا ماجدا / يَملأُ الدلوَ لعقد الكربِ
إِذ يُرى للَّه عبداً ساجدا / فَيقول اِرفَع وما شئت اِطلبِ
فَتَرى منهُ البرايا واحدا / شافِعاً قَد نالَ أقصى مطلبِ
وَبِهذا لَم يُخصّص مُسلما / كلُّ خلقِ اللَّه بالفضل كسي
وَاِستَوت شمسُ عُلاه عندَما / قالَ مَولاهُ على العرش اِجلسِ
يا أَبا الزهراءِ كُن لي مُسعدا / فَلَقد أَوهى زماني جَلَدي
لَستُ أَبغي مِن سواكَ المددا / أنتَ مِن بينِ الوَرى معتمدي
وَعَلى ضَعفي إِذا صال العدا / جاهُكَ الأعظمُ أَقوى عددي
أَدركَ اِدركنيَ ما دامَ الذما / لا تَدعني مضغةَ المفترسِ
أَنا واللَّه ضعيفٌ وفقير / باِحتياجٍ زائدٍ للمددِ
أَنا واللَّه ذليلٌ وحقير / إنّما عزّي أَتى من سيّدي
لَيسَ لي غيركَ في الناسِ مُجير / أَنتَ بعدَ اللَّه أقوى سندي
لا تَدَعني سيّدي مُهتضما / ليسَ عِندي مِن سهامٍ أو قسي
كلُّ مَن حارَبني أو ظلما / ما وَفى حقَّ الجنابِ الأقدسِ
يا عِمادي أنتَ أَدرى بالزمان / ما لأهليهِ وفاءٌ وعهود
كلّما اِخترتُ فتىً للصدق مان / قابَلوا المعروفَ منّي بالجحود
ضَعُفَ الإيمانُ فيهم والأمان / ودُّهُم مَذقٌ وجَدواهم وعود
ليسَ يُجديني جَداهُم إنّما / أَجتَدي مِن جودك المنبجسِ
فَأَجِبني وأجِرني كَرما / يا ملاذَ البائس المبتئسِ
لَستُ أَنسى زَمناً قَد سَلفا
لَستُ أَنسى زَمناً قَد سَلفا / فيكِ يا مكّة بالعيشِ الهني
إِذ منَ المَروةِ أَسعى للصفا / وَبذاتِ الخالِ وَجدي عمّني
حينَ أَغدو طائِفاً من حولِها / أَتَهادى مثلَ صبٍّ ثملِ
أَبتَغي عارِفةً من نولِها / وهيَ تَرعانيَ تحتَ الحللِ
وَمَتى تمّت مَساعي طَولها / بَلَّغتني مِن رِضاها أمَلي
أَدخَلَتني في مقامٍ شَرُفا / كلُّ مَن يَدخلهُ في مأمنِ
واصَلتني ولَكم قبلُ هفا / نَحوَها قَلبي وزادَت شَجني
أَجلَسَتني كَرماً في حجرها / بعدَ تَقبيلِ فَمي مِنها اليمني
وَلَقد منّت بِأوفى برّها / إِذ دَعَتني أدخلُ البيتَ الأمين
فَلِساني عاجزٌ عن شُكرها / وَإِليها لم يزل منّي حَنين
قرّبتني بعدَما طالَ الجفا / وَبَدَت تَزهو بوجهٍ حسنِ
فَمَضى همّي وَصافاني الصفا / وَأَتى أُنسي وولّى حَزَني
أَشربُ الخمرةَ شربَ النهمِ / دونَ إِثمٍ غيرَ سكران ملوم
إنّما أَعني سُلافَ زمزم / صانَها الرحمنُ لا بنت الكروم
فَأَراني كالمليكِ الأعظمِ / مِن سُروري وتُجافيني الهموم
قَد أَزالَت وهيَ طعمٌ وشفا / سَقَمي عنّي وَزادت سِمَني
مَن رَمى الدُنيا وَمِنها رشفا / مرّةً في عمرهِ لم يُغبَنِ
وَالمُنى تمّت لدَينا في مِنى / حينَ نَرمي مِن هَوانا الجمَرات
وَاِجتَمعنا بِسرورٍ وهنا / عندَ جمعٍ وعرَفنا عرَفات
ذاكَ يَومٌ كلّ ما الدهرُ جنى / قَد مَحاه بالأيادي الطائلات
غَيرَ أنّي لَم أزَل مُلتهفا / لِنوى مَن حبُّها تيّمني
حيِّ يا برقُ أثيلاتِ العقيق / وَرُبوعاً في النَقا وَالمُنحنى
وَاِسق سَلعاً وَقُباً خيرَ رحيق / مِن سُلافِ الغيثِ موصول الهنا
آهِ مَن لي ثمَّ سكرٌ لا أفيق / منهُ بالعذراءِ لا يُبقي عنا
فَمَتى فيها أَرى لي مَوقفا / تنعمُ العين به كالأذنِ
وَمَتى أُمنحُ فيها زلفا / وأَراها دونَ أَرضي وطني
هيَ واللَّه مُنى قلبي الحزين / إِن تكُن تقربُ أَو تَنأى الديار
يا تُرى أَحظى ولَو مِن بعد حين / بحِماها وأَرى فيها القَرار
ثاوِياً ثمّة في الحرزِ الأمين / في جوارِ المُصطفى أكرمِ جار
خيرة الأخيارِ أَوفى مَن وفى / الكريم ابن الكرام المحسنِ
كلُّ خَلقٍ مِن نداهُ اِغتَرفا / وَهوَ باللَّه وهم خير الجدود
وَجميعُ الرسلِ عيسى والكليم / وَسِواهم وَمَشاهيرُ الوجود
فازَ منهُ الكلُّ بالحظِّ العظيم / وَحَباهم كلّ فضلٍ وسعود
وَبهِ جبريلُ نالَ الشرَفا / إِذ سرَى نحوَ العلا لا ينثني
وَبِخفضِ القدرِ عنهُ اِعترفا / حينَما قالَ لهُ لا تنسَني
شاهدَ اللَّهَ بلا كيفٍ وأين / بِقوىً أعطى له المولى العلي
قَد رآهُ بفؤادٍ وبعين / مِنحةٌ خُصَّ بها في الأزلِ
قِس بهِ صعقةَ موسى دونَ مين / للتجلّي حينَ دَكِّ الجبلِ
تجدِ المُختارَ منه أشرفا / وَأحبَّ الخلق للَّه الغني
لَو حَباهم مِن عُلاه طرَفا / أغرقَ الكلّ ببحر المننِ
نالَ قدراً مِن رضى المولى الكريم / جُزء جزءٍ منه ما نال الكرام
وَسُقي بَحراً من اللَّه العليم / لَو سُقي القطرةَ منهُ الكونُ هام
ثمَّ في الليلِ اِنثَنى نحوَ الحطيم / فَأتاهُ قبلَ إسفارِ الظلام
بِعروجِ العرشِ فاقَ المُصطفى / كلّ عبدٍ كانَ لو لم يكنِ
عَرفَ الحقَّ لهُ مَن عرَفا / وَسِواهم في ضلالٍ بيّنِ
إنّما ذلكَ مِن فعلِ القدير / مَن برا كلّ الورى عزّ وجل
يَستوي كلُّ صغيرٍ وكبير / عندهُ في الخلقِ ما شاءَ فعَل
فَلديهِ العرشُ كالنملِ الصغير / عِندَنا وَالأمرُ أعلى وأجل
وَهوَ مِن كلِّ البريّاتِ اِصطَفى / عبدَهُ الهادي لأَسنى سننِ
أحمدَ المُختار طهَ ذا الوفا / خيرَ مَبعوثٍ له مؤتمنِ
ما لهُ بينَ البَرايا مِن مثيل / كلُّهم لَولاه ما نالوا الوجود
وَلِما أَعطاهمُ المَولى الجليل / قسمةٌ منهُ على قدرِ الجدود
شرَّفَ الأشرافَ جيلاً بعد جيل / وَبهِ الأعقابُ تسمو والجدود
خَصَّهُ اللَّه بما قد لطفا / علمهُ عَن دركِ أهل الفطنِ
كلُّ مَن نظّم أَو قَد صنّفا / لَم يفُز منه بسرٍّ صيّنِ
لَيسَ يَدري كنههُ غير الإله / واِستوى في جهلهِ كلّ الورى
وَعَلت فوقَ عُلا الخلقِ علاه / شَرَفاً أينَ الثريّا والثرى
زانَتِ الكونَ وأهليهِ حُلاه / وَبِكلّ نورهُ الساري سرى
جاءَ وَالكونُ مريضٌ فَشفى / بِهُداه كلَّ عبدٍ مؤمنِ
وَلقَد أسمعَ لمّا هتَفا / مَن مَضى أَو مَن أتى في الزمنِ
كَم لهُ مِن مُعجزاتٍ باهرات / ما لَها بينَ البرايا من نظير
دامَ مِنها حكمهُ بعد الممات / وإِلى الحشرِ الكتابُ المُستنير
كلُّه آيات حقٍّ بيّنات / دلّتِ الناسَ على صدقِ البشير
أَعجَزَتهم سَلفاً والخلفا / فاِستَوى الفدمُ وأذكى لسنِ
وَهَدَتهم غيرَ قلبٍ أغلفا / وَالعَمى في القلب لا في الأعينِ
بحرُ علمٍ ما لهُ من ساحل / جاءَ تَفسيراً له قول الرسول
وَأَتى عن كلّ حبرٍ فاضل / لَهُما شرحٌ من العلمِ يَطول
رُبَّ مجنونٍ بدعوى عاقل / لا يَرى فضلَ الأئمّةِ الفحول
دَعهُ لا تحفَل بهِ مَهما جفا / وَغدا في القولِ أذكى فطنِ
كانَ هادينا عَلينا أخوفا / مِن سَفيهٍ حاز علم اللسَنِ
فَعَليه اللَّه صلّى من شفيق / حذّر الأمّةَ أسبابَ الضلال
لَم يَدع في الدينِ وَالدُنيا طريق / لهُدانا ما له فيها مقال
أيُّها المفتونُ كَم لا تستفيق / وَتَرى ما أنتَ فيهِ مِن وبال
اِتّبع واِسلُك سبيلَ الحُنَفا / مَن سَعى في نَهجهم لم يفتنِ
هُم بِقولِ اللَّه كانوا أعرَفا / مِن سِواهم وَمعاني السننِ
خلِّ هذا فبهِ القولُ فضول / عندَ مَن سُقتُ لهم هذا الكلام
لَم تؤثِّر فيهمُ بيضُ النقول / أَتُرى يَردَعُهم منّي الملام
خَلِّهم واِرجِع إِلى مدحِ الرَسول / صَفوةِ الرَحمنِ من كلِّ الأنام
دُم عَلى المدحِ لهُ مُعتَكفا / وَاِتّخذه لكَ أَقوى جوشنِ
وَتَقلّدهُ حُساماً مُرهفا / قاطِعاً أَعناقَ كلِّ المحنِ
هوَ سُلطانُ النبيّينَ الكرام / وَعَليهم أخذَ اللَّه العهود
فَهمُ نوّابهُ بينَ الأنام / نُشِرت فيهِم لعلياه البنود
إنَّما الدهرُ لهُ مثل الغلام / كَم له عبدٌ على الناس يسود
هَكذا اللَّه بهِ قَد شرَّفا / خَلقهُ مَن دانَ أو لم يدنِ
وَعَفا عن آدمٍ لمّا هفا / وَسِواه مِن ذوي القدرِ السني
وَبيومِ الحشرِ ترضاه العباد / شافِعاً إِذ يُحجمُ الرسلُ الكرام
رَبُّه يُعطيه فيهِ ما أراد / فَيَرى التفريجَ عَن كلِّ الأنام
ثمَّ في الأمَّةِ يُرضيه الجَواد / وَينالُ الخلدُ في أعلى مقام
سَوفَ يُعطيهِ علاً لن توصفا / تعجزُ الأفكارَ عجزَ الألسنِ
يَسكنُ الفِردوسَ يُعطى غُرفا / تحتَها للرسلِ أعلى موطنِ
سيِّدي يا أيُّها المولى الملاذ / يا حبيبَ اللَّه يا خير رسول
كلُّ جاهٍ في البَرايا ذي نفاذ / فَعليهِ جاهكَ الضافي يطول
لَيسَ لي غيركَ في الخلقِ معاذ / وَلِحالي سيّدي شَرحٌ يَطول
أَدرك اِدركني فصَبري قد عفا / وَغَدا ربعُ الصَفا كالدمنِ
عَبدُكَ الدهرُ بحقّي أجحفا / وَنَفى عنِّي لذيذ الوسنِ
وَلَكم مِن حاجةٍ في خلدي / أَنتَ تَدريها وما عنكَ اِستِتار
أَنا في الدارينِ أَبغي رَشَدي / منكَ في الدُنيا وفي دارِ القرار
لا تُخَصّصني بخيرٍ سيّدي / عُمَّ أَهلي واِحبُنا منكَ الجوار
وَأَبِحنا مِن حِماكُم كَنَفا / واقِياً مِن شرِّ كلِّ الفتنِ
حَسبُنا اللَّه إِلهاً وكفى / بِكَ لِلمَحسوب أَقوى ركنِ