القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَفّار الأَخْرس الكل
المجموع : 48
قَدَحت في مزجها بالماء ناراً
قَدَحت في مزجها بالماء ناراً / فأعادت ظلمةَ اللَّيل نهارا
شمس راحٍ في الدجى يحملها / طلعة البدر إذا البدر استنارا
عُتِّقَتْ في الدَّنِّ حتَّى إنها / لتعي ما كانَ في الماضي وصارا
فسلوها كيف كانت قبلنا / عادٌ الأولى صغاراً وكبارا
أيّ نادٍ للهوى يومئذٍ / يوم نادينا إلى اللهو البدارا
وجلوناها عروساً طالما / حبيب من حَبَب المزج نثارا
وكسونا بالسَّنا جسم الدجى / وخلعنا في اللذاذات العذارا
وسعى ساقٍ بها تحسبُه / غصناً يهدي إلينا الجلَّنارا
علَّمَ الغصن التثني والصّبا / طرب الأنفس والظبي النفارا
وبما فُضِّل من بهجته / تفضل المرو على البيض العذارى
سمحٌ ممتنعٌ قيل له / أدِرِ الكأسَ علينا فأدارا
فترى الناس سكارى في هوى / ذلك الساقي وما هم بسكارى
يا شبيه الورد والآس وما / أحسن التشبيه خدًّا وعزارا
بأبي أنتَ وإن جلَّ أبي / عاطنيها مثل خدَّيك احمرارا
واسقني من فيك عذباً سائغاً / إنَّ بي منك ومالسكر خمارا
بين ندمانٍ أراقوا دَمَها / بنت كرم تسلبُ الشيخ الوقارا
حنفاءٍ حلَّلوا ما حرّمت / ورأوا في أخذها رأي النصارى
ركبوا لِلَّهو في مضماره / أشقراً يصدم أجراهم عثارا
وكميتاً ما جرتْ في حلبةٍ / للوغى يوماً ولا شقَّت غبارا
فكأَنَّ الكأسَ فيما فَعَلَتْ / أدركتْ عند عقول القوم ثارا
كلُّ مختال بها في عزَّةٍ / قد مضى يسحبُ في الفخرِ الإِزارا
وإذا ما عاودته نشوةٌ / ألبسته تاج كسرى والسوارا
خَفَّ بالراح فلو طارَ امرؤٌ / قبل هذا اليوم بالراح لطارا
وسمرنا بالذي يطربنا / من حديث وشربناها عقارا
وتناشدنا على أقداحها / مِدَحاً تزهو نظاماً ونثارا
بأغرٍّ أبلج من هاشم / أبلَجَ المحتد فرعاً ونجارا
تشرق الأقمار في غُرَّته / فهو الشمسُ التي لا تتوارى
سرّ رمز المجد مبنى بيته / علم السؤدد سرًّا وجهارا
كالحيا المنصبِّ بل أندى يداً / والحسام العضب أو أمضى شفارا
تلك أيديه التي إحداهما / تورثُ اليُمْنَ وبالأخرى اليسارا
مستفاض الجود منهلُّ الندى / يوم لا تلقى به إلاَّ الأوارا
والقوافي الغرّ في أيَّامه / يجتنيها بأياديه ثمارا
في زمانٍ مذنبٍ لم يعتذر / بكريم لبني الفضل اعتذارا
ترك الدهر ذليلاً طائعاً / لمنيع من أعزّ الناس جارا
ولي الفخر بأنِّي شاعر / لأناس لبسوا التقوى شعارا
هم أقاموا عَمَدَ الدِّين وهم / أوضحوا في الحقِّ للخلق المنارا
كلّ حِلي من فخارٍ وعُلًى / كانَ حِلياً من حُلاهم مستعارا
في سبيلِ الله ما قد أنفقوا / من أيادٍ فاسألوها نضارا
أمَّةٌ يستَنزَلُ الغيثُ بهم / وبهم تَستكشِفُ الناس الضرارا
فإذا استنجدتهم كانوا ظبا / وإذا استمطرتهم كانوا قطارا
جبروا كلّ مهيض للعُلى / وأنابوا الكفر ذلاًّ وانكسارا
أجَّجوا نيرانها يوم الوغى / بمواضيهم وإن كانوا بحارا
في مقامٍ قَصُرَتْ فيه الخُطا / بالطَّويلات وما كنَّ قصارا
فعليهم صلوات أبَداً / تَتولاّهم غُدُوًّا وابتكارا
أو لستَ الآن من بعدهم / قبساً من ذلك النور أنارا
طالما سيّرتها قافيةً / غرَّة لم تتَّخذ في الأرض دارا
حاملات مثل أرواح الصبا / من شذى مدحك شيحاً وعرارا
هذه أيَّام أنواء الحيا / إنَّ أنواءَكَ ما زالت غزارا
فاسقني فيهنَّ سحًّا غدقاً / أجلب العزّ وأستقصي الفخارا
واتَّخذني لك ممَّن لم يجِد / عنك في معترض المدح اصطبارا
وابق للعيد وحزْ في مثله / مفخراً يسمو وصيتاً مستطارا
بارق الشام إلى الكرخ سرى
بارق الشام إلى الكرخ سرى / فروى عن أهل نجد خبرا
وبنا هبَّت له بارقة / أضرمت بالريّ منها شررا
وإلى الله فؤاد كلَّما اس / تعرت نار الطلول استعرا
غنّ لي يا حادي العيس ولا / تهمل السَّير فقد طال السرى
وأعِدْ أخبار نجد إنَّها / تجبر القلب إذا ما انكسرا
آه كم ليلة طالتْ وقد / ذكروا نجداً وهمٍّ قصرا
كيف لا أعشق أرضاً أهلها / شملت ألطافُهم كلَّ الورى
قلْ بهم ما شئت واذكر فضلهم / إنَّ كلّ الصيد في جوف الفرا
كَرُموا أصلاً وطابوا مغرساً / وعَلَوْا قدراً وجادوا عنصرا
إنْ تَرَ منهم فتًى ظنَّيت في / ذاته كلّ الكمال انحصرا
قسماً بالزُّهر من أجدادهم / من به طابَ ثرى أمّ القرى
مدحهم ذخري وديني حبُّهم / يا ترى هل يقبلون يا ترى
يشهد الله بأنِّي عبدهم / تحت بيع إن أرادوا وشرا
وإذا انجرت أحاديثُهُم / لا تسل عن مقلتي عمَّا جرى
وهبوا عيني الكرى واحسرتا / ودلالاً أحرموا جفني الكرى
وتراني حينما قد نفروا / ألفت عيني البكا والسهرا
شرفوا الأرض ومن هذا نرى / منهمُ في كلِّ حيٍّ أثرا
كأبي القدر المعلى والهدى / والندى والعلم مرفوع الذُّرا
بضعة السادات من أهل العبا / كوكب الإشراق تاج الأُمَرا
وارث القطب الرفاعيّ الَّذي / صيته أملى الملا واشتهرا
عَلَمُ الأشياخ سلطان الحمى / غوث أهل الشرق شيخ الفقرا
يا لها والله من سلسلة / كلما طالت نداها انحدرا
عصبة من آل خير الأنبيا / عَزَّ من يغدو بهم مفتخرا
سيّدي يابا الهدى يا ابن الَّذي / خضعت ذلاً له أُسْدُ الشرى
يا كريم الطبع يا كنز التقى / يا شريف القدر أنّى حضرا
لك وجه لمعت من وجه / شمس رشد نورها لن ينكرا
مظهر أيّده الله وكم / أرجو منه فوق هذا مظهرا
لك من مجد الرفاعي رفعةٌ / ترجع الطرف كليلاً حسرا
ويد روحي فداها من يدٍ / تخجل الغيث إذا الغيث جرى
ولسان راح يروي قلبه / ما به بحر الفتوح انفجرا
لك طرف أحمديٌّ إنْ رمى / نبله العزم يشق الحجرا
لك صدر طاهر من دنس / عن مياه الحقد طبعاً صدرا
بأبيك ابن الرفاعي وبالأ / وصيا نعمَ الجدودُ الكُبَرا
لا ترى من حاسد إنكاره / مثل هذا عن أبيكم ذكرا
وأسلم الدهر رفيعاً سيّداً / مرشداً لم تلق يوماً كدرا
وأقبل العبد محبًّا خالص ال / قلب لا زال بكم مفتخرا
فهو عن مدح سواكم أخرسٌ / وبكم أفصحُ حزبِ الشُّعرا
سَعِدتْ نجدٌ إذا وافيتَ نجدا
سَعِدتْ نجدٌ إذا وافيتَ نجدا / بقدومٍ منك إقبالاً وسَعْدا
وإذا أصبحتَ في أحسائها / قيل للشرّ عن الأَحساء بُعْدا
أقبل الخير عليها كلُّه / منجزاً فيك بلطف الله وعدا
وأَراد الله أنْ يعصمها / من شرار كادتْ الأَخيار كيدا
كانَ كالضائع ملكاً هُملاً / فاستردَّ الملك أهلوه فَرُدَّا
إذ تصدَّيت لأمرٍ لم نجد / قبل علياك له من يتصدَّى
منجداً مستنجداً أنقذته / بفريق صالح سارَ مجدا
ورجالٍ أنت قد أعددتهم / يوم تلقى الأُسدُ في الهيجاء أُسْدا
كلّ مقام إلى الحرب يرى / شكر نعمائك فرضاً أنْ يؤدَّى
كاللواء المقدم الشهم الَّذي / كانَ في الهيجاء لا يألوك جهدا
وفريق نفذت أحكامه / بالَّذي تأمره حلاًّ وعقدا
والسَّعيد السّيّد الشهم الَّذي / كانَ من اسعد خلق الله جدا
إنَّما التوفيق والإِسعاد ما / برحا سيفاً لعلياك وزندا
جرّبوا الأيام سخطاً ورضاً / وَبَلَوْا أهوالها شيباً ومردا
بذلوا أنفسهم في خدمة / أورَثَتْهم بعدها عزًّا ومجدا
بعقول لم تزل مشرقة / وسيوف تحصد الأَعمار حصدا
فعلت آراؤهم ما لو جرى / معها العضب اليمانيّ لأكدى
عامَلوا باللّطف منهم أمَّةً / لم تجد من طاعة السلطان بدَّا
جلبت طايعهم عن رغبة / حين أقصت من أبى الطَّاعة طردا
صدقوا الله على ما عاهدوا / إنَّهم لم ينقضوا في الله عَهْدا
شَمِلَتْهُمْ منك باستخدامهم / أنْعُمٌ تترك حُرَّ القوم عبدا
ولَعمري ليس بالمغبون من / يشتري منك الرضا بالروح نقدا
لمزايا خصَّك الله بها / أكثرَ الناسُ لها شكراً وحمدا
يا مشيراً بالذي يرشدنا / إنَّما أنتَ بطرق الرُّشد أهدى
كلّ ما جئت به مبتكر / من عموم النفع فعلاً يتعدَّى
فاركب البحرَ وخض لُجَّتَهُ / يا شبيه البحر يوم الجود مدَّا
وانظر الملك الَّذي استنقذته / واجرِ ترتيبك فيه مستبدا
يتلقَّاك بأعلى همَّةٍ / فتُحيَّا بالتَّهاني وتُفدَّى
قد أقَرَّتْ واستقرَّت عندما / زجرت طائرك الميمون سعدا
أصْبَحْت في عيشة راضية / وبأيَّامك نلقى العيش رغدا
يسَّر اللهُ لم الأمر كما / ينبغي لطفاً وإحساناً وقصدا
لا دم سالَ ولا دمعٌ جرى / وكفاها ربّك الخصمَ الألدَّا
يهنك السيف الَّذي أُهدي من / ملك أهداه إنعاماً وأسدى
لستُ أدري سيِّدي أيَّكما / هو أمضى إذ يكون الروع حدا
كلَّما جرّدته من غمده / كانَ برقاً في أياديك ورعدا
وإذا أغْمَدْتَهُ كانَ له / هام من يعصيك في الهيجاء غمدا
دُمْتَ للدَّولة عَيناً ويَداً / والحسامَ العضبَ والركنَ الأشدَّا
دولة قد أيَّدت واتَّخذت / من جنود الله أنصاراً وجندا
ويميناً إنَّها إن صَدَمَتْ / جبلاً بالبأس منها خرَّ هدَّا
أَو أَتَت نار عدوٍّ أُوقِدَت / لأَحالت حَرَّ تلك النار بردا
يا لك الله هماماً بالذي / يَدْحَضُ الغيَّ وما جانب رشدا
مرُّ طعم السُّخط حلويّ النَّدى / يجتني المشتار من أيدي شهدا
ما رأتْ عيناي أندى راحة / منك في الجود ولا أثقب زندا
راحة الدُّنيا وناهيك به / مخلصٌ لله ما أخفى وأبدى
فلوَ انِّي فُزت في أنظاره / جعلت بيني وبين البؤس سدَّا
أنت كالدُّنيا إذا ما أقبلَتْ / لامرئٍ والدهر إعراضاً وصَدَّا
أنتَ أسنى نِعَم الله الَّتي / نحنُ لا نحصي لها حصراً وعدَّا
لك في النَّاس على الناس يدٌ / نظمت في جيد هذا الدهر عقدا
فقدت وجدان ما نحذره / لا أراعتنا بك الأيام فقدا
فعلى الأَقطار مُذْ وُلِّيتَها / ظلُّك الضافي على الأَقطار مُدَّا
فتوجَّه حيثُ ما شئت لكَي / تملأَ السَّاحل إحساناً ورفدا
في أمان الله محفوظاً به / تصحب النصر ذهاباً ومردَّا
عَدِّ عنْ مَنْ لجَّ في قالٍ وقيلِ
عَدِّ عنْ مَنْ لجَّ في قالٍ وقيلِ / أنا لا أصغي إلى قول العذولِ
وأعِدْ لي ذكر مَن صَحَّ الهوى / منه بالطَّرق وبالجسم العليل
فَقَدْ الصّبرَ مع الوَجد فما / لاذ بالصبر عن الوجه الجميل
من قدودٍ طَعَنَتْ طعنَ القنا / ولحاظٍ فتكتَ فتك النصول
دنفٌ لولا تباريحُ الجوى / ما قضى الوجد عليه بالنحول
كلّما شام سنا بارقه / جَدّ جدّ الوجد بالدمع الهمول
إنَّ ما أضرِمَ في أحشائه / من خليلٍ في الهوى نار الخليل
وإذا هبَّت به ريحُ صَبا / راح يستشفي عليلٌ بعليل
كَبِدٌ حرّى ودمعٌ واكفٌ / فهو ما بين حريق وسيول
لو تراه إذ نأتْ أحبابه / تَطَأ الأرض بوخد وذميل
لا تسل عن ما جرى كيف جرى / سائل الدمع على الخدّ الأسيل
أيّ يومٍ يوم سارت عيسُهم / ودعا داعي نواهم بالرحيل
وتراني بعدهم أشكو الأسى / لبقايا من رسوم وطلول
وبرسم الدار من أطلالهم / ما بجسمي من سقام ونحول
بخلوا بالوصل لما أعرضوا / ومن البلوى نوال من بخيل
ليت شعري ولَكم أشكو إلى / باردِ الرِّيقة من حر الغليل
لا أرى المحنة كالحبّ ولا / كالهوى للصبّ من داء قتول
بأبي من أخَذَت أحداقه / مهجة الوامق بالأخذ الوبيل
وشفائي قُربُ من أسْقَمَني / بسقام الطرف والخصر النحيل
هل علمتم أنَّ أحداق المها / خلقت حينئذٍ سحرَ العقول
يا دياراً لأحباءٍ نَأت / ألناءٍ عنك يوماً من وصول
كانَ روض العيش فيها يانعاً / قبل أن آذَنَ عودي بالذبول
بمدامٍ أشرقَتْ أقداحها / بزغت كالشمس في ثوب الأصيل
وشَدَت وَرقاء في أفنانها / أوتِيَت عِلماً بموسيقى الهديل
حبذا اللّهو وأيام الصبا / وشمال وكؤوس من شمول
وندامى نظمَتهم ساعةٌ / وَقَعتْ منا بأحضان القبول
علِّلاني بعدها من عودها / بمرام غير مرجو الحصول
إذ مضت وهي قصيرات المدى / فلها طال بكائي وعويلي
جَهِل اللائم ما بي ورأى / أنْ يفيد العلم نصحاً من جهول
لا ينال الحمد في مدحي له / من يعد الفضل من نوع الفضول
وأراني والحجى من أربي / في عريض الجاه ذي الباع الطويل
كلّما أنظمها قافيةً / تنظم الإحسان في قول مقول
وعلى خِفَّتها في وزنها / تطأ الحساد بالقول الثقيل
بالغ في كلِّ يوم مَرَّ بي / من أبي عيسى نوالاً من مُنيل
لا يريني العيش إلاَّ رغداً / في نعيم من جميل ابن الجميل
ينظر النجم إلى عليائه / نظر المعجب بالطرف الكليل
يرتقيها درجات في العُلى / فترى الحاسد منها في نزول
قصرت عن شأوه حساده / وانثنى عنهم بباع مستطيل
نُسِبَ الجود إلى راحته / نسبة السحر إلى الطرف الكحيل
وروى نائله عن سيبه / ما روى الريَّ عن الغيث الهطول
كاد أن تمزجه رقّته / بنسيم من صَبا نجدٍ بليلِ
أيُّها الآخذ عن آبائه / سُنَنَ المعروف بالفعل الجميل
مكرماتٌ جئتُ للناس بها / عَجَزَتْ عنها فحول من فحول
هذه الناس الَّتي في عصرنا / ما رأينا لك فيهم من مثيل
شرفٌ أوضَحُ من شمس الضحى / ليس يحتاج سناها لدليل
إن هَزَزْناك هَزَزنا صارماً / يفلق الهام بريًّا من فلول
أسأل الله لك العزَّ الَّذي / كانَ من أشرف آمالي وسولي
دائِمَ النعمة منهلَّ الحيا / مورد الظامي بعذب سلسبيل
فلنعمائِك عندي أثرٌ / أثَرَ الوابل في الروض المحيل
لو شكرت الدهر ما خَوَّلتني / لا أفي حقَّ كثير من قليل
إنَّما أنتُم غيوثٌ في الندى / وإذا كانت وغىً آساد غيل
نجباءٌ من كرام نجُبٍ / والكرام النجب من هذا القبيل
ألبَسوني الفخر في مدحي لهم / وكَسَوْني كلَّ فضفاض الذيول
وأرَوني العزَّ خفضاً عيشه / والردى أهونُ من عيش الذليل
زيَّنوا شعري بذكرى مجدهم / في أعاريضِ فعيل وفعول
إنَّهم فضلٌ وبأسٌ وندى / زينة الافرند للسيف الصقيل
وزكَتْ أعراقُهُم منذ نَمَت / بفروع زاكيات وأصول
في سبيل الله ما قد أنْفَقوا / لليتامى ولأبناء السبيل
أنفَقوا أموالهم وادَّخروا / حسنات الذكر في المجد الأثيل
تخلق الدهر وتكسو جدّة / وتعيد الذكر جيلاً بعد جيل
يا نجوماً أشرَقَتْ في أفقنا / لا رماكِ الله يوماً بالأفول
أنتمُ الكنز الَّذي أدخره / للملمّات من الخطب الجليل
وإليكم ينتهي لي أمَلٌ / كاد أنْ يطمِعَني بالمستحيل
كم وكم لي فيكم من مِدَحٍ / رفعت ذكري بكم بعد الخمول
فمتى أغدو إلى إحسانكم / إنَّما أغدو إلى ظلٍّ ظليل
لم أزل أحظى لديكم بالغنى / والعطاءِ الجمِّ والمال الجزيل
ضَحِكَ البرقُ فأبكاني دَما
ضَحِكَ البرقُ فأبكاني دَما / وجرى دمعي له وانسجَما
وأهاجَ الوجد في إيماضه / كَبِداً حرّى وقلباً مغرما
ما أرى دائيَ إلاَّ لَوعَةً / من حشاً تُورى ومن دمعٍ همى
من سناً لاح ومن برق أضا / ما بكى الوامق إلاَّ ابتسما
فكأنَّ البرقَ في جنح الدجى / ألْبَسَ الظلماء بُرداً مُعْلما
باح في الحبّ بأسرار الهوى / وأبى سرُّ الهوى أنْ يكتما
يا أخلاّئي وهل من وقفةٍ / بعدكم بالجزع من ذاك الحمى
أنشدُ الدار الَّتي كنتم بها / ناشداً أطلالها والأرسما
يا دياراً بالغضا أعهدها / مَرْبَضَ الأسْدِ ومحراب الدمى
سَوَّلَتْ للدمع أن يجري بها / وقضت للوجد أنْ يضطرما
أينَ سكانُك لا كانَ النوى / أعْرَقَ البين بهم أم أشأما
كانَ عهدي بظباء المنحنى / تصرَعُ الظبيةُ فيه الضيغما
وبنفسي بين أسراب المها / ظالمٌ لم يَعْفُ عمَّن ظلما
إنَّ في أحداق هاتيك الظبا / صحةً تورث جسمي سقما
ومليح بابليٍّ طرفه / ساحرِ المقلة معسول اللمى
حرَّم الله دمي وهو يرى / أنَّه حلَّ له ما حرما
كم أراشت أسهماً ألحاظُه / يا له في الحبّ من رامٍ رمى
أشتهي عَذْبَ ثناياه الَّتي / جَرَّعَتْني في هواه العلقما
وصلت أيامه وانقَرضَت / أفكانت ليت شعري حلما
علِّلاني بعسى أو ربَّما / فعسى تغني عسى أو ربَّما
حار حكم الحبّ في الحبّ فما / أنْصَفَ المظلومَ ممن ظلما
ليتَه يعدل في الحكم بنا / عدل داود إذا ما حكما
أيَّد الله به الدِّين امرؤ / كانَ للدين به مُستَعْصَما
ذو مزايا ترتضى أطلعها / منه في أفق المعالي أنجما
بلغ الرشد كمالاً وحجى / قبل أن يبلغ فيها الحلما
ومباني المجد في أفعاله / قد بناهنّ البناءَ المحكما
ناشئ في طاعة الله فتىً / لم يزل برًّا رؤوفاً منعما
قد علا بالفضل فيمن قد علا / وسما بالعلم فيمن قد سما
كم وكم فيمن تولّى أمْرَه / أعيَنٍ قَرَّتْ وأنفٍ أرغما
رجل لو ملك الدنيا لما / تركت أيديه شخصاً معدما
فإذا جاد فما وبل الحيا / وذا جادل خصماً أفحما
بُسِطَتْ أيديه بالجود فما / تركت مما اقتناه درهما
أظهرَ الحقَّ بياناً وجلا / من ظلام الشك ليلاً مظلما
سيّد من هاشم إذ ينتمي / لرسول الله أعلى منتمى
واعظٌ إنْ وعظ الناس اهتدت / لسبيل الرشد من بعد العمى
كلّما ألقى إلينا كلِماً / لفظت من فيه كانت حِكما
تكشف الران عن القلب وما / تركت في الدِّين أمراً مبهما
قوله الفصل وفي أحكامه / ما يريك الحكم أمراً مبرما
إن قضى بالدين أمراً ومضى / أذعَنَ الآبي له واستسلما
يحسم الداء من الجهل وكم / حًسِم الجهل به فانحسما
نجم العلم به إذ نجما / ونمى الفضل به منذ نمى
وبدين الله في أقرانِه / لم أجدُ أثْبَتَ منه قدما
يدفع الباطل بالحق الَّذي / يُفلقُ الهامَ ويبري القمما
واكتفى بالسمر عن بيض الظبا / أغْمدَ السيف وأجرى القلما
وُجدَ الفضلُ به مفتتحاً / لا أرى في فقده مختتما
علماء الدّين أعلام الهدى / كلُّ فرد كانَ منهم علما
إنَّما أنتَ لعمري واحد / ما رأينا لك فينا توأما
أنتَ أندى الناس إنْ تثرى ندى / يا غماماً سحَّ يا بحراً طمى
إنَّ أيامَك أعيادُ المنى / حيث كانت للأماني موسما
سيّدي أنتَ وها أنت لنا ال / عروة الوثقى الَّتي لن تفصما
نظم الشعر لكم داعيكمُ / فتَقبَّلْ فيك ما قد نظما
ذاكراً من أنْعَم الله لكم / نِعَماً تُسدي إلينا النعما
دَنِفٌ ذو مهجةٍ في الحبّ تَصْدا
دَنِفٌ ذو مهجةٍ في الحبّ تَصْدا / كُلّما زيدَ ملاماً زاد وَحْدا
أمطرت أدْمُعُه وبلَ الحيا / وهو يشكو من لظى الأشواق وقدا
مغرمٌ أخفى الهوى عن عاذل / في الهوى العذريّ ما أخفى وأبدى
فتكتْ أعْيُنُها الغيد به / ورَمَتْه أسهُم الألحاظ عَمْدا
كيف يستطيعُ اصطباراً وهو لا / يجدُ اليوم من الأشواق بدا
لا تلمني فصبابات الهوى / جعلت بيني وبين اللوم سَدّا
عَبرة أهرقتها من أعين / ألِفَتْ في هجرها للغمض سهدا
وبما قاسيتُ من حرِّ الجوى / في غرام مدّ سيل الدمع مدا
أنْحَلَ الحبُّ ذويه فاغتدتْ / من معاناة الضنى عظماً وجلدا
كُلَّما يقرب منِّي عاذلٌ / بملام قلتُ للعاذل بعدا
رُبَّ ليلٍ أطبقَتْ ظلماؤه / تحسب الشهب عيوناً فيه رمدا
بتُّ لا أستطعمُ الغمضَ به / وأواري عَبرتي أنْ تتبدى
أذكر الأغصانَ من بان النقا / كلّما أذكر من هيفاء قدا
ومعَ السرب الَّذي مرَّ بنا / رشأٌ يصرع بالألحاظ أسدا
مَن معيدٌ لي أياماً مضت / كانَ فيها الغيُّ لو أنصفت رشدا
أهْصِرُ الغصن إذا ما كانَ قدًّا / وأشمُّ الوردَ إذا ما كانَ خدّا
كم أهاج الشوق من وجد بها / كلما جدَّدَه الذكر استجدا
وجرى دمعي من الوجد فما / يملك الطرف لجاري الدمع ردا
خبّراني بعدَ عِرفاني بها / كيف أقوت دار سُعدى بعد سُعدى
أينَ قِطّانُك في عهد الصبا / يا مراحاً كانَ للهو ومغدى
يوم سارت عنك للركب بهم / مشمعلاّت تقدّ السير قدّا
قد ذكرنا عهدكم من بعدكم / هل ذكرتم بعدنا للودّ عهدا
ولو أنَّ الوصل مما يشترى / لاشترينا وصلكم بالروح نقدا
وقصارى مُنية الصبِّ بكم / مطلبٌ جدَّ به الوجدُ فأكدى
فسقاكم وسقى أربُعَكم / من قطار حامل برقاً ورعدا
وإذا مرّت بكم ريحُ صباً / حملت ريح صبا شيحاً ورندا
زارني الطيف فما أشوى جوىً / من حشا الصادي ولا نوّل رفدا
ما عليه لو ترشَّفْتُ لمىً / مزجت ريقته خراً وشهدا
نسب التشبيب في الحب إلى / ذلك الحسن فكان الهزل جدا
وإلى عبد الحميد انتسَبَتْ / غرر الشعر له شكراً وحمدا
عالم البصرة قاضيها الَّذي / لا ترى فيها له في الناس ندا
قوله الفصل وفي أحكامه / يدحض الباطل والخصم الألدا
إذ يريك الحقَّ يبدو ظاهراً / لازماً في حكمه لا يتعدى
أوجب الشكر علينا فضله / فمن الواجد عندي أن يؤدى
سيّدٌ إحسانه في بِرّه / لم يزل منه إلى العافين يسدى
وبأمر الله قاضٍ إنْ قضى / كانَ أمضى من شفير السيف حدا
ثابت الجأش شديد ركته / إذ تخر الراسيات الشمّ هدّا
سيّدٌ من سيّدٍ إذ ينتمي / أكرم الناس أباً فيهم وحدا
آل بيت لبسوا ثوب التقى / تلبس الفخر نزاراً ومعدا
هم أغاظو بالذي يرضونه / زمناً تشقى به الأحرار وغدا
ذلّلوا الصَّعبَ وقادوا للعلى / حيث ما انقادت لهم قوداً وجردا
هل ترى أبعدَ منه منظراً / أو ترى يومئذٍ أثقب زندا
باسطٌ أيْديه لما خلقت / ديماً ما برحت بالجود تندى
عدّدا لي نعمة الله به / أنا لا أُحصي له النّعماء عدا
مكرمات لأياديه الَّتي / تركت بالبر حرّ القوم عبدا
حبذا البصرة في أيامه / لا أراها الله من علياه فقدا
وجميل الذكر من أخلاقه / سار في أقطاره غوراً ونجدا
توأم المجد فريد في الحجى / جامع الفضل براه الله فردا
بيمين الحقّ سيف صارم / يجعل الباطل في غربيه غمدا
طالما ألقت إليه كَلِماً / أورثت ما لم يرثه لنثر خلدا
فترنَّمتُ بها قافيةً / نظمت في جيد هذا الدهر عقدا
وكفاني صولة الهمّ امرؤ / جاعل بيني وبين الهم سدا
رغد العيش لمن في ظلِّه / عاش طول الدهر بالأفراح رغدا
كلّما يلحظني ناظره / عكس الأمر فكان النحس سعدا
بأبي أفديه من قاضٍ به / صرت في رأفته ممن يفدّى
إنَّ من أخلص فيكم وُدَّه / مخلص في حبّه الأمجاد ودا
ناظمٌ فيكم على طول المدى / مدحاً ترفع لي بالفخر مجدا
فهو مُهديها إليكم عبدكم / فَتقبَّل ما إليك العبد أهدى
وَلَدٌ قد أشرَقَ الكونُ به
وَلَدٌ قد أشرَقَ الكونُ به / مِنْ عُلى سلطاننا عبد الحميد
بُشِّرَ الإِسلام في مولده / فأسرَّ الناس من هذا السعيد
فزهت بغداد حتَّى إنَّها / قابلت أيَّام هارون الرشيد
وغدت تشرق من أنواره / مثلما قد أشرق البدر بعيد
زادنا بشراً فزدنا طرباً / ما عليه قبل هذا من مزيد
قد حبانا الله في مولده / كلّ ما نهواه من عزٍّ مديد
فترانا دائماً في فرج / كلّ يوم نحنُ في عيدٍ جديد
وإذا الكون أضا أرَّخته / فضياء الكون من عبد الحميد
بارقٌ لاح فأبكاني ابتساما
بارقٌ لاح فأبكاني ابتساما / نبَّه الشَّوقُ من الصبِّ وناما
ولمن أشكو على برح الهوى / كبداً حرَّى وقلباً مستهاما
ويح قلبٍ لَعِبَ الوجد به / ورمته أعين الغيد سهاما
دنف لولا تباريح الجوى / وما شكا من صحَّة الوجد سقاما
ما بكى إلاَّ جرتْ أدمُعُه / فوق خدَّيه سفوحاً وانسجاما
وبما يسفح من عبرته / بلَّ كمّيه وما بلَّ أواما
ففؤادي والجوى في صبوتي / لا يَمَلاَّن جدالاً وخصاما
ليتَ من قد حرموا طيب الكرى / أذنوا يوماً لعيني أن تناما
مَنَعونا أن نراهم يقظة / ما عليهم لو رأيناهم مناما
قَسَماً بالحبِّ واللّوم وإنْ / كنتُ لا أسمع في الحبِّ ملاما
والعيون البابليَّات الَّتي / ما أحلَّت من دمي إلاَّ حراما
وفؤادٌ كلَّما قلت استفق / يا فؤادي مرَّةً زادَ هياما
إنَّ لي فيكم ومنكم لوعةً / أنْحَلَتْ بل أوْهَنَتْ منِّي العظاما
وعليكم عبرتي مهراقة / كلَّما ناوحت في الأَيك حماما
ومتى يذكرُكم لي ذاكرٌ / قعدَ القلب لذكراكم وقاما
يا خليليَّ ومن لي أنْ أرى / بعد ذلك الصَّدع للشَّمل التئاما
أحسِب العامَ لديكم ساعةً / وأرى بَعْدَكم السَّاعة عاما
لم يدمْ عيشٌ لنا في ظلِّكم / أيّ عيش قبله كانَ فداما
حيث سالمنا على القرب النوى / وأخذنا العهد منها والذماما
ورضعنا من أفاويق الطلا / وكرهنا بعد عامين الفطاما
أترى أنَّ الهوى ذاك الهوى / والندامى بعدنا تلك الندامى
كلَّما هبَّت صبا قلتُ لها / بلِّغيهم يا صبا نجد السَّلاما
وبنفسي ظالمٌ لا يتَّقي / حوبة المضنى ولا يخشى أثاما
ما قضى حقًّا لمفتون به / ربَّما يقضي وما يقضي مراما
لو ترشَّفتُ لماه لم أجد / في الحشا ناراً ولو هبَّت ضراما
ولأطفأت لظى نار الجوى / ولعفت الماء عذباً والمداما
شدَّ ما مرَّ جفاً مستعذب / من عذابي فيه ما كانَ غراما
لا سُقيتنَّ الحيا من إِبلٍ / تقطع البيد بطاحاً وآكاما
قذفتها بالنوى أيدي السّرى / في مواميها عراقاً وشآما
ورمتها أسهم البين فمن / مُهَجٍ تُرمى وعيسٍ تترامى
وقد بلونا النَّاس في أحوالها / وعرفناهم كراماً ولئاما
وشربناهم نميراً سائغاً / وزعافاً وأكلناهم طعاما
فمحالٌ أن ترى عينٌ رأت / كحسام الدِّين للدِّين حساما
إنْ تجرِّده على الدهر يدٌ / فَلَقَتْ من خطبه هاماً فهاما
من سيوف الله لا تبصر في / حدِّه الماضي فلولاً وانثلاما
جوهر أودَعَهُ الله به / لم يكن يقبل في النَّاس انقساما
نظرت عيناي منه أروعاً / طيب العنصر والقرم الهماما
من كرامٍ سادةٍ لم يُخلَقوا / بين أشراف الورى إلاَّ كراما
رقَّ حتَّى خِلْتَه من رقَّة / أرج الشِّيح وأنفاس الخزامى
أو كما هبَّت صبا في روضةٍ / تنبت الرند صباحاً والثماما
ثابتُ الفكرة في آرائه / يظهر الصّبح كما يخفي الظَّلاما
وإذا ما قوَّم المعوجّ في / رأيه العالي من الأَمر استقاما
يوم تعرى البيض من أغمادها / وبه يكسي الفريقين القتاما
في نهارٍ مثل مسودّ الدُّجى / تلبس الشَّمس من النَّقع لثاما
وإذا ما أشرق النَّادي به / أشرق النَّادي به بدراً تماما
لم يضِمه من زمان طارق / عزّ جاراً وجواراً أنْ يضاما
قد وَجدنا عهده في ودّه ال / عروة الوثقى فقلنا لا انفصاما
شمل النَّاس فأغنى بِرُّه / وكذا البحر إذا البحر تطامى
بأبي أنتَ وأُمي ماجد / في سماوات المعالي يتسامى
شيّد الفضل وأعلى قدرهُ / بعد أنْ أصبحَ أطلالاً رماما
وكفت يمناهُ بالويلِ ندًى / فكفتنا الغيث سقياً والغماما
حاكمٌ بالعدل علويُّ الثنا / عن عليٍّ قام بالحكم مقاما
إنَّما البصرة في أيَّامه / أعجبت من سارَ عنها أو أقاما
أفصحت عن أخرسٍ فيك له / من قريض النثر نثراً ونظاما
عربيَّات القوافي غررٌ / نصبت قلة المجد خياما
شاعرٌ يهوى معاليك وفي / كلِّ وادٍ من مديح فيك هاما
يا حسام الدِّين يا هذا الَّذي / أشكر اليوم أياديه الجساما
فتفضَّل وتقبَّل كلّ ما / جمعت فيك من الحقِّ كلاما
وثناء طيِّباً طابَ بكم / ينعشُ الرُّوح افتتاحاً وختاما
جَدِّد اللّذَّة حتَّى نتجدَّدْ
جَدِّد اللّذَّة حتَّى نتجدَّدْ / واسقنيها من لجين الكأس عَسْجَدِ
وخُذِ اليوم بها لذَّتنا / وأعدها يا نديمي لي في غد
بين ندمانٍ كأزهار الرُّبى / كلُّ فرد منهم بالفضل مفرد
نظمت شملهم كأس الطّلا / فهو كالعقد وكالدّرّ المنضد
برزَ الروض بأبهى هيبةٍ / فتهيَّا للسرور اليوم واعتدِ
ولقد جرّد من غمد الدُّجى / صارم الفجر عياناً فتجدُّد
وبقايا غلس أبصرتها / ما تبقى من دخان العود والغد
نبّه الورقاء حتَّى نبّهت / للحُميَّا أعيُناً للشرب هجّد
أطرَبتْنا الوُرقُ في ألحانها / يا فدتها في الغواني أُمُّ معبد
في رياضٍ نضراتٍ أنبتت / ورق الياقوت من قضب الزبرجد
ولكم عدنا إلى أمثالها / بعد حينٍ فوجدنا العَوْدَ أحمد
وشهدنا مشهد الأُنس بها / وقعدنا للهوى في كل مقعد
وقضينا جباً من روضةٍ / شرب الغصنُ فما للطير عربد
ومُدير الكأس في أرجائها / قمر يبدو وغصن يتأوّد
إنَّ أشهى الرَّاح ما تأخذه / من يَدَيْ ساق نقي الخدّ أمرد
خِلْتُ ما في يده في خدِّه / فسواء بين ما في اليد والخدّ
بابليُّ الطَّرف حلويّ اللّمى / ليِّن الجانب قاسي القلب جلمد
ألعسٌ مُذْ بردتْ ريقته / أورثتنا نار شوقٍ تتوقَّد
فشربنا خدّه من يده / واقتطفنا منه غصن الآس والورد
واتَّخذناه وإنْ يأبَى التُّقى / صنماً لكنَّه للحُسن يعبد
يبعث الوجد إلى كلّ حشا / لِخَلِيٍّ من هواه حيث لا وجد
لو رآه تائب من ذنبه / قد تبدَّى وهو مثل البدر لارتد
جحدت أعينُه سفك دمي / وعليه حدّه في الوجه يشهد
لستُ أدري أيّما أمضي شباً / في فؤادي ذلك الطرف أم القد
إنَّ هاروت وماروت لقد / أخذا عنه حديث السَّحر مسند
ليِّن الأَعطاف حتَّى إنَّه / كادَ من شدَّة ذاك اللِّين يعقد
يا له من مطربٍ يعجبني / غزلي فيه ومدحي لمحمد
ذي يدٍ طولى فشكراً ليدٌ / من عريق في المعالي الغرِّ ذي يد
ضمَّ برداه تقيًّا ماجداً / وجد التّقوى مزاداً فتزوَّد
قد نظرنا جدَّه أو جَدَّه / فنظرنا بالعلى ما يصنع الجدّ
يقتفي آثار آباءٍ له / أثر المجد اقتفى عنهم وقلَّد
وعلى ما عُوِّدت آباؤُه / عوّدته من قديم فتعوَّد
علماءٌ عملوا في علْمِهم / مَهَّدوا الدِّين من المهد إلى اللّحد
ولكم حُلَّ بهم من مشكل / وهم إذ ذاك أهل الحلّ والعقد
رفعت آثاره أعلامَهم / فبنى بي معاليهم وشيّد
ماجدٌ يعلو على أقرانه / وقد احتلَّ رعان العزّ والمجد
ليس يخفى فهمه أو علمه / لاح للعالم مثل العلم الفرد
قَصَدَتْ وُفَّاده إحسانَه / قلَّ من يُرجى لإحسانٍ ويُقْصَدِ
غير بدعٍ إنْ تحرّينا له / مكرمات من كريم الأَب والجد
فإذا أفسد حالاً زمنٌ / أصْلَحَتْ ما أقصد الدهر وأفسد
وأمدَّتْني يداه بالنَّدى / وكذاك البحر يوم الجزر والمدّ
إذ حلَلْنا نادياً حلَّ به / لم نحلّ إلاَّ بغاب الأسدِ الورد
وإلى ناديه في يوم النَّدى / أدبٌ يُجبى ومال يتبدّد
عارض من فضله ممطرنا / لا كما العارض إنْ أبرقَ أو أرعد
فَلَكَ الأَيدي على طول المدى / أبداً بيضٌ بجنح الخطب أسود
فتولَّ من ثنائي مدحةً / أيُّها المولى فقد لاذَ بك العبد
قد مضى الشَّهر صياماً وتقًى / فابقَ واسلمْ دائم العزِّ مخلّد
واهنأ بالعيد فقد عاد بما / تشتهيه أنت من عزٍّ وسؤدد
لستُ أدري أؤهَنِّيك به / أمْ أُهنِّي بك في إكرامك الوفد
وجزاك الله عنِّي خير ما / جُوزيَ المنعِمُ بالشّكران والحمد
أعد اللَّهو فإنَّ اللَّهوَ أحْمَدْ
أعد اللَّهو فإنَّ اللَّهوَ أحْمَدْ / وأدِرْها في لُجَين الكأس عَسْجَد
واسقنيها قهوةً عاديَّةً / أخبرت عمَّا مضى في ذلك العهد
لو رأى كسرى سنا أنوارها / ظنَّها النار الَّتي في الفرس تعبد
لبست من حَبَب المزج لها / تاجَ إسكندر ذي القرنين والسد
فاسقني اليوم أفاويق الطّلا / وأعدها يا نديمي لي في غد
قَدُمت لكنَّنا في شربها / كلّ يوم في سرور يتجدَّد
في رياضٍ لعبت فيها الصّبا / وأذاعت سرّ نشر الشّيح والرند
أخَذَت زخرفها من بعد ما / حاكت المزن لها أثواب خرّد
نثر الطلّ عليها لؤلؤاً / أين من لؤْلؤها الدرّ المنضَّد
أحسب القطر على أزهارها / أدمُعاً سالتْ من العينِ على الخد
فانثنت أغصانها مائسةً / طرب النشوان راحت تتأوَّد
فَقَضَت عيناي منها عجباً / ومن القمريّ إذ غنَّى وغرَّد
هذه أغصانها قد شربت / فعلام الطَّير في الأَفنان عربد
زمن الورد وما يُعجبُني / زمنٌ لِلَّهوِ إلاَّ زمنُ الورد
تنقضي أيَّامه محمودةً / في أمان الله من حَرٍّ ومن برد
فاغتنمها فرصةً ما أمكنت / قبل أن تذهب يا صاحِ وتفقد
بين شادٍ تطرب النفس به / يتغنَّى ومليح يتأوَّد
ما ألذَّ الرَّاح يُسقاها امرؤٌ / من يَدَيْ ساقٍ نقيِّ الخدِّ أمرد
يخجلُ الأَقمار حُسناً وجهه / وغصون البان ليناً ذلك القد
فالعوالي والغوالي إنَّما انتَس / بَتْ منه انتساب القدّ والند
أرأيت السّحر فيما زعموا / إنَّه راح إلى عينيه يسند
أُنْزِلتْ للحسن آيات به / آمن العاشق فيهنَّ وما ارتد
ما رمى قلبي إلاَّ عامداً / قاتلٌ لي ولقتلي يتعمَّد
يأخذ الأَرواحَ من أربابها / لعباً منه فما قولك إن جد
سمح المهجة لا ممتنع / عن محبٍّ خضل الطرف مسهَّد
لا يشوب الوصل بالصّدّ ويا / ربَّ إلفٍ لا يشوب الوصل بالصد
بأبي الأَغيد لا بمزجها / من لماه بسوى العذب المبرد
وبأحشائي من الوجد إلى / بارد الرّيقة نار تتوقَّد
حبَّذا العيش بمن قد تصطفي / لا النوى بادٍ ولا الشَّمل مبدّد
تحت ظلَّي مالِكَيْ رقِّي وما / غير محمود ولا غير محمد
النجيبين اللَّذين انتدبا / بجميل الصنع والذكر المخلّد
والمجيدين وكلٌّ منهما / طيّب العنصر زاكي الأَصل والجد
والكريمين وما صوبُ الحيا / إنْ يكنْ أبرقَ بالجود وأرعد
والرَّفيقين كأنِّي بهما / بلغا الغاية من مجد وسؤدد
إنْ أُفاخِر بهما غيرهما / فَلَقَد أفْخَرُ بالحُرِّ على الوغد
خُلِقا للفضل وارتاحا له / لا كمن عُوِّد قسْراً فتعوَّد
إنَّ هذين هما ما برحا / للمعالي بمحلّ الكفّ والزند
فتأمَّلْ بهما أيّهما الذا / بل الخطيُّ والسيف المهنَّد
إنْ يكونا قلَّداني نعمةً / أنا فيها فنعما أتقلَّد
وَصَلا حَبْلي وشادا مفخري / ولمثلي فيهما الفخر المشيَّد
هكذا فلتكُ أبناء العُلى / تقتفي الأَبناءُ إثر الأَب والجد
إنَّما الشّبل من اللَّيث وما / يلدُ الأَصيدُ يوماً غير أصيد
من أبٍ يفتخر المجد به / إنْ رمى أصْمى وأنْ ساعدَ أسعد
هو بحرٌ ما له من ساحل / وحُسامٌ لم نقف منه على حد
وهزبر باسل برثنه الأسم / رُ العسَّال والعَضْبُ المجرَّد
هو مولايَ إذا استعطفتُه / عطف المولى من البرّ على العبد
مالكٌ حكَّمني في ماله / فلي الأَخذ خياراً ولي الرَّد
وحباني نعماً أشكرها / فله الشكر عليها وله الحمد
لا أُبالي إنْ يكنْ لي جُنَّةً / بزمان كانَ لي الخصمَ الأَلَنْدد
طاول الأَيدي فطالت يده / ما على أيدي للعالم من يد
حَفِظَ الحافِظُ نَجْلَيْه ولا / برحا في أطيب العيش وأرغد
لم يلد مثل أبيهم والدٌ / لم يلد قبل ولا من بعد يولد
نصروا المجد وكانوا حزبه / فهم الأنصار والحزب المؤيّد
فلقد طابوا وطابت خيمهم / طيِّبوا الأَعراق من قبل ومن بعد
نبتوا فيها نباتاً حسناً / وغذاهم بلبان العزّ والمجد
وإذا أمْعَنْتَ فيهم نظراً / لم تجد إلاَّ شهاباً ثاقب الزند
كلَّما زادَ وقاراً زدته / مِدَحاً تُتلى مدى الدهر وتنشد
وعذارٍ مذ بدا أرَّخته / لاحَ كالمسك عذار لمحمَّد
هذه يا صاحِ أوقاتُ الهنا
هذه يا صاحِ أوقاتُ الهنا / وبلوغ النفس أقصى الأَملِ
جَمَعَتْ من كلِّ شيءٍ أحسنا / لذَّةً في غيرها لم تكمُلِ
فخذا من عيشنا صفوَتَهُ / بكؤوسِ الرَّاح والسَّاقي مليح
بين روضٍ آخذٍ زينَته / ولسانِ البَمِّ والزِّير فصيحْ
ضَرَّجَ الوَردُ بها وجنَتَه / والشَّقيقُ الغضّ إذ ذاك جريحْ
تحسبُ النرجسَ فيها أعيُنا / شاخصات نحونا بالمقَلِ
مال غصنُ البان تيهاً وانثنى / في هواها مَيَلانَ الثمِلِ
مرْبَعٌ للَّهْو منْذُ انتظما / أطْرَبَ الأَنْفُسَ في رَوْح وراحْ
ما بكاه القطر إلاَّ ابتسما / لبكاهُ بثغور من أقاحْ
وَشَدَتْ في الدَّوح وَرقاء الحمى / ما على الوَرقاء في الشَّدو جناحْ
مغرمٌ ليس له عنه غنى / حين يُملي رجزاً في زَجَل
وَلَقد أصغى إليها أذناً / فشَجَتْ قلبَ الخلي دونَ المَلي
زادَنا لحن الأَغاني طَرَباً / خبراً يطرِبُنا عَنْ وَتَرِ
والأَماني بلغَتْنا أرَباً / فَقَضَيْناها إذَنْ بالوطرِ
ونَظَرنا فقَضَيْنا عجباً / تطلع الشَّمس بكفّ القمرِ
في ليالٍ أظْفَرتنا بالمنى / وكؤوسِ الرَّاح فيها تنجلي
تُذْهِب الهمَّ وتنفي الحزنا / بنشاطٍ مُطْلَقٍ من كَسَلِ
بحياة الطاس والكاس عليكْ / نَزِّه المجلسَ من كلِّ ثقيلْ
وتحكَّم إنَّما الأَمرُ إليك / ولكَ الحكمُ ومن هذا القبيلْ
كيف لا والكأس تسقى من يديكْ / ما على المحسن فيها من سبيلْ
ولكَ الله حفيظاً ولنا / حيثما كنتَ وما شئتَ افعلِ
واجرِ حكمَ الحبّ فينا وبنا / أنْتَ مرضيٌّ وإنْ لم تَعْدِلِ
حبذا مجلِسُنا من مجلسِ / جامعٌ كلَّ غريبٍ وعجيب
نغمُ العودِ وشعر الأخرس / ومحبٌ مستهامٌ وحبيب
يتعاطون حياةَ الأنفسِ / في بديع اللفظ والمعنى الغريب
بابليّ السحر معسول الجنى / أين هذا مشتيارِ العسَلِ
وإذا مرَّ نسيمٌ بيننا / قلتُ هذا ويحكم من غَزَلي
آهُ ممَّن ساءني في نُسْكِهِ / ويَراني حاملاً عِبءَ الذُّنوب
قد عَرَفنا زَيْفَه في سبكه / فإذا كلُّ مزاياه عيوبْ
قال لي تُبْتُ وذا من إفكه / أنا لا والله لا أرضى أتوبْ
عن مليحٍ صَرَّحَتْ عنه الكنى / توبة في حبّه لم تُقْبَلِ
وإذا ساءَ غيورٌ أحْسَنا / بحميّا رشفاتِ القبلِ
أتْرُكِ المغبَقَ والمصطَبحا / زَمنَ الوردِ وأيَّامَ الرَّبيعْ
بعدَ أنْ أغدو بها منشرحاً / كيف أصغي لعذولي وأطيعْ
إنْ أطع في تركها من نصحا / فلقَدْ جئت لعمري بشنيعْ
فأدِرْها وانتَهب لي زمناً / بحلول الشمسِ برج الحملِ
وأرخني إنَّما ألقى العنا / من خليلٍ مغرم بالعذلِ
أجْتلي الكاساتِ تَهوي أنجما / ولها فينا طلوعٌ ومغيبْ
وأرى أوقاتها مغتنماً / وإليها رحتُ ألهو وأطيبْ
لم أُضِعْها فرصةً لا سيما / في ختانِ الغُرِّ أبناءِ النقيبْ
عَلَويّ الأصلِ عُلويّ الثنا / سيّد السادات مولانا علي
الرفيعُ القدرِ والعالي البنا / مستهلّ الوبل عذب المنهلِ
ابنُ بازِ الله عبد القادر / عَلَم الشرقِ وسلطانُ الرّجالْ
لم يزالوا طاهراً من طاهرِ / فَهُمُ الطهْرُ على أحسنِ حال
وهُمُ في كلّ وقت حاضر / في جمالٍ مستفاضٍ وجلالْ
يلْحظونَ السَّعد يَغْشون السَّنا / يَلْبَسون الفخرَ أسنى الحُلَلِ
لهم التشبيهُ في هذي الدُّنا / ملَّةُ الإسلام بينَ المللِ
لأُوَيقاتِ زمانٍ الاعتدال / قدْ تَحَرَّيْتُم وما أحراكُمُ
لختان النُّجبِ البيضِ الفعال / الميامينِ وما أدراكُمُ
فلَقَد أرَّخه العَبدُ فقال / آلَ بيت المصطفى بشراكمُ
بختانٍ في سرورٍ وهَنا / دائمٍ بالوصلِ لَمْ يَنْفَصل
وبحمدِ الله قد نلنا المنى / وظفرنا منكُم بالأَملِ
هذه الدارُ وهاتيك المغاني
هذه الدارُ وهاتيك المغاني / فَسَقاها بِدَمٍ أحْمَر قاني
دَنِفٌ عَبْرَته مُهراقةٌ / مثلما أهْرَقَت الماءَ الأواني
في رسومٍ دارسات لقِيَتْ / ما يلاقي الحرُّ في هذا الزمان
كانَ عهد اللهو فيها والهوى / خَضِلَ المنبَتِ حلويَّ المجاني
تزدهي بالغيد حتَّى خَلْتُها / روضةً تنبتُ بالبيض الحسان
تتهادى مثل بانات النقا / بقدودٍ خطرت من خوطِ بان
أثمرَتْ بالحسن إلاَّ أنّها / لم تكنْ مُدَّتْ إليها كفُّ جاني
فاتكاتٍ بعيون من ظباً / طاعناتٍ بقوامٍ من سنان
مَنْ مُجيري من هواهنَّ وما / حيلتي بين ضِرابٍ وطعان
أهوَنُ الأشياء فيهنّ دمي / والهوى أكبرُ داعٍ للهوان
قد رماني شادنٌ من يَعرُبٍ / لا رمى الله بسوءٍ من رماني
مستبيحاً دمَ صبٍّ طَلَّهُ / سَهْمُ عينيه حراماً غير واني
حسرةً أورثتُها من نَظرةٍ / ما لها في ملتقى الصَّبْر يدان
يا لها من نظرةٍ يشقى بها / دون أعضائي طرفي وجناني
نَفَرَتْ أسرابُ هاتيك المها / وذَوى من بعدها غصنُ الأماني
وتناثَرْنَ عُقوداً طالما / نظمتْ في جمعنا نظم الجمان
ما قضى دَيْنِيَ عنِّي ماطل / كلّما استقضيتُه الدَين لواني
يا أحبائي على شحط النوى / كم أعاني في هواكم ما أعاني
مُستَلذّاً في أحاديثُكُم / لَذَّةَ الشارب من خَمر الدّنان
ما صُحا فيكم لعمري ثَمِلٌ / لَمْ يَذُقْ راحاً ولا طاف بحان
أترى الورقاءَ في أفنانها / قد شجاها في هواكم ما شجاني
فكأنْ قد أخَذَتْ من قَبلها / عن قماري الدَّوح أقمارُ القيان
رابَ سلمى ما رأت من همة / نهضت مني وحَظٍّ متوان
لم تكن تدري ومن أينَ لها / مَبْلَغُ العلم وما تعرفُ شاني
واثقاً بالله ربي والغنى / من ندى عبد الغنيِّ في ضمان
قرن الإحسان بالحسنى معاً / فأراني فيهما سَعْدَ القِران
لم يَرُعني حادثٌ أرهَبُه / أنا ما عِشْتُ لديه في أمان
هو ركنُ المجد مَبنى فخره / لا وَهَتْ أركان هاتيك المباني
جعَلَ الله به لي عصمةً / فإذا استكفيته الأمرَ كفاني
ففداه من لديه ما له / بمكان الرّوح من نفس الجبان
ثاني اثنين مع الدُّرِّ سَنىً / واحدٌ ليس له في النَّاس ثان
عَجبٌ منه ومن أخلاقِه / لو تَتبَّعْتَ أعاجيب الزمان
كَرمٌ محضٌ وبأسٌ وندى / في نجيبٍ قلّما يجتمعان
وأذَلَّ المالَ معطاءٌ يَرى / عزَّةَ الأنفس بالمال المهان
بأبي من لم يزل منذ نشا / خضلَ الراحة منهلّ البنان
بُسِطَتْ أنْملُه العَشْرُ فما / زِلتُ منها حشوَ جنات ثمان
وله مبتكرات في العلى / ترفع الذكر إلى أعلى مكان
قائلٌ في مثلها قائلها / هكذا تُفْتَضُّ أبكارُ المعاني
رجلٌ في مَوقفِ الليث له / فتكةُ البِكرِ من الحَرب العوان
تَحت ظلِّ النَّقْع في حَرِّ القنا / فوقَ رَحبِ الصَّدْرِ موّار العنان
والمواضي البيض ما إنّ أشرقَتْ / شَرِقَتْ ثَمَّ بلَونٍ أرجواني
ولك الله فقد أمَّنْتَني / كلَّما عشتُ صروف الحدثان
إنّما قَيَّدتني في نِعمة / أطلَقَتْ في شكرها اليومَ لساني
دونك النَّاس جميعاً والربا / أبَداً تَنْحَطُّ عن شُمّ الرّعان
يا أبا محمود يا هذا الَّذي / عَمَّ بالفضل الأقاصي والأداني
منزلي قَفْرٌ ودهري جائر / فأجرني سيّدي من رَمضان
وزمانٍ منه حَظّي مثلما / كانَ حظّ الشّيب من وُدِّ الغواني
لستُ أدري والَّذي في مثله / أنْزَلَ القرآن والسبعَ المثاني
أفأيّامُ صيام أقبَلَت / هيَ أمْ أيامُ بؤسٍ وامتحان
ساءني منه لعمري شَرَفٌ / ليَ من تلك الحروف الثُلثان
لو أرى لي سفراً قطّعته / إرَباً بالأنْيُق النجب الهجان
نائياً عن وَطَنٍ قاطنه / يحسُد اللاّطمُ وجهَ الصحصحان
يا غماماً لم يَزل صَيِّبُه / وأكفَ الدِّيمَة آناً بعدَ آن
صُمْ كما شِئت بخيرٍ واغتَنم / أجْرَ شهرِ الصَّوم بالخير المدان
ما جزاءُ الصَّوم في أمثاله / غَير ما نوعَدُ فيه بالجنان
وتهنّا بعدَه في عيدهِ / إنَّ أعيادَك أيامُ التهاني
لا خلاك الله من دنياً بها / كلّ شيء ما خلا مجدك فان
في زمانٍ أصْبَحَ الجودُ به / والمعالي أثَراً بعدَ عيان
شَرَّفَ البَصرةَ مولانا المشيرُ
شَرَّفَ البَصرةَ مولانا المشيرُ / وتَوالى البشرُ منه والسرورُ
قَرَّتِ الأعينُ في طلعته / مُذ بدا وانشرَحَتْ منا الصدور
أشرقت في أُفقنا وانتهجت / وكذا تطلعُ في الأفق البدور
يرفع الجَوْرَ ويبدي عدله / منصفٌ بالحكم عدلٌ لا يجور
أُوتيَ الحكمةَ والحكم وما / هو إلاَّ العالم البحر الغزير
فَوَّض الأمر إليه مَلِكٌ / ما جَرَتْ إلاَّ بما شاء الأمور
من وزير أصْبَحت آراؤه / يسعد السلطان فيها والوزير
كانَ سر اللّطف مكتوماً وقد / آنَ للرحمة واللطف الظهور
من أمير المؤمنين انبعثَتْ / حَبّذا المأمورُ فيها والأمير
دولةٌ أيَّدها الله به / فَلَقَدْ طالتْ وما فيها قصور
وبشيرٌ لمليكٍ همُّهُ / أنْ يرى النَّاس وما فيهم فقير
أنتَ سيفٌ صارِمٌ في يده / وسحابٌ من أياديه مطير
أنتَ ظلٌّ مدَّه الله على / أهْلِ هذا القطر أن حان الهجير
جِئْتَ بالبأس وبالجود معاً / إنَّما أنتَ بَشيرٌ ونذير
تَمحقُ الباغين عن آخرهم / مثلما يمحو الدجى الصبحُ المنير
أصْلَحَتْ بيضُك ما قد أفسدوا / وكبا بالمفسد الجدُّ العثور
في حُروب تدرك الوتر بها / حاضَتِ البيضُ بها وهي ذكور
عُدت منصوراً بجيشٍ ظافرٍ / وجَنابُ الحقِّ مولانا النَّصيرُ
بَذَلوها أنفساً عن طاعة / ضمنها الفوزُ وعقباها الحبور
تخطَفُ الأرواح من أعدائها / مثلما تَخْتَطِفُ الطيرَ الصقور
إنَّما قرّبَتهم عن نظرٍ / ما له في هذه النَّاس نظير
عارفاً إخلاص مَن قرَّبْتَه / ولأنْتَ الناقدٌ الشهمُ البصير
فَتَحتْ باباً لراجيك يدٌ / سُدِّدتْ في حدّ ماضيها الثغور
وحمى أطرافها ذو غيرة / وهو أنت الباسل الشهم الغيور
أسْمَعتْ صُمَّ الأعادي رهباً / من مواضيك صليلٌ وزئير
مُهلِكٌ أعداءك الرعبُ كما / أهلكَتْ عاداً من الريح الدبورُ
يا لك الله مشيراً بالذي / يُرتضى منه وبالخير مُشير
فإذا جادَ فغيثٌ مُمْطِرٌ / وإذا حاربَ فالليث الهصور
وإذا حلّ بدارٍ قد بَغَتْ / حَلَّ فيها الويل منه والثبور
إنْ تَسلْ عمَّن بغى في حكمه / فقتيلٌ من ظباه وأسير
أوقدوا النار الَّتي أوروا بها / وسعى في هلكهم ذاك السعير
إذ يسير النصر في موكبه / مُعلناً تأييده حيث يسير
كيف لا يُرجى ويُخشى سطوةً / لا الندى نزر ولا الباع قصير
وإذا طاشت رجال لم يَطِشْ / أينَ رضوى من علاه وثبير
ذو انتقام شقي الجاني به / ولمن تاب عفوٌ وغفور
أبْغَضَ الشر فلا يَصْحَبُه / وانطوى منه على الخير الضمير
أنْقذَ الأخيار من أشرارها / وشرار الشرّ فيهم مستطير
فالعراق الآن في خفضٍ وفي / مجدك الباذخِ مختال فخور
أنتَ للناس جميعاً مَوْرِدٌ / ولها منك وُرودٌ وصُدور
أنتَ للناس لعمري منهلٌ / ونداك السائغُ العذب النمير
هذه البصرة منذ استبشرت / بِكَ وافاها من السعد بشير
حَدَثَت بالقرب من عمرانها / بعدما أخْرَبَها الدهرُ المبير
كبقايا أسطرٍ من زُبُرٍ / بليَتْ وابتُلِيتْ تلك السُّطور
فلعلَّ الله أن يعْمُرَها / بك والله بما شاء قدير
تتلافاها وإنْ أشْفَتْ على / جُرفٍ هارٍ وأيْلَتها العصور
لك بالخير مساعٍ جَمَّةٌ / وبما تعزم مقدار جسور
وإذا باشرتَ أمراً معضلاً / هان فيك الأمر والأَمر عسير
قد شَهِدنا فوق ما نسمعه / عنك والقول قليل وكثير
فشهِدنا صحَّة القول وإن / قَصَّر الرَّاوي وما في القول زور
ونشرتَ الفضلَ حتَّى خِلْتُه / قام منك البعث حشر ونشور
طلعت من أنجم الشعر بكم / وبَدَتْ من أُفقه الشّعرى العبور
كلّ يومٍ لك سَعْدٌ مقبلٌ / وعلى الباغي عَبوسٌ قمطرير
هاتها حمراءَ تحكي العَنْدَما
هاتها حمراءَ تحكي العَنْدَما / واسقنيها من يَدَيْ عَذْبِ اللّمَى
وانتهزها فُرْصةً قد أمكَنَتْ / فاغتنمها واتَّخذها مغنما
وانتهبها لذَّةً إنْ تنقضِ / يا نَديمي أعْقَبَتْك الندما
وأَعِدْ لي من شبابي ما مضى / بعجوز لم تلاق الهرما
حبَّذا أُختُ عروس زُوِّجَتْ / وهب بكرُ الدَّن من ماءِ السَّما
أخْبَرت عن نار كسرى ما رَوَتْ / من أعاصير الأُلى ما قدما
لطُفَتْ حتَّى كأَنْ لم نرها / فتخيَّلْنا الوجودَ العدما
في رياضٍ أخَذَتْ زُخْرُفها / وبكى الغيثُ لها وابتسما
يوم أُنسٍ نشر السحب به / في نواحي الجوّ بُرداً معلما
حجب الشمس فأبْرَزْنا لنا / شمسَ راح والحباب الأَنجما
معْ مليح قد قضى الحسن له / أن يرى الظلم إذا ما حكما
لو رآه عاذل يعذلني / في هواه عاد فيه مغرما
أشتكي الظلمَ وهذا ظالمي / يا لقومي من حبيبٍ ظلما
ورماني عامداً من لحظه / أيَّ سهم ذلك اللحظ روى
ما اتّقى الله بأحشائي ولا / راقبَ المأثم فيما أثما
حرَّمَ الوَصْلَ على مغرمه / ليتَه حَلَّلَ ما قد حرَّما
يا مليحاً أنا في طاعتِهِ / وأُعاصي في هواه اللّوَّما
منك أشكو ما أُقاسيه ومِن / سُقم أجفانك أشكو السقما
وسواء فيك مسلوب الحشا / باح بأسرار الهوى أو كتما
يا لقومي من مشيرٍ بدمي / من دم طُلّ بألحاظ الدُّمى
كم وكم في الحبِّ لا في معرك / صَرَع الظبيُ الأَغنُّ الضيغما
وفنون لشجون أطلَقَتْ / عَبرة الصّبّ من الوجد دما
لستُ أنسى ليلةً باتت بها / أعينُ الواشين عنَّا نوَّما
وسهرناها كما شاءَ الهوى / نتعاطى الكأسَ من خمر اللّمى
تلك أعراسُ زمان سَلَفَتْ / فأقِم يوماً عليها مأتما
لم أزلْ من بعدها أرجو لها / عَوْدَة تبري بقلبي الأَلما
مقرناً قولي عسى في ربَّما / وعسى تُغني عسى أو ربَّما
ينعم الدهر علينا مرَّةً / فنرى شمل المنى منتظما
ما رأتْ عَيني أمراً حيثُ رأتْ / مثل إبراهيم برًّا منعما
عَلَويٌّ قد علا أعلى العُلى / وعلى أعلى السّماكين سما
مذ رأيناهُ رأينا ماجداً / وعرفناهُ عرفنا الكرما
فهو كالغيث إذا الغيث همى / وهو كالبحر إذا البحر طمى
باسطٌ للجود منه راحَةً / ساجَلَتْ يومَ العطاءِ الدِّيما
أشرف العالم أُمًّا وأَباً / ثمَّ أوفاهم وأندى كرما
هو من أشرفِ قومٍ نسباً / خير من تلقاه فيهم منعما
سيِّد إنْ يعتزِ أم ينتمِ / فإلى خير النبيِّين انتمى
لودَعيٌّ لم تدع آراؤه / من أُمور الرأي أمراً مبهما
قسماً بالفخر في عليائه / أوَتبغي فوق هذا قسما
إنَّه للفَردُ في أقرانه / كانَ والمجد تليد التوأما
سالكٌ ما سلكتْ آباؤه / بمعاليه السبيلَ الأَقوما
نَشَرَتْ أَيمانُه ما ملكت / لنظام الحمد حتَّى نظما
أنا في مدحي له خادمه / إنَّ مَن يخدم علاه خدما
وقليلٌ ولو أنِّي ناظم / لعلاه في القريض الأَنجما
شِيَمٌ ممدوحة في ذاته / فتأَمَّل فيه تلك الشِّيما
فتراه للندى حينئذٍ / مُسْبَغاً في كلِّ يومٍ نعما
هو ترياق من الدهر الَّذي / كانَ في اللأواء صِلاًّ صَيْلما
فإذا ما حارَبَتْ أيَّامه / حادث الأيام ألقى السلما
نتَّقي ما نتَّقي من بأسه / وإذ أقْدَمَ خطبٌ أحجما
لا بلغتُ إرباً إنْ لم أكنْ / ناقلاً إلاَّ إليه قدما
إنَّما البصرة في أيَّامه / أبْصَرَتْ أعيُنُها بعدَ العَمى
جعل الله لها في ظلِّه / خيرَ ظلٍّ منه بل خير حمى
مكرماً من أَمَّهُ مسترفداً / راحماً من جاءهُ مسترحما
فجزاه الله عنها خير ما / جُوزي المنعم عمَّا أنعما
سَكبَ الدَّمع لها فانسَكبا
سَكبَ الدَّمع لها فانسَكبا / وقَضى من حَقِّها ما وجبا
أرْبعٌ لولا تباريحُ الهوى / ما جرى دَمعُك فيها صَبَبا
وجَدت فيها السوافي مَلْعَباً / للنّوى فاتَّخَذتْها ملعبا
ما لقينا بوقوف الرّكب في / ساحةِ النّعمان إلاَّ نصبا
ذكر الصبُّ وهل ينسى بها / زمنَ اللَّهو وأيَّام الصّبا
يا رعى الله بها لي قمراً / مُشرِقَ الطلعة لمنْ غربا
أمنًى للنَّفس في أهل مِنًى / وقباب الحيّ في وادي قبا
فلقد كنتُ وكانتْ فتيةٌ / أنجمَ الأُفق وأزهار الرُّبى
ذهب الدهر بهم فامتزجَت / فضَّة الأدمع فيهم ذهبا
يا خَليليَّ وهلاّ شِمْتُما / بارقاً لاحَ لعيني وخبا
فتوارى كفؤادي لهباً / ثمَّ أورى زنده والتهبا
لَعِبَ الشَّوق بأحشائي وما / جَدَّ جِدُّ الوَجْد حتَّى لعبا
فانشدنّ لي في الحمى قلباً فقد / ضاعَ منِّي في الحمى أو غُصِبا
نظرت عيناي أسرابَ المها / نظرةً كانت لحَيْني سببا
يوم أصْبَتْنا إلى دين الهوى / فتَعَلَّلْنا بأرواح الصَّبا
وعدونا زورة الطَّيف أما / آنَ ميعادهُم واقتربا
أربُ النَّفس وحاجات امرئٍ / ما قضى منهم لعمري أربا
قَضَتِ الأَيَّام فيما بيننا / إنَّنا لم نلقَ يوماً طربا
وَهَبَ الدَّهر لنا لذَّته / واستردَّ الدهر ما قد وهبا
ومنعنا من أفاويق الطّلا / منهلاً كانَ لنا مستعذبا
فحدا الحادي لسقيا عهدكم / عارضاً إنْ ساقه البرق كبا
مقلةُ الوالع يذري دمعَها / وبكى القطر لها وانتحبا
أمر القلب بصبرٍ فقضى / ودعا الصَّبرَ إليها فأبى
قلَّما يُدعى فيقضي حاجةً / وإذا ما انتدبوه انتدبا
واللَّيالي فَلَكٌ يظهر في / كلِّ يومٍ عجباً مستغربا
وكآفاق العُلى ما أطْلَعَتْ / كشهاب الدِّين فينا كوكبا
فتأمَّل في معاني ذاته / وتفكَّر فتَحدَّثْ عجبا
هيبة لله في مطلعه / ملأت قلب الأَعادي رعبا
يُرْتجى جوداً ويُخشى سطوة / رغباً يُرجى ويخشى رهبا
عالم الدُّنيا وناهيك به / لا يشوبُ العلم إلاَّ أدبا
معربٌ عن فكره الثاقب إنْ / زفَّ أبكار المعاني عُرُبا
كم تجلَّتْ فَجَلَتْ أفكاره / عن سنا كلّ عويص غيهبا
فأرَتْنا الحقّ يبدو واضحاً / بعد أن قاربَ يحتجبا
بلسان يفصِلُ الأَمر به / كشبا الصَّمصام أو أمضى شبا
فخُذِ اللؤلؤَ من ألفاظِهِ / واجْتَني إن شِئْتَ منها ضَرَبا
وفكاهات إذا أوْرَدَها / نُظِمَتْ فوق الحميَّا حببا
وكمالات له معجزة / وأحاديثاً رواها نخبا
أين من أقلامه سُمُرُ القنا / أين من همَّته بيض الظبا
وكلام راقَ في السَّمع كما / يروقُ العينَ فيما كتبا
عَلَويٌّ من أعالي هاشم / هاشم الجود ويكفي نسبا
صاغه الله لقوم أرباً / ولقومٍ حَسَدوه عطبا
لا يزال الدهر يعلو جدّه / مرتقيها في المعالي رتبا
فإذا بُوحِثَ بالجدّ علا / وإذا غولبَ فيه غَلَبا
أبلجٌ تحسبه بدرَ الدُّجى / أو بأضواءِ الصَّباح انتقبا
ديمةٌ منهلَّة ما شمْتُ في / بارق الآمال منها خلَّبا
ولئنْ أصْبَحَ روضي ممحلاً / فكم اخضرَّ به واعشوشبا
يهنِكَ العيدُ فخذْ من لائذ / بِكم ما كنتُ له مستوجبا
شاكراً منك على العيدِ يداً / لم أُفاخر بسواها السُّحبا
فتفضَّل يا ابن بنت المصطفى / أشرف العالم أُمًّا وأبا
مَنْ مُجيري من فؤادٍ كلَّما
مَنْ مُجيري من فؤادٍ كلَّما / اتَّقد البَرْقُ اليماني اتقَدا
كادَ لولا أدمُعي تحرِقُه / زفرةُ الوجدِ بما قد وجدا
عَرَفَ القلب يد العين بها / إنَّ للعينِ على القلبِ يدا
لا أبيتُ اللَّيلَ إلاَّ راعياً / أنجُماً سارتْ على غير حَدا
طال ليلُ الصّبّ حتَّى خِلْتُه / جُعِلَ الليلُ عليه سرمدا
وتحرّوا رشداً عُذَّالُه / ولعَمري ما تحرّوا رشدا
بي حبيبٌ أنا ألقى في الهوى / منه ما ألقاه من كيد العِدى
تطلبُ السُّلوان إلاَّ إنَّ لي / لوعةً قامتْ وصبراً قعدا
ما رمى الرَّامي فؤادي خطأً / منه في الحبِّ ولكن قصدا
يا رعى عهد الهوى إنَّ الهوى / جارَ بالحكمِ عليه واعتدى
خشية الواشين صبٌّ لم يزلْ / يُظهِرُ الدَّمع ويخفي الكمدا
أترى أحبابنا يوم التقى / وجدوا من لوعةٍ ما وجدا
قد وَقَفْنا بعدَهم في ربعِهِم / فبكَيْنا الدَّمع حتَّى نفدا
ثمَّ لمَّا نفد الدَّمع على / طَلَل الربع بكيْنا الجَلَدا
طَرَقَتْ أَسماءُ في جُنْح الظَّلام
طَرَقَتْ أَسماءُ في جُنْح الظَّلام / مَرْحباً بالغُصْنِ والبَدر التَّمامِ
وتحرَّت فرصةً تمكنها / حذر الواشي فزارت في المقام
بتُّ منها والهوى يجْمَعُنا / باعتناق والتثام والتزام
مستفيداً رشَفَاتٍ من فمٍ / لم تكنْ توجد إلاَّ في المنام
حبَّذا طيفُ حبيبٍ زارني / والضيا يعثر في ذيل الظَّلام
باتَ حتَّى كَشَفَ الفجرُ الدُّجى / وبدا الصُّبحُ لنا بادي اللثام
ونَظَرْنا فرأَينا كَرَّةً / لبني سامٍ على أَبناءِ حام
يصرَعُ الزّقَّ ويُدمي نحْرَهُ / ويروِّيني بجامٍ بعد جام
بات يهدي بارد الرِّيق إلى / كبِدٍ حرَّى وقلب مستهام
بابليّ اللّحظ معسول اللّمى / ليّن الأَعطاف ممشوق القوام
وترشَّفتُ شذًى من مرشف / عنبريّ الطيب مسكيّ الختام
أنا بالسّفح وما أَدراك ما / كانَ بالسّفحِ وفي تلك الخيام
زمنٌ مرَّ لنا في ظلِّه / يرقُصُ البان لتغريد الحمام
والندامى مثل أزهار الرُّبا / يُجتَنى من لفظها زَهْرُ الكلام
والظِّباء العُفْرُ من آرامها / ما بعينها بجسمي من سقام
سَنَحَتْ أَسرابها قانصةً / ورماني من ظباء الغيد رام
طاعنات بقدودٍ من قناً / راميات من لحاظٍ بسهام
حَدَّثَ الرّكبُ عنها وهَلْ يخفى الهوى / عن ولوعي بالتَّصابي وغرامي
حين ألفاني وألفى مهجتي / في ضِرامٍ ودموعي بانسجام
يا خليليَّ اكْفُفا لوْمَكُما / واذهبا عنِّي ومرَّا بسلام
فلقد أعطَيْتُ من دُنكما / طاعةَ الحبّ وعصيانَ الملام
أينَ حيٌّ بالفضا نعهَدُه / صُدعُوا بعد التئام والتيام
لا جزى الله بخيرٍ أينقاً / قَذَفَتْها بالنَّوى أيدي المرامي
كلَّما أسمَعَها الحادي الحدا / أجْفَلَتْ بالسَّير إجفال النعام
ذهبت يا سعدُ أيَّام الصبا / ومَضَتْ بعد وِصالٍ بانصرام
وصحا من سَكرةٍ ذو نشوة / لا يسوغُ الماءَ إلاَّ بالمدام
لا أذُمُّ الشَّيْبَ ينهاني به / وَرَعي حين بدا عن كلّ ذام
وبمَدْحي واليَ البصرة قد / راقَ بالصِّدق نثاري ونظامي
وثناءً طيِّباً ننشره / بالمنيب العادل القرم الهمام
أَلبَسَ النَّاسَ وَقاراً حكمُهُ / فهي من أَبهى وقار واحتشام
ما رأى البصرة من إنصافه / إذ أَتاها غيرَ أَطلال رمام
فسعى بالجهد في تعميرها / سَعْيَ من يبلُغُ غايات المرام
لا تشيمُ البرقَ منه خلباً / لا ولا تسأَل وبلاً من جهام
فعسى أن يُنْجزَ الله به / عَدةَ اللُّطْف لخاص ولعام
فرع سادات المعالي في العُلى / عَلَويُّ الأَصل عُلْويُّ المقام
كَرُمَتْ أعراقُه في ذاتها / وكِرامُ النَّاس أَناءُ الكرام
من أُناسٍ خُلقوا مُذْ خلقوا / سادةَ الدُّنيا وأَشراف الأَنام
تنقضي أيَّامه موصولةٌ / بصلاتٍ وصَلاةٍ وصيام
وإذا ما اضطرمتْ نارُ وغًى / يصطفي منها أشدَّ الاضطرام
وإذا استلَّ ظُباً أَغْمدها / ثَمَّ في قمَّة مقدام وهام
وعلى منبَرِ هامات العدى / خطبت بالحتف والموت الزُّؤام
بطلٌ يفتك في آرائه / غير ما يفتك في حدِّ الحسام
كم وكم أَدْمَتْ بقومٍ مهجةً / هذه أَقلامه السُّمر الدَّوامي
ما جرتْ إلاَّ بمجرى قدر / بحياةٍ لأُناسٍ وحِمام
كم له من كلماتٍ في النهى / نبَّهت للرُّشد أبصار النيام
قرَّت البصرة عيناً بالَّذي / حلَّ بالبصرة بالشَّهر الحرام
كلّ دارٍ حلَّ فيها ابتهجتْ / وحَلَتْ حينئذٍ دار السَّلام
فسقاها من نداهُ عارضٌ / مستطيرُ البرق منهلُّ الركام
وحماها بمواضيه ولا / خيرَ بالملك يُرى من غير حام
أصبَحَتْ آثار أَيديه بها / مثلما تُصبِحُ آثار الغمام
حَسُنَتْ أحوالها وانتظمتْ / لو تراها بعد هذا الانتظام
رَدَّ بالسَّيف بغاةٍ جَمَحَتْ / رَدَّك المُهرَ جَموحاً باللِّجام
وقضى بالعدل فيما بينها / فمضتْ في غيِّها لدُّ الخصام
واليدُ الطولى له من قبلها / أَخَذَتْ من كلّ آبٍ بزمام
عِمْ صباحاً أيُّها المولى ودُمْ / وابقَ واسلمْ والياً في كلّ عام
إسْألِ الأرْسُمَ لو ردَّت جوابا
إسْألِ الأرْسُمَ لو ردَّت جوابا / وَوَعَتْ للمغرَم العاني خطابا
عَرصاتٌ يَقِفُ الصبّ بها / ينفدُ الدَّمع ذهاباً وإيابا
عاتب الدهر على إقوائها / إنَّ للحرّ مع الدهر عتابا
ما رعت فيها الليالي ذمّةً / وكستها من دياجيها نقابا
فسقتها عبرة مهراقة / كالسحاب الجون سحاً وانسكابا
كلَّما أسبلها مُسبِلُها / روت الأغوار منها والهضابا
لا قضت عيناي فيها واجباً / إن تكن عيناي تستجدي السحابا
وقف الركب على أفنائها / وقفة الأميّ يستقري الكتابا
منكراً من أرسُمٍ معرفة / لبست للبين حزناً واكتئابا
لأريننَّكُما وَجدي بها / ما أرَتْني الدار إلاَّ ما أرابا
ليت شعري هذه أطلالهم / أيّ رامٍ قد رماها فأصابا
وبكتها البُدن لكن بدم / فحسبنا أدمع البدن خضابا
وردت منهلها مستعذباً / وأراها بُدِّلَتْ منه عذابا
أينَ منها أوجهٌ مشرقة / ملكت من كامل الحسن نصابا
ولكم كانَ لنا من قمرٍ / في مغاني ذلك الربع فغابا
وأويقات سرور جمعت / لذة الكأس وسلمى والربابا
زمن ما إن ذكرناه لِمَنْ / فاته عهد الصّبا ألا تصابى
ظنَّ أن أسلوكم اللاّحي بكم / كذب الظنّ من اللاّحي وخابا
وتَصامَمْتُ عن العاذل إذ / قال لي صبراً وما قال صوابا
ما عليكم لو دَنَوْتُم من شجٍ / في هواكم دنفٍ شبّ وشابا
أنا أغنى النَّاس إلاَّ عنكمُ / فامنحوا النأي دنوًّا واقترابا
ما رجائي أملاً من فئة / زجر الحظ بهم منهم غرابا
كيف أستمطرُ جدوى سحبٍ / عقدوها بالمواعيد ضبابا
أوَيُغريني وميضٌ خُلَّبٌ / وشراب لم يكن إلاَّ سرابا
ما عرفت النَّاس إلاَّ بعدما / ذقت من أعوادهم شهداً وصابا
إنْ تعالَتْ في المعالي سادة / فعليُّ القدر أعلاها جنابا
سيّد يطلع كالبدر ومن / فكره يوقِد بالرأي شهابا
أريحيٌّ لم يزل متخذاً / دأبَ المعروف والإحسان دابا
ويثيب النَّاس جوداً وندىً / وهو لا يرجو من النَّاس ثوابا
فإذا استُسقِيَ وافى غيثه / ومتى يدعو إلى الحسنى أجابا
فإذا ما سمع الذكر اتّقى / وإذا ما ذُكر الله أنابا
من عرانين علىً قد نزلوا / من بيوت المجد أفناءً رحابا
ما بهم عيب خلا أنَّهم / يَجِدون البخل والإمساك عابا
غرست أيديهم غرس الندى / فاجتنب من ثمر الشكر لبابا
سحبت ذيل افتخار أمةٌ / لبسوا التقوى بروداً وثيابا
وأعدُّوا للعلى سمر القنا / والرقاق البيض والخيل العرابا
ينزل الوحيُ على أبياتهم / فاسأل الآيات عنهم والكتابا
عروة الوثقى ومنهاجِ الهدى / كشفوا عن أوجهِ الحقّ حجابا
إنَّ هذا فرعُهم من أصلهم / طاب ذاك العنصر الزاكي فطابا
هاشميٌّ علويٌّ ضاربٌ / في أعالي قُلل الفخر قبابا
ضاحكُ الثَّغر إذا ما خُطَبٌ / كَشَّرتْ عن مُدْلَهمِّ الخطب نابا
قد تأمَّلناك من بين الورى / فرأينا عَجَباً منك عجابا
يا مهاب البأس مرجوّ الندى / لا تزال الدهر مرجوًّا مهابا
طوَّقَتني منك أيديك وما / طوَّقَتْ إلاَّ أياديك الرقابا
وأرَتْني كيف ينثال الغنى / والغنى أعيا على النَّاس طلابا
كلّما أغلق بابي دونه / فتحت لي يدك البيضاء بابا
أرْخَصَتْ لي كلَّ غالٍ فكأنْ / وَجَدتْ في جودها التبر ترابا
فاهن بالعيد وفُز في آجر ما / صُمْتَه لله أجراً وثوابا
فجزاك الله عنّا خيره / وجزَيْناك الدعاءَ المستجابا
كادَ أنْ يَقضي سَقاماً ونحولا
كادَ أنْ يَقضي سَقاماً ونحولا / إذ عصى في طاعة الحبّ العذولا
دنفٌ لولا هواكم ما شكا / كَبداً حرَّى ولا جسماً نحيلا
علم العاذل ما لاقى بكم / يوم أَزْمَعْتُم وإنْ كانَ جهولا
من صباباتٍ أَذابَتْه أسًى / وغرام أَهرَقَ الدَّمع همولا
وصبابات الهوى قد سَوَّلَتْ / لدموعي في جفاكم أن تسيلا
لا أرى الصَّبر جميلاً عنكم / ومحال أن أرى الصبر جميلا
قد ذكرناكم على شحط النوى / فانثنينا عند ذاك الذكر ميلا
يا لها ذكرىٍ أهاجت لوعة / أخَذَتْ منِّي الحشا أخذاً وبيلا
هبَّتِ الإرواح من أحيائكم / فانتشقناها شمالاً وقبولا
فكأنَّا بالصّبا حينئذٍ / قد شربناها من الراح شمولا
يا رفيقيّ وهل من مُسْعدٍ / لعليل يشتكي طرفاً عليلا
بلّ كُميّه من الدَّمع وما / بلّ من أحشائه الدَّمع غليلا
لامني العاذل جهلاً بالهوى / وغدا الناصر في الحبّ خذولا
أنا لولا شغفي فيكم لما / وَجَدَ الّلاحي إلى العذل سبيلا
ما على اللاّئم من مستغرم / يعشق السالف والخدَّ الأسيلا
راح يُلقي لقيَ السُّوءِ على / مَسْمَعي في عذله قولاً ثقيلا
ليتني قبل الهوى لم أتّخِذْ / ساحر الطرف من السرب خليلا
لست أدري إذ رَنَتْ ألحاظهم / ألِحاظاً أرْهَفوها أم نصولا
ظعن الحيُّ وأضحى حبُّهم / يسأل الأرْسُمَ عنهم والطلولا
ليت شعري أين سارت عيسُهم / تقطعُ البيداء وَخْداً وذميلا
ويعاني ما يعاني بعدَهُم / زفرةَ الأشواق والحزنَ الطويلا
ساهرُ المقلة في الوجد فما / يطعم الغمض به إلاَّ قليلا
أمَروا بالصبر عنهم ولكم / لُذْتُ بالصَّبر فما أغنى فتيلا
صاحبي أَنت خبيرٌ بالهوى / أترى مثل الهوى داءً قتولا
عارضٌ منن عَبرة أهرقْتُها / روَّضَتْ رَوْضَ جوىً كانَ محيلا
إن أردْتُم راحة الروح بكم / فابعثوا الريح إلى روحي سبيلا
وأعِدْها مرَّةً ثانيةً / يا نسيماً هيّج الوجد بليلا
عَلِمَ الله بأنِّي شاعر / لم أقل زوراً ولم أمْدَحْ بخيلا
قد كفاني الله في ألطافه / بأبي عيسى نوالاً ومنيلا
بالزكيِّ الطاهر الشَّهْمِ الَّذي / طابَ في النَّاس فروعاً وأُصولا
من يُنيلُ النَّيْل من إحسانه / والعطاءُ الجمَّ والمال الجزيلا
وإذا ما لفحت هاجرةٌ / كانَ من رمضائها ظلاًّ ظليلا
واضح الفخر ومن هذا الَّذي / يبتغي يوماً على الشَّمس دليلا
من فتىً فيه وفي آبائه / كلّ ما قد قيل في الأنجاب قيلا
أنْجَبُ العالم أمًّا وأباً / وأعزُّ النَّاس في النَّاس قبيلا
إنَّما آل جميل غُرَّةٌ / أُلْهِموا المعروف والفعلَ الجميلا
وَرِثوها عن أبيهم شيَماً / تبلُغ العلياء والمجد الأثيلا
قد أحَلَّتْهم نفوسٌ شَرُفَتْ / بمكان الأنجم الزهر حلولا
قل لمن يزعم أن يُشْبِهَهُم / لم تَنَلْ بالزعم شيئاً مستحيلا
وبروحي من يهين المال في / جوده الوافي ومن يحمي النزيلا
وإذا ما هزّه مستنجدٌ / بعُلاهُ هزَّه عضباً صقيلا
طاول الشمّ الرواسي في العلى / وجديرٌ في علاه أن يطولا
وإذا ما سُئِل الفضل اغتدى / مُبلِغاً من كلّ من يًسألُ سولا
لم أزل حتَّى أوارى في الثرى / مقصراً فيهم ثنائي ومطيلا
أورِثوها كابراً عن كابرٍ / مكرُماتٍ لم تزل جيلاً فجيلا
نَجَموا بعد أبيهم أنجماً / لا أراهم بعد إشراقٍ أُفولا
خَلَفٌ عن سالفٍ أخْلَفَهُم / للندى بحراً وللوفد مقيلا
كلُّ فردٍ يلبس الدهر به / غرراً تُشْرِقُ فيه وحجولا
مظهرٌ من صنعه منقبة / حيَّر الأفكار فيها والعقولا
أبدعوا في مكرماتٍ منهم / فَعَلت آياتُها فيهم فصولا
سَلْهم الفضل فهم أهل له / وسواهم يحسب الفضل فضولا
وارتقت أنواءهم ممطرةً / لا ندىً نزراً ولا وعداً مطولا
ضَمِنَتْ آمالُنا إحسانهم / وتضمَّنْ ولا ريب الحصولا
يا بني عبد الغنيّ العزّ لي / في معاليكم وما كنتُ ذليلا
كُلَّما ألْبَسْتُ شعري مدحكم / سحبَ الشعر من الفخر ذيولا
قام يجلوها وبُرْدُ اللَّيل مُعْلَمْ
قام يجلوها وبُرْدُ اللَّيل مُعْلَمْ / خمرةً ما اجتمعت معَ الهَمْ
فهي تِبْرٌ في لجين ذائبٍ / أو كنارٍ في فؤاد الماء تُضرم
نظم المزج عليها حَبَباً / رَصَّعَ الياقوتَ بالدرّ المنظّم
عجباً للشَّرب أنَّى قطّبت / أوجهاً من شرب راحٍ تتبسَّم
مُرَّةٍ يحلو بها العيش وفي / مثلها قد يُحمد الدَّهر المذمّم
من رأى يا قوم منكم قبلها / قبل هذا أَنَّ نوراً يتجسّم
فهي سرٌّ منعت سرّ الضيا / في ضمير اللَّيل من أن يتكتّم
قَدُمت في عصرها حتَّى لقد / أَوْشَكَتْ تخبرنا عمَّا تقدّم
ما ألذَّ الرَّاح يسقاها امرؤٌ / من أيادي مُنْية القلب المتيَّم
كقضيب البان أنَّى ينثني / ذو قوام يشبه الرّمح المقوَّم
أشرق البدر علينا وجهه / فعرَفْنا منه أنَّ البدرَ قد تم
بابليُّ اللَّحظ حلويُّ اللّمى / غير أنِّي في هواه أتألَّم
مالكٌ ما رقَّ للصّبّ ومن / عادة المالك أن يرثو ويرحم
ظالمي في الحبّ عدلٌ فاعجبوا / يا لقومي من ظلومٍ يتظلّم
عاطنيها يا نديمي قهوةً / تَخْضِبُ الأَقداح بالصّبغ المُعَنْدَم
وانتَهِبْها فرصةً ممكنة / قبل أن تمضي سدًى أو تتندّم
في رياضٍ قرن البشر بها / فغَدَتْ تقرن ديناراً بدرهم
واعصِ من لامك فيها طائعاً / لذَّة النَّفس فأُنسُ النَّفس ألزم
أترى مستعظم الوِزْر بها / ليس يدري أنَّ عفو الله أعظم
أنْعَمُ العيشة ما قضَّيتها / مع مليحٍ جادلَ بالوصلِ وأنعم
فتعاطاها إلى أن ينجلي / من أسارير الدُّجى ما كانَ أظلم
فترى للصُّبح في إثْر الدُّجى / صارماً من شفق يلطخ بالدم
أو فكانا كجوادي حلبةٍ / راح يتلو أشقرٌ آثار أدهم
رفعَ الفجرُ لنا رايتُه / وتولَّى اللَّيل بالجيش العرمرم
يا لها من ليلةٍ في جنحها / حلّل اللَّهو بها كلّ محرَّم
رقَص البانُ لها من طربٍ / وتثنَّى لحمام يترنَّم
نطقَ العودُ بأسرار الهوى / فسكتنا والأَغاني تتكلَّم
فحسبناها لما قد أطربتْ / أفصحت في مدح عبد القادر القرم
لم تزل منَّا إلى حضرتِه / مِدَحٌ تجبى ومال يتقسّم
حكَّم العافين في أمواله / وهي فيما تشتهيه تتحكّم
هكذا كانَ وما زال كذا / إنَّها شِنْشِنَة من عهد أخزم
لو نظرنا رقَّةً في طبعه / لحسبناهُ نسيماً يتنسّم
فهو مثل الرَّوض وافاه الحيا / رائقَ المنظَر زاهٍ عطر الشّم
لم ترق عيني سوى طلعته / أنا فيها لم أزلْ أنجو من الغم
بيَّضتْ وجهَ المُنى أقلامُه / إنْ يكنْ وجه المُنى أسودَ أسْحم
وَسَطَتْ في الخصم حتَّى أنَّها / فتَكَتْ فتكَ القنا في مهجة الخصم
ملهمٌ يعلم ما يأتي من الأَ / مرِ إنْ شاءَ وبعض النَّاس ملهم
ذاك واري الزّند مغوار النهى / إنْ رمى أصمى وإنْ جاد لأفحم
وإذا أَبهم أمرٌ في العُلى / كشفَتْ آراؤه عن كلِّ مبهم
طار في الأُفق لك الصِّيت الَّذي / كلَّما أنْجَدَ في الأَقطار أتْهم
أَنت والغيث جوادا حلبةٍ / مثلما أَنت مع العلياء توأَم
كم ورَدْنا منكَ عذباً سائِغاً / كالحيا المنهلّ بل أَمرى وأَسجم
وبلغنا من أياديك المنى / فيميناً إنَّ يُمناكَ لكاليم
بأبي أَنت وأُمي ماجداً / وملاذاً في معاليه لمنْ أَم
إنْ ذكرنا فضلَ أرباب النَّدى / كنتَ رأس الكل والرَّأس مقدم
أَنت والله لأندى من حياً / مستهلّ القطر بالجود وأَكرم
أَرغم الله أعاديك بما / يجدع الأَنف به جدعاً ويرغم
وفداك القوم أمَّا كفُّهم / فجمادٌ ونداهم فمحرَّم
وكفاك الله أسواء امرئٍ / ضاحكٌ يُكشر عن أنياب أَرقم
وإليك اليومَ منِّي مِدَحاً / أيُّها المولى وحوشِيتَ من الذَّم
فلسان الحال منِّي مفصحٌ / إنْ يكنْ منِّي لسان القال أَبكم
أنا في مدحك ما بين الورى / أفصَح النَّاس وإنْ لم أتكلَّم
خدم العبد علاكم شعره / أَنت في أمثاله ما زلتَ تُخدم
شاكراً مولاي إحسانك بي / إنَّ إحسانكَ يا مولاي قد عم
إنْ تَفَضَّلتَ على الدَّاعي لكم / بقبولٍ فتفضَّل وتكرَّم
أسأَل الله لعلياك البقا / فابقَ في العزِّ مدى الأَيَّام واسلم

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025