القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : السّيد حَيْدَر الحِلّي الكل
المجموع : 13
أيُّ بُشرى كست الدُنيا بَهاءا
أيُّ بُشرى كست الدُنيا بَهاءا / قُم فهنّي الأرض فيها والسماءا
طَبَّقَ الأرجاءَ منها أرجٌ / عطَّرت نفحةُ ريَّاه الفضاءا
بعثةٌ أعلَنَ جبريلُ بها / قبل ذا في الملأ الأعلى النداءا
قائلاً قد بُعِث النورُ الذي / ليس يخشى أبدَ الدهرِ انطفاءا
فهنيئاً فُتِحَ الخيرُ بمن / ختَم الرحمنُ فيه الأَنبياءا
وأتى أكرمُ مبعوثٍ قد اخ / تارهُ اللهُ انتجاباً واصطفاءا
سيّدُ الرسلِ جميعاً أحمدٌ / مَن بعلياهُ أتى الذكر ثناءا
مبعثٌ قد وَلَدته ليلةٌ / للورى ظلماؤها كانت ضياءا
بُوركت من ليلةٍ في صُبحها / كَشف الله عن الحقِّ الغطاءا
خلع اللهُ عليها نضرةً / راقت العالَم زهواً واجتلاءا
كلما مرَّت حلت في مرِّها / راحةُ الأفراحِ رشفاً وانتشاءا
واستهلَّ الدهرُ يُثني مُطرباً / عطفَ نشوانٍ ويختالُ ازدهاءا
فلتهنِّ الملةُ الغرَّاءُ مَن / أَحكمَ اللهُ به منها البناءا
ولتُباهِل فيه أعداءَ الهدى / ولتباهِ اليومَ فيه العلماءا
ذو محيًّا فيه تُستَسقى السما / وبنانٍ علَّم الجودَ السماءا
رقَّ بشراً وجههُ حتى لقد / كاد أن يقطرَ منه البشرُ ماءا
فعلى نورِ الهدى من وجهه / وجدَ الناسُ إلى الرشد اهتداءا
فهو ظلُّ اللهِ في الأَرضِ على / فئةِ الحقِّ بلطف اللهِ فاءا
فكفى هاشم فخراً أنَّها / وَلدته لمزاياها وِعاءا
فلها اليومَ انتهى الفخرُ به / وله الفخرُ ابتداءاً وانتهاءا
سادَ أهلَ الدينِ علماً وتقًى / وصلاحاً وعفافاً وإباءا
زانَ سامرّا وكانت عاطلاً / تتشكّى من محلّيها الجفاءا
وغدت أفناؤها آنسةً / وهي كانت أوحشَ الأرضِ فناءا
حيِّ فيها المرقدَ الأسنى وقل / زادك اللهُ بهاءً وسناءا
إنما أنت فِراشٌ للأُلى / جعل اللهُ السما فيهم بناءا
ما حوت أبراجُها من شُهبها / كوجوهٍ فيك فاقتها بهاءا
قد توارت فيك أقمارُ هدًى / ودَّت الشمسُ لها تغدو فداءا
أبداً تزدادُ في العليا سنًى / وظهوراً كلَّما زيدت خفاءا
ثم نادي القبةَ العليا وقل / طاوِلي يا قبةَ الهادي السماءا
بمعالي العسكريين اشمخي / وعلى أفلاكها زِيدي عَلاءا
واغلبي زهرَ الدراري في السنا / فبك العالمُ لا فيها أضاءا
خطَّكِ اللهُ تعالى دارةً / لذُكائي شرفٍ فاقا ذُكاءا
وبنا عرّج على تلكَ التي / أودعتنا عندَها الغيبةُ داءا
حجب اللهُ بها الداعي الذي / هو للأعينِ قد كان الضياءا
وبها الأملاكُ في ألطافه / للورى تهبطُ صبحاً ومساءا
قف وقل عن مهجةٍ ذائبةٍ / ومن العينينِ فانضجها دماءا
يا إمامَ العصرِ ما أقتلها / حسرةً كانت هي الداء العياءا
مَطلتنا البرءَ في تعليلها / وسوى مرءاكَ لا نَلقى شفاءا
برئت ذمّةُ جبارِ السما / من أُناسٍ منك قد أضحوا بُراءا
فمتى تَبردُ أحشاءٌ لنا / كِدنَ بالأنفاسِ يُضرمن الهواءا
ونرى يا قائمَ الحقِّ انتضت / سيفَها منك يدُ الله انتضاءا
أفهل نبقى كما تُبصرُنا / نُنفِذ الأيامَ والصبر رَجاءا
لا رأى الرحمةَ من قال رياءا / قلَّت الروحُ لمولاها فداءا
منيَّ القصدُ وتحقيقُ الرجاءِ
منيَّ القصدُ وتحقيقُ الرجاءِ / من سليلي آل طاها الأصفياءِ
لا أرى يُجبهُ بالردِّ امرؤٌ / قارِعاً للهِ باباً للدعاءِ
فرجائي كيف يغدو خائباً / عند بابينِ لجبَّارِ السماءِ
عَثرَ الدهرُ ويرجو أن يُقالا
عَثرَ الدهرُ ويرجو أن يُقالا / تَرِبت كفُّك من راجٍ محالا
أيّ عذرٍ لكَ في عاصفةٍ / نسفت مَن لكَ قد كانوا الجبالا
فتراجع وتنصّل ندماً / أو تخادع واطلبِ المكرَ احتيالا
أنزوعاً بعد ما جئتَ بها / تنزعُ الأكبادَ بالوجدِ اشتعالا
قتلت عُذرك إذ أنزلتَها / بالذرى من هاشم تدعو نِزالا
فرّغ الكفَّ فلا أدرى لِمن / في جفير الغدر تستبقي النبالا
نِلتَ ما نِلتَ فدع كلَّ الورى / عنك أو فاذهب بمن شئت اغتيالا
إنَّما أطلقتَ غرباً من رَدًى / فيه ألحقتَ بيُمناك الشمالا
قد تراجعت وعندي شَرَعٌ / شِيماً تلبسُها حالاً فحالا
وتجمّلت ولكن هذه / سَلبت وجهكَ لو تدري الجمالا
لا أقالتني المقاديرُ إذا / كنتُ ممَّن لكَ يا دهرُ أقالا
أزلالَ العفوِ تبغي وعلى / أهل حوضِ اللهِ حرّمتَ الزَلالا
المطاعين إذا شبَّت وغًى / والمطاعيمُ إذا هبَّت شِمالا
والمحامينَ على أحسابهم / جُهدَ ما تحمي المغاويرُ الحِجالا
أُسرةُ الهيجاءِ أتراب الضُبا / خُلفاءُ السمر سَحباً واعتقالا
فهم الأطوادُ حلماً وحجًى / والضُبا والأُسد غرباً وصيالا
ولهم كلّ طموح لا يَرى / خدَّ جبَّارِ الوغى إلاَّ نِعالا
إن دُعوا خفُّوا إلى داعي الوغى / وإذا النادي احتبى كانوا ثِقالا
أهزلَ الأعمارَ منهم قولُهم / كلَّما جدَّ الوغى زيدي هُزالا
كلّ وطّاءٍ على شوكِ القنا / إثرَ مشاءٍ على الجمر اختيالا
وقفوا والموتَ في قارعةٍ / لو بها أُرسيَ ثهلانُ لمالا
فأبو إلاَّ اتصالاً بالضُبا / وعن الضيم من الروح انفصالا
أرخصوها للعوالي مُهجاً / قد شراها منهم اللهُ فغالى
نَسيت نفسيَ جسمي أو فلا / ذكرت إلاَّ عن الدنيا ارتحالا
حين تنسى أوجهاً من هاشم / ضمَّها التربُ هلالاً فهلالا
أفتديهم وبمن ذا أفتدي / أمن لهلاَّك الورى كانوا الثُمالا
عجباً مَن رِجلها ما قطعت / في طريق المجد من نعل قِبالا
وترت مَن كم على جمر الوغى / ألقت الأخمُص رجلاها صِيالا
عِترَةُ الوحي غدت في قتلها / حُرماتُ الله في الطفّ حلالا
قُتلت صبراً على مشرعةٍ / وجدت فيها الردى أصفى سِجالا
يوم آلت آلُ حربٍ لا شفت / حقدَها إن تركت لله آلا
يا حشا الدين ويا قلبَ الهدى / كابدا ما عشتما داءً عُضالا
تلك أبناءُ عليٍّ غُودرت / بدماها القومُ تستشفي ضَلالا
نسيت أبناءُ فهرٍ وِترَها / أم على ماذا أحالته اتكالا
فَمن الحاملُ عنِّي آيةً / لهم لو هزَّت الطودَ لزالا
أيُّها الراغبُ في تغليسةٍ / بأمونٍ قطُّ لم تشكُ الكلالا
إقتعدها وأقم من صدرها / حيثُ وفد البيت يُلقون الرحالا
واحتقبها من لساني نفثةً / ضرماً حوَّلها الغيظُ مقالا
وإذا أنديةُ الحيِّ بدت / تُشعرُ الهيبةَ حشداً واحتفالا
قف على البطحاء واهتُف ببني / شيبة الحمد وقل قوموا عِجالا
كم رضاع الضيم لا شبَّ لكم / ناشئٌ أو تجعلوا الموتَ فِصالا
كم وقوفُ الخيل لا كم نسِيت / علكَها اللجمِ ومجراها رعالا
كم قرار البيض في الغمد أما / آن أن تهتزَّ للضربِ انسلالا
كم تمنّون العوالي بالطُلى / أقتلُ الأدواءِ ما زاد مِطالا
فهلمُّوا بالمَذاكي شُربا / والضُبا بيضاً وبالسمر طوالا
حلَّ مالا تبرُك الإِبلُ على / مثله يوماً وَلو زِيدت عِقالا
طحنت أبناءُ حربٍ هامكم / برحى حربٍ لها كانوا الثفالا
وطأوا آنافكم في كربلا / وطأةً دكَّت على السهل الجبالا
قوِّموها أسلاً خَطيَّة / كقدود الغيد ليناً واعتدالا
واخطبوا طعناً بها عن ألسُنٍ / طالما أنشأت الموتَ ارتجالا
وانتضوها قُضباً هنديَّةً / بسوى الهاماتِ لا ترضى الصقالا
ومكانَ الحدِّ منها ركِّبوا / عزمَكم إن خِفتموا منها الكلالا
واعقدوه عارضاً من عِثيَرٍ / بالدم المهراق منحلّ العَزالى
وابعثوها مثلَ ذؤبان الغضا / لا ترى إلاَّ على الهام مجالا
وإلى الطفّ بها حرَّى فلا / بردَ أو تنسفَ هاتيك التِلالا
بطرادٍ تلدم الطفّ به / للأُلى منكم قضوا فيه قتالا
وطعانٍ يمطر السمرَ دماً / فوقها حيثُ دمُ الأشراف سالا
كم لكم من صِبيةٍ ما أُبدلت / ثَمَّ من حاضنةٍ إلاَّ رمالا
سل بحِجر الحرب ماذا رضعت / فثديُّ الحربِ قد كنَّ نصالا
رضعت من دمِها الموت فيا / لرضاعٍ عادَ بالرغم فِصالا
ونواع برزت من خدرها / تُلزمُ الأيديَ أكباداً وِجالا
كم على النعي لها من حنَّةٍ / كحنين النيبِ فارقن الفصالا
كبنات الدوح تبكي شجوَها / وغوادي الدمع تنهلّ انهلالا
حيّ طيفاً زارَ من سعدي لِماما
حيّ طيفاً زارَ من سعدي لِماما / لم يزوّد صبّها إلاَّ غراما
طارقاً ما أسأرت زورته / في حنايا أضلعي إلاَّ ضراما
هوّمَ الركب فحيَّا مضجعي / بعد لأيٍ مُهدياً عنها السلاما
وكما شاءَ الهوى علّلني / بحديثٍ بلَّ من قلبي الأُواما
زادني سُكراً إلى سكر الكرى / فكأَنِّي منه عاقرتُ مداما
كلَّما مثّل لي قامتها / زدتُه ضمًّا لصدري والتزاما
أو ثناياه لعيني وصفت / ثغرَها استشفيت فيهنَّ التثاما
لم أزل ألهو به حتَّى غدت / أنجمُ الشرق إلى الغرب تَرامى
فرغت من سهر الليل وأومت / بعيون آذنتنا أن تناما
يا لها من زورةٍ كاذبةٍ / أعقبت وجداً بقلبي واحتداما
عَجِلَ الصبَّ وقد هبَّ طروبا
عَجِلَ الصبَّ وقد هبَّ طروبا / فتعدَّى لتهانيك النسيبا
منكَ بدر المجد قَد ألهاه عن / رشأٍ زرَّ على البدر الجيوبا
بدر حسنٍ في دجًى من فرعه / ما أُحيلاهُ طلوعاً وغروبا
كم تصبَّى من أخي حُلمٍ وكم / من أخي لُبٍّ به جدَّ لعوبا
لستُ أدري إذ يعاطي كفُّه / خمرةً من لونها يبدو خضيبا
أَجلا لامعةً في كأسه / أم سنا وجنتهِ أبدى لهيبا
شادنٌ وفرته ريحانةٌ / نشرها ينفح للنُدمان طيبا
ما أدارَ الراحَ إلاَّ مثّلت / حول كسرى منه في الكأس ربيبا
لا تقل قطّب من سَورَتِها / مَن تعاطى رشفها كوباً فكوبا
بل رآه حول كسرى فاكتسى / وجهُه من سورة الغيظ قُطوبا
لك أخلاقٌ عدتني عن طِلاً / رشفها من فمه يحيي القلوبا
ولطبعٍ فيك من رقَّته / لي أنفاسُ الصَبا رقَّت هبوبا
عفتُ منه وجنةً رقَّت إلى / أن شكت من عقرب الصدغ دبيبا
يا نسيمَ الريح إنِّي لم أكن / لسواكَ اليومَ عنِّي مستنيبا
سر إلى البصرة واحمل عن فمي / كلماً أعبق من ريَّاك طيبا
إنَّ في منتدى ربِّ حجًى / أَحرزَ السؤددَ مُذ كان ربيبا
طف بعبد الله فيه إنَّه / كعبةٌ حطَّت من الدهر الذنوبا
واعتمد طلعتَه الغرَّا وقل / بوركت من طلعةٍ تجلو الكروبا
أيُّها الثاقب نوراً كلَّما / قصدوا إطفاءه زاد ثُقوبا
أخصبت ربعَك أنواءُ الهنا / فبنوء الجود لم يبرح خصيبا
خير ما استثمرته غصن عُلاً / لك أنماه النهى غضًّا رطيبا
قد نشا في حجر علياكَ التي / رضع السؤددَ منها لا الحليبا
ذاك عَبد الواحد المالئ في / عزّه قلبَ أعاديه وجيبا
شبلك المخدر في عِرِّيسةٍ / ترهب الليث ولو مرَّ غضوبا
اصطفى المجدُ له مُنجِبةً / واصطفى منه لها كفواً نجيبا
وعلى نسلهما من قبل أن / يلداه قيل بارك كي يطيبا
فلكَ البشرى بعرسٍ سعدُه / في محيَّا الدهر ما أبقى شحوبا
مسحت قلبَ العُلى فرحتُه / بيدٍ ما تركت فيه نُدوبا
قم فهنِّي المجدَ يا سعدُ بمن / مثله لم يصطف المجد حبيبا
وعن الحسَّاد لا تسأل وقل / مهجٌ لاقت من الوجد مذيبا
قد أبات القومَ في غيظهم / يتجافون على الجمر جنوبا
خطبوا مجدكَ يا مَن كم به / عنهم قد دفع الناسُ الخطوبا
وجروا خلفك للعَليا وكم / فُتَّ مطلوباً وأدركت طَلوبا
فاتهم منك ابن مجدٍ لم يزل / في العُلى أطولَهم باعاً رحيبا
أينَ من في الأرض ممَّن عقدت / بنواصي الشهب علياه الطنوبا
حسدت شهبُ الدراري وجهه / إذ له ما وجدت فيها ضريبا
وغدا الأُفق الذي زِينَ بها / يتمنَّى فيه عنها أن ينوبا
يا بني العصر دعوا ضَربكم / بقداحٍ قط لم تحرز نصيبا
فبأعشار العُلى فاز فتًى / كان كفَّاه المعلَّى والرقيبا
أروعٌ وقّر ناديه النهى / فبصر الدهر لم يبرح مَهيبا
ما النسيم الغضُّ يسري سحراً / مُنعشاً في بُردِ ريَّاه القلوبا
لكَ أذكى من سجاياه شذاً / فانتشق زهر المعالي مستطيبا
فلبسَّام العشيَّات فِدًى / أوجهٌ تدجو على الوفد قطيبا
ولرطب الكفّ في الجدب وقًى / كفُّ قومٍ جفَّ في الخصب جدوبا
شنَّجته علةُ البخل فلا / طبَّ أو يغدو له السيفُ طبيبا
أغربت أوصاف ذي مجدٍ حوى / من مزايا المجد ما كان غريبا
أين ما يسري سرى شوقُ الورى / فهو يقتاد الحشا منها جنيبا
وهو بحرٌ ولهذا فمه / يقذف اللؤلؤَ في النادي رطيبا
وهو الغيثُ وأجدر أن ترى / علّم الغيثَ نداه أن يصوبا
أين منه معدل الضيف إذا / لِقراه التمس المسنى المطيبا
وإذا ضرع الغوادي جفَّ في / شتوةٍ واغبرَّت الأرض جَدوبا
بسط الكفَّ بها ثم دعى / دونكم حافلةَ الضرع حلوبا
وغدا يطربُ إذ يسمعها / للقِرى هدَّارة الغلي غضوبا
رثّ بردُ الحمدِ لولا ملِكٌ / كلّ آن يلبسُ الفخرَ قشيبا
أطربَ المدحَ إليه أنَّه / فاتحٌ سمعاً إلى المدح طروبا
عربيّ الذوق يستحلي التي / من عَذارى الشعر جاءته عَروبا
خطب الأبكارَ مشغوفاً بها / فأقام الجودَ في الدنيا خطيبا
فهو عذريّ الهوى في عذرها / وهي من شوقٍ له تطوي السهوبا
أبداً تدعو له قائلةً / لا رأت شمسُ معاليكَ الغروبا
عثر الدهرُ فاستقال سريعا
عثر الدهرُ فاستقال سريعا / رُبَّ عبدٍ عصى فآب مطيعا
زلَّ لكنَّه تراجع لمَّا / ملأت هيبةً حشاه صدوعا
قرنَ الذنبَ بالإِنابةَ واستش / عرَ من عظم ما جناه الخشوعا
وتمنَّى وإن هو استدرك الهف / وةَ لو قبلها تردَّى صريعا
ورأى أنَّه أساءَ لرجلٍ / شرفاً بالرؤوس تُفدى جميعا
وإلى منكبٍ عليه استقلّت / قبةُ الدين لا به الدين ريعا
راحتا جبرئيل منه تلقَّت / منكبَ المصطفى تقية الصُدوعا
وترقَّى يبشر الملأ الأعلى / بمولًى عليه خافوا الوقوعا
يا عيوناً سهرتِ بالأمس قرِّي / أقبل اليوم مَن مَلاكِ هجوعا
وقلوباً رففتِ شوقاً إليه / لكِ وافى فلا تشقّي الضلوعا
قد أتى رافهاً بصحَّة جسمٍ / تركت قلبَ حاسديه وجيعا
وأتى الدهر تائباً وهو يدعو / مَن عذيري فقد أسأتُ الصنيعا
رافع الطرفِ نحو مَن لعُلاه / كسرت طرفَها الملوكُ خضوعا
وعلى كفِّه رأى الصيدَ تهوي / طلب اللثم سجَّداً وركوعا
فدنى لاثماً ثرى أخمصيه / لم يقدّم سوى البكاء شفيعا
ولسان المسيء أعطفُ شيء / لكريمٍ بأن يكون دموعا
قد لعمري استقال أحلم مولى / كرماً يغفر الذنوبَ جميعا
حيّ مُستحفظَ العلومِ بعصرٍ / فيه لولاهُ أوشكت أن تضيعا
ذو بنانٍ حوالبُ المزن ودَّت / أن تراها الورى لهنَّ صريعا
فيه عمر الفيحاءِ قد عادَ غضًّا / وزهت بالسرور فيه ربوعا
ولأن قيل جاءَ فاستقبلته / قمراً طالعاً وغيثاً مريعا
فهو من ردَّ كلّ ليلٍ نهاراً / بحماه وكلّ قيضٍ ربيعا
ولده الطيّبون أصلاً وفرعاً / علّم المسكَ خُلقُهم أن يضوعا
إخوة البيض ألسناً وبنو الشهبِ / وجوهاً آباؤهنَّ طلوعا
سبقوا النيّراتِ منها وجوداً / ومشوا فوقها فرادى جميعا
كلّ عفٍّ عن الهوى بتقاه / فطم النفسَ يوم كانَ رضيعا
وُلعوا بالنهى على حين شبُّوا / وسواهم باللهو شاب ولوعا
مِن سهام الزمان كم من صنيعٍ / نسجوه على العفاف دروعا
علماء منها نضوا سيفَ فكرٍ / تركوا مَعطسَ الضلال جديعا
لا يزالوا معاً على حوزة الد / ين لأهل الإِيمان سوراً منيعا
فاخري أيَّتها الدارُ النجوما
فاخري أيَّتها الدارُ النجوما / هنَّ في الضوء وفي الجوِّ الغيوما
ونعم أنتِ بآل المُصطفى / معدنُ الفخر حديثاً وقديما
لم تلد أُمُّ المعالي منهم / فيكِ إلاَّ واضحَ الوجه كريما
معشرٌ طابوا فروعاً في العُلى / وزكوا في طينة المجد أُروما
فُقدَ المعروف إلاَّ عندهم / وغدا الدهرُ وحاشاهم لئيما
وكفاهم بأبي المهديّ فخراً / حيثُ أضحى لهم اليومَ زعيما
المحيّا عند بذل الجودِ وجهاً / صاحياً والمُرتجى كفًّا مُغيما
تخجلُ المزنُ إذا ساجلَها / بيدٍ أرطبَ منهنَّ أديما
وتموتُ الشهبُ إن قابلها / بمحيًّا يكشفُ الليلَ البهيما
لِيمَ في الجود ولا جودَ لِمن / لم يكن بين الورى فيه ملوما
وكريمُ الطبع مَن لم يتغيَّر / طبعه في عذل من أضحى لئيما
ليس يثني الغيمَ عذلٌ فمتى / ينثني من علَّم الجودَ الغيوما
هممٌ لو عن مدًى زاحمها / منكبُ الدهرِ لردَّته حطيما
عاد مرعى الفضل مخضرًّا به / وهو لولا جوده كان هشيما
تُحمدُ الناسُ فإن جاء به / لم نجد أحمدَهم إلاَّ ذميما
ما بصلبِ الدهر يجري مثلُه / إذ على ميلاده صارَ عقيما
هو في أجفانه ثاني الكرى / قرَّة العينين منه أن يدوما
من أُناسٍ ركبوا ظهر العُلى / وجروا في حلبة الفخر قديما
هم أقاموا عمدَ العليا وهم / شرعوا فيها الصراط المستقيما
ذهبوا بيضَ المجالي طيبي / عُقد الأَزرِ مصاعيباً قُروما
وتبقّوا من بينهم لعُلاهم / زينةً في نحرها عِقداً نظيما
كأَبي الهادي ذي الفضل ومَن / في معاليه لهم كان قسيما
ذلكَ الندب أخوه من برا / ه ربُّه من عنصر المجدِ كريما
ورضى العليا ومن غير الرضا / من عظيمٍ يدفع الخطبَ العظيما
ذكره بين الورى يهدي شذاً / عطّرت نفحةُ ريّاه النسيما
وأخيه مصطفى الفخرِ الذي / لم تزل طلعتُه تجلو الهموما
وكنجم الشرفِ الهادي إلى / بيتِ جدواه لمن نصَّ الرسوما
وأمينٍ ذي النهى مَن لم يزل / سالكاً نهجاً من التقوى قويما
كرماءٌ لا تُبارى كرماً / حُلماءٌ تزنُ الشمَّ حُلوما
كم دعتهم للقوافي ألسنٌ / تركت قلبَ أعاديهم كليما
يا نجوماً في سما المجد زهت / ويسرُّ المجد قولي يا نجوما
للعُلى أنتم مصابيحٌ كما / لشياطين العِدى كنتم رُجوما
قد أقرَّ الله منكم أعيناً / كم لحظتم بالغِنى فيها عديما
وحباهم فرحةً تشملهم / والمحبينَ خصوصاً وعموما
ذهبَ الروع الذي غمَّ وقد / جاءت البشرى التي تنفي الغُموما
واستهلَّ السعدُ في أبياتكم / فاكتست من حُللِ الزهو رقوما
بالفتى عبد الكريم المجتبى / وأمين الفضل مَن طاب أُروما
قد لعمري سُنن الحجّ لها / ما رأت مِثلها أمسِ مُقيما
قيل نخشى لهما يدنو البلى / قلت لا يدنو وإن كان عظيما
فهما من أُسرةٍ في برِّهم / يُدرءُ الخطبُ وإن كان جسيما
فحجيجُ البيتِ لمّا أنزل الله / فيهم ذلك الرجزَ الأليما
فعن الباقين منهم كرماً / بهما قد صرفَ الريحَ العقيما
فحطيمُ البيتِ لو لم يشهداه / كلُّ مَن قد أمّه أضحى حطيما
آل بيت المصطفى حيتكُمُ / غادةٌ تجلو لكم وجهاً وسيما
أقبلت زهواً تهنّيكم بما / زادَ من يحسدُ علياكم وجوما
فبقيتم في سرورٍ أبداً / ولكم لا برحَ السعدُ نديما
عرَّفت ناسكةَ ذاتُ اللمى
عرَّفت ناسكةَ ذاتُ اللمى / فرنت فاتكةً في أضلعي
ولكم بالهدب راشت أسهما / فرمت شاكِلتي صبري معي
أنشقتني يومَ جمع عَرفَها / وعلى الخيفِ حَمتني رشفَها
كحلَ الحسنُ لحسنٍ طرفَها / ما رنت للصبِّ إلاَّ أقسما
ما كذا ترنو ضباءُ الأجرعِ / والغواني تَدَّعي السحرَ وما
هو إلاَّ تحت ذاك البُرقعُ /
غادةٌ أَقتَلُها لي كلُّها / مثلَ ما أحيى لقلبي وصلُها
ذاتُ غنجٍ قد سباني دلُّها / طرقت وهناً فقالت أجرما
إذ رأتني بائتاً في الهجَّعِ / ونعم يا ريمُ طرفي هوَّما
طمعاً منك بطيفٍ مُمتعِ /
دُميةٌ نشرُ الخزامى نشرُها / بفُتاتِ المسك يزري شعرُها
كم ليالٍ هي عندي بدرُها / قابلت فيهنَّ مرآةً السما
بمحيَّاها فقيل انطبعي / هي والظبيةُ من وادٍ كما
هي والبدرُ معاً من مَطلع /
كلَّما ورَّد خدَّيها الخجل / قطفت ذيّالك الوردَ المُقل
لا تسل عنِّي وعنها لا تسل / وقفت فاستوقَفتني مسقما
وأفاضت فأفاضت أدمعي / عجباً راقبتُ فيها الحَرَما
واستحلّت صيدَ قلبي الموجعِ /
كم قضت في سعيها من منسك / ما أضاعت فيه إلاَّ نُسُكي
فلقد عدتُ بقلبٍ مُشركٍ / في الهوى يعبدُ منها صنما
فهو في اللاّهين لا في الركَّع / ظِلّة يقرأ قُل مَن حرَّما
زينةَ اللهِ ولمّا يقلعِ /
لست أنسى بالمصلَّى موقفا / فيه يُرجى العفوُ عمَّا سَلفا
فبدت أحلى الغواني مَرشفا / تجرح النسكَ بلحظٍ إن رمى
سهمَه قَرطَسَ قلبَ الورع / وانثنت تطعنُ بالحج بما
قد حوى لينَ الرماحِ الشُّرَّع /
يا سقى اللهُ ضحيَّاتِ النقى / وكَساها الروضُ وشياً مونقا
كم أرت عينيَ وجهاً مُشرقاً / وجلت لي من فتاةٍ مبسما
عن شتيتٍ واضحٍ ملتمع / فدعي دمعي ولكن رخّما
فأجابت بعقيقٍ أدمعي /
عجبت حين بدت في تربها / ورأتني بين صرعى حبِّها
ثمَّ قالت للَّتي في جنبِها / هل وصلنَ الغيدُ قبلي مغرما
وسوى الشيبِ له لم يشفعِ / سُنَّةٌ ما عَمِلت فيها الدُمى
وهي في دين الهوى لم تُشرَعِ /
لا ومن أودع في خصري النُحول / ورمى نرجِسَ جفني بالذبول
لستُ أُحيي أشيباً واسمي قَتول / للذي ماءُ الصبا فيه نما
غصنه من ناشئٍ أو يَفِعِ / كلَّما استقطرتُ منه اللَّمما
قطَّرت ماءً فبلَّت موضعي /
قلتُ يا سالبتي طيبَ الوَسن / ما لمن تُصبي المعنَّى والسُنن
فصلي الصبَّ الذي فيكِ افتتن / واجعلي وصلَك في هذا الحمى
بدعةً جاءت كبعض البِدعِ / وأَلمّي كخيالٍ سَلّما
هوَّم الركبُ فحيّا مضجِعي /
مَن رأى خدّيكِ قال العجبُ / كيفَ في الماءِ يشعُّ اللَهبُ
والتي طاب أبوها العنبُ / بالذي أودعها منكِ الفما
وبهِ حلّت بأحلا موضعِ / ما الذي مَن يرتشفه أَثِما
هي أم فوكِ فزيدي ولعي /
وحديثٌ تتهاداه الربى / طاب نشراً بين أنفاسِ الصَبا
عن بشيرٍ جاء يطوي السبسبا / تأرجُ البشرى عبيراً أَينما
حلَّ في الأربُعِ بعد الأربع / شعبت شملَ العُلى فالتأما
ودعت قلبَ الحسود انصدع /
فأدر يا صاحبي كأسَ الطرب / واطّرح في كأسِها بنتَ العنب
قُم فشاركني بما سرَّ الحسب / بَشِّرِ المجدِ وَهنّ الكرَما
وعلى هذا الهنا باكِر معي / قد تجلَّى كلُّ أُفقٍ أَظلما
بسنا هذي البدورِ الطلّع /
زُهرُ مجدٍ زَهَر المجدُ بهم / لا خلت أفلاكُه من شُهبِهم
كلّما خفَّ الهوى في صَبّهم / وعلى المسرى إليهم عَزَما
ثَقُلت نهضتُه في المربع / في أمور طاريات كلّما
همَّ ينحو قصدَهم قُلنَ ارجعِ /
لكَ يا عبد الكريمِ الفرَحُ / ولحُسّادكَ ذاك الترح
وصَفت لابن أخيكَ المنحُ / مصطفى المجدِ بأزكى من نما
شرفٌ سامٍ لمجدٍ أرفعِ / كبدورِ التمّ تنضو اللثُما
عن ثغورٍ كالبروقِ اللُّمعِ /
قَرَّ طرفُ الفخرِ منها بالحسن / ذاك من قرَّت به عينُ الزمن
شخصُه والدهرُ روحٌ وبدن / فحياةُ الدهرِ لمّا قَدِما
رجعت للناس أحلا مَرجعِ / ما براه اللهُ إلاَّ عيلما
لبني الآمالِ عذبَ المَشرعِ /
ردَّ في صدرِ المعالي قلبَها / ولأفلاكِ المساعي قُطبَها
والقوافي سبَّحته ربَّها / وأتت تهدي إليه أنجما
ما حواها فلكٌ في مَطلع / دُرَراً وهي تُسمى كَلِما
مثلُها ما أنشدت في مجمعِ /
شهدت للمجد أبهى محفل / فادَّعت فخراً وقالت هو لي
أيّها القالةُ مثلي فصلِّي / من فريدِ المدح ما قد نُظِما
ثمَّ يا صاغةُ مثلي رصِّعي / أو فكفِّي وأريحي القلَما
وبياضَ الطرسِ للطرس دعي /
هذه الأفناءُ أفناءُ الشرف / مُنتدى الآداب فيها والظرف
لم يزل للمدح فيها معتكَف / مَن يَردْ يهدي إلى هذي السما
يلتقط من هذه الزهرِ معي / ما وعاها الدهرُ إلاَّ مغرما
قال أحسنتَ ففرّط مسمعي /
دار مجدٍ مصطفى الفخرِ بها / كأَبيه حلمُه من هُضبِها
فالورى في شرقِها أو غربِها / كلُّها تلحظُ منه عَلَمَا
شامخاً هضبته لم تطلعِ / خيرُها مجداً وأعلى منتما
في العُلى من كلّ ندبٍ أروعِ /
طاوَلَ الأمجادَ حتَّى ابتدروا / غايةً جازَ إليها القمرا
وغدا جُوداً يُمير البشرا / بيدٍ أخجلَ فيها الدِيَما
قائلاً يا أيُّها السحب اقلعي / ما أتاه الوفدُ إلاَّ كرما
حلَّ منه في الجناب الممرعِ /
يا عرانينَ المعالي والشرف / لكُم أهديتُها أسنى التحف
ولكم تُجلى عروساً وتُزف / فلها البشرُ بكم زهواً كما
لكم البشرُ بها في المجمعِ / والبسوا الأفراح ثوباً مُعلَما
عنكم طولَ المدى لم يُنزعِ /
نَصبَ العشقُ لعقلي شَركا / مِن جعودٍ كم سبت ذا ولعِ
ومِن اللحظِ بقلبي فتكا / بسهامٍ ليتها لم تُنزَعِ
يا نديميَّ على الوردِ الندي / مِن خدودِ الخرّدِ الغيدِ الكعاب
غَنِّياني بِلَعوبٍ بالعشيّ / ليس غيرَ العطر تدري والخضاب
قد حوى مرشفُها العذبُ الشهي / شهدةً قد لقَّبوها برضاب
أَطرِباني ودعا من نسكا / إنَّما الجنَّةُ تحتَ البرقعِ
في محيَّا ذاتِ قَدٍّ قد حكى / قمرَ التمِّ بأبهى مطلعِ
عَلِّلاني برشُوفٍ ثغرُها / مرتوٍ خلخالُها عطشى الوشاح
غضةِ الجيدِ رهيفٍ خصرُها / لم تكن تبسم إلاَّ عن أُقاح
طَرقت زائرةً تستُرُها / طرَّةٌ في ليلها تعمي الصباح
بتُّ لا أجذبُها إلاَّ اشتكى / خصرها ممَّا تلوَّى ولعي
لفَّنا الشوقُ وقال احتبكا / بعناقٍ وبضمٍّ ممتعِ
غادةٌ قامتها الغصنُ الوريق / فوقها ريحانةُ الفرعِ تَرِفّ
صدغُها والخدُّ آسٌ وشقيق / فتروَّح وإذا شئتَ اقتطِف
خالُها والريقُ مسكٌ ورحيق / فتنشَّق وكما تَهوى ارتشِف
نصبت ألحاظُها مُعتركا / غير عُذريّ الهوى لم يجمع
جفنُها في سيفهِ كم سفكا / من دمٍ لولا الهوى لم يَضِعِ
معرَكٌ للشوقِ كم فيه مُقام / لأخي قلبٍ من الوجدِ صديع
وبه كم قلَّبت أيدي الغرام / بين ألحاظِ الغواني مِن صريع
ودعت حوراؤه موتوا هيام / فلدينا أجرُكم ليسَ يَضيع
في سبيلِ الحبِّ من قد هلكا / فمعي يُمسي ومَن يمسي معي
كانَ في جنَّة حُسني مَلِكاً / أينَ ما مدَّ يداً لم يُمنعِ
أقبلت سَكرى ومن خمرِ الصبا / عَطَفتها نشوةُ الدَّلِّ عَليك
تَسرِقُ النظرةَ من عينِ الضِبا / وبلحظٍ فاترٍ ترنو إليك
تخذت ماشطةً كفَّ الصبا / كلَّما رجَّلت الجعدَ لديك
نَثَرت مِسكاً بذي البانِ ذكا / فسرت نفحتُهُ في لَعلَع
كم تستَّرت بها فانهتكا / ذلك السترُ بطيب المضجع
ونديمٍ لفظهُ العذبُ الرخيم / كنسيمِ الورد في رقَّته
قبلَه ما خلتُ وُلدانَ النعيم / بعضُهم يُسرقُ مِن جَنَّته
إنَّما آنستَ يا قَلبي الكليم / شُعلةً بالكاسِ مِن وَجنتِه
لا تقل كيفَ من الكاس ذكا / جمرُ خدَّيه معاً في أضلعي
فذُكاً وهي تَحلُّ الفَلكا / إن تُقابَل بزجاجٍ تَلذعِ
عَدِّ عن ذكرِك رَبَّاتِ الخدور / وأَعد لي ذكرَ أربابِ الحسب
وأَدر راحَ التهاني والحُبور / للندامى واطَّرح بنتَ العنب
فَصبا الأفراح عن نَورِ السرور / فتَّحت يا سعدُ أكمامَ الطرب
والعُلى والمجدُ بشراً ضحِكا / في ختانٍ قال للشمسِ اطلعي
إن يكن قطعاً ففيه اشتركا / بسرورٍ ليس بالمنقطع
طاوِلوا الشمَّ بني الشمِّ الرعان / والبسُوا الفخرَ على طولِ السنين
ما أتمَّ المجدُ فيكم فالزمان / منكُم العليا به في كلِّ حين
لم تلد إلاَّ غنياً عن ختان / وسليمٍ عن زياداتٍ تشين
كلُّهم في منبتِ العزِّ زكا / وكطيبِ الأصلِ طيبُ المفرع
من تَرى منهم تخله مَلكا / قد تراءى بشراً في المجمع
لكم البُشرى ذوي الفخر الأغر / بسليلي أكرمِ الناسِ قبيل
لستُ أدري أفهل أنتم أسرّ / بهما اليومَ أم المجدُ الأثيل
وهل العلياءُ عيناها أقرّ / بهما أم عينُ ذي الرأي الأصيل
مصطفى المعروفِ مَن لو مَلكا / حوزةَ الأقطارِ لم تتَّسع
لأياديكم بها قد سمكا / مِن سماءٍ لعلاءٍ أرفع
إن أقل يا بدرَ مجدٍ زَهَرا / وبزعمي غايةَ المدحِ بَلغت
قالَ لي البدرُ كفاني مَفخراً / فبتشبيهكَ لي فيهم مَدحت
أو أقل يا بحرَ جودٍ زَخَرا / قال لي البحرُ لماذا بي سَخرت
قست من لوازم فخراً لا تكن / وكفى عنِّي بصُغرى إصبع
كم بها بخَّل غيثاً فبكى / وغدا ينحبُ بالرعد معي
واحداً في كلِّ فضلٍ منفرد / بمزاياً في الورى لم تكنِ
حلف الدهرُ به أن لا يلد / للعُلى مثلاً له في الزمن
لا تخلها حِلفةً لم تنعَقد / فَبِها استثنى له بالحسن
ذاكَ من أُصعدَ حتَّى أدركا / ذُروَةَ المجدِ التي لم تطلع
كم من المجدِ سماءً سَمكا / لاح والشمسَ بها من مطلع
ذو مزاياً سُقيتها روضتُه / فارتوت بالعذبِ من ماءِ النُهى
كمُلت عندَ المعالي نهضتُه / لو بها شاءَ إذاً حطَّ السهى
وهو الغيثُ ولكن ومضتُه / تُنبِت الشكرَ بمنهلّ اللهى
مثلما ينبت طوراً حسكا / في عيونٍ حسداً لم تهجع
أعينٌ ليت الكرى إن سَلَكا / بين جفنيها جَرى في الأدمع
يا خليليَّ وأيامُ الصبا / حلباتٌ فانهضا نستبقِ
خَلَعت خيلُ التصابي عذرَها / فَرِدا فيها بحزوى غدرَها
واقنصا بين الخزامى عفرَها / فاتَ فيما قد مضى أن تطربا
فخذا حظّكما فيما بقي /
إنَّ أيَّامَ الصِبا في مذهبي / لأخي الشوقِ دواعي الطربِ
فعلى جلوةِ بنتِ العنبِ / أو على نرجس أحداق الظبا
غنّياني من لصبّ شيّق /
زالَ عنِّي يا نديميَّ الوَصبْ / أقبلَ النورُ ولي فيه أَرب
أبرز الأنقاءَ في زيٍّ عَجب / ومن الوشيِ كساها قُشُبا
حُللَ السندسِ والإستبرقِ /
وشّح الطلُّ عروسَ الزهرِ / بسقيطِ اللؤلؤ المُنحدر
ثم حيَّاها نسيمُ السحَر / وجَلاها فوق كرسيِّ الرُبا
لمعُ برقٍ من ثنايا الأَبرق /
أعرسَ الروضُ بنوَّارٍ حلا / عندليبُ الأَيكِ فيهِ هَلهَلا
رقصَ القطرُ فغنَّى وعلى / منبرِ الأغصانِ لمَّا خطبا
عقدَ البانَ وقال اعتنقي /
في ربيعٍ بالتهاني زَهَرا / فرشَ الأرضَ بهاراً بَهَرا
ودَنانيراً عليها نَثَرا / بيد الوسميِّ ليست ذهبا
بل خدودُ الجلّنارِ المونقِ /
كم شقيقٍ قد جلى عن نظرةٍ / من بياضٍ مُشربٍ في حمرةٍ
ومن الريحانِ كم من وفرةٍ / رفرفت ما بين أنفاسِ الصَبا
فوق قدٍّ من قضيب مُورق /
وعلى خدٍّ من الوردِ بدا / صدغُ آسٍ بلَّهُ طلُّ الندى
في رياضٍ غضَّةٍ فيها غدا / ضاحكاً ثغرُ الأقاحي عَجَبا
وبها النَرجِسُ ساهي الحدقِ /
في الرياحين يطيبُ المجلسُ / لبني اللهوِ وتحلو الأكؤُسُ
نُزَهٌ ترتاحُ فيها الأنفسُ / لمدامٍ عتّقوها حُقبا
ونديمٍ ناشئ ذي قُرطُقِ /
بين سمطي ثغره للمستلَذ / خمرةٌ لم يعتَصِرها مُنتَبذ
إن تغنَّى هَزَجاً قلتُ اتخذ / مِعبداً عبداً وبعه إن أبى
وعلى إسحاقَ بالنعلِ اسحقِ /
ذي دلالٍ يتكفَّى غَنَجا / فاقَ أنفاسَ الخُزامى أرَجا
كلَّما شَعشها تحتَ الدُجى / خلتهُ أوقد منها لَهبا
كادَ أن يَحرِقَ ثوب الغسق /
أيها المخجلُ ضوءَ القمرِ / حرِّك الشوق بجسِّ الوتر
فإلى ريقك ذاك الخَصِر / طربَ الصبُّ فزده طربا
بغنًى يصبي ذوات الأطوق /
واجلها وجنةَ خدٍّ أشرِبت / ماءَ وردِ الحسنِ حتَّى شرقت
وبكأسٍ من ثناياك حَلَت / عاطِنيها خمرَ ريقٍ أعذبا
من جنى النحلِ وربّ الفلق /
كم ليالٍ بالهنا مُبيضةٍ / نعَّمتنا بفتاةٍ غضَّة
صيغ حسناً نحرُها من فضَّةٍ / وهي تلويه وشاحاً مُذهبا
فوق خصرٍ مثلُه لم يُخلَق /
ذاتُ خدٍّ وردُه للمقتطِف / عقرب الصدغِ عليه تَنعطِف
وعلى فرشٍ من الجعدِ تَرِفْ / طالما العاشقُ منها قلّبا
حلوةَ المرشَفِ والمعتنَق /
حيِّها عاقدةً زِنَّارَها / كم قضت مِن صبِّها أوطارَها
ودعت في خِدرِها مَن زارَها / لبني الأتراكِ أفدي العَرَبا
فظُباهم خدرُها لم يُطرقِ /
لو تَطيقُ العربُ من إشفاقِها / حمت الطيف على مُشتاقِها
وغواني التركِ مع عُشَّاقِها / كلَّما مدَّ الظلامُ الغَيهبا
كم لها في مَضجعٍ من عَبَق /
من عذيري من غزالٍ ثملٍ / ثعلي الجفن لا من ثعل
راش بالأهدابِ سهمَ المُقلِ / لو رمى من حاجب فيمن صبا
حاجباً راح بقوسٍ غلق /
يا خليليَّ على ذكرِ المُقلِ / خلتُما همتُ ومَن يسمَع يخَل
لا وما في الرأس من شيبي اشتعَل / إنَّما كان غرامي كَذِبا
وحديثي في الهوى لم يَصدقِ /
إن ريعانَ الشباب النظِر / وطرُ العمرِ وعمرُ الوَطِر
فخذا غيدَ الطلى عن بَصري / فاتني العشق وفي عصرِ الصِبا
خسرت صفقةُ من لم يَعشق /
كانَ ذيَّاك السوارُ المنقلِب / شافعاً عندَ العذارى لم يَخِب
فأتى الشيبُ ولي قلبٌ طَرِب / فبماذا أبتغي وصل الظِبا
ولها عندي بياضُ المِفرق /
وعظ الحلمُ فلبَّاه النُهى / ونهى جهل التصابي فانتهى
فبِما راع بفوديَّ المَها / خبّراها إنَّ طرفي قد نبا
عنكِ يا ذاتَ المحيَّا المُشرق /
قد وهبنا لسُلَيمى قدَّها / وعلى اللثمِ وفرنا خدّها
بَرُد الشوقُ فعفنا بردَها / واقتبلنا فرحةً قد أعربا
حسنُها عن جدّةً لم تخلقِ /
إن في عرسِ الحسينِ ذي النهى / حيّز الكون جميعاً قد زهى
وبهاءُ الغرب للشرقِ انتهى / يَبهجَ العينَ ويجلو الكُرُبا
وإلى الغرب بهاءُ المشرق /
بشِّر الدينَ به أن سَيلد / مَن حُبا الدينِ عليهم تَنعقد
والمعالي هنِّها أن سَتجد / منه في أُفقِ سناها شُهبا
وهو بين الشهبِ بدرُ الأُفق /
فله الأملاكُ لمَّا عَقَدوا / كلُّهم للهِ شكراً سَجَدوا
وعلى المهديِّ طُرًّا وفدوا / ثمَّ هنُّوهُ وقالوا لا خبا
نورُ هذا الفرحِ المؤتلقِ /
يا صَبا البشرِ بنشرٍ رَوِّحي / شيبةَ الحمدِ وشيخَ الأبطحِ
وعلى الهادي بريَّاكِ انفحي / ولأنفِ المرتضى والنُقَبا
ولده عرفَ التهاني انشقي /
وعلى الفيحاء زهواً عرِّجي / وانقلي فيها حديث الأرج
وانشري وسطَ حِماها المُبهج / لا عن الشيح ولا عودِ الكبا
بل عن المهديِّ طيبَ الخُلقِ /
مَن به الدينُ الحنيفيُّ اعتضد / والهدى فيه اكتسى عزّ الأبد
جدَّ في كسبِ المعالي واجتهد / وسواه يَستجيدُ اللقَبا
فوق فرشٍ حفَّها بالنِمرقِ /
ضَمنَ الفخرَ بمُثنى بُردِه / ووطى الشهبَ بعالي جَدّه
كانَ نصفاً لو أعادي مَجدهِ / كلَّما حلّت لمرآه الحُبا
رفعت نعلَيه فوقَ الحُدقِ /
نَشَرَ المطوي عمَّن سَلَفوا / فطوى مَن نَشرتهُ الصُحفُ
أينَ منهُ وهو فينا الخَلفُ / إنَّه أعلمُ ممَّن ذَهَبا
من ذوي الفضلِ وأعلى من بقي /
يابن مَن قد عُبِدَ اللهُ بهم / ولهم من سَلَّم الأمرَ سَلِم
إن أنفاً إن مدحناك رُغم / ليتَه ما شمَّ إلاَّ التربا
أو أطاحته مُدَى معترقِ /
لكَ لا مُدَّت من الدهرِ يدٌ / فلأَنتَ الروحُ وهو الجسدُ
وهو الباعُ وأنت العضدُ / كم ألنَّا بكَ منهُ المنكبا
بعد ما كان شديد المِرفَقِ /
تزدهي الأمجادُ في آبائِها / وتباهى الصيدَ من أكفائِها
ونرى هاشمَ في عَليائِها / أنت قد زيَّنتَ منها الحسبا
فاكتسى منكَ بأبهى رَونقِ /
فالورى شخصٌ بجدواك كما / أصبحت في مدحك الدنيا فما
لو بتقريضِك أفنى الكَلِما / لم يصف معشارَ ما قد طَلبا
من معانيك لسانُ المُفلقِ /
دارك الدنيا وأنتَ البشرُ / ولك الوِردُ معاً والصَدَرُ
وبتعليمك جادَ المطرُ / فالورى لو كفرت منك الحَبا
لكفى شكرُ الغمامِ المغدق /
هي أرضٌ أنتَ فيها مَلِكٌ / أم سماءٌ أنتَ فيها مَلَكُ
دارُ قدسٍ يتمنَّى الفَلكُ / لو حوى ممَّا حوته كوكبا
ولها كلُّ نجومِ الأُفقِ /
كلُّ ذي علمٍ فمنهم يستمد / وإليهم كلُّ فضلٍ يستَند
وبتطهيرِهم اللهُ شهد / حَنق الخصمُ فقلنا اذهبا
عنهمُ الرجسَ لأهلِ الحنق /
حسدت شمسُ الضحى أمَّ الهدى / فتمنَّت مثلهم أن تَلدا
وابنُها البدرُ لهم قد سجدا / وحياءً منه مهما غَرُبا
ودَّ من بعد بأن لم يشرق /
كلُّهم جعفرُ فضلٍ من يَرد / خُلقَه العذب ارتوت مِنه الكَبد
أبداً في الوجهِ منه يطّرد / ماءُ بشرٍ من رآه عَجبا
كيف قد رقَّ ولمّا يُرق /
ففداءً لمحيَّاه الأغرّ / أوجهٌ تُحسبُ قُدَّت من حجر
أين هم من ذي سماحٍ لو قدر / وعلى قدرِ عُلاهُ وهبا
وهبَ المغربَ فوق المشرق /
لا تفقه والورى في حلبةٍ / فلقد بان بأعلى رتبةٍ
ولئن كانَ وهم من منبتٍ / فالثرى يُنبتُ ورداً طيبا
وصريماً ليس بالمنتشق /
جاءَ للمجدِ المُعلّى صالحا / بحرَ جودٍ بالمزايا طافحا
فغدا فكريَ فيه سابحا / يُبرز اللؤلؤُ عِقداً رَطبا
والعُلى تَلبسَهُ في العنق /
فرعُ مجدٍ كرمت أخلاقه / فكستها طيبَها أعراقُه
يهجر الشهدَ لها مشتاقُه / لو بكأسِ الدهر منها سكبا
ثمل الدهر ولمَّا يَفِقِ /
وَرِعٌ أعمالُه لو وزّعت / في الورى عنها الحدودُ ارتفعت
أو بتقواه الأنامُ ادَّرعت / لَوَقَتها في المعادِ اللَّهبا
أو لنارٍ لهبٌ لم يُخلَق /
بأبي القاسم قد حلَّت لنا / راحةُ الأفراحِ أزرارَ المنى
لم يُزنه بل زين الثنا / أُفحِمَ المُطرِي فكنَّى مُغرِبا
إذ رأى ذكرَ اسمه لم يُطَقِ /
بالحسينِ استبشروا آلَ الحسب / وابلغوا في عُرسِه أسنى الأرب
ولكم دام مدى الدهر الطرَب / بختان الطيبينَ النجبا
خيرِ أغصانِ العلا المُعرق /
اجتلي الكأس فذي كفُّ الصَبا / حَدرَت عن مبسمِ الصبح اللثاما
واصطحبها من يَدي غضِّ الصِبا / أغيدٍ يجلو محيَّاهُ الظلاما
بنتُ كرمٍ زُوِّجت بابنِ السحب / فتحلَّت في لآلٍ من حَبَب
مذ جلاها الشربُ في نادي الطرَب / ضَحِكت في الكاسِ حتَّى قَطّبا
كلُّ مَن كانَ لها يُبدي ابتساما / وانثنى الزامرُ يشدو مُطرِبا
غرِّقوا بالراحِ كِسرى يا ندامى /
هيَ نارٌ في إناءٍ من بَرَد / عجباً ذابت به وهو جَمد
أبداً تحرقُ نمرودَ الكمد / وإذا منها الخليلُ اقتربا
غُودرت بَرداً عليه وسلاما / فاحتسي أعذبَ من ماءِ الربى
خمرةً أطيبَ من نشرِ الخُزامى /
أشبهت صافيةً في الأكؤس / دمعةَ الهجرِ بخدَّي ألعس
إن أُديرت مَثَّلت للمحتسي / وجنةَ الساقي بها فاستُلبا
رشدهُ حتَّى تراه مُستهاما / ليس يدري وجنةً قد شربا
أم سُلافاً عتّقت عاما فعاما /
تنشئ الخفَّة في روحِ النسيم / وتروضُ الصعبَ منهم للكرم
لو حساها وهو في اللؤمِ عَلَم / مادرٌ منه إذاً لانقلبا
ذلكَ اللؤمُ سماحاً مُستداما / ودعى خذ مع عقلي النشبا
آخرَ الدهر ودعني والمداما /
كم على ذاتِ الغضا مِن مجلس / قد كساه الروضُ أبهى مَلبس
فيه بتنا تحت بُردِ الحندس / نتعاطى من كؤوسٍ شُهبا
تطردُ الهمَّ وإن كان لزاما / إذ به نامت عيونُ الرُقبا
ليتها تبقى إلى الحشر نياما /
ونديمي مِن بني الترك أغَن / شهدةُ النحل بفيه تُختَزن
هبَّ يثني عطفَه سُكرُ الوسن / بمدامٍ خلتُ منها خُضّبا
أنملاً أبدى بها الحسنُ وشاما / وكأَن خدَّيه منها أُشرِبا
خمرةً إذ زفَّها جاماً فجاما /
رشأٌ جُسّد صافي جسمِه / من شعاعِ الخمرِ لا من جُرمِه
خَفيت صهباؤُه من كتمِه / لسناه مذ عليها غلبا
نورُ خدَّيه فما تدري الندامى / أسنا خدَّيهِ أبدى لهبا
أم سنا الكاس لهم أبدى ضَراما /
إن يقل لليلِ عَسعِس شعرُه / قال للصبحِ تنفَّس ثَغرهُ
أو من الردف تشكَّى خصرُه / قال يا زادك مَن زانَ الظِبا
بالخصورِ الهيفِ ضعفاً وانهضاماً / ولكاسِيكَ الوشاحَ المُذهبا
زاد جفنيه فتوراً وسَقاما /
يا أليفي صبوتي بُشراكما / جاء ما قرَّت به عيناكما
ذا جديدُ الأُنسِ قد حيَّاكما / وخلاصاً لكما قد جلبا
ناقلاً من صفةِ الراحِ النظاما / فاجعلاه للتهاني سببا
فعلَ من يرعى لذي الودِّ الذماما /
خلِّيا ذكرَ أحاديثِ الغَضا / واطويا من عهدِ حزوى ما مضى
وانشرا فرحةَ إقبالِ الرضا / وأخيه المصطفى ابن المجتبى
إنَّ إقبالَهما سَرَّ الأناما / وكذا الدنيا استهلت طربا
إذ معاً آبا وقد نالا المُراما /
بوركا في الكرخ من بدري عُلا / شعَّ برجُ المجدِ لمَّا أقبلا
ومحيَّا الفخرِ بالبِشرِ انجلى / وغدا زهواً ينادي مَرحبا
بمُنيرَي أبرجَ المجدِ القُدامى / بكما قرَّت عيونُ النُجبا
آلِ بيتِ المصطفى السامي مقاما /
رجع السعدُ إلى مطلعِه / والبها رُدَّ إلى موضعه
والندى عادَ إلى منبعِه / بسِراجي شرفٍ قد أذهبا
بالسنا من أُغف الكرخ الظلاما / وخضمَّي كرمٍ قد عَذُبا
مورداً يروي من الصادي الأُواما /
هل بَناتُ السير في تلك الفلا / علمت عادَ بها ما حملا
وبماذا بوقارٍ وعُلى / رحلت بالأمس تطوي السبسبا
حَدَراً تهبطُ أو تعلو أُكاما / وأُريحت بالمصلَّى لُغبا
قد برت أقتابُها منها السَناما /
حملت من حرمِ المجد الكرَم / وانبرت تسعى إلى نحوِ الحرم
وألمَّت لا لتمحيصِ اللمم / بمقام البيتِ لكن طَلَبا
لمزيد الأجرِ وافينَ المقاما / وبمغناه طرحنَ القتبا
بغيةَ الفوز وألقين الخُطاما /
قَرَّبت منه ومُنشي الفَلكِ / صفوتي بيتِ التُقى والنُسُك
بالسما أُقسمُ ذاتِ الحُبك / لهما بالحجِّ حازا رُتبا
ما حبا في مثلِها اللهُ الأناما / هي كانت من سواها أقربا
عنده زُلفى وأعلاها مقاما /
رتباً لا يتناهى قدرُها / يسعُ الخلقَ جميعاً برُّها
حيثُ لو عادَ إليهم أجرُها / واستووا في الإِثم شخصاً مذنبا
لمحى اللهُ به عنه الإِثاما / وله من حسناتٍ كتبا
ضِعفَ مَن حجَّ ومن صلَّى وصاما /
بهما سائِل تجد حتَّى الحجر / شاهداً أنَّهما بين البشر
خيرُ من طافَ ولبَّى واعتمر / وهما مُذ للحطيم اقتربا
مسحاهُ بيدٍ تنشئ الحُطاما / هي بالجودِ لأجزالِ الحَبا
كَعبةٌ تعتادُها الوفد استلاما /
حيثُ كلٌّ منهما أين يُحلّ / بين إحرامٍ عن الإثم وحِلّ
ويرى للهدي بالنحرِ يصلِ / كلَّ يومٍ ويميحُ النشبا
بيدٍ لم يحكِها الغيثُ انسجاما / كان طبعاً جودُها محتلبا
لا كما تحتلبُ الغيثَ النُعاما /
ثمَّ لمّا أكملا الحجَّ معاً / ودَّعا مكَّة فيمن ودَّعا
وإلى يثرب منها أزمعا / قصد من ألبس فخراً يثربا
وحباها شرفَ الذكرِ دَواما / وبه فاقَ سناها الشهُبا
فاشتهت تغدو لها الشهبُ رُغاما /
ونحى كلٌّ ضريحَ المصطفى / ناشقاً طيبَ ثراه عرفا
وبه طاف ومنه عطفا / نحوَ مغنى المرتضى مرتغِبا
لسواه عنه لا يلوي الزِماما / فقضى مِن حقِّه ما وجبا
وأتى الكرخ فحيّا وأقاما /
كم لأيدي العيسِ يا سعدُ يدُ / أبداً مشكورةٌ لا تُجحدُ
فعليها ليسَ ينأى بلدُ / وبها وخداً سَرَتْ أو خبَبا
يدرك الساري أمانيه الجساما / ويرى أوطأَ شيءٍ مركبا
ظهرَها من طَلِبَ العزَّ وراما /
أطلعت بالكرخ من حجب السرى / قمري سعدٍ بها قد أزهرا
وغراماً بهما أمُّ القُرى / لو أطاقت لهما أن تصحَبا
حين آبا لأتت تسعى غراما / وأقامت لا ترى منقلبا
عن حمى الزوراءِ ما دامت دواما /
أوبةٌ جاءت بنيلِ المِنَحِ / ذهبت فرحتُها بالترح
فبهذا العامِ أمَّ الفرحِ / وَلَدتها فأجدَّت طربا
بعد ما جاءت بها من قبلُ عاما / ولها الإقبالُ قد كان أبا
سعدُه أخدَمَه اليمنَ غُلاما /
فاهنَ والبشرى أبا المهديّ لك / تلك علياكَ لبدرَيك فلك
قد بدا كلٌّ بها يجلو الحلك / فترى الأقطارَ شرقاً مغرِبا
لم يدع ضوؤهما فيها ظلاما / والورى أبعدَها والأقربا
بهما تَقتسمُ الزهو اقتساما /
مَلَت القلبَ سروراً مثلما / قد ملأتَ الكفَّ منها كَرَما
واحتبت زهواً تهنّيك بما / خصَّك الرحمنُ من هذا الحَبا
حيث لا زلتَ لها ترعى الذماما / جالياً إن وجهُ عامٍ قَطّبا
للورى وجهاً به تُسقي الغماما /
ففداءُ لك يا أندى يدا / من بني الدهرِ وأزكى مَحتِدا
معشرٌ ما خُلِقوا إلاَّ فدا / لبسوا الفخرَ مُعاراً فنبا
عن أُناسٍ تلبسُ الفخرَ حراما / كلّ من فيهم على الحظّ أبى
قدرهم عن ضعةٍ إلاَّ الرغاما /
تَشتكي من مسِّ أبدانِهمُ / حللٌ ترفعُ من شانِهمُ
وإذا صرَّ بأيمانِهمُ / قلمٌ فهو ينادي عَجبا
صرتُ في أنملةِ اللؤمِ مُضاما / من بها قرَّ مُقيماً عُذِّبا
إنها ساءت مقرًّا ومُقاما /
هب لهم درهمهم أصبحَ أب / فسما فيهم إلى أعلا الرُتب
إكرامٌ هم لدى نصّ النسب / إن يعدّوا نسباً مُقتَضَبا
لا عريقاً في المعالي أو قدامى / عدموا الجودَ معاً والحسبا
فبماذا يتسمّونَ كراما /
عَبَدوا فلسَهمُ دهرَهمُ / وعليه قَصروا شكرَهمُ
فاطّرِح بين الورى ذكرَهمُ / وأعِد ذكرَ كرامٍ نُجبا
قصروا الوفرَ على الوفدِ دواما / وبنوا للضيفِ قدماً قِببا
رفعت منها يدُ المجد الدُعاما /
إذ على تقوى من الله الصمد / أُسِّس البنيانُ منها وَوطد
من له كلُّ يدٍ تشكرُ يَد / مصطفى الفخرِ وفيها أعقبا
عَشرةَ ألقى له الفضلُ الزماما / إذ سهامُ الفضلِ عشرٌ قَصبا
فيه كلُّ فحوى العشر السِهاما /
أعقبَ الصالحَ فيها خَلَفا / وأبا الكاظم من قد شُرِفا
والرضا الهادي حسيناً مصطفى / وأميناً كاظماً إن أغضبا
وجواداً جعفراً كلاًّ هُماما / صبيةٌ سادوا ولكن في الصِبا
بأبي المهديّ قد سادوا الأناما /
معشرٌ بيتُ عُلاهم عامرُ / بهم للضيفِ زاهٍ زاهرُ
فيه يا أمُّ الأماني عاقرٌ / تَلِدُ النجحَ فتكفي الطَلَبا
وأبو الآمالِ لا يشكوا العُقاما / وعلى أبوابِه مثلُ الدَبي
نَعَمُ الوفد لها تلقي الزماما /
أرضعت أمُّ العُلى ما ولدوا / فزكى ميلادُهم والمولِدُ
إنّهم طفلُهم والسؤدُد / يستهلاّنِ فداعٍ للحبا
ذا وهذا قائلٌ طبتَ غلاما / إبقَ في حجر المعالي حقبا
لا ترى من لبنِ العليا فِطاما /
صفوةَ المعروفِ قِرّوا أعينا / واهنئوا بالصفوِ من هذا الهنا
لكم السعدُ جلا وجهَ المُنى / بيدِ اليمنِ ومنه قرَّبا
لكم الإقبالُ ما ينأى مراما / فالبسوا أبرادَ زهوٍ قُشُبا
منكم لا نزُعَت ما الدهرُ داما /
وإليكم غادةً وشّحتُها / وبريّا ذكركم عَطّرتُها
وإلى علياكم أرفقتُها / فلها جاءَ افتتاحاً طيّبا
نشرُ راح الأنسِ منكم لا الخزامى / ولها تشهدُ أنفاسُ الصَبا
من ثناكم مسكه كانَ ختاما /
أصبحَ السعدُ قَريني
أصبحَ السعدُ قَريني / والمُنى طوعَ يميني
حيث مذ صرت لحيني / كنتُ والوجد خديني
وبهِ العيشُ منكّد /
واثقاً أحمدُ ربّي / أن سيجلو كربَ قلبي
بنجيبٍ وابنِ نُجبِ / فجلا أحمدُ كربي
فأنا أحمدُ أحمَد /
بوركت طلعتُك الغرّاءُ يا
بوركت طلعتُك الغرّاءُ يا / قمراً في فلكِ العلياءِ مُفرد
أنت ريحانةُ فضلٍ لا أرى / مثلَ ريّاها بهذا العصرِ يوجد
لك ذكرٌ نشرُه يهدي شذاً / فيه أنفاسُ النسيمِ الغضِّ تشهد
ولسانٌ في القضايا ذَربٌ / ينطِقُ الفصلَ إذا الفصلُ تَردَّد
وبيانٌ لو يُجاري سحرُهُ / سحرَ هاروتَ وماروتَ لبلَّد
عُقدُ الألبابِ تنحلُّ به / وبه ينتظِمُ الأمرُ فيُعقد
حازمٌ يسلسُ من بعد الشماسِ
حازمٌ يسلسُ من بعد الشماسِ / كلُّ أمرٍ راضَه صعب المراس
ذو ذَكاءٍ لو ذكاءٌ رامَهُ / لدعاهُ عجزُه عُد بأَياس
قتلَ الأيامَ خُبراً وله / قبسُ التجريب أسنى الاقتباس
لو سيوفاً طُبعت آراؤه / لبرت ما أدركت حتَّى الرواسي
قد خططنا للمعالي مضجعا
قد خططنا للمعالي مضجعا / ودفنا الدينَ والدنيا معا
وعقدنا للمساعي مأتماً / ونعينا الفخرَ فيه أجمعا
آه ماذا وارت الأرضُ التي / رمقُ العالم فيها أُودعا
وارت الشخصَ الذي في حمله / نحنُ والأملاكُ سرنا شرعا
صاحب النعش الذي قد رُفعت / بركاتُ الأرضِ لمَّا رفعا
ملكٌ حيًّا وميتاً قد أبى / قدرُه إلاَّ الرواقَ الأرفعا
إن تسلني كيف من ذاك الحمى / فيه زاحمنَ العرينَ المسبعا
فبه أدنى إليه شبله / أسدَ الله وحيًّا ودعا
فأسلناها على إنسانها / حدقاً وهي تسمّى أدمعا
وبللنا تربة القبر الذي / دفنوا فيه التقى والورعا
وعقرناها حشاً فوق حشاً / يتساقطن عليه قطعا
ونضحناها ولكن مهجاً / صنع الوجدُ بها ما صنعا
فعلى ماذا نشدُّ الأضلعا / كذبَ القائلُ قلبي رجعا
وحللنا عقدة الصبر أسًى / وعلى الوجد شددنا الأضلعا
ورجعنا لا رجعنا وبنا / رمقٌ ممسكه ما رجعا
يا ابن ودّي إنَّ عندي فورةً / تملأ الجنبين كيف اتَّسعا
فإلى مكَّة لي إنَّ بها / مندى الحيِّ المعزّي أجمعا
ابتدرها واعتمد بطحاءها / إنَّها كانت لفهرٍ مجمعا
قفْ بها وانعَ قريشاً كلَّها / فقريشُ اليوم قد ماتوا معا
وتعمَّد شيبة الحمدِ وخذْ / نفثةً تحطمُ منها الأضلعا
قلْ له إن متَّ قدماً وجعاً / فمت الآن بنعيٍ جزعا
صدعت بيضتكم قارعةٌ / كبدُ الوحيِ عليها انصدعا
زالَ درعُ الهاشميين الذي / بردائيْ حسبيه ادَّرعا
وانطوى عزُّ نزار كلّها / بمصابٍ سامها أن تخضعا
ما فقدتُ اليوم إلاَّ جبلاً / نحوه يلجأ من قد روِّعا
كانَ أرسى زمناً لكن على / مهج الأعداء ثم اقتلعا
شهرت أيدي المنايا سيفها / فاستعاذَ الدهرُ منها فزعا
وحمى عن أنفه في كفِّه / فإذا الأقطعُ يحمي الأجدعا
قرعت سمعَ الهُدى واعيةٌ / أبداً في مثلها ما قُرعا
لو رأت ما غاب عينٌ لرأت / عيننا جبريلَ يُدمي الإصبعا
قائلاً حسبُك ملْ عن هاشمٍ / وعلى الفيحاءِ عرِّج مسرعا
إنَّها منعقدُ النادي الذي / قد حوى ذاك الجناب الأمنعا
قفْ بها وقفة عانٍ ممسكاً / كبداً طاحت بكفٍّ قطعا
وأنخ راحلة الوجد وقل / لستِ يا أربعُ تلك الأربعا
إنَّما كنت على الدهر حمًى / لم تجدْ فيك الليالي مطمعا
بعليم فيك قد أحيا الهدى / ومليكٍ قد أماتَ البدعا
فالعمى والجورُ عنك افترقا / والجدا والعدل فيك اجتمعا
بأبِ الرشد إذا ضلَّ الورى / وأخي الجلّى إذا الداعي دعا
قد لعمري راعك الخطبُ بمن / كانَ في الخطبِ الكميَّ الأروعا
جدَّ ناعيه فقلنا هازلٌ / ليس يدري كنه مَن كانَ نعى
فدعا لمَّا أبى تلك التي / طارت الأحشاء منها جزعا
قد بكى الغيثُ أخاهُ قبلكم / فانضحوا الأكبادَ منكم أدمعا
رحلَ الصادقُ منكم جعفرٌ / وبه الإِسلامُ قسراً فُجعا
فإلى أينَ وهل من مذهبٍ / كابدوها غلَّةً لن تنقعا
يا أبا موسى أصخ لي سامعاً / وبرغمي اليوم أن لا تسمعا
بل كفاني لوعةً أنِّي أرى / منك أخلى الموتُ هذا الموضعا
أوَما عندك في نادي العُلى / لم تزل تحلو القوافي موقعا
أين ذاكَ الوجهُ ما حيّيته / بطريف المدح إلاَّ التمعا
أينَ ذاكَ الكفُّ تندى كرماً / كلَّما جفَّ الحيا أو منعا
هاكِ يا أفعى الليالي كبدي / فانهشي منها بنابيْك معا
ماتَ من يثنيك يا نضناضةً / ترشحين الموت سمًّا منقعا
واقشعرِّي أيُّها الأرضُ بنا / فغمامُ الجودِ عنَّا انقشعا
وطرافَ المجد قوِّض زائلاً / فعمادُ المجدِ منك انتزعا
عثر الدهرُ فقولا لا لعاً / فخذا باللوم منه أو دعا
فلقد جاءَ بها قاصمةً / خلعت صلبَ العُلى فانخلعا
انتهت كلُّ الرزايا عندها / فتعدَّى العذلُ والعذر معا
أدرى أيَّ صفاتٍ قرعا / أم درى أيَّ قناةٍ صدعا
فاستحالت مقلةُ الدين قذاً / طبّه المهديُّ حتَّى هجعا
إنَّما المهديُّ فينا آيةٌ / بهر الخالقَ فيما ابتدعا
لم يزعزعْ حلمه الخطبُ الذي / لو به يقرع رضوى زعزعا
ملكَ الأجفانَ لكن قلبُه / والجوى خلف الضلوع اصطرعا
أيُّها الحاملُ أعباءَ العُلى / ناهضاً في ثقلها مضطلعا
مقتدى الأمَّة أنتم ولهم / بكم دينُ التأسِّي شرعا
يتداوى برقى أحلامكم / مَن بأفعى رزئه قد لُسعا
قد نشأتم في بيوتٍ لكم / أذن اللهُ بها أن ترفعا
لا أرى الفيحاءَ إلاَّ غابةً / سبعٌ يخلفُ فيها سبعا
إن مضى عنها أبو موسى فها / بأبي الهادي إليها رجعا
من سراجٍ في سراجٍ بدلٌ / انطفى ذاكَ وهذا سطعا
ماجدٌ يبسطُ كفًّا لم تزلْ / لمن ارتادَ الندى منتجعا
ذو عُلًى ما نالها العقلُ ولا / طائرُ الوهم عليها وقعا
سيِّدٌ قالَ له المجدُ ارتفع / حيث لا تلقى السهى مرتفعا
وحّد القول له لكنَّه / بأبي القاسم ثنَّى متبعا
فجرى في إثره مرتفعاً / يركب الجوزاءَ ظهراً طيِّعا
وسنا المجد الذي في وجهه / ذاكَ في وجهِ الحسين التمعا
سادتي عفواً دهتني صدمةٌ / أفحمت منِّي الخطيبَ المصقعا
لم أخل ينعى لساني جعفراً / وبودِّي قبل ذا لو قطعا
ما لهم يا قبرُ قد جدُّوا انصرافا
ما لهم يا قبرُ قد جدُّوا انصرافا / بعدما قد دفنوا فيك العفافا
وحثوا منكَ على عين العُلى / تربةً تستافها الحورُ استيافا
نفضوا تربك والصبرَ معاً / عن يدٍ تمسكُ أكباداً لهافا
وردوا أمس ثقالاً بالجوى / فبماذا صدروا اليوم خفافا
هل أعادوا معهم ما أخذوا / من حشاشات تبقُّوها لهافا
لا ومَن قد طهَّرَ الماءَ بها / مذ لها مطلقه كانَ مضافا
والتي راحَ الحيا ملتحفاً / معها طاهرَ برديها التحافا
بل أعادوا جمرة الوجدِ إلى / أضلعٍ باتت عليها تتجافى
حجب القبرُ ابنة الوحي التي / شرفُ الذكر بعلياها أنافا
من كريماتٍ على الله لها / ضرب العصمة خدراً وسجافا
لم تلد إلاَّ الذي يسقي كلا / ماتحي سجليه شهداً وذعافا
والتي ما مدَّت العليا على / مثلها يوماً لتخدير طرافا
صاحَ هل تعلمُ لمَّا أفردت / وامتلى القبرُ ضجيجاً وهتافا
أبذاك الترب واروا فاطماً / أم إليها العالمُ القدسيُّ وافى
ونعم فيه توراث شعبةٌ / من حشاها اختطفت منها اختطافا
ساقها الحتفُ ولكن بعدما / شقَّ من صدر الهُدى عنها الشغافا
وعليها مسحَ الوجدُ ضحًى / مقلةً عمياء لا تدري الجفافا
أوحشت من أمِّ شبلٍ غابةً / لو بها مرَّ أبو شبلٍ لخافا
كعبة التخدير إلاَّ أنَّها / خلقت للملأ الأعلى مطافا
دارُ قدسٍ أودعَ اللهُ بها / خيرَ أهل الأرض نسكاً وعفافا
قل لمن رامَ انحرافاً عنهم / ضلَّ من يبغي عن الحقِّ انحرافا
سادةٌ للرشد في مهديِّهم / جعلَ اللهُ من الغيِّ انتصافا
كلُّهم أبحرُ علمٍ طفحت / فاغترف من أيّهم شئتَ اغترافا
فضلوا الخلقَ أكفًّا سحباً / رفعَ المحلَ وأخلاقاً سلافا
أسكرتْ في حبِّهم حتَّى العدى / فهي الصهباء لطفاً وارتشافا
كرماءٌ لقِرى أضيافهم / ينحرون البدرَ لا البدنَ العجافا
آمنوا في الله مَن آمنه / وأخافوا من له اللهُ أخافا
يا ذوي الحلم وفيكم رقَّةٌ / فقتم فيها حنوًّا وانعطافا
إنَّما هزَّت قنا صبركمُ / نكبةُ الدهر فزادتها ثقافا
وعلى زحف الليالي لا شكت / أبداً أبيات علياكم زحافا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025