قد بَراها للسُرى جذْبُ بُراها
قد بَراها للسُرى جذْبُ بُراها / فذَراها يأكلُ السّيرُ ذُراها
ودَعاها للحِمى داعي الهَوى / فدعاها فالهوى حيثُ دعاها
واِسقِياها من صَفا ذِكرِ الصّفا / وصِفا الخَيْفَ لها كي تُسكِراها
يا لها من أحرُفٍ مسطورةٍ / تسبِقُ الوَحيَ إذا الحادي تَلاها
ترتَمي شوقاً فلولا ثِقْلُ ما / في صُدورِ الرّكْبِ طارَتْ في سُراها
سُحْبُ صيفٍ قدْحُ أيديها الحصى / برقُها والرّعدُ أصواتُ رُغاها
كلّما حنّتْ لأرضِ المُنحنى / وكَلاها أقرحَ السَّوْقُ كُلاها
كم ترى من خلفِها من مروةٍ / وردَتْ أخفافُها بيضَ حصاها
سفنٌ تجري بأشباحٍ غدَتْ / معها غَرقى بطوفانِ بُكاها
ذاتُ أنفاسٍ حِرارٍ صيّرتْ / فحمةَ الظّلماءِ جَمراً في لَظاها
كلُّ ذي قلبٍ مَشوقٍ لم يزلْ / للمطايا زَجْرُهُ أوْهاً وآها
أسهُمٌ فوقَ سِهامٍ مثلها / لا يُصيبُ النُّجْحُ إلّا في خُطاها
تبتغي نَجماً بأطرافِ الحِمى / وهمُ همُّهُمُ بدرُ سَماها
أوشكَتْ تَعرُجُ فيها للسّما / إذ درَتْ قصدَهُم شمسُ ضُحاها
حيِّ أكنافَ الحِمى من أربُعٍ / ما سقَتْ أحياءَها المُزنُ حَياها
عرَصاتٌ عطّرَتْ أرجاءَها / بأريجِ المِسكِ أنفاسُ دماها
وبِقاعٌ قُدِّسَتْ لكنّها / نجّسَتْها الأُسْدُ في طَمْثِ ظُباها
ومغانٍ بالغواني لم تزل / غانياتٍ عن مصابيحِ دُجاها
سمكَ العزُّ بها أبنيةً / أفصحُ الأعرابِ ما ضمّ بِناها
كم ثَنايا في ثناياها دُجىً / مَبعَثُ الفجرِ إلَينا من كواها
جنّةٌ فيها اللآلي فُصِّلَتْ / واليواقيتُ ثُغورٌ أو شِفاها
ماؤها شهدٌ هَواها قرقَفٌ / طينُها العنبرُ والمِسْكُ ثَراها
كم بهِ بيتٍ غَدا مضمونُه / درّةً بيضاءَ من بيضِ ثَناها
وقَطوفٍ من جُمانٍ ذُلِّلَتْ / عزَّ كلَّ العزِّ مُستَحلي جَناها
يا بَني فهر سَلوا بَلقيسَكُم / كيف تَسبي مُهجَتي وهي سباها
واِسألوا أجفانَكُم عن صحّتي / فهي عنّا عوّضَتْ جِسمي ضَناها
وُرْقُ نجدٍ بعدَكم لي رحمةً / ندبَتْ شجواً ورقّتْ في ضَناها
وبكتْ لي وحشها حتّى محَتْ / كُحْلَها بالدّمعِ أحداقُ مَهاها
تلِفَتْ نفسي بكم إلّا شَفاً / والشِفاهُ اللُّعسُ لم يُمنَحْ شِفاها
هي تدري ما بها من نَبلِكُم / والعيونُ السّودُ تدري مَن رَماها
ويحَها كم تتّقي بأسَ الهوى / وعليٌّ كلَّ محذورٍ كَفاها
كفُّها كافِلُها عِصمَتُها / من أذى الدّهرِ إذا الدّهرُ دَهاها
كنزُها جوهرُها ياقوتُها / قوتُها قوّتُها خمسُ قَواها
زينةُ الدُنيا وأهلِيها معاً / طوقُها دُملُجها تاجُ عُلاها
ساعِدُ الهيجاءِ مُوري زندِها / سيفُها عاملُها قُطْبُ رَحاها
موسويٌّ عنده إذ لم تجدْ / نارَ موسى فيه إذ لاحَ هُداها
قد حكاها في اليدِ البيضا وفي / رُمحِه عن عزمِه سرُّ عَصاها
حيدريٌّ أوشكَتْ راحاتُه / تلتَظي نيرانُها لولا نَداها
غيثُ جودٍ لو أصابَتْ قطرةٌ / منه رَضْوى كان يخضرُّ صَفاها
ليثُ حربٍ أشفقَتْ أُسْدُ الشّرى / منه حتّى بايعَتْهُ في شراها
خائِضُ الحربِ الّتي نيرانُها / في التّلاقي تنزعُ الأُسْدَ شَواها
فالقُ الهاماتِ بالقُضبِ الّتي / حين تُنضى يفلِقُ اللّيلَ سناها
يحسَبُ البيضَ ثنايا خُرّدٍ / وعليها الدّم معسولَ لِماها
حازَتِ النّصرَ لها ألويةٌ / جعلت معكوسهُ حظَّ عِداها
كلّما كبّر في حَشْرِ وغىً / سبّح الصّفُّ لآياتٍ يَراها
سورةُ الرّحمن في صورته / كُتبَتْ بالنّورِ في لوحِ صَفاها
ملكٌ قد شرُفَ المُلكُ به / واِزدهى المنصِبُ والمجدُ تَناهى
طيّبٌ لو لم تصِلْ أخبارُه / شجرَ الكافورِ ما طابَ شَذاها
لو صَبا نجدٍ تلتْ في مدحِه / بَيتَ شِعرٍ لحكى العود غضاها
أو تغنّت وُرقُها في شِعرِه / هزّتِ الأعطافَ بالرّقْصِ رُباها
لسِنٌ كلُّ لآلٍ يدُه / فرّقَتْها هو في النُطْقِ حَواها
بحرُ عِلمٍ لجُّهُ من جعفَرٍ / قبَسٌ شُعلتُه من نُور طهَ
كم بروضاتِ القراطيسِ له / كلماتٌ تشبهُ الزّهرَ رَواها
علمُه نورٌ مُبينٌ للهُدى / ظلُماتُ النُّصْبِ بالنّصِّ جَلاها
جادَ في خَيرِ مَقالٍ صِدقُه / شُبهَ الباطلِ بالحقِّ مَحاها
طاهرٌ لو سبقَ الدّهرُ به / جاذبَ العِترةَ في فضلِ كِساها
سمِحٌ يبسُطُ للوفدِ يداً / تمّ معنى الجودِ فيها وتناهى
راحةٌ مبسوطةٌ لو مدّها / للسّما أمكنَها قبْضُ سُهاها
نارُها مشبوبةٌ في لجِّها / تقذِفُ العسجدَ أمواجُ لُهاها
ظُلِّلَتْ علياؤهُ في رايةٍ / تنسِفُ الأعلامَ في خفْقِ لِواها
رايةٌ منصوبةٌ في رفعِها / تنصبُ الأعداءُ في كيِّ جَواها
حائزٌ غُرَّ خِصالٍ زيّنَتْ / عطلَ الأيّامِ في حُسْنِ حُلاها
غبَطَتْها أنجُمُ الأفْقِ فَها / هيَ في الإشراقِ فيها لا تُضاهى
لو بأفكارِ اللّيالي خطرَتْ / بيّضَتْ أنوارُها سودَ إماها
يا عليَّ المجدِ لا زالَتْ بكُم / تشرقُ الدُنيا ولا زِلتُم ضِياها
ولدَتْكُم والنّواصي شُعلةٌ / فجرى في عودِها ماءُ صِباها
كانتِ الأيّامُ مرضى قبلَكُم / فاِستفادَتْ من معانيكُم دَواها
حسُنَتْ أوقاتُها فيكُم فلا / زلتُمُ يا رونَقَ الدّهرِ بَهاها
كلُّ أخبارِ المعالي والنّدى / عنكمُ صحّتْ ومنكُم مُبتداها
عِترةٌ قد صحّ عندي أنّها / ليس للأيّامِ أرواحٌ سِواها
سيّدي هُنّيتَ بالصّومِ وفي / بهجةِ الإفطارِ واِنعَمْ في هَناها
وتلقَّ العيدَ بالبِشْرِ فقد / جاءَ منكُم يجتدي قَدراً وجاها