أقسمَتْ لا يَعْصِ جبَّارٌ هواها
أقسمَتْ لا يَعْصِ جبَّارٌ هواها / أبَدَ الدهرِ وإنْ كان إلها
لا ولا أفلَتَ منها فاتنٌ / قرَّبَتْهُ واحتوتهُ قبضتاها
قِيلَ عنها إنّها ساحرةٌ / تتحدَّى سطوةَ الجنِّ سُطاها
وعجوزٌ بالصِّبا موعودةٌ / وبعمرِ الدهر موعودٌ صباها
حَذِقَتْ عِلمَ الأوالي ووعتْ / قصصَ الحبِّ ومأثورَ لغاها
قِيلَ لا يُذهِبُ عنها كيدَها / غيرُ شيطانٍ ولا يمحو رُقاها
ورووا عنها أحاديثَ هوىً / آثمٍ يُغرِبُ فيها من رواها
وأساطيرَ ليالٍ صُبِغَتْ / بدماءٍ سفكتهنَّ يداها
يذكرُ الركبانُ عنها أنّها / سرقتْ من كل حسناءَ فتاها
وقتيلٌ بين عينيْ زوجه / كلُّ معشوقٍ دَعتهُ فعصاها
كلما التذّتْ وصالاً من فتىً / سحرَتهُ وهو في حِضنِ هواها
واحتوتهُ في أصيصٍ زهرةً / يسرِقُ الأنفاسَ من طيب شذاها
زهراتٌ مثَّلتْ عشّاقها / بعيونٍ غرِقاتٍ في كراها
فإذا ما الليلُ أرخى سِتره / أطلقَتْ أشباحَهم في منتداها
مُهَجا خفّاقة ملتاعةً / وعيوناً ظامئاتٍ وشفاها
تستعيد الأمسَ في لذاتها / ولياليها وأشواقِ رُؤاها
تتلوّى بينهم مشبوبةً / شهوةً يلتهمُ الليلَ لظاها
عبرَ الشيطانُ يوماً أُفقَها / فرأى ثمَّ فنوناً ما رآها
أيُّ وادٍ رائعٍ أحجارُهُ / تحذر الرّيحُ عليهنّ سُراها
أيُّ قصرٍ باذخٍ في قمّةٍ / تحسَبُ الأنجمَ من بعض ذُراها
ودروبٍ حولها ملتفّةٍ / كأفاعٍ سُمِّرتْ في منحناها
وبروجٍ لحمامٍ زاجلٍ / هو بالأقدارِ يهفو من كُواها
ظنَّها من عبقرٍ ناحيةً / أخطأتْ عيناهُ بالأمس صُواها
فهوى من حالقٍ يرتادُها / طُرقاتٍ زخرفَ الفنُّ حصاها
ورنا حيث رنا فاهتاجه / منظرُ الزَّهر الذي زان رباها
أُصص من ذَهَبٍ تحسبُها / بعثرتْ فيها الدراريُّ سناها
كلما مَسُّتْ يداه زهرةً / عطفَتهُ لقطافٍ شفتاها
فجنَى ما شاءَ حتى لم يَدَعْ / في أصيصٍ زهرةً إلَّا جناها
وانتشى من عطرها فانتثرتْ / مثل حبَّاتٍ من الماس يراها
عجباً ما لمستْ غيرَ الثرى / أيُّ نورٍ شاعَ فيها فزهاها
نظرةٌ أو خطرةٌ واختلجتْ / فعرتهُ هِزّةٌ مما عراها
واستحالت بين عينيه دُمىً / حيَّةً تستبقُ البابَ خطاها
فُكَّ عنها السحرُ فارتدتْ إلى / عالم الحسِّ وخفّتْ قدماها
ورنا الشيطانُ في آثارها / سابحاً في دهشةٍ طال مداها
يا لها كيف استقرت ثم فرّت / لحظة مرت ولكن ما وعاها
ودنا الليلُ ورنّتْ صدحةٌ / نبّهته حين لا يبغي انتباها
فإذا مائدةٌ حافلةٌ / بالأباريقِ ترامى طرفاها
ملؤها الخمرةُ نوراً وشذاً / نَسَمَتْ وائتلقتْ فخَّارتاها
وصحافٍ كتهاويلِ الرؤى / تجد الأنفسُ فيها مُشتهاها
وإذا مقصورةٌ من حوله / خالها تَنبضُ بالرُّوح دُماها
وقفت غانيةٌ في بابها / قد تعرَّت غيرَ فضلٍ من حُلاها
يا لها من فتنةٍ قد صُوّرَتْ / في قوام امرأةٍ راع صباها
طلعتْ في هالةٍ من خُضرةٍ / وعيونٍ يترقرقن مياها
ثم نادتْ يا أحبَّايَ انهضوا / واغنموا الليلةَ حتى منتهاها
وتلاشى الصوتُ لا رجعَ صدىً / لا ولا ثمَّ مُجيبٌ لنداها
فعرتها رِعدةٌ فالتفتتْ / فرأتْهُ فتلقّاها وِجاها
أبصرتْ وجهاً كوجه المسْخِ لم / يَتَقنَّعْ شاهَ هذا الوجهُ شاها
ورأت كفَّيهِ يَندى منهما / أرَجُ الزَّهر فأجَّتْ نظرتاها
عرفتْ ما اجترحتهُ يدُهُ / أو لا يعرفُ من داسَ حماها
يا لهذا المسخ دَوّتْ ومَشَتْ / صيحةٌ ينذر بالويل صداها
فانثنى الشيطانُ عنها صارخاً / أتراها تتحدَّى من تُراها
فبَدتْ في شفتيها آيةٌ / من مُبين السِّحر أو ما فمحاها
فَدَنَتْ ترمقهُ فاختلجتْ / عينهُ حين أشارتْ بعصاها
بُدِّلتْ تلك العصا جمجمةً / رِيعَ لمّا شرَعتها فاتقاها
هيَ من مَلْكةِ جِنٍّ من تُصِبْ / يخترمهُ بالمنايا محجراها
فتنحّى غاضباً مبتئساً / وتنحَّتْ والأسى يُلجِمُ فاها
وسجى بينهما الصمتُ الذي / يتغَشّى الأرضَ إن حان رداها
والتقتْ عيناهما فاستروحا / راحةً من قبلها ما عرفاها
عرفتْ من هو فاستخذتْ له / ورأى من هي فاستحيا قُواها
قال أختاهُ اغفري لي نظرةً / إشتهتْ كلَّ جمالٍ واشتهاها
واغفري لي شِرَّةً عارمةً / في دمي لو أتأبَّى ما أباها
يا لهذا الدم ما عنصرُهُ / كلُّ ما في النار من وَقْدِ لظاها
فأجابتْ زهراتي رُدَّها / إنْ تَقُلْ حقاً ولا تبغ أذاها
قال لا أذكر إلا حُلُماً / لحظةً ضلَّ بها عقلي وتاها
أهيَ جِسمٌ أهي روحٌ إن تكنْ / لا يَردُّ الروحَ إلا من براها
فأحسَّتْ هول ما يجهلهُ / فاستحت منه وأغضَى ناظراها
صاحَ غفرانُكِ لا تبتئسي / أطلبي ما شئتِ منِّي ما خلاها
أأنا من تتخَطّى قدَمي / مَسبحَ الشمس فيربدُّ ضحاها
أأنا من يطفئُ النجمَ فمي / وأردُّ الأرضَ غرقى في دُجاها
وتمسُّ القممَ الشمَّ يدي / فيُرى منحدِراً لي مُرتقاها
وأجيءُ الأرضَ من محورها / فإذا بي يتدانى قطباها
وأصدُّ الريحَ عن وجهتها / فتجوبُ الكونَ لا تدري اتّجاها
أأراني عاجزاً عن دركِ ما / تتمنَّى امرأةٌ عزّت مناها
آهِ ما أضعفَ سلطاني وما / كنتُ إلَّا بغروري أتباهى
قالت الآن سلاماً زائري / ورِضى نفسي إن رُمْتَ رضاها
أيها الشيطانُ ما أعظم ما / قُلْتَهُ ما قُلتَ لغواً أو سفاها
زهراتي تلك ما كانت سوى / شهواتٍ جسميَ الطاغي نماها
قهرتني واستذلّتني بها / غيرَةٌ ينهشُ قلبي عقرباها
وأنانيةُ أنثى لم تُطِقْ / فاتناً تملكهُ أنثى سواها
قد صَنَعْت الحقَّ قد عاقبتني / فارحمِ المرأةَ في ذُلِّ هواها
فدنا منها فألفتْ وجههُ / غير ما كانَ لقد ألفَتْ أخاها
قرّبتْ بينهما روحُ الأسى / فاجتبتهُ بعدَ حِقد واجتباها
واستهلّت دمعةٌ منْ عينها / دمعةٌ رفّتْ وشفّتْ قطرتاها
ضُمِّنتْ كلّ عذاب وضنىً / كلَّ ما في النفس من بثِّ أساها
ورآها فتندّتْ عينهُ / رحمةً فاحتال يُخفي من بُكاها
وبكى الشيطانُ يا لامرأةٍ / أبكتِ الشيطانَ لمَّا أنْ رآها