هذه " ملفرد " قد لاحت رباها
هذه " ملفرد " قد لاحت رباها / فانس يا قلب اللّيالي و أذاها
واشهد الفنّ سفوحا و ذرى / و الهوى الصافي أريجا و مياها
ههنا أودعت أحلام الصبا / أفما تلمح نورا في ثراها ؟
أتلقى الوحي عن بلبلها / و هو و لهان يغني لرباها
و تحسّ الوحي روحي هابطا / من سماها في ضحاها و مساها
ذهبت عشرون في فرقتها / ليتها فيها انقضت لا في سواها
كم جلسنا تحت صفصافتها / أشتكي وجدي و تشكو لي هواها
و السّواقي استترت إلاّ غناها / و الرّوابي هجعت إلاّ شذاها
و الصدى في الغاب لم ننبس معا / نسبة إلاّ وعاها و حكاها
نتناجى ويدي في يدها / فإذا لاح خيال نتلاهى
أنا دنيا من شباب و هوى / و هي كالروضة قد تمت حلاها
أحسن الأيّام في العصر انقضت / آه لو ينشرها من قد طواها
صرت في نيويورك طيفا شاردا / مع طيوف حائرات في سراها
طرحت عنها رؤاها و مضت / ننشد المجد الذي فيه شقاها
كنعاج عميت أبصارها / ووهت في طلب العشب قواها
كلّما جدّت لكي تدركه / وجدته صار في الأرض وراها !
أين في نفسي رؤى تسعدها ؟ / سرقت نيويورك من نفسي رؤاها
في يدي أمري و لا أملكه / و معي ذاتي و أخشى أن أراها !
هذه " أمّ القرى " قف في حماها / تسترح نفسي من بعض جواها
ههنا الإنسان يلقى ذاته / ههنا لا يحجب المال الإلها
لا تقل لي جئتها عارية / فقرها عندي جميل كغناها
لم يزل للصيف فيها عبق / و سماء الصيف ما زالت سماها
لا يزال الحبّ في شلالها / و بواديها حديثا وانتباها
لم يجردها الشتا من وشيها / بل كساها روعة فوق بهاها
فهي في ديباجة من صبغه / ما رآها أحد إلاّ اشتهاها