المجموع : 3
اكْشفوا التُرْبَ عن الكَنْز الدفينْ
اكْشفوا التُرْبَ عن الكَنْز الدفينْ / وارفعوا الستْرَ عن الصبح المبينْ
وابعثوه عَسْجداً مُؤْتلِقاً / زاد في لألائه طولُ السنينْ
وانتضوا من غمدِه سيفغَ وَغىً / كان إن صال يَقُدُّ الدارعين
وقناةً جَلَّ من ثَقَّفها / للحِفاظِ المُرِّ والعزم المكين
لوتِ الدهرَ على باطله / وهي كالحقِّ صَفاةٌ لا تلين
هزمت جيشَ الأباطيلِ فما / غادرتْ غير جَريح أو طعين
كتب اللّه على عامِلها / إنما الْخُلْدُ جزاءُ العاملين
جدت ضمَّ سناء وسنا / ومصاص الطهر في دنيا ودين
طاعة الأملاك فيه امتزجت / في السموات بعز المالكين
فتشوا في الترب عن عزمته / وعن الإقدام والرأي الرصين
واخفضوا بالصمت في محرابه / أفصح الألسن صمت الخاشعين
وانتحوا من قبره ناحيةً / واحذروا أن تزحموا الروح الأمين
وحنانا بضريحٍ طالما / صقلته قبلات الطائفين
وجثت مصر به خاشعة / تذرف الدمع على خير البنين
صَيْحَةٌ قدْسِيَّةٌ إن سكتتْ / فلها في مِصْرَ رَجْعٌ ورَنينْ
وعَرينٌ حَلَّ فيه ضَيْغَمٌ / رحمةُ اللّه على لَيْثِ العرين
ومضاءٌ عَرَفَتْ مِصْرُ به / أنَّ للحقِّ يميناً لا تمين
لا أرَى قَبْراً ولكني أرَى / صفحةً من صَفحاتِ الخالدين
أو أراه قَصَبَ المجدِ الذي / دونه ينفَقُ جُهْدُ السابقين
أو أراه عَلَماً في فَدْفَدٍ / لمعتْ أضواؤُه للحائرين
أو أراه روضةً إنْ نَفَحتْ / خَجِلَ الوردُ وأغْضَى الياسَمين
أو أراه دَوْحَةً وارفةً / نَشَرَتْ أفياءَها للاجئين
أو أراه قلبَ مصرٍ نابضاً / بِمُنىً تمحو من القلبِ الأنينْ
نَقَلوا التابوتَ تَحْتَفُّ به / رَحَماتٌ من شِمالٍ ويمين
ذاك بَعْثٌ حَيِيَتْ مصرُ به / من جديدٍ تلك عُقبى الصابرين
هل علمتم أنَّ مَنْ واريتُمُ / في حَنايا كلِّ مصريٍ دفين
ما لِسعدٍ حُفْرةٌ واحدةٌ / هو مِلءُ القلبِ ملءُ الأرَضين
كلُّ بيتٍ فيه سعدٌ ماثلٌ / في إطارِ من حَانٍ وحنين
نظرةُ الرئْبالِ في نظرته / وانبلاجُ الحقِّ في ضَوْءِ الجبين
وضعتْ مصرُ به آمالَها / فاستقرَّتْ منه في حِصْنٍ حصين
هو للأَبناءِ عمٌّ وأبٌ / وهو للآباءِ خِلٌّ وخَدينْ
كان سعدٌ عَلَماً منفرداً / هل يُرَى للشمس في الأفْقِ تَنين
إنّ أمَّ المجدِ مِقْلاتٌ فكم / سَوَّفَتْ بين جَنينٍ وجَنين
تبخَل الدنيا بآسادِ الشرَى / أيّها الدنيا إلى كم تَبْخَلين
أنتِ قد أنجبت سعداً بطلاً / وقليلٌ مثلَه مَنْ تلدين
وجدتْ مصرُ به واحدَها / ربَّ فَرْدٍ بأُلوفٍ ومئين
ومن الناسِ نضارٌ خالصٌ / ومن الناس غُثاءٌ وغَرين
ومن الناس أسودٌ خُدَّرٌ / ومن الناس ذُبابٌ وطنينْ
قاد للمجد مناجيد الحمى / كلُّهم أرْوَعُ مُنْبَتُّ القَرينْ
تقرأُ الإقدامَ في صفحتهِ / مثلَما تقرأُ خطَّ الكاتبين
كلّما مرّتْ به عاصفةٌ / زَعزَعٌ مرَّت على طَوْدٍ رَكين
تقرَعُ الأقدارُ منه عَزْمَةً / أنِفَتْ صخرتُها أنْ تستكين
يا بني الرُبّانِ لا تستيئسوا / إنْ مضى الموتُ برُبانِ السفين
إنّ سعداً أخضع الريح لكم / والبقيَّاتُ على اللّه المعين
لاحتِ الفرصةُ في إبّانِها / إنها لا تُرْتَجَى في كلِّ حين
فهلمّوا فاقْنِصوا طائرَها / كلّكُمْ بالسبق والنصر قمين
صَدَقَ اللّه تعالَى وعدَه / إنما الفوزُ ثواب المخلصين
هزّتِ البُشْرَى جَناحَ الخافقيْنْ
هزّتِ البُشْرَى جَناحَ الخافقيْنْ / ومضتْ تخطِرُ بين المشرقيْنْ
وتهادَى النيلُ نشوانَ الهوىَ / ينثرُ الأزهارَ فوْق الشاطئينْ
كَمْ وكم للّهِ في الناسِ يَدٌ / يعجِزُ الشكرُ عليها باليدينْ
دُرّةٌ من سُؤدَدٍ لامعةٌ / ضمّها العرشُ لأغلى دُرَّتينْ
دُرّةٌ للمُلْكِ ما ماثلها / كَرَمُ التبْرِ ولا صَفْوُ اللجينْ
وشعاعٌ زاد في لأْلائِهِ / أنّه من لَمحاتِ النيِّرينْ
وشذىً من زهرةٍ ناضرةٍ / جمّلتْ في مصرَ أزهَى زهرتينْ
شرفُ الدوْحَة لاقَى شرفاً / فنما الفرعُ شريفَ المبِتَيْنْ
قرّتِ الأعْيُنُ لمَّا أنجبتْ / مصرُ للدنيا بها قرّةَ عَيْنْ
ونجا فاروقُها فاستبشرت / وصفا الدهر فكانت بُشْرَيَيْنْ
فاجتلت مصرُ مناها مرّةً / ثم عادت فاجتلتها مرَّتينْ
كم وقفنا نرتجي البُشْرَى كما / يُرْتَجَى بدرُ الدجَى في ليل غَيْنْ
واتجهنا نحو عابدين التي / أصبحتْ ثالثةً للقبلتينْ
صورةٌ للحبِّ ما أصدَقَها / ومن التصوير تزييفٌ ومَيْنْ
ومشى أجدادُها في مَوْكِبٍ / زاحم الدهرُ به بالمنكِبَينْ
مَوْكِبٌ قد خفَقَت أعلامهُ / وعلت فوقَ مَناطِ الفرقديْنْ
لم تَرَ العينُ له مثلاً ولا / خطرتْ أوصافُه في أذنينْ
يخْطِرُ التاريخُ فيه مثلَما / يخطِرُ الفارسُ بين الجحفَلَيْنْ
فيه مُحْيي مصرَ في أبنائه / زينةِ الدنيا وفخرِ المَلَوينْ
من كإسماعيلَ في آلائِهِ / أو كإبراهيم حامي الْحَرَميْنْ
جذوةُ الحربِ إذا ما اشتعلتْ / وبدا الشرُّ وأبدَى الناجذين
جمع الضادَ إلى رايته / مذ رآها أثَراً من بعدِ عَيْنْ
بدّدَت دُهْمُ الليالي شملَها / والليالي كلُّها من أبَوَيْنْ
فحباها وَحْدَةً ما عرفتْ / في الهَوى حدّاً لأقصى بلدينْ
وصلتْ رضوَى بلُبْنانَ كما / مزجت بالنيل ماءَ الرافدينْ
عجباً من آيةٍ كانتْ له / أصحتْ بابنِ فؤادٍ آيتيْنْ
ليس للعُرْبِ سواه عاهلٌ / يبهرُ الدنيا بعدلِ العُمَرينْ
زيّنتْه نشأةٌ طاهرةٌ / وهو للطهْرِ وللنشأةِ زَيْنْ
قانتٌ للّه في محرابِهِ / لم يَشُبْ آمالَه في اللّه رَيْنْ
مَلِكٌ يجتابُ ثوبيْ مَلكٍ / أينَ مَنْ يُشبهُه في الناس أينْ
سرَقَ النيلُ الندَى من كفِّه / فأسَالَ التِبْرَ فوق الواديينْ
حُبُّه دَيْنٌ وَدِينٌ للورَى / يَا لهُ في الحبِّ من دِينٍ ودَيْنْ
وبنى الملكَ أبوهُ جاهداً / فسَما فوق بناءِ الهَرَمينْ
عَلَوِيُّ العزم إنْ رام العلا / لم يضِقْ ذَرْعاً ولم يمَسْه أيْنْ
رفع الشعرَ إلى منزلةٍ / لم ينلْها في زمان ابن الْحُسَينْ
دَوْلةٌ قامتْ تناغِي دوْلةً / فنعِمْنا في ظِلال الدولتينْ
ربَّما في الشعرِ قامتْ صَفْحةٌ / بالذي يَعْيا به ذو الصفْحتينْ
إنّما الشعرُ على كثرتهِ / لا تَرى فيه سوى إحدى اثنتينْ
نفحةٌ قُدْسِيَّةٌ أو هَذَرٌ / ليس في الشعر كلامٌ بَيْنَ بَينْ
سلِمَتْ للتاجِ أصفَى دُرّةٍ / وأقرَّ اللّهُ عيْنَ الوالدينْ
جمعَ اللّهُ لها الْخيرَ كما / جمعَ الدنيا لنا في مَلِكَينْ
سكت الصوت الذي دوّى زمانَا
سكت الصوت الذي دوّى زمانَا / وطوى الموتُ من الفصحى بيانَا
الفصيحُ القول قد أخرسه / قدرٌ يُخرس في الموت اللسانا
ما عهدناه على المنبر إلاّ / ماضياً كالسيفِ نصلاً وسنانا
يُرسل الأشعارَ حمراء اللّظى / والأغاريدَ صفاءً وليانا
كان صوتاً عربياً خالصاً / يسلك البيد ويستّن الرعانا
يقطعُ الأرض وهاداً وربىً / ويشق الجوَّ متناً وعنانا
بين بيروت وبغداد ترى / منه في الشعر الكريماتِ الحسانا
يُرسل الصيحةَ بالحق كما / يُرسل الناعي إلى اللّه الأذانا
كان في الحزمة أقوى مكسراً / أيُّ خطبٍ دهم العودَ فلانا
أيّها الشاعرأزمعت السرى / وتخيرت على البيْن الأوانا
كنت تهوى كل جحفلٍ حاشدٍ / فرماك الموتُ في الحفل عيانا
لم تمت فوق سريرٍ ناعمٍ / يكتسي ندا ويندى زعفرانا
إنما مت خطيباً في فمٍ / باغمٍ قد فقد اليوم الحنانا
من يجيب اليوم أبناءك إن / هتفوا باسمك فيهم يا أبانا
أيّها الضوء الذي أبصرته / لم يثر ولم ينفث دخانا
كنتَ في الشعر مكاناً عالياً / من تُرى بعدك يستد المكانا