المجموع : 8
سيّدُ الرُّسُلِ وأمُّ المؤمنينْ
سيّدُ الرُّسُلِ وأمُّ المؤمنينْ / بشِّرِ الأبطالَ بالنّصرِ المُبينْ
خرجت في الجيشِ ترجو ربَّها / عِصمةَ الراجي وعونَ المستعينْ
ينصرُ الحقَّ ويقضي أمره / إن رماه كلُّ أفَّاكٍ مَهينْ
اصبري إن جلَّ أمرٌ إنّها / يا ابنةَ الصِّديقِ دُنيا الصالحينْ
أرأيتِ الأرضَ لمّا رجفتْ / إذ هَوى عِقْدُكِ بل لا تشعرِينْ
اقشعرّتْ وتمنّتْ لو هَوَى / كل عالٍ من رواسيها مَكِينْ
أنتِ في شأنكِ إذ تبغينه / وهي في همٍّ وغمٍّ وأنينْ
سوف يُبدي الخطبُ عن روعتِه / بعد حينٍ فاصبري حتى يَحينْ
رفعوا الهودَجَ والظنُّ بها / أنّها فيهِ وساروا مُدلِجِينْ
وانجلى اللّيلُ عن الخطبِ الذي / غادرَ الإصباحَ مُسَودَّ الجبينْ
أين غابت أيَّ أرضٍ نزلت / كيف غُمَّ الأمرُ هل من مُسْتَبِينْ
يا رسولَ اللهِ صبراً إنّها / في ذِمامِ اللَّهِ رَبِّ العالَمِينْ
يا أبا بكرٍ رُويداً إنّنا / لَنراها في حِمَى الرُّوحِ الأمِينْ
رجعتْ واللّيلُ في بُرْدَتِه / دائمُ الإطراقِ كالشّيخِ الرزينْ
ذهب الجيشُ وأمستْ وحدَها / غيرَ أصداءٍ من الوادِي الحزينْ
خطرت في الجوِّ من أنفاسِها / خَطَراتٌ للأسى ما ينقَضِينْ
ماجَ كالبحرِ طغتْ أثباجُه / وارتمت أهوالهُ حولَ السّفِينْ
نام عنها الهمُّ لمّا رقدت / فَهْوَ في الأحشاءِ مكتومٌ دفينْ
وأتى صفوانُ ما يبدو له / غيرُ شيءٍ ماثلٍ للنّاظرينْ
يُرسِلُ الطرفَ ويَمشِي نحوها / مِشيةَ المُرتابِ في رِفقٍ ولينْ
عرف الخطبَ فما أصدقَهُ / حين يدعو دعوةَ المسترجعين
دعوةً رنَّتْ فلو قِيلَ اسمعوا / لَسمِعْنا اليومَ ترداد الرنينْ
أيقظت عائشةً من نومها / مثلما يُوقِظُها صوتُ الأذينْ
جفلَتْ منه فغطّتْ وجَهها / وهيَ في سِترين من عقلٍ ودينْ
يَصرفُ اللّحظَ كليلاً دُونها / خاشعَ القلبِ كدأبِ المتقينْ
قرَّب النّاقةَ منها ودعا / اركبي أُمّاهُ مُلِّيتِ البنين
أخذَ المِقْوَدَ يُمناً ومَضى / يتبع الماضِينَ من أهل اليمين
يَنتحِي يثربَ بالنّورِ الذي / يملأُ الدنيا ويُعيي المطفئين
نشروا الإفكَ فساداً وأذىً / وعلى اللَّهِِ جَزاءُ المفسدِينْ
لا ينالُ الحقَّ في سُلطانِه / كذبُ الحَمقى وإفكُ المرجِفين
يا لها من عُصبةٍ فاسقةٍ / هاجها للشرِّ شيخُ الفاسقين
وَجدتْ فيه زَعيماً حاذقاً / وإماماً بارعاً للمُفترِينْ
هكذا يا ابنَ أُبيٍّ هكذا / لا يكن شأنُك شأنَ المسلمين
انْفُثِ السُّمَّ وَخضها فتنةً / تَتلظَّى نارُها للخائضين
يا ابنةَ الصِّديقِ صبراً ليته / ألمُ المرضَى وَهَمُّ الموجعينْ
يا لها من علّةٍ لو تعلمين / إنّها أبرحُ ممّا تشتكين
أعقبَ البشرَ عُبوسٌ وبدا / من رسولِ اللهِ ما لا ترتضِينْ
كيفَ تِيكُمْ ليس من عادته / كيف تيكم يا لهم من مجرمين
غَيَّروه فلوى من عِطفِه / وطوى من لُطفِهِ ما تعهدينْ
وهو يُخفِي لك ما لا ينقضي / من هوىً صافٍ وشوقٍ وحنينْ
سَجَن السرَّ وكم من روعةٍ / لكِ يا أُمّاهُ في السِّرِّ السجينْ
أنصتي فالليلُ مُصغٍ أنصتي / وَقَع الخطبُ فماذا تصنعين
جاشتِ النَّفسُ ولجَّتْ رعدةٌ / لم تدع في القلب من رُكنٍ ركينْ
مِسْطَحٌ لا قرَّ عيناً مِسطحٌ / شبَّها ناراً تهولُ المُصطلينْ
فضحته عَثرةٌ من أُمِّهِ / فانظري كيدَ ذويكِ الأقربينْ
لا تلوميها إذا ما غَضبتْ / إنّها تَعلمُ ما لا تَعلمينْ
أرسلَتْها دَعوةً واحدةً / ليتها زادتْ على حَدِّ المِئينْ
تَعِسَ الثعلبُ ما أخبثَهُ / فَدَعِي بَدراً وآسادَ العرِينْ
رجعتْ في غمرةٍ من همِّها / لم تَبِتْ منها بليلِ الراقدينْ
لوعةٌ مشبوبةٌ في سَقَمٍ / في شآبيبَ من الدَّمعِ السخينْ
يا رسولَ اللَّهِ هل تأذنُ لي / إنّ بيتي بِمُصابي لَقمينْ
مُرْ ودَعْ همّي لأُمّي وأبي / إنما استأذنْتُ خيرَ الآمرِينْ
بَانَ حُسنُ الصَّبرِ والعزمُ انطوَى / وأرى السُّقمَ مُقيماً ما يَبينْ
قال ما شئتِ هلمِّي فافعلي / لكِ يا صاحبتي ما تُؤثِرينْ
ذهبتْ يحزنها أن لم تكن / طوَّحَ الدَّهرُ بها في الذَّاهبينْ
ثم قالت وهي تبكي عجباً / لكِ يا أُماه ماذا تكتمينْ
أفلا نبَّأتني ما زعموا / ويحهم ما حيلتي في الزاعمين
ظلموني ما رعوا لي حُرمةً / ربِّ كُنْ لي ما أقلَّ المنصفين
جزع الصدِّيقُ ممّا نابَهُ / إنه خَطبٌ يَهولُ الأكرمين
قال أُفٍّ لكِ من داهيةٍ / ما رُمينا بكِ في ماضي السِّنينْ
أفَلمَّا زاننا دِينُ الهدى / ساءنا منكِ حديثٌ لا يزين
كيف تيكم يا لها صاعقةً / أُرسِلَتْ من فمِ خيرِ المُرسلينْ
كيف تيكم كيف تيكم كلَّما / جاء إنّ اللَّهَ مولى الصَّابرينْ
اصبري يا ربَّةَ العِقْدِ الذي / زِينَ من عينيكِ بالدُّرِ الثمين
أوجعتها من عليٍّ شِدَّةٌ / هي من دأبِ الأُباةِ الأوّلينْ
سَلَّطَ الضربَ على مولاتها / أيُّ سرٍّ عندها للضاربين
أقسمتْ صادقةً ما علمت / غيرَ ما يدفعُ دعوى الواهمين
التُّقَى والبرُّ في تاجَيْهِمَا / هل رأى التاجَيْنِ أعلى المالكين
مرحباً بالحقِّ يَحمِي جُندُهُ / ما استباحتْ تُرَّهاتُ المبطلين
مرحباً بالوحي يجلو ما طَوتْ / ظُلماتُ الشكِّ من نُورِ اليقينْ
مرحباً بالرُّوحِ يُلقي من عَلٍ / رحمةَ اللَّهِ تُغيثُ المؤمنين
فِتنةٌ جلّتْ فَلّما انكشَفِتْ / أزلفوا الشُّكرَ وراحوا راشدين
وتجلّت غَمرةُ الهادي فلا / رِيبَةٌ تَغشى ولا ظَنٌّ يرين
يا ابنةَ الصِّديقِ طِيبي وانعمي / ذاك حكمُ اللَّهِ خيرِ الحاكمين
ضرب القومَ بماضٍ مِخذَمٍ / من مواضيهِ فولّوا مُدبرين
سَقطوا صَرْعَى عليهم غَبرةٌ / من قتام البغيِ تُخزِي الظالمين
أمسك الصِّدِّيقُ من معروفهِ / يُنكِرُ الغدرَ وينهَى الغادرين
وطوى عن مِسْطَحٍ نِعمتهُ / ليرى حقَّ الكرامِ المنعمين
عاله دهراً فلمّا خانه / رَاحَ يَجزيه جَزاءَ الخائنين
سُنَّةُ العدلِ قضاها مَن قَضَى / سُنّةَ الرحمةِ بين الراحمين
نزل الذكرُ بها قُدسيَّةً / فعفا النَّاقِمُ وارتاحَ الضنين
اجعلِ الخيرَ قريناً إن أبى / كلُّ غاوٍ إنّه نِعمَ القرين
جلَّ ربّي وعلا كلُّ امرئٍ / بالذي يكسبُ من أمرٍ رهين
رَبِّ أَحبِبني وَأَحبِب أُسرَتي
رَبِّ أَحبِبني وَأَحبِب أُسرَتي / وَاِعفُ عَن قَومي وَبارِك وَطَني
رَبِّ هَذِّبني وَطَهِّر سائِري / مِن قَذىً يَعلَقُ بي أَو دَرَنِ
وَاِصرِفِ المَكروهَ عَنّي وَالأَذى / وَاِكفِني اللَّهُمَّ شَرَّ الفِتَنِ
رَبِّ داوِ النَفسَ مِن أَدوائِها / قَبلَ أَن تُودي وَيُودي بَدَني
كانَ ما كانَ وَلَولا ما مَضى / مِنكَ في تَكوينِهِ لَم يَكُنِ
بِكَ أَستَهدي فَسَدِّدني إِلى / أَرشَدِ السُبلِ وَأَهدى السَنَنِ
رَبِّ وَفِّقني وَكُن عَوني عَلى / شُكرِ ما أَولَيتَني مِن مِنَنِ
أَطهَرُ الأَقلامِ مِن آثارِها / حينَ أُحصيها وَأَزكى الأَلسُنِ
رَبِّ أَمِّني فَإِنّي عائِذٌ / بِرَجاءِ الخائِفِ المُستَأمِنِ
ما لِنَفسي فيكَ ما تَملِكُهُ / غَيرَ ما تَملِكُ نَفسُ المُؤمِنِ
ثِقَةٌ ما خالَطَتها ريبَةٌ / وَيَقينٌ ما بِهِ مِن وَهَنِ
رَبِّ هَذا سَبَبي أُدلي بِهِ / رَبِّ فَاِمدُد سَبَبي لا تُخزِني
هَب لِقَومي مِنكَ جَدّاً عالِياً / يَتَذَرّى عالِياتِ القُنَنِ
جَثَمَ الضَيمُ بِهِم في حُفرَةٍ / جَثَمَت فيها عَوادي الزَمَنِ
كُلَّما قُلتُ أَما مِن نَهضَةٍ / نَهَضَت فيهِم فَهاجَت حَزَني
رُبَّ لَيلٍ بِتُّهُ من أَجلِهِم / يَتَحاماني مَطيفُ الوَسَنِ
ضارِباً في غَمرَةٍ ما تَنجَلي / مِن هُمومٍ كَالخِضَمِّ الأَرعَنِ
طامِياتٍ يَتَرامى مَوجُها / بِالأَماني حائِراتِ السُفُنِ
لَستُ أَدري أَهمو في مَوطِنٍ / يَجمَعُ الأَحياءَ أَم في مَدفَنِ
وَيحَ قَومي غَرَّهُم إِذ هَلَكوا / رَونَقُ القَبرِ وَحُسنُ الكَفَنِ
سَكَنَت نَفسي إِلى اليَأسِ وَبي / مِن هُمومي عاصِفٌ لَم يَسكُنِ
عَزَّتِ الشورى عَلَيهِم فَاِشتَروا / ما اِشتَروا مِنها بِأَغلى ثَمَنِ
ثُمَّ ناموا نَومَةَ الدَهرِ وَما / غَفَلَت عَنهُم عُيونُ المِحَنِ
يا أُساةَ الشَعبِ إِن أَعتِب فَقَد / شَفَّني من دائكم ما شفَّني
عالَجوا مَرضى قُلوبٍ عَمِيَت / وَتَمَشّى داؤُها في الأَعيُنِ
عالَجوا الداءَ وَلَمّا يُعيكُم / وَاِكشِفوا الكَربَ وَلَمّا يُردِني
هُم أَضاعوا حَوزَةَ المُلكِ وَهُم / أَوطَأوهُ أَخمَصَ المُمتَهِنِ
خَذَلوهُ رَوَّعوهُ هَدَموا / مِنهُ ما اِستَنفَدَ جُهدَ المُبتَني
طافَ بِالقَومِ يُحَيّي المُؤمِنينْ
طافَ بِالقَومِ يُحَيّي المُؤمِنينْ / وَيُنادي كُلَّ ذي عَقلٍ وَدينْ
مُؤمِنٌ ما زَلزَلَتهُ بِدعَةٌ / مِن أَباطيلِ الدُعاةِ المُشرِكينْ
قَهَرَ الطاغوتَ في عُبّادِهِ / وَقَضى المَوتَ عَلَيهِم أَجمَعينْ
جَعَلوا الدينَ لِأَربابِ الهَوى / إِنَّما الدينُ لِرَبِّ العالَمينْ
ذَهَبَ العِلجُ وَوَلّى عَهدُهُ / وَاِنطَوَت آثارُهُ في الغابِرينْ
فَتَنَ القَومَ فَخَرّوا سُجَّداً / لِإِلَهٍ قامَ مِن ماءٍ وَطينْ
شَرُّ مَعبودٍ تَرَدّى حَولَهُ / مِن بَني فِرعَونَ شَرُّ العابِدينْ
مَلَكَ الأَمرَ فَجاءوا خُشَّعاً / وَرَأى الرَأيَ فَراحوا مُذعِنينْ
اشهَدي يا مِصرُ أَعمالَ البَنينْ
اشهَدي يا مِصرُ أَعمالَ البَنينْ / وَاِنظُري الآياتِ حيناً بَعدَ حينْ
كَشَفَ الحِدثانُ عَن مَكنونِها / فَأَزالَ الشَكَّ عَن وَجهِ اليَقينْ
ذَلِكَ الجِدُّ فَذوقي مُرَّهُ / وَخُذيهِ مِن أَكُفِّ اللاعِبينْ
اشرَبي الكَأسَ دِهاقاً وَاِسمَعي / عِظةَ المَخمورِ بَينَ الشارِبينْ
أَنتِ خُنتِ البِرَّ إِذ لَم تَعرِفي / مَوضِعَ الخائِنِ وَالبَرِّ الأَمينْ
تَجعَلينَ الأَمرَ فَوضى ما لَهُ / مِن نِظامٍ واضِحٍ لِلمُستَبينْ
وَتَرَينَ الناسَ ناساً كُلَّهُم / مِن مَناجيدَ وَصَرعى خامِدينْ
أَضلالاً مِنكِ تَجزينَ الأُلى / أَفسَدوا الأَمرَ جَزاءَ المُصلِحينْ
وَتُقيمينَ رِجالاً نَقَضوا / عَهدَكِ الأَوفى مَقامَ المُخلِصينْ
إيهِ يا مِصرُ أَلَمّا تَعلَمي / حادِثاتِ الدَهرِ في ماضي السِنينْ
إيهِ يا مِصرُ اِذكُريها وَاِنظُري / أَيَّ شَعبٍ شَعبَكِ العاني الحَزينْ
وَكِلي الأَمرَ إِلى اللَهِ فَما / لَكِ في الدُنيا سِواهُ مِن مُعينْ
عُدَّةُ الأَقطارِ في شِدَّتِها / وَغِياثُ الأُمَمِ المُستَضعَفينْ
يَدفَعُ الأَهوالَ عَن مَكروبِها / حينَ لا يُرجى دِفاعُ الناصِرينْ
وَيُعيدُ المَيتَ مِن آمالِها / مُشرِقَ الطَلعَةِ وَضّاحَ الجَبينْ
مالِكُ المُلكِ مَضَت أَحكامُهُ / وَجَرَت أَقدارُهُ في العالَمينْ
ما لِنفسٍ قُوَّةٌ في مُلكِهِ / جَلَّ ذو القُوَّةِ وَالحَولِ المَتينْ
تَذهَبُ الهَزَّةُ مِن أُسطولِهِ / بِأَساطيلِ المُلوكِ القادِرينْ
وَإِذا ما هَمَّ يَوماً جُندُهُ / فَالمَنايا لِلجُنودِ الغالِبينْ
سائِلِ الغَبراءَ كَم مِن دُوَلٍ / ذَهَبَت آثارُها في الغابِرينْ
حَمَلَتها أَعصُراً ثُمَّ اِنطَوَت / في عُصورِ الذاهِبينَ الأَوَّلينْ
هَمَدَت في جانِبٍ مِن بَطنِها / يَسَعُ الأَحياءَ مِنّا أَجمَعينْ
سَل عَنِ التيجانِ وَاِنظُر هَل تَرى / فيهِ شَيئاً مِن عُروشِ المالِكينْ
وَتَأَمَّل هَل لَهُم في جَوفِهِ / مِن جُنودٍ أَو بُنودٍ أَو سَفينْ
قَلِّبِ التُربَ فَكَم في التُربِ مِن / دَولَةٍ صَرعى وَمِن مُلكٍ دَفينْ
مَعرضُ الأَجيالِ إِن طُفتَ بِهِ / فَتَمَهَّل وَاِتَّئِد في الطائِفينْ
وَاِجعَلِ المِصباحَ في ظُلمَتِهِ / عِبرَةَ المَوتِ لِقَومٍ مُبصِرينْ
إِنَّما الدُنيا حَياةٌ تَنقَضي / وَحَديثٌ نافِعٌ لِلذاكِرينْ
وَضَحَ الحَقُّ لِقَومٍ جاهِلينْ / فَاِنظُري يا مِصرُ ماذا تَأمُرينْ
أَنتِ لِلَهِ بِناءٌ قائِمٌ / تَلتَوي عَنهُ أُكُفُّ الهادِمينْ
صابِري الأَحداثَ مَهما مَكَرَت / وَثِقي بِاللَهِ خَيرِ الماكِرينْ
لا تُراعي إِنَّ مِن آياتِهِ / ما يُراعي فيكِ مِن دُنيا وَدينْ
اطلُبي ما شِئتِ مِنهُ وَارقُبي / حُكمَهُ في شَعبِكِ العاني الرَهينْ
أَهِيَ الأَحداثُ لا تُنصِفُنا / فَتَعالى اللَهُ خَيرُ الحاكِمينْ
وَيحَ نَفسي وَيحَ مِصرٍ كُلَّما / ذَكَرَت مِصرُ بَنيها الهالِكينْ
يَومَ جاشَ الهَولُ في أَرجائِها / فَاِتَّقَتهُ بِالشَبابِ الناهِضينْ
بِنُفوسٍ أَقبَلَت دَهماؤُها / تَتَرامى مِن أُلوفٍ وَمِئينْ
تَفتَدي مِصرَ وَتَقضي حَقَّها / وَتُريها هِمَمَ المُستَبسِلينْ
حَدِّثي يا مِصرُ عَنهُم وَاِذكُري / كَيفَ كانَت غَضبَةُ الشَعبِ الرَزينْ
أَكرميهِم وَاِحفَظي ما بَذَلوا / مِن دَمٍ غالٍ وَمِن عُمرٍ ثَمينْ
شُهَداءُ الحبِّ بَرّوا وَوَفوا / وَقَضَوا مِن حَقِّهِ ما تَعلَمينْ
عَظَّموا ما شِئتِ مِن حُرمَتِهِ / وَمَضَوا في العُظَماءِ الخالِدينْ
كَيفَ نَنساهُم وَما طالَ المَدى / كَيفَ نَنسى الأُمَناءَ الصادِقينْ
أَرَضينا الغَدرَ ديناً بَعدَهُم / فَعَلى اللَهِ جَزاءُ الغادِرينْ
كَفكَفَ الباكونَ مِن أَدمُعِهِم / فَبَكَتهُم أُمَّهاتُ المُؤمِنينْ
يا لِقَومي لِلثَكالى شَفَّها / إِذ مَضى أَبناؤُها طولُ الرَنينْ
يا لِقَومي لِليَتامى بَعدَهُم / وَالأَيامى وَالشُيوخِ الهامِدينْ
رَحمَةً لِلطِفلِ يَبريهِ الأَسى / لِلأَبِ المودي وَلِلعَمِّ السَجينْ
جَفَّ حَتّى ما تَراهُ أُمُّهُ / حينَ جَفَّت عَنهُ أَيدي المُحسِنينْ
يَطلُبُ القوتَ فَتَبكي وَلَها / جارُ سوءٍ مِن رِجالٍ مُترَفينْ
تَحمِلُ الضُرَّ وَيَشقى جَدُّها / وَهوَ يَندى نَضرَةً في الناعِمينْ
أَطيَبُ الأَنغامِ في مَسمَعِهِ / رِنَّةُ الشَكوى وَتَردادُ الأَنينْ
جُنَّ بِالدُنيا وَلا دُنيا لَهُ / غَيرُ ما أدركَ مِن عَيشٍ مَهينْ
لا يَراهُ الناسُ إِلّا جَشِعاً / بارِزَ الأَنيابِ كَالذِئبِ اللَعينْ
طاحَ بِالخَيرِ وَعَفّى رَسمَهُ / زَمَنٌ لِلشَرِّ مُنبَتُّ القَرينْ
عَلَّمَ الأَقوامَ ما عَلَّمَهُم / مِن سَجايا بَرَّحَت بِالأَكرَمينْ
ما يَوَدُّ الشَعبُ مِن أَخلاقِهِ / غَيرَ أَخلاقِ النُهاةِ الآمِرينْ
يا حُماةَ النيلِ حَسبي وَكَفى / أَيظَلُّ النيلُ لِلمُستَعمِرينْ
يا حُماةَ النيلِ صونوا مُلكَهُ / وَأَرى النيلَ لِقَومٍ آخَرينْ
بَشِّروا يا قَومُ إِنّي لَأَرى / في مَصيرِ النيلِ رَأيَ المُنذِرينْ
لا وَمَن أَلقى إِلَينا أَمرَهُ / لا تَرَكناهُ بِأَيدي الخاذِلينْ
نَحنُ حِزبُ اللَهِ صُنّا حَقَّهُ / وَحَفِظنا عَهدَهُ في الناكِثينْ
نَحنُ بايَعناهُ مُذ كُنّا عَلى / نُصرَةِ الحَقِّ وَكُنّا فاعِلينْ
إِن غَضِبنا أَو رَضينا فَلَهُ / لا نُبالي تُرَّهاتِ المُرجِفينْ
نَحمِلُ الأَقلامَ غُرّاً وَلَنا / صُحُفُ الأَبرارِ بَينَ الكاتِبينْ
ما الأَلِبّاءُ كَضُلّالِ النُهى / لا وَلا الأَحرارُ كُالمُستَعبَدينْ
ما رَضينا خُطَّةَ الغاوي وَلا / عابَنا شَأنُ الذَليلِ المُستَكينْ
يا لِقَومي جاهِدوا لا تَهنوا / وَسَيَأتي اللَهُ بِالنَصرِ المُبينْ
أَنجدوا مِصرَ إِذا ما فَزِعَت / وَأَهابَت بِالكُماةِ الباسِلينْ
احفَظوها إِنَّ مِصراً إن تَضِع / ضاعَ في الدُنيا تُراثُ المُسلِمينْ
يا وُفودَ النّيلِ ترتجُّ القُرى
يا وُفودَ النّيلِ ترتجُّ القُرى / وتَموجُ المُدْنُ منها بالمِئينْ
سائلوا النّيلَ عنِ استِقلالكم / ثمّ سيروا خبباً أو مُعْنِقينْ
أَجْمَعُوا الأمرَ وجاءوكم بها / قُطُراً تُزْجَى إليكم كلَّ حينْ
أأعدُّوها لأعيانِ القُرَى / أَمْ أعَدُّوها لقومٍ مُعوزِينْ
يَشترون القُطنَ بِاسْتقلالهم / ويبيعونَ العِدَى إرثَ البنينْ
صفقةٌ للنّيلِ في آثارها / صَرخةُ العاني وإطراقُ الحزينْ
يا عبيدَ المالِ هل فيكم فتىً / يَمنعُ المالَ أكفَّ الغاصِبينْ
أو يرى الأَنفُسَ إن هَمَّتْ بها / ضرَباتُ القومِ في حِرزٍ أَمينْ
اجْمَعوا المالَ لأيدي السَّالبينْ / وَلِدُوا الأبناءَ للمُستَعبِدينْ
هل رأيتم أمّةً تحيا على / ما تُلاقون حياةَ الآمنينْ
أَعجزنا أن نَجوبَ المَشرِقَيْنْ
أَعجزنا أن نَجوبَ المَشرِقَيْنْ / أم عَيينا أن نَفوت النَّيِّرَيْنْ
قاتِلُ الأبطالِ في أدراعها / عصفتْ أقدارُهُ بالبطليْنْ
أَمَر الرّيحَ فلم تَحْمِلْهُما / وتنحَّتْ عنهما بالمنكَبَيْنْ
وكسا الجوَّ دُخاناً سَدَّهُ / وَطَوى أعلامَهُ عن كلِّ عَيْنْ
طَاحَ بالنَّسْرينِ منه قَدَرٌ / نَافِذُ النَّابيْنِ مَاضي المِخلبيْنْ
مُستَطيرُ البأسِ ما تَدفعُهُ / عُدَدُ الحربِ وبأسُ الفيلقيْنْ
تَسقطُ الجُردُ المَذَاكِي دونه / وتطير البيضُ مِلءَ المأزميْنْ
بعث الخَطْبين في إيماءةٍ / وَرمَى في نَفَسٍ بالنكبتيْنْ
إن يَرُعْها أمَّةً مَحزونةً / فلقد يَجمعُ بين الأُمَّتيْنْ
يَقْدِرُ العلمُ إذا سَالَمَهُ / وَهْوَ إن عَادَاه ذُو عجزٍ وأَيْنْ
سَابحٌ في البَرِّ والبحرِ وفي / مَسْبَحِ الريحِ ومَجرَى الشِّعريَيْنْ
كلُّ حيٍّ حين يرمي عن يدٍ / مُوثَقُ القُوّةِ مغلولُ اليدَيْنْ
نظر الوادي ففاضت عَبرةٌ / من بديع الدّمعِ تروي المعنَييْنْ
هَطلتْ حرَّى وراحت جهرةً / تتغَنّى فرحاً في المأتميْنْ
خِلَّةُ الشّامتِ إلا أنّها / أبعدُ الخلّانِ عن عَيْبٍ وشيْنْ
نَهضتْ بالوجدِ والمجدِ معاً / وقضتْ ما عَرَفتْ من حقِّ ذيْنْ
رُبَّ حَتفٍ في حياةٍ تُشتهَى / وحياةٍ هي في حتفٍ وحَيْنْ
أيُّ خطبٍ لم يُخَفِّفْ هولَه / مصرعُ الفاروقِ أو خطبُ الحُسَيْنْ
انظروا النَّعشين في عزّهما / وصِفوا لي كبرياءَ الموكبَيْنْ
واطلبوا الرّيحان عندي وخذوا / من بياني روضةً أو روضتيْنْ
واذكروا للشَّرق عن شاعرهِ / حَيرةَ الرُّزءين بين الموسميْنْ
لا تُريدوا بعد شوقي غيرَه / إنّ خيرَ الشّعرِ شعرُ الأحمديْنْ
نشط العالَمُ في حاجاتهِ / يبتغيها في مجالِ الفرقديْنْ
أنخونُ النّيل في آمالهِ / ليس هذا إن فعلناه بِزَيْنْ
آن للآباءِ أن يسترجعوا / ما على الأبناءِ من حقٍّ ودَيْنْ
لو صدقنا للعوادي مِثلهم / ما ارتضينا العيشَ من زُورٍ ومَيْنْ
أخذوا الموقف وضَّاحَ السَّنا / وبقينا نحن بين الموقفيْنْ
أيُّ دنيا هذه الدنيا التي / مالنا منها سوى خُفَّيْ حُنَيْنْ
يا شبابَ النّيلِ جِدُّوا وادأبوا / إنّ هذا المجدَ شيءٌ غَيرُ هَيْنْ
وإذا ما أعوزتكم نجدةٌ / فاطلبوها من بُناةِ الهرميْنْ
واستعينوا بالأُلى سنُّوا العُلا / لبني الدنيا وهزّوا الخافقيْنْ
نحن من فرعونَ أو من عُمرٍ / أيُّ مجدٍ مثل مجد الأبويْنْ
اذكروا العصريْنِ كم من قُوّةٍ / تتلظَّى نارُها في الذكريَيْنْ
واطلبوا في عصركم أقصى المدى / لا تهابوا تلك إحدى الخُطّتيْنْ
ربّنا إنّا اهْتدينا
ربّنا إنّا اهْتدينا / فَلَك الشُّكرُ عَلَيْنا
أَنتَ أَحْسَنْتَ إلينا / بالرّجالِ المُحسِنينْ
حَفِظوا القُرآنَ فينا / وَرَعَوْهُ مُخْلِصِينا
صَدَقوا دُنيا ودِينا / نِعمَ أجرُ الصّادقين
إنّهُ خيرُ البِضَاعَهْ / ليس مِنّا مَنْ أَضاعَهْ
رَبَّنا كُنْ لِلجَماعَهْ / إنّهم أهلُ اليمين
واجْزِ خَيراً كُلَّ حُرِّ / صادقِ الإِيمانِ بَرِّ
عَاملٍ قَامَ بِشَطْرِ / في الرّجالِ العامِلينْ
هِمَمٌ تَمضِي كِبارا / ونُفوسٌ تَتَبَارَى
تَنْصُرُ اللهَ جِهَارا / في حِمَى الهادي الأمينْ
عَلَّمونا فارْتَقَيْنا / وَمِنَ الحقّ ارْتَوَيْنا
أينَ مَن يَشربُ أينا / نحنُ خيرُ الشّاربينْ
نَحنُ للإِسلامِ جُنْدُ / بأسُنا البأسُ الأَشدُّ
خالدٌ فينا وسعدُ / نفتحُ الفتحَ المبينْ
نُرسلُ الآياتِ غُرّا / تَنفضُ الأعداءَ ذُعْرا
رَبّنا اللّهمَّ نصرا / رَبَّنا أَنتَ المُعينْ
سَيفُنا اللهُ أكبرْ / يضمن النَصْرَ المُؤَزَّرْ
أيُّ أمرٍ يَتعذّرْ / إن ذهبنا فاتحينْ
رَدِّدُوا الذِّكَرى لقومٍ غَافِلينْ
رَدِّدُوا الذِّكَرى لقومٍ غَافِلينْ / إنّها ذِكرَى إمامِ العاملينْ
وُلِدَ الإيمانُ في مَولدهِ / والجهادُ الحقُّ والعَزمُ المتينْ
فَسِّروهُ حادثاً أو قَدَراً / زَلْزَلَ الدُّنيا وهزَّ العالَمينْ
نامتِ الأقلامُ عن تفسيرِه / وخَلَتْ مِنهُ عُقولُ الكاتبينْ
وتوارى الشِّعرُ عن حكمتهِ / في أباطيل الغُواةِ الخاطِئينْ
يَبْتَغِي الزُّلفَى لَدَى أصنامِه / فدعوه تلك زُلفى المُشركينْ
رَبِّ ما أجرمتُ مُذْ عَلَّمتَني / رَبِّ جَنِّبني سبيلَ المجرمينْ
أين تمضِي عبقريّاتُ الأُلى / خدعوا الحمقى وغَرُّوا الجاهلينْ
خدعوهم بالصَّدَى يُزجِي الصّدَى / والرّنينِ العذبِ يجري في الرنينْ
إنّ في الصحراءِ من وادي الهُدَى / لَبياناً ساطعاً للمُبصرِينْ
أنشأ اللهُ بها مدرسةً / تُنشِئُ المُلكَيِنِ من دُنيا ودِينْ
يَتلقَّى الدهرُ عن أُستاذِها / أدبَ التلميذِ حيناً بعد حِينْ
سائلوا الأقوامَ ماذا حَفِظوا / من دُروسٍ بَرَّحتْ بالدّارِسينْ
وانظروا الدُّورَ التي هاموا بها / أهيَ أجداثٌ تضمُّ النّاشئينْ
هِمَمٌ مَوْتَى وأخلاقٌ بها / من عَوادِي الضّعفِ داءٌ مستبين
وعُقولٌ عَمرتْ أوهامُها / مَوْطِنَ الحقِّ ومُحتَلَّ اليقين
ذهب العصرُ الذي شَيَّبنَا / وأتى عصرُ الشَّبابِ المُلحدينْ
عَيَّرونا أن عَبَدْنا ربَّنا / وحَفِظْنا عهدَه في الحافِظينْ
وأعدّوها لنا رجعيّةً / جَعَلُوها سُبَّةً للمُؤمِنينْ
للمُصلِّين إذا ما سَجَدوا / من حديثِ السُّوءِ ما للصّائِمينْ
نَسَخَ الأخلاقَ في شِرعتِهم / أنّها من تُرَّهاتِ الجامِدينْ
إن نَقُلْ دينٌ يقولوا فتنةٌ / هَاجَها في مصرَ بعضُ المفسدِينْ
فسَدَ الأمرُ فهل من مُصلِحٍ / أصلحوه يا شبابَ المُسلِمينْ
أَسَمِعْتُمْ صادحَ الأمسِ وما / قال في الخمرِ يُغنِّي الشَّارِبينْ
يا له من ناعقٍ مُستهترٍ / ما رأينا مثله في النّاعِقينْ
أَنْطَقُوهُ فترامَى ومضَى / يَقذفُ الأسماعَ بالصّوتِ اللّعينْ
شَرَعَ اللهُ فلم يُؤمِنْ به / حَسْبُهُ شَرْعُ السُّكارَى المُدمِنينْ
ما لَهُمْ لا يتّقون اللهَ في / أُمَّةٍ صَرْعَى وشَعبٍ مُستكينْ
ما لهم لا يُكرمونَ الحقَّ في / كُلِّ قوّامٍ على الحقِّ أمينْ
هم أهانوا كلَّ حُرٍّ فاضلٍ / وأَعَزُّوا كلَّ صُعلوكٍ مَهينْ
يا شبابَ اللهِ صُونوا عَهْدَهُ / إنّ كلّ الخيرِ في العهدِ المَصُونْ
أَعْجَبَتْني غَضبْةٌ من شيخِكم / هِيَ من دَأْبِ الشُّيوخِ الأوّلِينْ
رَفَعَ الصّوتَ أَصِرْنا أُمَّةً / تتركُ الدّينَ لقومٍ لاعبينْ
أين حكمُ اللهِ في قُرآنِه / كيف ضاعَ اليومَ عِنْدَ الحاكِمينْ
يا حياةً يهتفُ النَّاسُ بها / إنّما أنتِ حياةُ الهازلينْ
أُمَمُ الدُّنيا إذا ما صَلُحَتْ / فَعَلَى أيدي الوُلاةِ الصّالحينْ
رَدِّدُوا الذِّكَرى وقُولوا رَجُلٌ / أَسَّسَ العدلَ وهدَّ الظّالِمينْ
وأقام الحقَّ يَهْوي حولَهُ / كلُّ عالٍ من قِلاعِ المبطِلينْ
ما يُبالي إن مَضَى ينصرُهُ / ما يُعانِي من بَلايَا الخاذلينْ
ضرب الأمثالَ في مِحنتهِ / بَيّنَاتٍ للهُداةِ الصّابرينْ
انشُروا ذِكراهُ نُوراً ساطِعاً / إنّ نُورَ اللهِ يَهدي الحائِرينْ