المجموع : 4
فتنة الناس وقينا الفتنا
فتنة الناس وقينا الفتنا / باطل الحمد ومكذوب الثنا
جلبت لي الهم والهمُّ عنا / آه ما أروحني لولا المنى
آه ما أخيبني من غارس / شجر الآمال لكن ما جنى
كلما حدِّثت عن نجم بدا / حدثتني النفس أن ذاك أنا
أمل أخشى عليه زمني / فلو استطعت أطلت الزمنا
لا تذكرني الهنا يشجو الحشا / ذكره إني ألفت الشَّجنا
إنما أشكو حياة كلُّها / تبعات كنت عنها في غنى
لا تخله في هناء ظاهر / كلُّ من في الأرض لا يدري الهنا
غرّد الطير فقالوا : مسعد / ربَّ نوح خاله الغرُّ غنا
وانثنى الغصن ولولا أنه / حامل ما لم يطقه ما أنثنى
أترى الانجم طرّاً تشتكي / ذا أم الآلام خصت نجمنا ؟
بات يرعى الشُّهب مضنى جالباً / سهراً راق له وهو ضنى
أترى اسجليت منها غامضاً / أنت يا من بالدراري افتتنا
آه ما أبهاك يا ليل على / ظلمة فيك وما أجلى سنا !
أترى مرتهناً بات بك البدر / أم بتَّ به مرتهنا
قمن أنت ذا لم تهوه / فبه سرُّك أضحى علنا
كم فؤاد فيك مطوي على / حرق من غير ما ذنب جنى
ومعنًّى أزعج الشُّهب له / حر أنفاس فرادى وثنى
فعلى الرفق فما أبقى الأسى / أملا يجدي على الرفق بنا
أنا حَّملتك يا طير الأسى / أنا حتى عدت منه ألكنا
تلك أثقال المنى شاطرتني / حملها أنت فأسديك الثَّنا
أنت مثلي شاعر معتزل / فتغنى كي تميل الغصنا
أنت لا تطلب ما لا ينبغي / فدع الألقاب عنّا والكنى
أنت يا آمال قد عاهدتني / بالوفا لا لا تخوني عهدنا
غنّني باسم عراقي تشجني / واترك الشَّام وخلِّ اليمنا
لا أرى لي بدلا عنه وقد / عذب الورد وطاب المجتنى
أترى يغنيك عنه وطن / أنت يا من خان هذا الوطنا
لم تبع شعبك لو أنصفته / فمن الشَّعب قبضت الثّمنا
خلَّف المجد لنا من سلفوا / افيخزي عارنا من بعدنا
مثلُ دنِّ الخمرِ نفسي
مثلُ دنِّ الخمرِ نفسي / أبداً في غليانِ
وأنا آكل من قلبي / ولا يدري لساني
كيف بعد الختمِ تقوى / أن تبوحَ الشفتانِ
جَدِّدي ريحَ الصبَا عهد الصِبا
جَدِّدي ريحَ الصبَا عهد الصِبا / وأعيدي فالأحاديثُ شُجونُ
إن أباحتْ لكِ أربابُ الهَوى / سِرَّه فالحكمُ عندي أن يصونوا
جدِّدي عهدَ أمانيه التي / قُرِنَ العيشُ بِها نِعمَ القرين
يومَ كنّا والهوى غضٌّ وما / فُتِحَتْ إلاّ على الطُهْر العُيون
ما عَلِمنا كيفَ كُنّا وكذا / دينُ اهلِ الحبِّ والحبُّ جُنون
أشرقَ البدرُ على هذي الرُبى / أفلا يُخسِفُه منكُمْ جَبين
جَلَّ هذا الجِرمْ قدراً فلقد / كادَ يهتزُّ له الصخرُ الرزين
كل أوقاتيَ رهنٌ عندَه / الدجُى . الفجرُ. الصبحُ المبين
سَألونا كيف كنتم ْ إن مَنْ / دأبُه ذكرُكمُ كيفِ يكون
هوَّن الحبَّ على اهل الهَوى / أن تَركَ الحبِّ خطبٌ لا يهون
ما لهُمْ فيه مُعينونَ وما / لذَّةُ الحب إذا كان مُعين
ميَّزَت ما بين أرباب الهوى / ودَعاويهم : وجوهٌ وجُفون
وهواكُمْ لا نَقَضْنا عهَدكُمْ / وَضمينٌ لكُمُ هذا اليمين
ايفى النجمَ فيبقى ساهراً / مُحيياً سودَ الليالي ونخون
شَرَعٌ في الناس والدينُ وعودٌ / عم فيها الخُلْفُ والوعدُ ديون
أين من يُرضيكَ منه حاضِرٌ / وهو في عِرضِكَ إن غبتَ ضَنين
فعلى الخير يقينٌ ظَنُّهُ / وعلى الشرِّ فكالظنِ اليقين
جدِّدي كيف اطِّراحي فارساً / ولمرأى وَطَني كيفَ الحنين
وَسلي قلبيَ لِمْ ضاقتْ به / فارسٌ وهي رياضٌ لا سُجون
ضَحِكَت فيها من الروض وجوة ٌ / وجَرَت بالسَلْسَلِ العَذبِ عُيون
واكتَسَتْ بالحسنِ هاماتُ الرُبى / كيفَما شاءَ لها الغيثُ الهَتون
حبذا فارسُ من مُستوطَنٍ / عافَه وخلاّه القَطين
أفَهذا قصرُ " فَرهادِ " الذي / جمعته مع " شيرينَ" المَنون
مثَّلا للحبِّ دوراً طاهراً / لم يَشُبْ أثوابَه البيضَ مُجون
ليس منه غيرُ رسمٍ دارسٍ / مُخبرٍ أنَّ رَحى الدهرِ طَحون
أولا كسرى ولا أجنادهُ / خُلِّيَتْ منهم قِلاعٌ وحُصون
سلَفَت فيهم سنونٌ تَرفاً / واتَتهْم بالبَلِّيات سنون
وكذا الدهرُ على عاداتِه / إن صَفَا حِِينَ نبا والتاث حين
جدِّدي ذكرَ بِلادي إنَّني / يهواها أبدَ الدهرِ رَهين
انا لي دينان : دينٌ جامع ٌ / وعراقي وغَرامي فيه دِين
القوافي أدُمُعٌ منظومةٌ / والأناشيدُ بُكاءٌ وحَنين
كيف لا تُحزنكُم أُهزوجةٌ / كانَ من اوتارها القلبُ الحزين
اكسُ ياربِ بلادي رحمة ً / وحناناً مثلما يُكسَى الجنين
امحُ عنها ذُلَّ ارهاقِ العِدى / أنها ما عُوِّدَت عاراً يَشين
يا مُدانينَ اضاعُوا وطناً / هو للحشرِ بمن فيه مدين
اين كانَ الوطنُ المحبوبُ إذْ / قَلَّتِ الزينةُ مالٌ وبَنون
ليسَ يخفَى أمركُم من بعِدما / قَلِّبَت منه ظُهور وبُطون
كم يُروى منفوخةً أوداجُهُ / من نِعاجٍ هُزِلَتْ ذئبٌ سمين
تَبخَس الأوطان ظلماً حقَها / ثم لا يُسترخَصُ العمرُ الثمين
هذه بغدادُ هذا كرخُها / هذه دجلةُ والماءُ المَعين
هذه الدورُ التي شيَّدها / للسَمَا " مستنصرٌ " أو " مستعين "
كلها تُصبحُ إرثاً ضائعاً / ليَنُح" هارونُ " وليبكِ " الأمين "
ليس تنفكُّ بلادي كلُّها / يَبَسٌ أو كلُّها ماءٌ وطين
دجلةٌ والنيلُ والشامُ معاً / و" الصَّفا " تندُبُ شجواً و " الحَجون "
قُطِّعَتْ أوصالُها وافترقتْ / فشِمالٌ ليس تدري ويَمين
كيفما صَّوْرتَها فلتكُنِ
كيفما صَّوْرتَها فلتكُنِ / أنا عن تصويرةِ الناسِ غني
لا أُبالي قادِحي مِن مادِحي / ليَ في الوجدان ما يُقنِعنُي
لستُ بالجامدِ : إني شاعرٌ / هزة الروح تُرى في بَدنَي
ديدني تصويرُ ما في خاطري / وأنا مُغرىً بهذا الديدنَ
أنا من أجل لِساني مُبتَلى / رغمَ احساسي – بعيش خَشِن
إنما يرفَعُ من مقطوعتي / كوُنها من خَصمِك المضطَغِن
من فتى عَرَّضَه موقفُه / منك بالأمس لشتّى المِحَن
كونُها من شاعر مُطَرَّح / وفكورٍ مُنصِفٍ مُمتَحَن
تاركاً عما قريبٍ أهلَهُ / مستجيراً بإمام اليَمَن!
فاذا لم يهوني كنت امرأً / عاملاً في منجمٍ في عدَن
إنها أروَح لي من مَوطنٍ / أنا منه في عُضال مُزْمِن
أنا أستحسِن ما ليس أرى / وأرى ما ليسَ بالمستحسَن
يا أبا عدنانَ هذي فُرصةٌ / لفؤادٍ بالأذَى محتقِن
لا أُحابيك : ولكنّي فتىً / أطلُبُ الحقَّ ولو في كفَني
يشهدُ التأريخُ واللهُ معاً / أنَّك الذُخرُ لهذا الوطن
عارفٌ أدواءَه مطَّلعٌ / بالخفايا : قاطعٌ للفتَن
فيك : لولا أمةٌ جاهلةٌ / شَبَةٌ يدينك من " موسولني "
بَطَلٌ إنْ مِحَنٌ جارتْ وما / أعوزَ الأبطالَ عند المحن
وصريحٌ لَسِنٌ في مأزِقٍ / ذي احتياجٍ لصريحٍ لَسِن
لُحتَ وضاحاً على حينَ مَشى / كلُّهم تحتَ قِناعٍ أدكن
بخُطىً جبّارةٍ واسعةٍ / وبعقلٍ راجحٍ متَّزن
يومَ كلُّ الناسِ في تمويهِهم / مِثلُ ضبٍ جاحرٍ في مَكمن
فرَغَ الدستُ الذي كنتَ به / ملءَ عينِ المرءِ ملءَ الأذُن
سَحَقَ الهوجَ المهازيلَ فتىً / لم يكن في سَحقِهم بالمَرِن
وعلى الحمقى ثقيلٌ وقعُه / مَن بِغِرٍّ أحمقٍ لا يعتنِي
وأراهم قوة لم يجدوا / مثلَها في هيكل أو وَثَن
لم يروا فيه – كما في غيرهِ / خِدْنَهم من ماجنٍ أو مُدمِن
لم يكن بالرخوِ في أخذِهُمُ / أخذَ جبارٍ ولا بالمثني
أتُراها أمِنَت جرثومةٌ / لم تكنْ من بطشه في مأمَن
نَقَم الحسّادُ إن لم يَلحقوا / شأو مَاشٍ خَببَاً في سَنَن
قائمٍ بالأمرِ معتزٍّ به / وعلى تدبيرِه مُؤتَمَن
ولو اسطاعَت مجالاً كفُّه / قادَهُم كلَّهُمُ في عَطَن
اشهدي ياربةَ الشعر ويا / دولةَ الحقِّ عليه أمنِّي
إن عُقبى ظَفَرٍ تَلحَقُني / من طريق الدسِّ لا تُعجبني
ودنيُّ من يُعادي خصمَه / مِن طريقٍ بالحزازات دَني
أشتَهي أنّي ولو في حُلُمٍ / أُمسكُ الأمرَ لأدنى زَمَن
ولقد يُلهبُ من عاطفتي / أنَّ هذا زمنٌ لم يئِن
أودِعوني دَفَّةَ الحكم ولو / ساعةً آتِ بما لم يَكُن
أُرِكُم أينَ يكونُ المرتشي / أُرِكُم كيفَ مصيرُ الأرعَن
أُرِكم قيمةَ ألفاظٍ بها / يَلبس الكذّابُ ثوبَ الوطني
آتياً في السرِّ ما لا يَستوي / والذي يأتي به في العَلن
أُركم أنْ ليسَ لي من قيمةٍ / غيرُ ما يوجِبُه لي مَعدِني
أُركم أنَّ الذي تخشَونه / ليسَ من يَبكي عليه لوفَنى
يا أبا عدنانَ : هذا واجب الأدَبِ / المحضِ الصريح المُتقَن
إنني ألغيتُ في تسجيله / كلَّ ما في خاطري من دَرَن
ولقد تَعلَمُ ما يَلحَقُني / من أذىً من بَثِّ هذا الشَجن
غيرَ أني واجدٌ في مِثلهِ / لذَّةَ العاشق والمفتَتن
ومن العارِ على الشاعر أنْ / يحتَمي في شعرِهِ بالإِحَن