المجموع : 3
كان في صدري سرّ
كان في صدري سرّ / كامن كالأفعوان
أتوقّاه وأخشى / أن يراه من يراني
وإذا لاح أمامي / عقل الذعر لساني
فكأني عند بحر / هائج أو بركان
لم أخفه غير أني / خفت أبناء الزمان
ولكم فان نظيري / خاف قلبي بطش فان
لم يسع سري فؤادي / لم تسع لفظي المعاني
فقصدت الغاب وحدي / والدّجى ملقي الجران
ودفنت السرّ فيه / مثلما يدفنّ جان
ورأى الليل قتيلي / فبكاه وبكاني
إنّ للّيل دموعا / لا تراها مقلتان
كنت حتى مع ضميري / أمس في حلرب عوان
فانقضى عهد التجافي / وأتى عهد التداني
خدّرت روحي فأمسى / شأن جلّ الخلق شأني
لا أرى في الخمر معنى / ولكم فيها معاني
فكأني آلة العاصر / أو إحدى الأواني
لم يعد قلبي كالبر / ق شديد الخفقان
لم تعد نفسي كالنجـ / ـمة ذات اللمعان
بتّ لا أبكي لمظلو / م ولا حر مهان
لا ولا أحفل بالبا / كي ولو ذو صولجان
صرت كالصخر سواء / هادم عندي وبان
يا لآمالي الغوالي / يا لأحلامي الحسان!
طوت الغابة سري / فانطوت معه الأماني
ضاع لما ضاع شيء / من كياني بل كياني
في صباح مستطير / كصباح المهرجان
لبست فيه الروابي / حلة من أرجوان
وتبدّى الغاب من أو / راقه في طيلسان
ساقني روح خفي / نحو ذيّاك المكان
فإذا بالسرّ أضحى / زهرة من أقحوان
يا رفيقي أنا لولا
يا رفيقي أنا لولا / أنت ما وقّعت لحنا
كنت في سرّي لما / كنت وحدي أتغنّى
ألبس الروض حلاه / أنّه يوما سيجنى
هذه أصداء روحي / فلتكن روحك أذنا
إن تجد حسنا فخذه / واطّرح ما ليس حسنا
إنّ بعض القول فنّ / فاجعل الإصغاء فنّا
تك كالحقل يردّ الـ / ـكيل للزراع طنّا
ربّ غيم صار لمّا / لمسته الريح مزنا
ربّما كنت غنيّا / غير أنّي بك أغنى
ما لصوت أغلقت من / دونه الأسماع معنى
كلّ نور غير نور / مرّ بالأعين وسنى
يا رفيقي أنت راعيـ / ـت ففجري صار أسنى
و إذا طفت بكرمي / زدته خصبا و أمنا
قد سكبت الخمر كي تشـ / ـرب فاشرب مطمئنّا
واسق من شئت كريما / لا تخف أن تتجنى
كلّما أفرغت كأسي / زدت في كأسي دنّا
فهي بالإنفاق تبقى / وهي بالإمساك تفنى
لست منّي إن حسبت الـ / ـشّعر ألفاظا ووزنا
خالفت دربك دربي / وانقضى ما كان منّا
فانطلق عنّي لئلّا / تقتني همّا و حزنا
واتّخذ غيري رفيقا / و سوى دنياي مغنى
عندما أبدع هذا
عندما أبدع هذا / الكون ربّ العالمينا
و رأى كلّ الذي / فيه جميلا و ثمينا
خلق الشاعر / كي يخلق للناس عيونا
تبصر الحسن / و تهواه حراكا و سكونا
وزمانا و مكانا / و شخوصا و شؤونا
فارتقى الخلق / و كانوا قبله لا يرتقونا
واستمر الحسن في / الدنيا و دام الحبّ فينا
إنّه روح كريم لبس / الطين المهينا
و نبيّ بهر الخلق / و ما أعلن دينا
يلمح النّجم خفيّا / و يرى العطر دفينا
و يرينا الطّهر حتّى / في النّجاة الآثمينا
و يحسّ الفرح الأسمى / جريحا أو طعينا
كلّما شاعت دماه / أملا في البائسينا
من سواه فيه / وقار الناسكينا
من سواه عابد / فيه جنون الثائرينا
من سواه عانق / الله يقينا لا ظنونا
من ترى إلاّه يحيا / نغمات و لحونا
من ترى إلاّه يفني ذاته / في الآخرينا
لو أبى الله علينا / و هليه أن يكونا
عادت الأرض و هادا / شاحبات و حزونا
ترتدي الوحشة و الهول / ضبابا و دجونا
و أقاحيها هشيما / لا أريجا و فتونا
و سواقيها سرابا / هازئا بالظامئينا
و شواديها دمى / خرساء تؤذي الناظرينا
و استفاق الجدول الحالم / غيظا و جنونا
و استوى النهر على / وجه الثرى جرحا ثخينا
وانطوت دنيا الرؤى فيها / و مات الحالمونا
أي و ربّي لو مضى / الشاعر عنّا لشقينا
و لعشنا بعده في / غصص لا ينتهينا
ولأمسى الله مثل / الناس مغموما حزينا !
زعموا ولّى و لن يرجع / ويح الجاهلينا
لم يمت من كان لله / خليلا و خدينا
عاش حينا و سيحيى / بعدما غاب قرونا