هذه الدارُ وهاتيك المغاني
هذه الدارُ وهاتيك المغاني / فَسَقاها بِدَمٍ أحْمَر قاني
دَنِفٌ عَبْرَته مُهراقةٌ / مثلما أهْرَقَت الماءَ الأواني
في رسومٍ دارسات لقِيَتْ / ما يلاقي الحرُّ في هذا الزمان
كانَ عهد اللهو فيها والهوى / خَضِلَ المنبَتِ حلويَّ المجاني
تزدهي بالغيد حتَّى خَلْتُها / روضةً تنبتُ بالبيض الحسان
تتهادى مثل بانات النقا / بقدودٍ خطرت من خوطِ بان
أثمرَتْ بالحسن إلاَّ أنّها / لم تكنْ مُدَّتْ إليها كفُّ جاني
فاتكاتٍ بعيون من ظباً / طاعناتٍ بقوامٍ من سنان
مَنْ مُجيري من هواهنَّ وما / حيلتي بين ضِرابٍ وطعان
أهوَنُ الأشياء فيهنّ دمي / والهوى أكبرُ داعٍ للهوان
قد رماني شادنٌ من يَعرُبٍ / لا رمى الله بسوءٍ من رماني
مستبيحاً دمَ صبٍّ طَلَّهُ / سَهْمُ عينيه حراماً غير واني
حسرةً أورثتُها من نَظرةٍ / ما لها في ملتقى الصَّبْر يدان
يا لها من نظرةٍ يشقى بها / دون أعضائي طرفي وجناني
نَفَرَتْ أسرابُ هاتيك المها / وذَوى من بعدها غصنُ الأماني
وتناثَرْنَ عُقوداً طالما / نظمتْ في جمعنا نظم الجمان
ما قضى دَيْنِيَ عنِّي ماطل / كلّما استقضيتُه الدَين لواني
يا أحبائي على شحط النوى / كم أعاني في هواكم ما أعاني
مُستَلذّاً في أحاديثُكُم / لَذَّةَ الشارب من خَمر الدّنان
ما صُحا فيكم لعمري ثَمِلٌ / لَمْ يَذُقْ راحاً ولا طاف بحان
أترى الورقاءَ في أفنانها / قد شجاها في هواكم ما شجاني
فكأنْ قد أخَذَتْ من قَبلها / عن قماري الدَّوح أقمارُ القيان
رابَ سلمى ما رأت من همة / نهضت مني وحَظٍّ متوان
لم تكن تدري ومن أينَ لها / مَبْلَغُ العلم وما تعرفُ شاني
واثقاً بالله ربي والغنى / من ندى عبد الغنيِّ في ضمان
قرن الإحسان بالحسنى معاً / فأراني فيهما سَعْدَ القِران
لم يَرُعني حادثٌ أرهَبُه / أنا ما عِشْتُ لديه في أمان
هو ركنُ المجد مَبنى فخره / لا وَهَتْ أركان هاتيك المباني
جعَلَ الله به لي عصمةً / فإذا استكفيته الأمرَ كفاني
ففداه من لديه ما له / بمكان الرّوح من نفس الجبان
ثاني اثنين مع الدُّرِّ سَنىً / واحدٌ ليس له في النَّاس ثان
عَجبٌ منه ومن أخلاقِه / لو تَتبَّعْتَ أعاجيب الزمان
كَرمٌ محضٌ وبأسٌ وندى / في نجيبٍ قلّما يجتمعان
وأذَلَّ المالَ معطاءٌ يَرى / عزَّةَ الأنفس بالمال المهان
بأبي من لم يزل منذ نشا / خضلَ الراحة منهلّ البنان
بُسِطَتْ أنْملُه العَشْرُ فما / زِلتُ منها حشوَ جنات ثمان
وله مبتكرات في العلى / ترفع الذكر إلى أعلى مكان
قائلٌ في مثلها قائلها / هكذا تُفْتَضُّ أبكارُ المعاني
رجلٌ في مَوقفِ الليث له / فتكةُ البِكرِ من الحَرب العوان
تَحت ظلِّ النَّقْع في حَرِّ القنا / فوقَ رَحبِ الصَّدْرِ موّار العنان
والمواضي البيض ما إنّ أشرقَتْ / شَرِقَتْ ثَمَّ بلَونٍ أرجواني
ولك الله فقد أمَّنْتَني / كلَّما عشتُ صروف الحدثان
إنّما قَيَّدتني في نِعمة / أطلَقَتْ في شكرها اليومَ لساني
دونك النَّاس جميعاً والربا / أبَداً تَنْحَطُّ عن شُمّ الرّعان
يا أبا محمود يا هذا الَّذي / عَمَّ بالفضل الأقاصي والأداني
منزلي قَفْرٌ ودهري جائر / فأجرني سيّدي من رَمضان
وزمانٍ منه حَظّي مثلما / كانَ حظّ الشّيب من وُدِّ الغواني
لستُ أدري والَّذي في مثله / أنْزَلَ القرآن والسبعَ المثاني
أفأيّامُ صيام أقبَلَت / هيَ أمْ أيامُ بؤسٍ وامتحان
ساءني منه لعمري شَرَفٌ / ليَ من تلك الحروف الثُلثان
لو أرى لي سفراً قطّعته / إرَباً بالأنْيُق النجب الهجان
نائياً عن وَطَنٍ قاطنه / يحسُد اللاّطمُ وجهَ الصحصحان
يا غماماً لم يَزل صَيِّبُه / وأكفَ الدِّيمَة آناً بعدَ آن
صُمْ كما شِئت بخيرٍ واغتَنم / أجْرَ شهرِ الصَّوم بالخير المدان
ما جزاءُ الصَّوم في أمثاله / غَير ما نوعَدُ فيه بالجنان
وتهنّا بعدَه في عيدهِ / إنَّ أعيادَك أيامُ التهاني
لا خلاك الله من دنياً بها / كلّ شيء ما خلا مجدك فان
في زمانٍ أصْبَحَ الجودُ به / والمعالي أثَراً بعدَ عيان