المجموع : 8
قضى الأمر وجف القلمُ
قضى الأمر وجف القلمُ / وبدت نار الحمى والعلمُ
ونزلنا عُرْبَ وادي سلمٍ / واحتوانا ضالُهم والسلَم
يا رعى الله قباباً بقِباً / عادها عادت ورامت إرم
وسقى ثَمَّ لويلاتٍ بها / لم يَضِمْني في هواها إِضَم
أيها النازل في كاظمةٍ / لي لسان فيك حيٌّ وفم
بثَّ للجيرة عني شغفاً / لم يزل بين الحشى يضطرم
وتنصَّت للغواني سحراً / ربما هاجك ذاك النغم
واستمع صوت حماماتِ اللوى / عندما تأتي عليها الظُلَم
هذه النشأة فيها عِبَرٌ / للورى عنها تضيق الكلم
وثياب الكون شفت فشفت / مهجةً للبعد فيما ألم
صوت دفِّ الجسم عالٍ وبه / نفخ ناي الروح لا ينكتم
وشجانا رقص بانات النقى / حين غنَّتها الصَبا والديم
حيث كاسات الهوى دائرة / ويَلي كلَّ وجودٍ عدم
ونسيم الأمر فينا عابق / وأزاهير الربا تبتسم
والحمى طلقٌ وأصحاب الحمى / لم يزالوا فيه والقوم هم
والذي قد كان لا زال على / ما به كان وتلك النعم
غير أن القلب لا قلب له / وذووا الأفكار صموا وعموا
لو أزيلت عن عيون حجبٌ / وتنحّى عن قلوب وهَم
لرأوا الجهل الذي حف بهم / وعلت منهم إليه همم
وبدا الكل غروراً عندهم / ولودّوا أنهم ما علموا
لكن الوسواس قد آيسهم / أن منهم ليس تحيى الرمم
فتراهم وطّنوا أنفسهم / أن منهم ليس يرقى القدم
قد بذلت النصح يا قوم لكم / حسب جهدي فانجلى المنبهم
وشرحت الدين شرحاً واضحاً / بلسان ما اعتراه بَكَم
وزجرت العيس منكم للسرى / فهمو أهل المعاني فهموا
نفع الله بما فهت به / وبما أسفر عنه القلم
وبخير ختم الأمر لنا / أننا للدين نحن الخدم
ولأهل الأرض طراً ولمن / بالتقى تحفظ منه الذمم
وصلاة الله مني دائماً / مع سلام منه لا ينصرم
لنبي الله طه المصطفى / ما توالى من إلهي كرم
عالم الدنيا كفجر كاذبٍ
عالم الدنيا كفجر كاذبٍ / إن تبدّى يعقب الضوءَ ظلامْ
ونهار الحشر فجر صادق / ليس فيه إن تحققت كلامْ
وطلوع الشمس في أفلاكها / أن ترى ربك في دار السلام
فهي أطوار ثلاث جمعت / دائماً فيك على هذا النظام
فاعتبرها منك بالجسم وبال / نفس والروح تجدها والسلام
رب موصولٍ هو الناي الذي
رب موصولٍ هو الناي الذي / طاب للسامع فيه النغمُ
كاد من ينفخه ينفخ في / روحنا روحاً ولا أحتشم
حيث معلوم لنا نافخه / من ورا كل الورى منبهم
يوصل القوت إلى الروح به / من طريق الأذْن فالأذْن فم
طاب وقتي بلطيفٍ مسمعٍ
طاب وقتي بلطيفٍ مسمعٍ / روحَ مَن يصغي إليه نغما
والمغني والغنا آلته / تُوهَبُ الأسرار من حلقهما
فترى الروح به تنعش إذ / قوتها صارت له الأذن فما
يا سماعاً كان من آلته
يا سماعاً كان من آلته / من به جاء وراق النغمُ
وبه الأرواح تقتات وما / ثم غير الأذْن للروح فمُ
طيب محي الدين مسكٌ في الورى
طيب محي الدين مسكٌ في الورى / فاح لكن كل أنف لا يَشُمُّ
وعلوم خرجت من فمه / كل فهم بهداها لا يُلِمُّ
قوسه أين الذي يرمي بها / غرض التحقيق يا قوم هلمّوا
حولوا عني من الكون لثاما
حولوا عني من الكون لثاما / وامنحوني من سنا الوجه التثاما
يا أحبائي وبثّوا نوركم / في جميعي واكشفوا عني الظلاما
لمتَى نفسي بكم نفسي كما / لم أزل لحماً لديكم وعظاما
فاجعلوني كيف ما كنت بكم / أول الأمر انمحاقا وانعداما
حيث أنتم لا أنا لو كنت أو / لم أكن كوني بكم صار حراما
يا جميل الوجه إحسانك لي / أن أرى وجهك بي بدراً تماما
أنت حق وأنا الباطل لي / جولة والحق بالدولة قاما
عن يمين الحي قوم نزلوا / يستظلون من القلب خياما
أبهموا الأمر على من أبهموا / ليتني أقدر أنفي الإنبهاما
كل من يعرفهم ينكر من / نفسه معهم وجودا وارتساما
والذي يجهلهم ساء بهم / ظنه فهو على دعواه داما
خطفوا قلبي ولم أشعر فما / حيلتي إلا الجوى والإصطلاما
ثم منوا بتجليهم على / جملتي حالاً وقالاً ومقاما
فأنا اليوم بهم أنظرهم / لا بنفسي وعليهم أترامى
هذه محبوبة القلب بدت / تلبس الدهر لنا عاماً فعاما
جعلتني في ذرى هودجها / فامتلى القلب لها مني احتراما
وتدانت فتدلت وعلت / وغلت قدراً وجلت أن تسامى
فهي لا شيء سواها أبداً / وإن ازدادت خفاء واكتتاما
وسواها هي في برقعها / حيث سمته خواصاً وعواما
برقع الظلمة والنور لمن / كان مأموماً ومن كان إماما
وهو أمر كيفما شاءت به / تتبدى يقظة لي ومناما
أيها الركب الذي ودعنا / سائراً يقطع بيداً وأكاما
قف بسلع وروابي رامة / إن قلبي ذلك الجانب راما
وعيوني نحوه شاخصة / تلمح البرق اعتناء واهتماما
خذ إلى الحي سلامي فعسى / يبعث الحيُّ إلى الميت سلاما
وتقر العين بالعين وما / بيننا يرتفع البين دواما
عظم الأمر على الأمر ولم / يكن الأمر لنا إلا كلاما
والذي ينزل أو يصعد ما / هو إلا النقع بَثَّتْ والقتاما
بثَّتِ السرَّ الذي كان لها / وهي كالشمس سحابا وغماما
فتراءتها عيونٌ هي من / ذاتها وانقسمت منها انقساما
صدق القول فما أقربها / وهي بالبعد لنا ترمي السهاما
عطفت سلمى على السالم من / غيرها الوهمي إن كان استقاما
لا تقل يا سعد هذا جبل / إن طغى الماء به نلت اعتصاما
واصنع الفلك بتقواك ولا / تأمن الطوفان موجاً والتطاما
كان لي في وجه سلمى أثر / من سواد فأزالته ابتساما
وتلاقينا على النور وقد / كَشَفَت عني الجلابيبَ العظاما
صارت النفس هي القلب هنا / حيث مازجت بها القوم الكراما
واتحدنا واتخذنا سُرُراً / نتكي سراً عليها لن نضاما
ودخلنا كلنا جنتنا / لا نرى ذلاً ولا نلقى انهضاما
فانقلوا عني وعنهم خبراً / طيباً يهدي به الله الأناما
واذكروني عند من صلَّى لها / يعرف الحال ومن بالصدق صاما
نحن إخوان الصفا نحن الأُلَى / نحفظ العهد كما نرعى الذماما
عين ذاك الواحد الغيب الذي / نحن كاس الراح فيه والندامى
نجتلي منه جمالاً ظاهراً / قد فنينا فيه وجداً وغراما
لا تملنا أيها الغائب عن / عينه بالجفن دع هذا الملاما
وارفع الجفن عن العين تجد / يقظة بات الورى عنها نياما
حاجب يعلو على العين هنا / أسود يعطي اتفاقا واختصاما
وهو حسن الوجه لا ينكره / غير أعمى عنه أو من يتعامى
فانظروا وانتظروا الأمر الذي / هو أنتم وهو عنكم يتسامى
حاصل الأمر جمال كله / ظاهر في الكون عفواً وانتقاما
إن هذا الأحد الديمومُ
إن هذا الأحد الديمومُ / وهو بسم الله لي محزومُ
هكذا الله وجودٌ واحدٌ / خالص محض ولا مفهوم
وجميع الخلق أفعال له / وهي شيء كله معدوم
واعرفوه كل شيء هالكٌ / جاء إلا وجهه المعلوم
وهو في أفعاله أجمعها / ظاهرٌ حيٌّ هو القيوم
فافهموا يا قوم ما قلت لكم / فسوى قولي هو الموهوم
والوجود الحق أنتم كلكم / وهو أمرٌ عندنا مكتوم
وهو موقوف على ذوق الفنا / فيه فافنوا وعليه دوموا
واخرجوا لله عن أفعاله / وهي أنتم وإليه قوموا
وبه فاتحدوا لا تنظروا / لسواه فالسوى مذموم
لمتى الشرك الخفيْ يبقى إلى / موتكم لا كان هذا الشوم
إنما الشرك ضلال كله / فاتركوه إنه مسموم
جل رب معنا إذ نحن لا / نحن وهو الراحم المرحوم
أهلُ تقوى أهل قل مغفرة / هو والقول لنا المرقوم
والذي أَوَّلَ هذا جاحدٌ / قول حق وهو المحروم
عقله سوّل في الغي له / ما له شمٌّ هو المزكوم
ولنا طوبى زهت والمنتهى / ولأرباب الحجى الزقوم
شجرات هن في الذكر أتت / ضاق عنها الحلق والحلقوم
فانيات كلها في أمرنا / أين منهم عجم والروم
كلهم في أسر عقل ربطوا / يا طيوراً حول ماءٍ حُوْموا