المجموع : 8
مَن يَنَمْ عن لَهْذَمٍ أو مِخْذَمِ
مَن يَنَمْ عن لَهْذَمٍ أو مِخْذَمِ / فَابْنُ بشرٍ ساهرٌ لم يَنَمِ
يَحرسُ القُبّةَ ما فيها سِوَى / حارسُ الجيشِ وحَامي العَلَمِ
هَبَّ يدعو يَا ابْنَ بشرٍ خَلِّنِي / إنّها الخيلُ أراها ترتمي
كُلُّ لحمٍ من جُنودي ودمٍ / فهو لحمي يا ابن بشر ودمي
خَلِّني واذهَبْ إلى القومِ الأُلى / قذفونا بالرّعيلِ المُقْدِمِ
امضِ في صحبِكَ إنّي ها هنا / في حِمَى اللَّهِ الأجلِّ الأعظمِ
احرسوا الخندقَ وَارْمُوا دُونه / لا تخافوا كلَّ غاوٍ مُجرِمِ
أدرِكوا سعداً وكونوا مِثلَهُ / إن رَمَى في اللَّهِ سَهماً أو رُمِي
حَارِسُ الثّلمةِ يُلقِي حَولَها / صخرةً من عَزمِهِ لم تُثلَمِ
أدركوه واهزموها قُوَّةً / لن تنالوا النّصرَ ما لم تُهزَمِ
انصروا اللَّهَ وصُونُوا دِينَهُ / إنّ خيرَ الدّينِ دِينُ المسلمِ
هو إن طَمَّ على الأرضِ الأذى / رحمةُ الأرضِ ومَحيَا الأُمَمِ
وإذا ما أظلمتْ أرجاؤُها / فهو نورُ اللَّهِ ماحِي الظُّلَمِ
ذَهَبَ الصَّحبُ كِراماً وَرَمَوْا / بِيَدِ اللَّهِ الأعزِّ الأكرمِ
يَذهَبُ السَّهمُ سديداً راشداً / فهو مِلءُ العينِ أو ملءُ الفمِ
وهو في النَّحرِ قَضاءٌ آخِذٌ / نافذٌ في كلِّ سَدٍّ مُحكَمِ
عادتِ الخيلُ سِراعاً وبها / مِن جُنودِ اللَّهِ مِثلُ اللَّمَمِ
وتَوَلَّى الجندُ في زلزلةٍ / تَصدعُ الفيلقَ إن لم تَهدِمِ
حارَتِ الأحزابُ ماذا تنتوي / وبِمَنْ فيما دَهاها تَحتَمِي
خَذَلَتْهَا في الوغى آلهةٌ / لو هَوَى الوادِي بها لم تَعْلَمِ
تَطلبُ الغوثَ وما من سامعٍ / أيُّ غوثٍ يُرْتَجى من صَنَمِ
يا زعيمَ القومِ أيقِنْ وَاسْتَفِقْ / إنّه الحقُّ الذي لم تَزعُمِ
يا زعيمَ القومِ هل من نادمٍ / إنّما يَهلكُ مَن لم يندمِ
نَهَضَ القومُ برأيٍ مُبصِرٍ / وَدَهَتْكم عَثرةُ الرأيِ العَمي
استفيقوا وانبذوا أربابَكم / أو فذوقوا البأسَ مُرَّ المطعمِ
إنّكم مِمَّن كرهتم دِينَهم / بين نابَيْ كلِّ صِلٍّ أرقمِ
رَحمةٌ يا أبا بصيرَ وَنُعمَى
رَحمةٌ يا أبا بصيرَ وَنُعمَى / أَذِنَ اللَّهُ أن تُحَلَّ وتُحْمَى
جاءك الغوثُ فانطلقتَ حثيثاً / سِرْ طليقاً كفاكَ حَبْساً وَهَمّا
أنت أفلتَّ من حَبائِلِ قومٍ / ذُقْتَ منهم أذىً كثيراً وَظُلما
جَعَلُوا الحقَّ خَصمَهُم مِن غَبَاءٍ / وغَبِيٌّ من يجعل الحقَّ خَصما
جِئتَ دَارَ النبيِّ فادخُلْ وَسَلِّمْ / وَارْعَ حقَّ المقامِ رُوحاً وجسْما
كَم تَمنّيتَ أن ترى لك حصناً / فَتَأمَّلْ حُصونَ ربِّكَ شُمَّا
وَارْضَ حُكمَ الرسولِ إنّكَ مَرْدُو / دٌ ومَنْ مِثْلُهُ قضاءً وحُكما
ذَا خُنَيْسٌ وذا كتابُ ابنِ عَوْفٍ / فَالْزَمِ الصَّبْرَ أصبحَ الأمرُ حَتما
سألا العهدَ عِندَ أكرمِ مَسْؤُو / لٍ فأعطاهما وَفَاءً وَحِلما
انقلبْ يا أبا بَصيرَ فليسَ ال / دينُ دينُ الهُدَاةِ غَدْراً وإثما
حَسْبُكَ اللَّهُ إنّهُ لَكَ عَوْنٌ / وسيكفيكَ كلَّ خطبٍ ألمَّا
هو مولى المستضعفينَ ينجّي / همْ إذا ما طَغَى البَلاءُ وطَمَّا
عاد يُخفي لصاحِبَيْهِ مِنَ الشن / آنِ ما يَملأُ الجوانِحَ سُمَّا
وشَفَاهَا بذِي الحُلَيْفَةِ نَفْساً / أوشكَتْ أن تزولَ هَمّاً وغَمّا
نظر السيفَ في يَدَيْ أحدِ الخَصْ / مَيْنِ يُبدي من المنيّةِ وَسْما
وَهْوَ يُطْرِيهِ في غُرورٍ وَيَسْقِي / هِ نُفُوسَ الكُماةِ ظَنّاً وَزَعْما
قال بل أعطنيهِ أَنْظُرْهُ إنّي / بسجايا السُّيوفِ أكثرُ علما
ثم غشَّاهُ ضربةً عَلَّمَتْهُ / كيف يخشى الهِزبرَ مَن كان شهما
جاء يصطاده غُرواً فأردا / هُ وكان الغُرورُ شرّاً وَشُؤما
صدَّ عنه رَفيقُهُ وتولَّى / يتوقَّى قَضاءَهُ أن يَحُمّا
طار يهفو كالسّهمِ يَمضِي بعيداً / وهو أنأَى مَدَىً وأبعد مَرْمَى
طَلَبَ السّيف نفسَهُ وَهْيَ وَلْهَى / لو تذوقُ الردَى لما مَرَّ طَعْما
كذب الوهمُ ما الحياةُ سِوَى الأم / نِ وشرُّ الأمورِ ما كان وَهْما
وَقَعَ الطّائِرُ المُسِفُّ على النَّس / رِ الذي يملأُ السماواتِ عَزْما
الرسول الذي تَدينُ له الأر / ضُ وتهفو إليه حَرْباً وسِلما
قال إنّي لهالِكٌ فأَجِرْنِي / لا تَدَعْنِي لبعضِ صحبِكَ غُنْما
رُدَّ عنّي أبا بصيرٍ فحسبي / ما جناهُ عليَّ صَدْعاً وكَلْما
جَرَّعَ الحتفَ صاحبي وانبرى يط / لبُ قَتلِي لِيُتْبِعَ الجُرمَ جُرما
إنّه جاءَ راكضاً يحملُ السَّي / فَ فهب لي دَمِي لَكَ الشّكرُ جَمَّا
عَفَّ عنه وقال ما ثَمَّ شَيءٌ / يا نَبِيَّ الهُدَى أرى الأمرَ تَمّا
صَدَقَ العَهدُ وانقَضَى الردُّ فانظرْ / ما تَرَى فاقضِهِ سَداداً وَحَزْما
قال فاذْهبْ فقد بَرِئْتَ وظُلمٌ / أن يُلامَ البريءُ أو أن يُذَمّا
لك ما شِئْتَ أن تَحُلَّ من الأر / ضِ سِوَى أرضِ يثربٍ أو تَؤُمّا
فتولَّى إلى مكانِ يَزيدُ ال / كفرَ والكافِرينَ خَسْفاً وَرَغْما
كلُّ مالٍ تُقِلُّ عِيرُ قُريشٍ / بين عينيهِ ظاهرٌ ليس يُكْمَى
إنّه الأرقمُ الأصَمُّ تَداعَتْ / فارتمتْ حوله الأراقمُ صُمّا
مُؤمِنٌ حلَّ في العراءِ مَحَلّاً / جَمَعَ المؤمنينَ فيهِ وَضَمَّا
أقبلوا يَنسلون مِن كلِّ أَوبٍ / يَطلبونَ المَصَالَ قَرْمَا فقرما
لمَّ ذو العرشِ شَملهم بعد صَدْعٍ / وَخَلِيْقٌ بشَملِهِم أن يُلَمَّا
يا أبا جندلٍ عليك سلامٌ / جِئتَ بالخيلِ تَرجُمُ الأرضَ رَجْما
اغتَفِرْ ما جَنَى أبوك سُهَيْلٌ / يومَ يطغَى عليك ضَرباً ولَطْما
إنّما الصابِرونَ أوفى نَصيباً / يا أبا جَندلٍ وأَوفرُ قِسْما
أعملوا القتلَ والنِّهابَ وَرَدُّوا / كلَّ غُنمٍ أصابه القومُ غُرْما
غارةٌ بعد غارةٍ تأكلُ الما / لَ وتَطوي الرجالَ خَضْماً وَقَضْما
زُلزِلُوا من أبي بَصيرٍ بخطبٍ / بالغٍ صَدْعُهُ أبَى أن يُرَمّا
مِخذَمٌ قاطعٌ ومِسْعَرُ حربٍ / جَرَّبتْهُ البِيضُ القواطِعُ قِدْما
ضاقتِ السُّبْلُ والفجاجُ عليهم / واستحالَ الفضاءُ سَدّاً ورَدْما
عادَ رَتْقَاً كأنّه سدُّ يأجو / جَ ومأجوجَ ما ترى فيه ثَلْما
جأروا يشتكون وادَّكروا الأر / حامَ يستشفعون جُبْناً ولُؤْمَا
واستمدّوا الحنانَ من أعظمِ النّا / سِ حَناناً وأقربِ الرُّسْلِ رُحْما
قال ذُو أمرِهِم أَغِثْنا ولا تَعْ / نَفْ علينا إنّ القلوبَ لَتَعْمَى
أفْسَدَ العهدُ أمرَنَا فَعَرفْنا / هُ وماذا لنا إذا الأمرُ غُمّا
قد تركنا لك الرجالَ فأمسِكْ / كلَّ من شِئتَ مِنهُمُ أن تُذِمّا
حَسْبُنا السّلْمُ يا مُحمدُ إن تَبْ / سُطْ علينا ظلاله فَنِعِمّا
بدَّدَ الضُرَّ والأذى بكتابٍ / نَظَمَ البِرَّ والمُروءةَ نظما
لم يَدَعْهُ أبو بَصيرٍ وَرَامِي ال / موتِ يُلقي عليهِ سَهْماً فسهما
جادَ بالنّفسِ وهو في يدِهِ يَت / لُوهُ ما أعظَمَ المقامَ وأسمى
آخرُ الزادِ إن أردنا له اسماً / وأراهُ أجلُّ من أنْ يُسَمَّى
قال أَقْبِلْ وَفَرِّقِ النّاسَ وليع / فوا فحسبُ الطُّغَاةِ قَمْعاً وَوَقْما
رَجَعَ القومُ راشدينَ ومن أر / شَدُ مِمَّنْ رَمَى الضلالَ فَأَصْمَى
وأبو جندلٍ يؤمُّ رسولَ الل / هِ في رُفْقَةٍ إلى اللهِ تُنْمَى
كوكبُ الحقِّ والهدى يَتَلَقَّى / من ذويهِ الهُداةِ نَجماً فنجما
طَلَعُوا والزمانُ أسوَدُ داجٍ / فجلوا من ظلامِهِ مَا ادْلَهَمَّا
وَرَمَوْا بالشُّعاعِ مقتلَ دِينٍ / ردَّ وجهَ الحياةِ أغْبَرَ جَهْما
اعْرِفِ الحقَّ لا تَرُعْكَ الدَّعاوى / فالمروآتُ والمناقبُ ثَمَّا
أيُّ مجدٍ في الأرضِ أو أيُّ فضلٍ / لم يكونوا له أساساً وَجِذْما
إن في حِكمَةِ الرسولِ لَذِكْرَى / للبيبٍ أصابَ عَقْلاً وفهما
هَدمَ الله ما بنى العهدُ من آ / مالِ قومٍ يبغونَ للدينِ هَدْما
كم رأوا من مَشَاهِدِ الوهمِ فيه / مَشهداً رائعَ التهاويلِ فخما
لاَ يَغُرَّنَّهم من الغيثِ وَكفٌ / إنّه السيلُ مُوشِكٌ أن يَعُمَّا
هِمَّةٌ من هُدَى الرسولِ وَلُودٌ / تُورِثُ الشِّرْكَ والضَلالَةَ عُقْما
لم تزل تَضرِبُ الطواغيتَ حَتَّى / جَرَّعَتْها الرُزأَيْنِ ثُكْلاً وَيُتْما
إنّ للحقِّ بعدَ لينٍ وضعفٍ / قُوَّةً تَحسمُ الأباطيلَ حَسْما
داءُ أَهلِ الشَرقِ ضَعفُ الهِمَمِ
داءُ أَهلِ الشَرقِ ضَعفُ الهِمَمِ / وَبِهَذا كانَ مَوتُ الأُمَمِ
يا بَني الشَرقِ وَلا شَرقَ لَكُم / بِسِوى الجِدِّ وَرَعيِ الذِمَمِ
ما لَكُم لا تَنجَلي غُمَّتُكُم / أَتُحِبّونَ اِشتِدادَ الغُمَمِ
فَرِّجوها وَاِكشِفوا ظُلمَتَها / بِقُوىً كَشّافَةٍ لِلظُلَمِ
خُنتُمُ العَهدَ فَبِتُّم نُوَّماً / ضَلَّ سَعيُ الخائِنينَ النُوَّمِ
يا بَني الشَرقِ أَفيقوا إِنَّما / خَدَعَتكُم كاذِباتُ الحُلُمِ
إِنَّ مِن شَرِّ البَلايا نَومَكُم / عَن عَدُوٍّ ساهِرٍ لَم يَنَمِ
يَقِظِ العَينَينِ وَالرَأَي مَعاً / وَهوَ ماضٍ كَالحُسامِ المِخذَمِ
لا تَظُنّوا المَجدَ شَيئاً هَيِّناً / إِنَّهُ في لَهَواتِ الضَيغَمِ
هَكَذا نَحنُ وَهَذي حالُنا / لَيسَ فينا غَيرُ نِكسٍ مُحجِمِ
واهِنِ العَزمِ ضَعيفٍ قَلبُهُ / غَيرِ ثَبتِ الجَأشِ في المُزدَحَمِ
يا بَني الشَرقِ لِمَجدٍ ضائِعٍ / مَن بَكى ضَيعَتَهُ لَم يُلَمِ
كانَ بِالأَمسِ مَنيعاً صَرحُهُ / يَتَسامى فَوقَ هامِ الأَنجُمِ
أَصبَحَ اليَومَ كَرَبعٍ دارِسٍ / طامِسٍ عَفَّتهُ أَيدي القِدَمِ
قَد شَجاني وَشَجاهُ أنَّهُ / بسوى أيديكمُ لم يُهدَمِ
جدَّدوهُ وَاِمنعوا حَوزَتَهُ / وَاِدفَعوا عَنهُ يَدَ المُهتَضِمِ
وَاِرفَعوا بُنيانَهُ حَتّى يُرى / كَالَّذي كانَ أَشَمَّ القِمَمِ
إِنَّني أَخشى وبالشرق صدىً / أن يروَّى من بنيهِ بالدمِ
وأرى موت الفَتى خَيراً لَهُ / مِن حَياةٍ بَينَ نابَي أَرقَمِ
أَصبَحَ الشَرقُ كَبيراً هَرِماً / لَهفَ نَفسي لِلكَبيرِ الهَرِمِ
أَكرِموهُ يا بَنيهِ إِنَّهُ / لَيسَ يَرضى الشَيخُ إِن لَم يُكرَمِ
ازجُروا أَنفُسَكُم عَن غَيِّها / إِنَّ عُقبى الغَيِّ طولُ النَدَمِ
رَدِّدي أَخبارَ عَمرٍو وَعُمَرْ
رَدِّدي أَخبارَ عَمرٍو وَعُمَرْ / رَدِّديها خَبَراً بَعدَ خَبَرْ
زينَةُ الأَخبارِ فيها وَالسِيَرْ / وَجَلالُ الدَهرِ مِنها وَالعِظَمْ
اذكُري البَأسَ رَحيماً عادِلا / وَاِذكُري العَدلَ عَميماً شامِلا
اذكُري العَهدَ كَريماً فاضِلا / ماجِدَ الأَخلاقِ غِطريفَ الشِيَمْ
اذكُري يا مِصرُ عَهدَ الفاتِحينْ / مِن جُنودِ اللَهِ رَبِّ العالَمينْ
كَشَفوا الضُرَّ عَنِ المُستَضعَفينْ / وَأَذاقوهُم أَفاويقَ النِعَمْ
حَرَّروا أَبناءَ فِرعَونَ الأُلى / فَعَلَ الظُلمُ بِهِم ما فَعَلا
كُلَّ يَومٍ سَيِّدٌ يَطغى فَلا / دَولَةٌ تُبنى وَلا مُلكٌ يُرَمْ
اخلَعي القَيدَ فَقَد طالَ المدى / أَيَضيعُ الأَمسُ وَاليَومُ سُدى
لا تَقولي إِن دَعا الداعي غَدا / اخلَعيهِ وَاِرفَعي عَنكِ الغُمَمْ
نَحنُ أَبناؤُكِ نَسعى لِلعُلى / لا نُبالي بِالمَنايا سُبُلا
كُلَّما حاوَلتِ أَمراً جَلَلا / غامَرَت أَنفُسُنا في المُقتَحَمْ
نَحنُ أَنصارُكِ إِن هالَ القَدَرْ / وَمَضى القَومُ يُوَلّونَ الدُبُرْ
نَحفَظُ العَهدَ وَنَعصي مِن غَدَرْ / إِنَّما الدينُ عُهودٌ وَذِمَمْ
يا بريدَ النّيل إن جئتَ الشآما
يا بريدَ النّيل إن جئتَ الشآما / فاقضِ للأهلين عن مصرَ الذِّماما
إنّ في تلك المغانِي لَهَوىً / صادِقَ العهدِ وأحباباً كِراما
عَقَدَ الحُبُّ المُصفَّى بيننا / عُروةً تأبى مَدى الدّهرِ انفصاما
ما ترى الأُردُنَّ بالنّيلِ احتفَى / وترى النّيلَ على الأُرْدُنِّ حاما
للشَّآمينَ منّا ولنا / منهمُ العهدُ الذي يَبقَى لِزاما
ضمّنا للدّهرِ ساقٍ حُوَّلٌ / يَخدعُ الشَّرْبَ ويلهو بالنَّدامى
فَشربْنا الصَّفوَ من راوُوقهِ / وتساقينا القَذَى جَاماً فجاما
نحن في القُطريْنِ إخوانُ الهَوى / نَردُ النَّهرَيْنِ شَهداً وسِماما
أَلْبَستْنا الضَّادُ في عَليائها / من سَنَى الأنسابِ ما يجلو الظَّلاما
فطلعنا في بني الدُّنيا هُدىً / وسطعنا في نواحيها سلاما
أممُ المشرقِ لولا ما بِنا / من حياةٍ أصبحت مَوْتَى رمِاما
والزّمانُ الضّخمُ لولا أنّنا / من بنيهِ هَانَ قدراً ومَقاما
نحن سُسْنا الأمرَ سِلماً ووغىً / وملكنا الدَّهرَ شيخاً وغُلاما
أُمّةٌ للخلدِ تستعصي على / عِزَّةِ الموتِ وتأبى أن تُضاما
طاولت فِرعونَ في سُلطانِه / وابتنت في تاجهِ المُلكَ الجُساما
ومضتْ تعلو فلمّا زُوحِمَتْ / طاولت هارونَ عِزّاً وهِشاما
راعتِ الأملاكَ في أجنادهم / وَانْتحَتْ تغزو الخواقينَ العِظاما
يا بني الآدابِ حَيُّوا عَلَماً / تسكتُ الأعلامُ إن قال احتشاما
إن ذكرتم دولةَ الضادِ فلا / تَنْسَوُا التّاجَ ولا الشّيخَ الإِماما
إنّ جَبْراً والدَّعاوَى جمّةٌ / لَفَتاها حين لا ترجو اعتصاما
عبقريُّ ذادَ عن أحسابِها / فتجلّتْ عبقرياتٍ وِساما
تَبهرُ الأرضَ وتعلو صُعُداً / فَتُضيءُ الشُّهبَ أو تَسقِي الغماما
دولةٌ تعتزُّ منه في حِمَى / مَلِكٍ يُلقي له الشَّعبُ الزِّعاما
غُودِرَتْ في الشّرق فوضى فانبرى / ينشرُ الدُّستورَ فيها والنّظاما
بعث القُوّادَ في أقطارهِ / يأخذون الموقعَ الأقصَى اقتحاما
رِيعَ جيشُ الجهلِ لمّا جَرَّدُوا / من سَنَى عرفانِه الجيشَ اللُّهاما
مُرهَفُ الأقلامِ يأتي في الوغَى / من جليل الفتحِ ما يُعيِي الحُساما
أدبٌ ينسابُ من معسولهِ / في رُبوع الشرقِ ما يَشفي السَّقاما
مثلُ عين الخِضرِ من يظفرْ بهِ / لا يَذُقْ داءً ولا يُطعَمْ حمِاما
إنّ للعلم لَسِرّاً جللاً / نستفيدُ الخُلدَ منه والدّواما
غاب عن عِلمِ الفراعين الأُلَى / زَلزلوا الأقطار بأساً واعتزاما
فَتِّش الأجداثَ عن تيجانهم / واسْألِ الأحجارَ والصّخرَ المُقاما
هل ترى عيناك إلا حُفَراً / تلفظُ القومَ جُلوداً وعِظاما
عاث رَيْبُ الدّهرِ فيما جمعوا / من كنوزٍ كُنَّ في التُّربِ رُكاما
حَلَّ للمُغْتالِ في رَأدِ الضُّحَى / من غَواليهنَّ ما كان حَراما
رُبَّ جيشٍ بات يقظانَ القَنَا / ساهِرَ الأسيافِ يخشَى أن تُراما
سُؤدُدٌ زُورٌ ومجدٌ باطلٌ / وحياةٌ تُورِثُ الداءَ العُقاما
إن وصفتَ المُلكَ يطويه البلَى / فَصِفِ الأحلامَ تستهوي النِّياما
في حِمَى الحقِّ ومن حول الحَرَمْ
في حِمَى الحقِّ ومن حول الحَرَمْ / أُمّةٌ تُؤذَى وشعبٌ يُهتَضَمْ
فزَع القُدسُ وضجّتْ مكةٌ / وبكت يثربُ من فرط الأَلمْ
ومضى الظُّلمُ خليَّاً ناعماً / يسحبُ البُرْدَيْنِ من نارٍ ودَمْ
يأخذ الأرواحَ ما يَعصِمُها / مَعقلُ الحقِّ إذا ما تَعتصِمْ
ويرى النّاسَ إذا أعجبه / أن يَبيدوا كأقاطيعِ البَهَمْ
بَعَثته شَهوةٌ وحشيّةٌ / تتلظَّى مثلُ أجوافِ الأُطُمْ
ما تُبالي إن مَضَتْ ويلاتُها / ما أصابت من شُعوبٍ وأُمَمْ
أَهْونُ الأشياءِ في شِرعتِها / أُمّةٌ تُمحى وشعبٌ يُلتَهمْ
هي من رُوحِ الدّهاقينَ الأُلى / نشروا النُّورَ وطاحوا بالظُلَمْ
أنقذوا العالمَ من أرزائه / وأَذاقوه أفاويقَ النَّعمْ
وأزالوا ما حَوَتْ أرجاؤُه / للأوالي من قُبورٍ ورِمَمْ
فإذا الدنيا جمالٌ يُجْتَنَى / وإذا العيشُ سلامٌ يُغْتَنَمْ
زَيَّنوها قصةً ناعقةً / زَيَّنتْ للنّاسِ مكروهَ الصَّمَمْ
كشفَ التّجريبُ عن سَوْآتِها / ومضَتْ عاريةً ما تَحتشِمْ
أفسدوا العالمَ مّما عَبثوا / بالدساتيرِ القُدامى والنُّظُمْ
نقضَ الأرسانَ واستنَّ العَمَى / فهو يَمضي جامحاً أو يرتطِمْ
سلبوه العقلَ ممّا عَربدوا / وسَقَوهُ من خَبالٍ وَلمَمْ
الحياةُ البَغيُ والدِّينُ الهَوى / والضّعيفُ الخَصمُ والسّيفُ الحكمْ
زمنٌ تَصدُقُ إن سَمّيتَه / زمنَ الطّاغوتِ أو عصرَ الصَّنَمْ
يا فلسطينُ اصطليها نكبةً / هاجها للقومِ عَهدٌ مُضطرِمْ
واشْهديهِ في حماهم مأتماً / لو رَعَوْا للضَّعفِ حقَّاً لم يَقُمْ
واشربي كأسَكِ ممّا عَصَرُوا / من زُعافٍ جائلٍ في كلِّ فَمْ
اذكري يومَكِ في أفيائهم / وَدَعي الأمسَ فما يُغني النّدمْ
آيةٌ للبَغْيِ من أسمائها / حِكمةُ الأقدارِ أو عَدلُ القِسَمْ
اكشفيها غُمّةً ليس لها / من كِفاءٍ غيرُ كشّافِ الغُمَمْ
الجهادُ الحرُّ يقضي حقَّه / سُؤددُ العُربِ ويحميهِ العلَمْ
لا تنامِي للعوادي وادأبي / واذهبي طامحةً في المُزدحَمْ
ليس بالمُدركِ حقّاً غافلٌ / نامَ والأحداثُ يقظَى لم تَنَمْ
في فؤادي جُرحُكِ الدّامي وفي / كَبدي ما فيكِ من حُزنٍ وَهَمّْ
كم صريعٍ لكِ في أشلائِه / مَصرعُ القُربَى وأشلاءُ الرَّحِمْ
فَجعوني فيهِ بابنٍ صالحٍ / وأخٍ حُرِّ السّجايا وابنِ عَمّْ
شهداءُ الحقِّ ماتوا دُونه / وهو حيُّ العزِّ موفورُ الشَّمَمْ
واشتروه بنفوسٍ حُرّةٍ / بذلوها من سَخاءٍ وكرمْ
نَهض المُلكُ على أمثالِها / واستتبَّ الأمرُ فيه وانتظمْ
إن رسا البنيانُ يوماً أو سَمَا / فَهِيَ الأركانُ فيه والدُّعُمْ
ذهبوا للشرقِ في مأتمهم / مَرَحُ الخالي وبِشرُ المُبتَسِمْ
سرّه أن هبَّ من أبنائِه / قُضُبُ الهند وآسادُ الأَجَمْ
وانتضى من بين جَنبيْهِ الأسَى / ما انتضى العُدوانُ من تلك الهِمَمْ
هِمَمُ الأحرارِ تحمِي وَطناً / عربيّاً سِيمَ خَسفاً وظُلِمْ
بَاعَهُ ذئبٌ لذئبٍ غِيلةً / فهو للذّئْبَينِ نَهْبٌ مُقْتَسَمْ
تُنزَعُ الأرزاقُ من أبنائهِ / وتُسَلُّ الأرضُ من فرط النَّهَمْ
يُرهَقُ القومُ فإن هم غضبوا / راحتِ الأرواحُ منهم تُخْتَرمْ
أَخَذتهم للأذى عاصفةٌ / هاجها البغيُ فهبّت من أَمَمْ
وارتمت هوجاءَ ما يردعُها / فاجعُ الثُّكلِ ولا عادي اليَتَمْ
عصفت ظمآى إلى آجالهم / فتروَّت من شبابٍ وهَرَمْ
وأراها من تَلظِّي جوفِها / تتداعَى كالشُّواظِ المُحتدِمْ
تتمنَّى من تباريحِ الصَّدَى / لو يكون الدَّمُ كالبحرِ الخِضَمْ
شعبَ إسرائيلَ ما بالُ الأُلىَ / حفظوا العهدَ وبَرُّوا بالقَسَمْ
ذكروكم ونَسَوْا ما عَقَدوا / لِسواكُمْ من عُهودٍ وذِمَمْ
اذكروا بُلفورَ في تلمودكم / واغفروا اليومَ لعيسَى ما اجترمْ
واسْألوا مُوسَى أَطابت نفسُه / أمْ أَبَى ما كان منكم فَنَقِمْ
ليس من مالَ عن الحقِّ كمن / جعل الحقَّ سبيلاً يُلتزَمْ
هدم التّيهُ قديماً مُلكَكم / فبنى بلفورُ منه ما هَدمْ
أبَتِ الأرضُ فكنتم شَعَثاً / طائراً في كل وادٍ ما يُلَمّْ
فرمى أشتاتكم في وطنٍ / راعه منكم بشعبٍ مُلتئِمْ
نَبِّئوا الغرقَى وإن لم يسمعوا / أهُوَ الطُّوفانُ أم سَيْلُ العَرِمْ
مصرُ ناجِي من فِلسطينَ الرُّبَى / وابْعثي صوتَكِ من أعلى الهَرمْ
وإذا أعوز هَمٌّ أو أسىً / فاستمدِّي الهمَّ من هذا القَلمْ
وخُذِي مَعْنَى الأَسَى عَنْهُ فما / لكِ من مَعناه إلا ما نَظمْ
نَبِّئيها أنّنا من وجدِها / نجد العَلْقَمَ في العذبِ الشَّبِمْ
نشتكي الليلَ ويرمينا الأَسى / إن مضى الليلُ بِصُبحٍ مُدْلهِمّْ
فكأنّا منهما في مُلتَقى / نكبةٍ تَطغَى وأُخرى تَستجِمّْ
أختُكِ الوَلْهى عَنَاها شجوُها / وَدَهَى أبناءَها الخطبُ المِلَمّْ
فزعتْ تدعوكِ في مِحنتِها / مصرُ جلَّ الخطبُ هُبِّي لا جَرَمْ
اذكريني أدركيني خَفِّفِي / ألمِي بُوركتِ من أُختٍ وأُمّْ
هَدَّ قومي باسْمِ مُوسَى ظالمٌ / لو رأَى في القومِ موسى ما رَحِمْ
زَعَم التوراةَ من أنصاره / فهي تشكو خطبَها مّما زعَمْ
هل رأى الألواحَ فاستهدَى بما / جاءَ فيها مِن عظاتٍ وحِكَمْ
أم تلقَّى الوحيَ أم كان امرأً / جَهِلَ النّاسُ جميعاً وعَلِمْ
ربِّ هل قدّرتَ ألا ينجلي / ما أصابَ الشرْقَ من خطبٍ عَممْ
عاث فيه القومُ حتّى مَالَهُ / حُرمةٌ تُرعَى وحقٌّ يُحتَرمْ
اكشفِ البأساءَ وارحم أُمماً / تتلوَّى من مَلالٍ وسَأَمْ
عَمِلَ النّاسُ فسادوا وعَلَوْا / وَهْيَ فوضَى من عبيدٍ وخَدمْ
تَحمِلُ الضَّيمَ ولولا أنّها / تَحسَبُ الموتَ حياةً لم تُضَمْ
ما لنا من هذه الدُّنيا سِوَى / غارةِ العادِي وعَسفِ المُحتكِمْ
ساءَنا من شرَّها ما نجتوى / وعَنانا من أذاها ما نَذُمّْ
فسئِمناها حياةً مُرَّةً / ومللناهُ وُجوداً كالعَدمْ
رَبِّ أنتَ العونُ إن طاف بنا / طائفُ البَغْيِ وأنت المُنتقِمْ
من يُجيرُ القومَ إن صَبَّحَهم / خطبُ عادٍ وثمودٍ في القِدَمْ
لا يَغُرَّنَ قويّاً جُندُه / قُوّةٌ صَرْعَى وجُندٌ مُنهزِمْ
نظم المجدَ لأبطالِ الحمى
نظم المجدَ لأبطالِ الحمى / ونظمتُ الشّعرَ ناراً ودما
بطلٌ أبصرتُ مجرى دمهِ / في جبينِ الشَّرقِ لمّا وجما
رفع السّيفَ على هامِ السُّهَى / أفلا أرفع فيه القلما
يا له من عَبقريٍّ مُلهَمٍ / هاج منّي عبقريّاً مُلهَما
ردِّدِي صوتِيَ يا بِيضَ الظُّبَى / إنّما أرثى الكمِيَّ المُعلَما
ردّديهِ غِبطةً أو أسفاً / وابعثيهِ لذّةً أو ألما
اجعلي دُنياكِ في رنّاتهِ / تارةً عُرساً وآناً مأتما
إنما أرعى لقومي ذِمّةً / في كريمٍ كان يرعى الذِّمما
يا لِواءً كان للحقّ حِمىً / حين لا يرجو حِمَىً أو حَرَما
هل طَواكَ الموتُ عنّا أم طوى / بأسُك العاصفُ منه الهِمَما
أنتَ أوهنتَ قُواهُ كلّما / كَرَّ أقدمتَ فولَّى مُحْجِما
يا شهيداً من مواضِي هاشمٍ / كان في الهيجاءِ عَضباً مِخذما
أنتَ علّمتَ تلاميذَ الوغَى / كُلَّ فنٍّ غاب عمّن عَلّما
أخذوها عنكَ دِيناً قيِّماً / وتلقّوها كِتاباً مُحكَما
كشفت آياتُها الكُبرى لنا / عن أعاجيبَ تناهَت عِظَما
إيه يا ابن العاصِ أشبهتَ الأُلىَ / زَلزلوا الدُّنيا وهَزّوا الأمَما
يا لها من شِيَمٍ بدريّةٍ / ما ارْتَضَى اللهُ سِواها شِيما
ما الجهادُ الحقُّ إلا لمحةٌ / من سناها حين يجلو الظُّلَما
ليس بالحيِّ وإن طال المدى / مَن يخافُ الموتَ فيما اعتزما
بعثوا الأَلْفَيْنِ في نيرانِهم / ضَرماً للبَغْيِ يُزجِي ضرما
يأخذُ السِّتينَ في أنقابها / وهي ما تنفكُّ تمضِي قُدُما
أرأيتَ الرُّقْشَ في أوكارها / يتبع الأرقمُ منها الأرقما
طَلَبُوهم أو أراهم نَقَّبوا / عنهمُ الهَضْبَ وشَقُّوا القِمَما
أَبصَروهُمْ بِعُيونٍ حَلَّقتْ / تكشفُ السِّرَّ وتَهدِي ذَا العَمى
أرسلوها فَتَوالى صَيِّبٌ / من جَحيمٍ أرسلته فَهَمى
يا لقومي أَغرَقَتْهم دِيَمٌ / للمنايا الحُمرِ تحدو دِيَما
جاشَ مِن كلِّ النَّواحي سَيْلُها / فَطغَى السَّيلُ عليهم وطما
قيلَ يا ابنَ العاصِ دَعْها غَمرةً / ضجَّ فيها الهَوْلُ ممّا ازدحما
امْضِ لا تُشمِتْ بنا القومَ الأُلىَ / مارسوا مِنكَ القضاءَ المُبرما
إن ينالوا منك ما يُفجِعُنا / فَتَحوا الفتحَ ونالوا المغنما
ذاك غولُ الحتفِ يدنو أَفَلا / تنظرُ المخلبَ منه والفَما
قال كلَّا لستُ ممَّن يَتَّقي / عاصفَ الموتِ إذا الموتُ ارْتَمى
أيقولُ النّاسُ مَنّاعُ الحِمَى / ضنَّ بالنّفسِ عليه فاحتَمى
مَرْحباً بالموتِ يغشاه الفتى / فيراهُ للمعالي سُلَّما
وطنِي الأكرمُ أَوْلَى بِدَمِي / فاذكروا مَن ماتَ حُرّاً مُكْرَما
اذكروهُ عَرَبيّاً ماجداً / نَابِهَ الذِّكرِ كريمَ المُنْتَمى
صادِقَ البأسِ حميّاً أنفُه / يَمْنَعُ الحَوْضَ ويحمِي العلما
تلكَ ذِكرَى المجدِ في مَوْسمِه / فاذْكروهُ وأقيموا المَوْسِما
يا فلسطينُ ارفعي تاجَيْكِ في / دولةِ البأسِ وزِيدي شَمَما
صخرةٌ صمّاءُ تحمِي صخرةً / علّمتها كيف تشفي الصَّمَما
أَسْمَعَتْ بلفورَ نجوى وعدِه / ترتمِي حُزناً وتمضي نَدَما
فإذا الرُّسلُ على أبوابها / تطلب الإذنَ وتُلقِي السَّلَما
ادخُلوها خُشّعاً إن رَضِيَتْ / لِثراها الحُرِّ منكم قدما
هادمُ الأصنامِ من عُمّارِها / كيف تبنِي من ذويكم صنما
بُورِكَتْ من حُرَّةٍ مُؤمنةٍ / كذَّبتْ بِلفورَ فيما زعما
لا ومجرَى الوَحْيِ من مَقْدِسِها / لن تَرَوْها ليهودٍ مطعما
إنّ فيها من قُرَيْشٍ نجدةً / تُنصِفُ المظلومَ مِمَّن ظَلما
احذروا الأُسْدَ إذا ما غَضبتْ / واتّقوا أشبالَها والأجمَا
هتف الدّاعي فلبَّى واعتزمْ
هتف الدّاعي فلبَّى واعتزمْ / ومضَى يَلقَى العِدَى في المُزدَحَمْ
بطلٌ ما اضطرمت نارُ الوغَى / وتَرامَى هَوْلُها إلا اضطَرمْ
هيّجْتهُ نَزوةٌ من مُعْتَدٍ / جاهليِّ النّفسِ وحشيِّ الشِّيَمْ
كلُّ نفسٍ دُونه فيما ادَّعى / كلُّ حقٍّ باطلٌ فيما زَعمْ
مُولعٌ بالشرِّ مفتونُ المنى / مُستبِدٌّ ما قَضى إلا ظلَمْ
راعه في الحربِ من أبطالِها / مُستطيرُ البأسِ ما شاء اقتَحمْ
غاص من أهوالها في غَمرةٍ / عَبَستْ فيها المنايا فابتسَمْ
يضربُ الطّغيانَ في مَقتَلِهِ / ويُعيد الحقَّ خفّاقَ العلَمْ
شَرفُ الأوطانِ في ذِمَّتهِ / إن دعا الداعي وأعراضُ الأُممْ
عَلَمُ الدّولةِ لولاه انطوت / وعِمادُ الملكِ لولاه انهدَمْ
بُورِكَ الباني وعزّت أمّةٌ / بقواهُ في العوادي تَعتصِمْ
ينظرُ الأسوارَ تهوِي حوله / فَيُقِيمُ السُّورَ من نارٍ ودَمْ
ليس للأُّمةِ إلا ما بنى / بين أنيابِ المنايا وَدَعَمْ
ما لها إن لم يَذُد عن حوضها / من وجودٍ يُتَّقَى أو يُحتَرمْ
ما وجودُ الشّعبِ مغلوباً على / أمرِه إلا شَبيهٌ بالعَدمْ
خَلقَ الإنسانَ من حُرّيَّةٍ / خالقُ النَّخوَةِ فيه الشَّمَمْ
وقَضى الأمرَ له فيما ارتضَى / من دساتيرٍ حِسانٍ ونُظُمْ
إنّما النّاسُ جميعاً أُخوةٌ / ليس فيهم من عَبيدٍ أو خدمْ
هم سواءٌ ولكلٍّ حقُّه / ذاك حكمُ اللهِ لا حكمُ الصَّنَمْ
ما على القادرِ من بأسٍ إذا / ما جَنى الباغي عليه فانتقَمْ
إنّها الحربُ وعُقباها فما / أحسنَ العُقبى لمن يرعى الذّمَمْ
أطفأ الجنديُّ في ميدانها / جُذوةَ البَغْيِ ببأسٍ مُحْتَدِمْ
هبَّ في إعصارها مُستبسِلاً / فهو كالبركانِ يرمي بالحِمَمْ
لا يُبالي حين يقضِي أمرَهُ / نام عنه حتفُه أم لم يَنَمْ
هو إن مات شهيداً خالدٌ / في حياةٍ من جلالٍ وعِظَمْ
باذلُ النّفسِ إذا رِيعَ الحمى / كاشفُ الخطبِ إذا الخطبُ ادلهمّ
مَشهدٌ لو غاب عنّا عِلمُه / غاب معنى الجُودِ عنّا والكرَمْ
إنّها الحربُ وهذا حكمُها / ليس للحقِّ سواها من حَرَمْ
أعظمُ الآثامِ في شِرعتها / وطنٌ يُغزَى وشعبٌ يُلتَهمْ
يلتوِي الأمرُ فما من رحمةٍ / لذوي الطغيانِ إن لم يستقِمْ
لا يَرُعْكَ الجندُ يُرْجَى للأذى / أيُّ جندٍ للأذى لم ينهزِمْ