القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : علي محمود طه الكل
المجموع : 3
هاتفُ الفجر الذي راعَ النجومْ
هاتفُ الفجر الذي راعَ النجومْ /
وأطارَ الليلَ عن آفاقِها /
لم يَزَلْ يُغري بنا بنتَ الكرومْ /
ويُثيرُ الوجدَ في عشاقها /
صَيْدَحٌ جُنَّ غراماً بالسَّحَرْ /
أنطقتْهُ لهفةُ الروحِ المشوقْ /
مَوثِقُ القلب وميعادُ النَّظرْ /
مهرجانُ النُّور في عُرس الشروقْ /
فَرَحُ الجَنَّة في ألحانِهِ /
وصداهُ في السَّحاب العابرِ /
أرسَلَ السِّحْرَ على ألوانِه /
من فَمٍ شادٍ وقلبٍ شاعرِ /
يا لهُ صوتاً من الماضي البعيدْ /
رائعَ الإيقاعِ فتَّان النغمْ /
جدَّدَ الأشواقَ باللحن الجديدْ /
وهو كالدنيا عَريقٌ في القِدَمْ /
كم عيونٍ نفَضَتْ أحلامَها /
حينَ نادى غيرَ حُلمٍ واحدِ /
سلسلتْ فيه المُنى أنغامَها /
وهي تشدو بالرحيقِ الخالدِ /
كلَّما لألأ في الشرق السَّنا /
دقَّتِ البابَ الأكُفُّ الناحلهْ /
أيُّها الخمَّارُ قمْ وافتح لنا /
واسقِنا قبلَ رحيلِ القافلهْ /
خَمرةُ العشاقِ لا زالتْ ولا /
جَفَّ من ينبوعها نهرُ الحياهْ /
نضبتْ في قدَحِ العمرِ الطِّلا /
وهيَ في الأرواح تستهوي الشِّفاهْ /
كم شموسٍ عَبرَتْ هذا الفضاء /
وألوفٍ من بدورٍ ونجومْ /
والثرى بين ربيعٍ وشتاء /
ضاحكُ النَّوَّارِ وهَّاجُ الكرومْ /
كلُّ عنقودٍ دموعٌ جَمَدَتْ /
وقلوبٌ فَنيتْ فيها شعاعا /
ما احتواها الفجرُ إلَّا اتّقَدَتْ /
جمرةً تذكو حنيناً والتياعا /
لو أصابَتْ ريشتيها وثَبتْ /
بجناحين من الشَّوق القديمْ /
فاعذرِ الكأسَ إذا ما اضطربتْ /
حَبَباً يخْفِق في كفِّ النديمْ /
أيها الخالدُ في الدنيا غراما /
أينَ نيْسابورُ والروضُ الأنيقْ /
أين معشوقكَ إبريقا وجاما /
هلْ حَطَمْتَ الكأس أم جفَّ الرحيق /
هذه الكَرمةُ والوادي الظليلْ /
مثلما كانا وهذا البلبلُ /
حاضرٌ أشبهُ بالماضي الجميلْ /
لو يُغَنِّيهِ المغني الأولُ /
اليدُ البيضاءُ في كلِّ الغصونْ /
زهرةٌ تَنْدَى ونوْرٌ يُشرقُ /
والثرى من نَفَسِ الرُّوحِ الحنونْ /
مهجةٌ تهفو وقلبٌ يخفقُ /
كم تشهَّيتَ الحبيبَ المُحسِنا /
لو سقى مثواكَ بالكأسِ الصبيب /
وتمنَّيتَ وما أحلى المنى /
خطواتٍ منه والمثوى قريبْ /
أتُرى أعطيتَه سِرَّ الخلودْ /
أم حبوتَ الحسنَ سلطاناً يدومْ /
عجباً تخطئ أسرارَ الوجودْ /
أيها الحاسبُ أعمارَ النجومْ /
شَفَةُ الكأسِ التي أنطقتَها /
لم تَدَعْ للسائلِ الصادي جوابا /
حُجُبٌ عن ناظري مَزَّقْتها /
فرأيتُ العيش برقاً وسرابا /
ولمستُ الخافقَ الحيَّ المنى /
طينةً تبكي بكفِّ الجابلِ /
تشتهي الرَّشْفَةَ مما عَلَّنَا /
وهي ملأى تحت ثغرِ الناهلِ /
نسِيَ الأنخابَ من تهوى وأمسى /
مثلما أمسيتَ يستسقي الغماما /
واشتكتْ رقَّتهُ في الأرض يُبسا /
وغدا الإبريقُ والكأسُ حطاما /
لا فما زالا ولا زال الحبيبْ /
أيها المفْعِمُ بالحبِّ الوجودا /
إنَّ من غنّيْت بالأمس القريبْ /
مَنَحَتْهُ ربَّةُ الشِّعْرِ الخلُودا /
مرَّ بي طيفُكما ذاتَ مساء /
وأنا ما بينَ أحلامي وكأسي /
استبدَّت بيَ أطيافُ الخفاء /
وتغرَّبتُ عن الدنيا بنفسي /
صِحْتُ بالليلِ إلى أن أشفقا /
فليَقفْ نجمُكَ وليَنأ السَّحَرْ /
جَدَّدَ العشاقُ فيكَ الملتقى /
وحَلا الهمسُ على ضوءِ القمَرْ /
فادخلا بين ضياءٍ وغمامْ /
حانةَ الأقدار والليلِ القديمْ /
مجلساً يهفو به رُوحُ الغرامْ /
كلُّ نجمٍ فيه ساقٍ ونديمْ /
وانهلا من سَلْسَلِ النُّورِ المذابْ /
خمرةً ليس لها من عاصرِ /
قَنَعَ الصوفيُّ منها بالحَبابْ /
وهيَ تنهلُّ بكأسِ الشاعرِ /
فاروِ يا شاعرُ عن إشراقِها /
إنَّما كأسُك نورٌ وصفاءْ /
كيفَ طالعتَ على آفاقها /
روعةَ الغيبِ وأسرارَ السماءْ /
كيف أبصرتَ الجمالَ المشرِقا /
بَصَرَ الفانينَ في حُبِّ الإلهْ /
وفتحتَ الأبدَ المستغلِقا /
عن ضمير الكونِ أو سرِّ الحياهْ /
أبروحانيةِ الشَّرقِ العريقْ /
أمْ ببوهيميَّةِ الفنِّ الطَّليقْ /
سَبَحَتْ رُوحُك في الكون السحيقْ /
حيث لا يَسْمعُ طافٍ لغريقْ /
حيث أبصرتَ الذي لم تُبْصِرِ /
أعينٌ مَرَّتْ بهذا العالَمِ /
ذاك سرُّ الشاعرِ المستهترِ /
وفتونِ الفيلسوفِ العالمِ /
ذاك سرُّ النَّغْم المسترسلِ /
والصفاءِ السلسلِ المطَّردِ /
رُوحُ شادٍ فَنِيَتْ في الأزَلِ /
وتحدَّثْ شهوةَ المنتقدِ /
صرَخَتْ آلامُهُ في كُوبهِ /
فهوى يثأرُ من آلامهِ /
إنما البعثُ الذي تشدُو بهِ /
يقظةُ المفجوعِ في أحلامِهِ /
إنما البعثُ المُرَجَّى للوَرَى /
غاية الحيِّ التي لا تُحمَدُ /
إنما تُبْعَثُ في هذا الثَّرى /
بعضَ ما يُقطَفُ أو ما يُحصَدُ /
حَسبُها تعزيةً أنَّا سَنَحْيَا /
في غدٍ مثلَ حياةِ الزَّهَرِ /
وسنطوي الأبدَ المجهولَ طيَّا /
جُدَدَ الأطياف شتَّى الصُّوَرِ /
حسبُها تعزية أن نحلُما /
بأناشيدِ الصَّباحِ المنتظرْ /
ونشقُّ الأرض عن وجهِ السَّما /
حيث نورُ الشمسِ أو ضوءُ القمرْ /
ربما جَدَّدَ أو هاجَ لنَا /
نبأً أو قِصةً مِنْ حُبِّنَا /
نوْحُ ورقاءَ أرنَّتْ حَوْلنا /
أو شجَى قُبّرةٍ مرَّتْ بنا /
أو خُطَى إلفينِ في فجرِ الصِّبا /
أترَعا كأسَيهما مِنْ ذوبهِ /
أو صدَى رَاعٍ على تلكَ الرُّبى /
صَبَّ في النَّاي أغاني حُبِّهِ /
حُلُمٌ مَثَّلتُهُ في خاطري /
فعشقتُ الخُلدَ في هذا الرُّواءْ /
أنكرُوهُ فَحَكَوا عن شاعرِ /
جُنَّ بالخمر وأغوتْه النساءْ /
ولقد قالوا شذوذٌ مُغرِبُ /
وإباحيَّة لاهٍ لا يُفيقْ /
آهِ لو يَدْرونَ ما يضطربُ /
بين جنبيْكَ من الحزن العميقْ /
أوَلا يغْدو الخليعَ الماجِنا /
من رأى عُقْبَى الصباحِ الباسِمِ /
ورأى الحيَّ جماداً ساكنا /
بعد ذيَّاك الحراك الدائمِ /
أوَلا يُغْرِبُ في نشوتِه /
شاربُ الغُصَّةِ في اليومِ الأخيرْ /
أوَلا يُمْعنُ في شهوتهِ /
مُسْلِمُ الجسمِ إلى الدودِ الحقيرْ /
قصةُ الزُّهدِ التي غَنَّوْا لها /
علَّلتهمْ بالسرابِ الخادعِ /
نشوةُ الشاعر ما أجملها /
هيَ مفتاحُ الخلودِ الضّائعِ /
لو أصابوا حكمةً ما اتَّهموا /
وبكى لاحيكَ والمسْتهجنُ /
فهو من دنياهمُ لو عَلموا /
عَبَثٌ مُرٌّ ولَهْوٌ مُحزنُ /
يا حبيبي أقبلَ اللَّيلُ وناداني الغَرامْ
يا حبيبي أقبلَ اللَّيلُ وناداني الغَرامْ /
أيُّ سرٍّ لمحبٍّ لم يُصَوِّرهُ الظلامْ /
كلُّ نجم مهجةٌ تهفو وعينٌ لا تنامْ /
وشعاعُ البدر معشوقٌ به جُنَّ الغمامْ /
يا حبيبي كلُّ عيشٍ ما خلا الحبَّ حرامْ /
وحرَامٌ يا حبيبي /
يا حبيبي غنَّت الفرحةُ في كلّ مكانِ /
فهُنا البُلبلُ يشدُو وهناكَ العاشقانِ /
غيرَ أنِّي أشتكي الوحشةَ في ظلّ التداني /
إنما روحُك في الكونِ وروحي توْأمانِ /
لا تدَعني أقطَع الأيامَ وحدي وأُعاني /
فحرَامٌ يا حبيبي /
يا حبيبي سئِمَ اللَّيل سكوتي واكتئابي /
أنا أهواكَ ولكن أنتَ لا تعلمُ ما بي /
لحظةً بين ذراعيكَ فقد طالَ عذابي /
لحظةً أمزجُ أنفاسَك بالقلبِ المذابِ /
وأُغنّي ويُغني لكَ حُبِّي وشبابي /
وسلامٌ يا حبيبي /
غنِّ بالهجرة عاماً بعد عام
غنِّ بالهجرة عاماً بعد عام / وادْعُ للحقِّ وبشِّر بالسلامِ
وترسَّلْ يا قصيدي نَغَماً / وتنقَّلْ بين مَوْجٍ وغمامِ
صوتُكَ الحقُّ فلا يأخُذْكَ ما / في نواحي الأرض من بغيٍ وذامِ
كنْ بشيرَ الحبّ والنور إلى / مُهَجٍ كلْمى وأكبادٍ دوامي
هجرتْ أوطانها واغتربتْ / في مثاليٍّ من المبدأ سامِ
أنِفَتْ عيشَ الرقيق المجتبى / وأبَتْ ذُلَّ الضَّمير المستضامِ
يا دُعاةَ الحقِّ هذه محنةٌ / تُشْعِلُ الرّوحَ بمشبوب الضرامِ
هذه حربُ حياةٍ أو حِمام / وصراعُ الخيرِ والشَّرِّ العُقامِ
خاضها الإسلامُ فرداً وهَدى / بيراعٍ وتحدَّى بحسامِ
هجرةٌ كانتْ إلى اللّه وفي / خطْوها مولِدُ أحْداثٍ جِسامِ
أخطأ الشيطانُ مسراها فيا / ضَلَّةَ الشيطانِ في تلك الموامي
آبَ بالخيبةِ من غايتهِ / وهو فوق الأرض ملعونُ المقامِ
صفحاتٌ من صراعٍ خالدٍ / ضُمِّنَتْ كلَّ فخارٍ ووسامِ
لم تُتَحْ يوماً لجبَّارٍ طَغَى / أو لباغٍ فاتكِ السيف عُرامِ
بل لدَاعٍ أعزلٍ في قومهِ / مستباحِ الدَّمِ مهدورِ الذِّمامِ
زلزلَ العالَم من أقطاره / بقُوى الرُّوح على القوم الطغامِ
وبنى أوَّلَ دنيا حُرَّة / بَرِئتْ من كل ظلمٍ وأثامِ
تَسَعُ الناسَ على ألوانهم / لم تفرِّقْ بين آريٍّ وسامي
حاطمَ الأصنامِ هل منكَ يدٌ / تذَرُ الظلمَ صديعاً من حُطامِ
لم تُطِقْها حجَراً أو خشباً / ويُطاق اليوم أصنامُ الأنامِ
وعجيبٌ صُنْعُهم في زمنٍ / أبصر الأعمى به والمتعامي
آدميُّون قَزَامى انتحلوا / منطقَ الآلهةِ الشُّمِّ العظامِ
وتراهم مثلَما تسمعهم / صُوَرَ الوهم وأحلامَ النيامِ
بشَّروا الناس بدنيا ويحهم / أيُّ دنيا من دَمارٍ وحِمامِ
تسلُب الناسَ حِجاهم وتَرى / أُمَم الأرض قطيعاً من سوامِ
قِيلَ للحق وما أعجَبَه / في ادِّعاءٍ لفَّقوهُ واتهامِ
قِيلَ للخُبز فَهل أطعمهمْ / حاتمُ الحرب سوى الموت الزؤامِ
أنتِ يا أيَّتُها الشَّمسُ اطلعي / من وراء الليل والغيم الرُّكامِ
سدِّدي بالنار قوساً واصرعي / مارِدَ الشرِّ بمشبوب السِّهامِ
ضلَّتِ الأرضُ بليلٍ داهِم / يحذر النَّجْمُ دُجاهُ المترامي
دَمِيَتْ أعيُننا في جنحه / واشتَكتْ حتى خفافيشُ الظلامِ
يا قُلوباً ضمَّها الشّرقُ على / موْردٍ للحقِّ والحبِّ التُّؤامِ
وشعوباً جَمَعتْها أمَّةٌ / بينَ مصرٍ وعراقٍ وشآمِ
وبطوناً من بَقايا طارقٍ / في البقاعِ الجردِ والخضرِ النوامي
ما شدا شعري بها إلَّا هَفَتْ / بالقِبابِ البيضِ أو حُمْرِ الخيامِ
كلُّ روح بهُدىً من حُبّها / كلُّ قلبٍ بشعاعٍ من غرامِ
تذكُرُ القُرْبى وتسْتدني بها / مَشرق الآمال في مطلع عامِ
وتُرجّى عودةَ المجد الذي / أعجزَ الباني وأعيا المتسامي
من بيوتٍ هاشميّاتِ البنى / وعُروشٍ أمويَّات الدعامِ
ونتاجٍ من نُهىً جبَّارةٍ / وتراثٍ من حَضاراتٍ ضخامِ
قُلْ لها يا عامُ لا هُنتِ ولا / كنتِ إلَّا مهدَ أحرارٍ كرامِ
ذاك مجدٌ لم يَنلْهُ أهلهُ / بالتمني والتغني والكلامِ
بل بآلامٍ وصبرٍ وضنىً / ودموع ودمٍ حُرٍّ سجامِ
قُلْ لها إنَّ الرَّحى دائرةٌ / والليالي بينَ كرٍ وصدامِ
فاستعدِّي لغدٍ إنَّ غداً / نُهْزَةُ السبَّاق في هذا الزحامِ
واجمعي أمركِ لليَوْمِ الذي / يَحْمِل البشرى لعُشَّاق السلامِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025