أوَميضُ البرقِ في الليل البهيمْ
أوَميضُ البرقِ في الليل البهيمْ / أم أياةُ الشمس في كأس النديم
فَتَلَقّ الرَّوْحَ من ريحانةٍ / حَيّتِ الشَّربَ بها راحةُ ريم
عُصِرَتْ والدهرُ يومٌ مُفْرَدٌ / كقسيمٍ لم تُجِزْهُ بقسيم
جُنِيَتْ أعْنابُها مِنْ جَنّةٍ / نُقِلتْ منها إلى حرّ الجحيم
فَلَبُوسُ النارِ فيها سكةٌ / حَكَمَتْ للشَّرْبِ منها بالنّعيم
كفَّ حكمُ الماءِ منها سورةً / تُسْكِرُ الصّاحيَ منها بالشّميم
وكأنّ الكأسَ تاجٌ كُلّلَتْ / جَنَباتٌ منه بالدّرّ النّظيم
وقواريرُ حَبابٍ سَبَحَتْ / من سُلافِ الكرم في ماءٍ كريم
فَهِيَ الدّرْياقُ مِنْ سَمّ الأسى / حيثُ لا يَشْفيكَ درياق الحكيم
أقبَلَتْ تَسْعى بها خُمْصَانَةٌ / عمّ منها حُسْنُها خلقاً عميم
كلما قامت تثَنّى خَلَعَتْ / مَيَلَ التيه على خُوطٍ قويم
سِحْرُ هاروتٍ وماروتٍ بها / في فتُورِ اللحظِ واللفظِ الرّخيم
تودعُ الكفّ شهاباً محرقاً / كلّ شيطانٍ من الهمّ رجيم
في ظلامٍ بَرَقَ الصبحُ له / فتولى عنه إجفالَ الظليم
وحَكَتْ جَوْزاؤهُ ساقيةً / بنطاقٍ شُدّ في خَصْرٍ هضيم
وكأنّ الشُّهْبَ كاساتٌ لها / شاربٌ في الغرب للشُّرْبِ مديم
وكأنّ الصبحَ كفّ أُخْرِجَتْ / لك من جَيْبِ ابنِ عمرانَ الكليم
وكأنّ الشرقَ فيه رافعٌ / حُجُباً عن وجه يحيى بن تميم
مَلِكٌ في الملكِ يُبْدي فَخْرُهُ / جَوْهَراً في حَسَبِ المجد الصّميم
ذائدٌ بالسيف عَنْ دينِ الهدى / سالكٌ فيه سراطاً مستقيم
أحْلَمُ الأملاكِ عن ذي زَلّةٍ / سَبَقَ السيفَ له عَذْلُ الحليم
وسليمُ العِرْضِ تَلْقى مَالَهُ / أبداً من بذلِهِ غَيْرَ سليم
ذو إباءٍ من عِداهُ ناقمٌ / ورؤوفٌ برعاياهُ رَحيم
من أزاحَ الفقْرَ إذْ أسْدَى الغنى / وأباحَ الوَفْرَ إذ صانَ الحريم
من له طيبُ ثناءٍ أرِجٌ / راحلٌ في مِقْوَلِ الدّهْرِ مقيم
مَنْ له القِدحُ المُعَلّى في العلى / فائزٌ في الملكِ بالحظّ العظيم
مُنْعِمٌ نبْتُ مغانيه الغنى / أفَلا يعدم فِيهنّ العديم
لم تَزَلْ تُرْضِعُ أخلافَ الندى / يَدُهُ العافينَ مُذْ كان فطيم
ماءُ نعماهُ نميرٌ لا صَرىً / وَمُنَدّاهُ خصيبٌ لا وخيم
لا جمودُ القَطْرِ في المحل ولا / خُلّبُ البرق بعيْنَيْ مَنْ يَشيم
كم له من حُجّةٍ بالغةٍ / في لسانِ السيْفِ تُوْدي بالخصيم
يَعْمُرُ الحربَ بجيشٍ أرضُهُ / من دمِ الأعداءِ حمراءُ الأديم
يقتضي الذِّمْرُ من الذِّمْرِ بها / روحَهُ فالذِّمرُ للذِّمرِ غريم
وكأنّ الشمسَ من قَسْطَلِهِ / فَوْقَهُ تنظرُ من طَرْفٍ سقيم
دقّ فيه السّمْرَ طعناً وَثَنى / وَرَقَ الفولاذِ بالضربِ هشيم
كيفَ لا يُفْني عِدَاهُ في الوغى / مَلِكٌ يغدو له الموتُ خديم
كم فلاةٍ دونه يَدْفَعُها / سُنْبُكُ العدو إلى خفّ الرسيم
لابن آوى وَسْطَها وَعْوَعةٌ / تُوحِشُ الإنسَ وللبومِ نئيم
وعظيم الهولِ لولا آيةٌ / لم يكُنْ راكبُهُ إلّا أثيمْ
لم تزلْ عينيَ أو أذني به / تُؤذنُ القلب بخوْفٍ لا يُنيم
قد جَمَمْتُ العزمَ ما بينهما / بالسّرى والنجم بالليلِ البهيم
ووردتُ النّيلَ من نَيْلِ يدٍ / تَرْتَوي الآمالُ منها وهي هيم
يا أبا الطاهر جَدَّدْتَ على / ثني أزمانِ العلى المُلْكَ القديم
لستَ كالبحرِ فَمِلْحٌ ماؤهُ / لا ولا كالليثِ فالليثُ شتيم
بل حباكَ اللَّه بأساً وندىً / خُلُقاً منك على أكْرم خِيمْ