المجموع : 10
ضَحِكَ البرقُ فأبكاني دَما
ضَحِكَ البرقُ فأبكاني دَما / وجرى دمعي له وانسجَما
وأهاجَ الوجد في إيماضه / كَبِداً حرّى وقلباً مغرما
ما أرى دائيَ إلاَّ لَوعَةً / من حشاً تُورى ومن دمعٍ همى
من سناً لاح ومن برق أضا / ما بكى الوامق إلاَّ ابتسما
فكأنَّ البرقَ في جنح الدجى / ألْبَسَ الظلماء بُرداً مُعْلما
باح في الحبّ بأسرار الهوى / وأبى سرُّ الهوى أنْ يكتما
يا أخلاّئي وهل من وقفةٍ / بعدكم بالجزع من ذاك الحمى
أنشدُ الدار الَّتي كنتم بها / ناشداً أطلالها والأرسما
يا دياراً بالغضا أعهدها / مَرْبَضَ الأسْدِ ومحراب الدمى
سَوَّلَتْ للدمع أن يجري بها / وقضت للوجد أنْ يضطرما
أينَ سكانُك لا كانَ النوى / أعْرَقَ البين بهم أم أشأما
كانَ عهدي بظباء المنحنى / تصرَعُ الظبيةُ فيه الضيغما
وبنفسي بين أسراب المها / ظالمٌ لم يَعْفُ عمَّن ظلما
إنَّ في أحداق هاتيك الظبا / صحةً تورث جسمي سقما
ومليح بابليٍّ طرفه / ساحرِ المقلة معسول اللمى
حرَّم الله دمي وهو يرى / أنَّه حلَّ له ما حرما
كم أراشت أسهماً ألحاظُه / يا له في الحبّ من رامٍ رمى
أشتهي عَذْبَ ثناياه الَّتي / جَرَّعَتْني في هواه العلقما
وصلت أيامه وانقَرضَت / أفكانت ليت شعري حلما
علِّلاني بعسى أو ربَّما / فعسى تغني عسى أو ربَّما
حار حكم الحبّ في الحبّ فما / أنْصَفَ المظلومَ ممن ظلما
ليتَه يعدل في الحكم بنا / عدل داود إذا ما حكما
أيَّد الله به الدِّين امرؤ / كانَ للدين به مُستَعْصَما
ذو مزايا ترتضى أطلعها / منه في أفق المعالي أنجما
بلغ الرشد كمالاً وحجى / قبل أن يبلغ فيها الحلما
ومباني المجد في أفعاله / قد بناهنّ البناءَ المحكما
ناشئ في طاعة الله فتىً / لم يزل برًّا رؤوفاً منعما
قد علا بالفضل فيمن قد علا / وسما بالعلم فيمن قد سما
كم وكم فيمن تولّى أمْرَه / أعيَنٍ قَرَّتْ وأنفٍ أرغما
رجل لو ملك الدنيا لما / تركت أيديه شخصاً معدما
فإذا جاد فما وبل الحيا / وذا جادل خصماً أفحما
بُسِطَتْ أيديه بالجود فما / تركت مما اقتناه درهما
أظهرَ الحقَّ بياناً وجلا / من ظلام الشك ليلاً مظلما
سيّد من هاشم إذ ينتمي / لرسول الله أعلى منتمى
واعظٌ إنْ وعظ الناس اهتدت / لسبيل الرشد من بعد العمى
كلّما ألقى إلينا كلِماً / لفظت من فيه كانت حِكما
تكشف الران عن القلب وما / تركت في الدِّين أمراً مبهما
قوله الفصل وفي أحكامه / ما يريك الحكم أمراً مبرما
إن قضى بالدين أمراً ومضى / أذعَنَ الآبي له واستسلما
يحسم الداء من الجهل وكم / حًسِم الجهل به فانحسما
نجم العلم به إذ نجما / ونمى الفضل به منذ نمى
وبدين الله في أقرانِه / لم أجدُ أثْبَتَ منه قدما
يدفع الباطل بالحق الَّذي / يُفلقُ الهامَ ويبري القمما
واكتفى بالسمر عن بيض الظبا / أغْمدَ السيف وأجرى القلما
وُجدَ الفضلُ به مفتتحاً / لا أرى في فقده مختتما
علماء الدّين أعلام الهدى / كلُّ فرد كانَ منهم علما
إنَّما أنتَ لعمري واحد / ما رأينا لك فينا توأما
أنتَ أندى الناس إنْ تثرى ندى / يا غماماً سحَّ يا بحراً طمى
إنَّ أيامَك أعيادُ المنى / حيث كانت للأماني موسما
سيّدي أنتَ وها أنت لنا ال / عروة الوثقى الَّتي لن تفصما
نظم الشعر لكم داعيكمُ / فتَقبَّلْ فيك ما قد نظما
ذاكراً من أنْعَم الله لكم / نِعَماً تُسدي إلينا النعما
بارقٌ لاح فأبكاني ابتساما
بارقٌ لاح فأبكاني ابتساما / نبَّه الشَّوقُ من الصبِّ وناما
ولمن أشكو على برح الهوى / كبداً حرَّى وقلباً مستهاما
ويح قلبٍ لَعِبَ الوجد به / ورمته أعين الغيد سهاما
دنف لولا تباريح الجوى / وما شكا من صحَّة الوجد سقاما
ما بكى إلاَّ جرتْ أدمُعُه / فوق خدَّيه سفوحاً وانسجاما
وبما يسفح من عبرته / بلَّ كمّيه وما بلَّ أواما
ففؤادي والجوى في صبوتي / لا يَمَلاَّن جدالاً وخصاما
ليتَ من قد حرموا طيب الكرى / أذنوا يوماً لعيني أن تناما
مَنَعونا أن نراهم يقظة / ما عليهم لو رأيناهم مناما
قَسَماً بالحبِّ واللّوم وإنْ / كنتُ لا أسمع في الحبِّ ملاما
والعيون البابليَّات الَّتي / ما أحلَّت من دمي إلاَّ حراما
وفؤادٌ كلَّما قلت استفق / يا فؤادي مرَّةً زادَ هياما
إنَّ لي فيكم ومنكم لوعةً / أنْحَلَتْ بل أوْهَنَتْ منِّي العظاما
وعليكم عبرتي مهراقة / كلَّما ناوحت في الأَيك حماما
ومتى يذكرُكم لي ذاكرٌ / قعدَ القلب لذكراكم وقاما
يا خليليَّ ومن لي أنْ أرى / بعد ذلك الصَّدع للشَّمل التئاما
أحسِب العامَ لديكم ساعةً / وأرى بَعْدَكم السَّاعة عاما
لم يدمْ عيشٌ لنا في ظلِّكم / أيّ عيش قبله كانَ فداما
حيث سالمنا على القرب النوى / وأخذنا العهد منها والذماما
ورضعنا من أفاويق الطلا / وكرهنا بعد عامين الفطاما
أترى أنَّ الهوى ذاك الهوى / والندامى بعدنا تلك الندامى
كلَّما هبَّت صبا قلتُ لها / بلِّغيهم يا صبا نجد السَّلاما
وبنفسي ظالمٌ لا يتَّقي / حوبة المضنى ولا يخشى أثاما
ما قضى حقًّا لمفتون به / ربَّما يقضي وما يقضي مراما
لو ترشَّفتُ لماه لم أجد / في الحشا ناراً ولو هبَّت ضراما
ولأطفأت لظى نار الجوى / ولعفت الماء عذباً والمداما
شدَّ ما مرَّ جفاً مستعذب / من عذابي فيه ما كانَ غراما
لا سُقيتنَّ الحيا من إِبلٍ / تقطع البيد بطاحاً وآكاما
قذفتها بالنوى أيدي السّرى / في مواميها عراقاً وشآما
ورمتها أسهم البين فمن / مُهَجٍ تُرمى وعيسٍ تترامى
وقد بلونا النَّاس في أحوالها / وعرفناهم كراماً ولئاما
وشربناهم نميراً سائغاً / وزعافاً وأكلناهم طعاما
فمحالٌ أن ترى عينٌ رأت / كحسام الدِّين للدِّين حساما
إنْ تجرِّده على الدهر يدٌ / فَلَقَتْ من خطبه هاماً فهاما
من سيوف الله لا تبصر في / حدِّه الماضي فلولاً وانثلاما
جوهر أودَعَهُ الله به / لم يكن يقبل في النَّاس انقساما
نظرت عيناي منه أروعاً / طيب العنصر والقرم الهماما
من كرامٍ سادةٍ لم يُخلَقوا / بين أشراف الورى إلاَّ كراما
رقَّ حتَّى خِلْتَه من رقَّة / أرج الشِّيح وأنفاس الخزامى
أو كما هبَّت صبا في روضةٍ / تنبت الرند صباحاً والثماما
ثابتُ الفكرة في آرائه / يظهر الصّبح كما يخفي الظَّلاما
وإذا ما قوَّم المعوجّ في / رأيه العالي من الأَمر استقاما
يوم تعرى البيض من أغمادها / وبه يكسي الفريقين القتاما
في نهارٍ مثل مسودّ الدُّجى / تلبس الشَّمس من النَّقع لثاما
وإذا ما أشرق النَّادي به / أشرق النَّادي به بدراً تماما
لم يضِمه من زمان طارق / عزّ جاراً وجواراً أنْ يضاما
قد وَجدنا عهده في ودّه ال / عروة الوثقى فقلنا لا انفصاما
شمل النَّاس فأغنى بِرُّه / وكذا البحر إذا البحر تطامى
بأبي أنتَ وأُمي ماجد / في سماوات المعالي يتسامى
شيّد الفضل وأعلى قدرهُ / بعد أنْ أصبحَ أطلالاً رماما
وكفت يمناهُ بالويلِ ندًى / فكفتنا الغيث سقياً والغماما
حاكمٌ بالعدل علويُّ الثنا / عن عليٍّ قام بالحكم مقاما
إنَّما البصرة في أيَّامه / أعجبت من سارَ عنها أو أقاما
أفصحت عن أخرسٍ فيك له / من قريض النثر نثراً ونظاما
عربيَّات القوافي غررٌ / نصبت قلة المجد خياما
شاعرٌ يهوى معاليك وفي / كلِّ وادٍ من مديح فيك هاما
يا حسام الدِّين يا هذا الَّذي / أشكر اليوم أياديه الجساما
فتفضَّل وتقبَّل كلّ ما / جمعت فيك من الحقِّ كلاما
وثناء طيِّباً طابَ بكم / ينعشُ الرُّوح افتتاحاً وختاما
هاتها حمراءَ تحكي العَنْدَما
هاتها حمراءَ تحكي العَنْدَما / واسقنيها من يَدَيْ عَذْبِ اللّمَى
وانتهزها فُرْصةً قد أمكَنَتْ / فاغتنمها واتَّخذها مغنما
وانتهبها لذَّةً إنْ تنقضِ / يا نَديمي أعْقَبَتْك الندما
وأَعِدْ لي من شبابي ما مضى / بعجوز لم تلاق الهرما
حبَّذا أُختُ عروس زُوِّجَتْ / وهب بكرُ الدَّن من ماءِ السَّما
أخْبَرت عن نار كسرى ما رَوَتْ / من أعاصير الأُلى ما قدما
لطُفَتْ حتَّى كأَنْ لم نرها / فتخيَّلْنا الوجودَ العدما
في رياضٍ أخَذَتْ زُخْرُفها / وبكى الغيثُ لها وابتسما
يوم أُنسٍ نشر السحب به / في نواحي الجوّ بُرداً معلما
حجب الشمس فأبْرَزْنا لنا / شمسَ راح والحباب الأَنجما
معْ مليح قد قضى الحسن له / أن يرى الظلم إذا ما حكما
لو رآه عاذل يعذلني / في هواه عاد فيه مغرما
أشتكي الظلمَ وهذا ظالمي / يا لقومي من حبيبٍ ظلما
ورماني عامداً من لحظه / أيَّ سهم ذلك اللحظ روى
ما اتّقى الله بأحشائي ولا / راقبَ المأثم فيما أثما
حرَّمَ الوَصْلَ على مغرمه / ليتَه حَلَّلَ ما قد حرَّما
يا مليحاً أنا في طاعتِهِ / وأُعاصي في هواه اللّوَّما
منك أشكو ما أُقاسيه ومِن / سُقم أجفانك أشكو السقما
وسواء فيك مسلوب الحشا / باح بأسرار الهوى أو كتما
يا لقومي من مشيرٍ بدمي / من دم طُلّ بألحاظ الدُّمى
كم وكم في الحبِّ لا في معرك / صَرَع الظبيُ الأَغنُّ الضيغما
وفنون لشجون أطلَقَتْ / عَبرة الصّبّ من الوجد دما
لستُ أنسى ليلةً باتت بها / أعينُ الواشين عنَّا نوَّما
وسهرناها كما شاءَ الهوى / نتعاطى الكأسَ من خمر اللّمى
تلك أعراسُ زمان سَلَفَتْ / فأقِم يوماً عليها مأتما
لم أزلْ من بعدها أرجو لها / عَوْدَة تبري بقلبي الأَلما
مقرناً قولي عسى في ربَّما / وعسى تُغني عسى أو ربَّما
ينعم الدهر علينا مرَّةً / فنرى شمل المنى منتظما
ما رأتْ عَيني أمراً حيثُ رأتْ / مثل إبراهيم برًّا منعما
عَلَويٌّ قد علا أعلى العُلى / وعلى أعلى السّماكين سما
مذ رأيناهُ رأينا ماجداً / وعرفناهُ عرفنا الكرما
فهو كالغيث إذا الغيث همى / وهو كالبحر إذا البحر طمى
باسطٌ للجود منه راحَةً / ساجَلَتْ يومَ العطاءِ الدِّيما
أشرف العالم أُمًّا وأَباً / ثمَّ أوفاهم وأندى كرما
هو من أشرفِ قومٍ نسباً / خير من تلقاه فيهم منعما
سيِّد إنْ يعتزِ أم ينتمِ / فإلى خير النبيِّين انتمى
لودَعيٌّ لم تدع آراؤه / من أُمور الرأي أمراً مبهما
قسماً بالفخر في عليائه / أوَتبغي فوق هذا قسما
إنَّه للفَردُ في أقرانه / كانَ والمجد تليد التوأما
سالكٌ ما سلكتْ آباؤه / بمعاليه السبيلَ الأَقوما
نَشَرَتْ أَيمانُه ما ملكت / لنظام الحمد حتَّى نظما
أنا في مدحي له خادمه / إنَّ مَن يخدم علاه خدما
وقليلٌ ولو أنِّي ناظم / لعلاه في القريض الأَنجما
شِيَمٌ ممدوحة في ذاته / فتأَمَّل فيه تلك الشِّيما
فتراه للندى حينئذٍ / مُسْبَغاً في كلِّ يومٍ نعما
هو ترياق من الدهر الَّذي / كانَ في اللأواء صِلاًّ صَيْلما
فإذا ما حارَبَتْ أيَّامه / حادث الأيام ألقى السلما
نتَّقي ما نتَّقي من بأسه / وإذ أقْدَمَ خطبٌ أحجما
لا بلغتُ إرباً إنْ لم أكنْ / ناقلاً إلاَّ إليه قدما
إنَّما البصرة في أيَّامه / أبْصَرَتْ أعيُنُها بعدَ العَمى
جعل الله لها في ظلِّه / خيرَ ظلٍّ منه بل خير حمى
مكرماً من أَمَّهُ مسترفداً / راحماً من جاءهُ مسترحما
فجزاه الله عنها خير ما / جُوزي المنعم عمَّا أنعما
طَرَقَتْ أَسماءُ في جُنْح الظَّلام
طَرَقَتْ أَسماءُ في جُنْح الظَّلام / مَرْحباً بالغُصْنِ والبَدر التَّمامِ
وتحرَّت فرصةً تمكنها / حذر الواشي فزارت في المقام
بتُّ منها والهوى يجْمَعُنا / باعتناق والتثام والتزام
مستفيداً رشَفَاتٍ من فمٍ / لم تكنْ توجد إلاَّ في المنام
حبَّذا طيفُ حبيبٍ زارني / والضيا يعثر في ذيل الظَّلام
باتَ حتَّى كَشَفَ الفجرُ الدُّجى / وبدا الصُّبحُ لنا بادي اللثام
ونَظَرْنا فرأَينا كَرَّةً / لبني سامٍ على أَبناءِ حام
يصرَعُ الزّقَّ ويُدمي نحْرَهُ / ويروِّيني بجامٍ بعد جام
بات يهدي بارد الرِّيق إلى / كبِدٍ حرَّى وقلب مستهام
بابليّ اللّحظ معسول اللّمى / ليّن الأَعطاف ممشوق القوام
وترشَّفتُ شذًى من مرشف / عنبريّ الطيب مسكيّ الختام
أنا بالسّفح وما أَدراك ما / كانَ بالسّفحِ وفي تلك الخيام
زمنٌ مرَّ لنا في ظلِّه / يرقُصُ البان لتغريد الحمام
والندامى مثل أزهار الرُّبا / يُجتَنى من لفظها زَهْرُ الكلام
والظِّباء العُفْرُ من آرامها / ما بعينها بجسمي من سقام
سَنَحَتْ أَسرابها قانصةً / ورماني من ظباء الغيد رام
طاعنات بقدودٍ من قناً / راميات من لحاظٍ بسهام
حَدَّثَ الرّكبُ عنها وهَلْ يخفى الهوى / عن ولوعي بالتَّصابي وغرامي
حين ألفاني وألفى مهجتي / في ضِرامٍ ودموعي بانسجام
يا خليليَّ اكْفُفا لوْمَكُما / واذهبا عنِّي ومرَّا بسلام
فلقد أعطَيْتُ من دُنكما / طاعةَ الحبّ وعصيانَ الملام
أينَ حيٌّ بالفضا نعهَدُه / صُدعُوا بعد التئام والتيام
لا جزى الله بخيرٍ أينقاً / قَذَفَتْها بالنَّوى أيدي المرامي
كلَّما أسمَعَها الحادي الحدا / أجْفَلَتْ بالسَّير إجفال النعام
ذهبت يا سعدُ أيَّام الصبا / ومَضَتْ بعد وِصالٍ بانصرام
وصحا من سَكرةٍ ذو نشوة / لا يسوغُ الماءَ إلاَّ بالمدام
لا أذُمُّ الشَّيْبَ ينهاني به / وَرَعي حين بدا عن كلّ ذام
وبمَدْحي واليَ البصرة قد / راقَ بالصِّدق نثاري ونظامي
وثناءً طيِّباً ننشره / بالمنيب العادل القرم الهمام
أَلبَسَ النَّاسَ وَقاراً حكمُهُ / فهي من أَبهى وقار واحتشام
ما رأى البصرة من إنصافه / إذ أَتاها غيرَ أَطلال رمام
فسعى بالجهد في تعميرها / سَعْيَ من يبلُغُ غايات المرام
لا تشيمُ البرقَ منه خلباً / لا ولا تسأَل وبلاً من جهام
فعسى أن يُنْجزَ الله به / عَدةَ اللُّطْف لخاص ولعام
فرع سادات المعالي في العُلى / عَلَويُّ الأَصل عُلْويُّ المقام
كَرُمَتْ أعراقُه في ذاتها / وكِرامُ النَّاس أَناءُ الكرام
من أُناسٍ خُلقوا مُذْ خلقوا / سادةَ الدُّنيا وأَشراف الأَنام
تنقضي أيَّامه موصولةٌ / بصلاتٍ وصَلاةٍ وصيام
وإذا ما اضطرمتْ نارُ وغًى / يصطفي منها أشدَّ الاضطرام
وإذا استلَّ ظُباً أَغْمدها / ثَمَّ في قمَّة مقدام وهام
وعلى منبَرِ هامات العدى / خطبت بالحتف والموت الزُّؤام
بطلٌ يفتك في آرائه / غير ما يفتك في حدِّ الحسام
كم وكم أَدْمَتْ بقومٍ مهجةً / هذه أَقلامه السُّمر الدَّوامي
ما جرتْ إلاَّ بمجرى قدر / بحياةٍ لأُناسٍ وحِمام
كم له من كلماتٍ في النهى / نبَّهت للرُّشد أبصار النيام
قرَّت البصرة عيناً بالَّذي / حلَّ بالبصرة بالشَّهر الحرام
كلّ دارٍ حلَّ فيها ابتهجتْ / وحَلَتْ حينئذٍ دار السَّلام
فسقاها من نداهُ عارضٌ / مستطيرُ البرق منهلُّ الركام
وحماها بمواضيه ولا / خيرَ بالملك يُرى من غير حام
أصبَحَتْ آثار أَيديه بها / مثلما تُصبِحُ آثار الغمام
حَسُنَتْ أحوالها وانتظمتْ / لو تراها بعد هذا الانتظام
رَدَّ بالسَّيف بغاةٍ جَمَحَتْ / رَدَّك المُهرَ جَموحاً باللِّجام
وقضى بالعدل فيما بينها / فمضتْ في غيِّها لدُّ الخصام
واليدُ الطولى له من قبلها / أَخَذَتْ من كلّ آبٍ بزمام
عِمْ صباحاً أيُّها المولى ودُمْ / وابقَ واسلمْ والياً في كلّ عام
قام يجلوها وبُرْدُ اللَّيل مُعْلَمْ
قام يجلوها وبُرْدُ اللَّيل مُعْلَمْ / خمرةً ما اجتمعت معَ الهَمْ
فهي تِبْرٌ في لجين ذائبٍ / أو كنارٍ في فؤاد الماء تُضرم
نظم المزج عليها حَبَباً / رَصَّعَ الياقوتَ بالدرّ المنظّم
عجباً للشَّرب أنَّى قطّبت / أوجهاً من شرب راحٍ تتبسَّم
مُرَّةٍ يحلو بها العيش وفي / مثلها قد يُحمد الدَّهر المذمّم
من رأى يا قوم منكم قبلها / قبل هذا أَنَّ نوراً يتجسّم
فهي سرٌّ منعت سرّ الضيا / في ضمير اللَّيل من أن يتكتّم
قَدُمت في عصرها حتَّى لقد / أَوْشَكَتْ تخبرنا عمَّا تقدّم
ما ألذَّ الرَّاح يسقاها امرؤٌ / من أيادي مُنْية القلب المتيَّم
كقضيب البان أنَّى ينثني / ذو قوام يشبه الرّمح المقوَّم
أشرق البدر علينا وجهه / فعرَفْنا منه أنَّ البدرَ قد تم
بابليُّ اللَّحظ حلويُّ اللّمى / غير أنِّي في هواه أتألَّم
مالكٌ ما رقَّ للصّبّ ومن / عادة المالك أن يرثو ويرحم
ظالمي في الحبّ عدلٌ فاعجبوا / يا لقومي من ظلومٍ يتظلّم
عاطنيها يا نديمي قهوةً / تَخْضِبُ الأَقداح بالصّبغ المُعَنْدَم
وانتَهِبْها فرصةً ممكنة / قبل أن تمضي سدًى أو تتندّم
في رياضٍ قرن البشر بها / فغَدَتْ تقرن ديناراً بدرهم
واعصِ من لامك فيها طائعاً / لذَّة النَّفس فأُنسُ النَّفس ألزم
أترى مستعظم الوِزْر بها / ليس يدري أنَّ عفو الله أعظم
أنْعَمُ العيشة ما قضَّيتها / مع مليحٍ جادلَ بالوصلِ وأنعم
فتعاطاها إلى أن ينجلي / من أسارير الدُّجى ما كانَ أظلم
فترى للصُّبح في إثْر الدُّجى / صارماً من شفق يلطخ بالدم
أو فكانا كجوادي حلبةٍ / راح يتلو أشقرٌ آثار أدهم
رفعَ الفجرُ لنا رايتُه / وتولَّى اللَّيل بالجيش العرمرم
يا لها من ليلةٍ في جنحها / حلّل اللَّهو بها كلّ محرَّم
رقَص البانُ لها من طربٍ / وتثنَّى لحمام يترنَّم
نطقَ العودُ بأسرار الهوى / فسكتنا والأَغاني تتكلَّم
فحسبناها لما قد أطربتْ / أفصحت في مدح عبد القادر القرم
لم تزل منَّا إلى حضرتِه / مِدَحٌ تجبى ومال يتقسّم
حكَّم العافين في أمواله / وهي فيما تشتهيه تتحكّم
هكذا كانَ وما زال كذا / إنَّها شِنْشِنَة من عهد أخزم
لو نظرنا رقَّةً في طبعه / لحسبناهُ نسيماً يتنسّم
فهو مثل الرَّوض وافاه الحيا / رائقَ المنظَر زاهٍ عطر الشّم
لم ترق عيني سوى طلعته / أنا فيها لم أزلْ أنجو من الغم
بيَّضتْ وجهَ المُنى أقلامُه / إنْ يكنْ وجه المُنى أسودَ أسْحم
وَسَطَتْ في الخصم حتَّى أنَّها / فتَكَتْ فتكَ القنا في مهجة الخصم
ملهمٌ يعلم ما يأتي من الأَ / مرِ إنْ شاءَ وبعض النَّاس ملهم
ذاك واري الزّند مغوار النهى / إنْ رمى أصمى وإنْ جاد لأفحم
وإذا أَبهم أمرٌ في العُلى / كشفَتْ آراؤه عن كلِّ مبهم
طار في الأُفق لك الصِّيت الَّذي / كلَّما أنْجَدَ في الأَقطار أتْهم
أَنت والغيث جوادا حلبةٍ / مثلما أَنت مع العلياء توأَم
كم ورَدْنا منكَ عذباً سائِغاً / كالحيا المنهلّ بل أَمرى وأَسجم
وبلغنا من أياديك المنى / فيميناً إنَّ يُمناكَ لكاليم
بأبي أَنت وأُمي ماجداً / وملاذاً في معاليه لمنْ أَم
إنْ ذكرنا فضلَ أرباب النَّدى / كنتَ رأس الكل والرَّأس مقدم
أَنت والله لأندى من حياً / مستهلّ القطر بالجود وأَكرم
أَرغم الله أعاديك بما / يجدع الأَنف به جدعاً ويرغم
وفداك القوم أمَّا كفُّهم / فجمادٌ ونداهم فمحرَّم
وكفاك الله أسواء امرئٍ / ضاحكٌ يُكشر عن أنياب أَرقم
وإليك اليومَ منِّي مِدَحاً / أيُّها المولى وحوشِيتَ من الذَّم
فلسان الحال منِّي مفصحٌ / إنْ يكنْ منِّي لسان القال أَبكم
أنا في مدحك ما بين الورى / أفصَح النَّاس وإنْ لم أتكلَّم
خدم العبد علاكم شعره / أَنت في أمثاله ما زلتَ تُخدم
شاكراً مولاي إحسانك بي / إنَّ إحسانكَ يا مولاي قد عم
إنْ تَفَضَّلتَ على الدَّاعي لكم / بقبولٍ فتفضَّل وتكرَّم
أسأَل الله لعلياك البقا / فابقَ في العزِّ مدى الأَيَّام واسلم
مَنْ لصبٍّ في هواكم مُستهام
مَنْ لصبٍّ في هواكم مُستهام / دَنِفٍ نهبَ وُلوعٍ وغَرام
فعلى خَدّي ما تسقي الحيا / وعلى جسميَ ثوب من سقام
فسقاكم غدقاً من أدمعي / مستهلّ القطر منهل الغمام
عبراتٍ لم أزَل أهرقها / أو يبلّ الدَّمع شيئاً من أوامي
زفرة رَدَّدْتها فاضْطَرمَتْ / في حشا الصبّ أشدَّ الاضطرام
هل عَلِمْتم بعدما قوَّضتمُ / أنَّ لي من بعدكم نوح الحمام
فارقت عيناي منكم أوجهاً / أسفرت عن طلعة البدر التمام
في عذاب الوجد ما أبقيْتُمُ / من فؤادي في غرام وهيام
مهجة ذاهبة فيكم وما / ذهبت يوم نواكم بسلام
عرضت واعترض الوجد لها / ورماها من رماة السرب رامِ
قل لمن سدّد نحوي سهمه / من أحَلَّ الصَّيْدَ في الشهر الحرام
طالما مرّ بنا ذكركُمُ / فتثنّى كلُّ ممشوق القوام
وبما أتْحفَ من أخباركم / ربَّما استغنيت عن كل مدام
أوَ كانت عنكم ريح الصبا / نسمت بين خزامى وثمام
أين ذاك العهد في ذاك الحمى / والوجوه الغر في تلك الخيام
إنَّ أيَّاميَ في وادي الغضا / لم تكن غير خيالٍ في منام
من مُعيرٌ ليَ منها زمناً / يرجع الشيخ إلى سنِّ الغلام
وأحبّاء كأنْ لم يأخذوا / من أبيّاتِ المعالي بخطام
فرَّقَتْ شملَهُم صَرْفُ النوى / ورَمَتْهُم بعواديها المرامي
ولقد طالت عليهم حَسْرتي / فاقصروا إن تُنْصفاني من ملام
لستُ أنسى العيش صفواً والهوى / رائقاً والكأسُ ناراً في ضرام
بين ندمان كأنْ قد أَصبحوا / من خطوب الدَّهر طرًّا في ذمام
ينثر اللؤلؤ من ألفاظهم / فترى من نثرهم حسن النظام
تفعل الرَّاح بهم ما فعلتْ / هذه الدُّنيا بأبناء الكرام
إنَّما كانت علاقات هوى / أَصْبَحَتْ بعد اتِّصالٍ بانصرام
وانقضى العهد وأيَّام الصبا / أجْفَلَتْ من بعدُ إجفال النعام
أَسَفاً للشعر لا حظَّ له / في زمان الجهل والقوم اللّئام
فلقومٍ حِلْيَةٌ يزهو بها / ولأقوامٍ سمامٌ كالسِّهام
والقوافي إنْ تصادفْ أَهلَها / انسجمتْ في مدحهم أَيَّ انسجام
قوافيَّ الَّتي أنْزلتها / من عليِّ القَدْرِ في أعلى مقام
أَبلَجٍ من هاشمٍ أَوْضَحَ من / وَضَح الصّبح بدا بادي اللّثام
إنْ يَجُدْ كانَ سحاباً ممطراً / أَو سطا كانَ عزيزاً ذا انتقام
يعلم الوارد من تيَّاره / أَيَّ بحرٍ ذا من الأَبحار طامي
يا لقومٍ أرهبوا أو أرغبوا / من كرامٍ بحسامٍ أو حطام
شمل المعروف من إحسانهم / من عرفنا من بني سامٍ وحام
فهمُ الأَشراف أَشراف الورى / وهمُ السَّادات سادات الأَنام
هم ملاذ الخلق في الدُّنيا وهم / شفعاء الخلق في يوم القيام
نشأوا في طاعة الله فمن / قائمٍ بالقسط أو حبرٍ همام
رضعوا درَّ أَفاويق العُلى / وغذوا بالفضل من بعد انفطام
وإذا ما أرهفوا بيض الظبا / أغمدوها في الوغى في كلِّ هام
بأَكُفٍّ من أيديهم هوامي / وسيوفٍ من أعاديهم دوامي
ظَلْتُ أروي خبراً عن بأسهم / عن سِنان الرّمح عن حدِّ الحسام
وإذا كانتْ سماوات العُلى / فهُمُ منها سواريها السَّوامي
يا ربيعَ الفضل فضلاً وندًى / وحياة الجود في الموت الزُّؤام
أنتَ للرائد روضٌ أنُفٌ / وزلال المنهل العذب لظامي
فإذا رمت بلالاً لصدًى / ما تعدَّاكَ إلى الماء مرامي
يا شبيه الشَّمس في رأد الضُّحى / ونظير البدر في جنح الظَّلام
لو يزدني الشُّكر إلاَّ نعمة / قرنت منكَ علينا بالدّوام
نبَّهت لي أعين الحظّ الَّتي / لم تكنْ يومئذٍ غير نيام
بسطت أيديك لي واقْتَطَفَتْ / بيد الإِحسان أزهار الكلام
قد تجهَّمْنا سحاباً لم تكنْ / منك والخيبة ترجى بالجهام
فثناء بالذي نعرفه / وامتداح بافتتاح واختتام
عادك العيد ولا زلت به / بعدما قد فُزْتَ في أجر الصِّيام
فابقَ واسلمْ للعُلى ما بقيت / سيِّدي أنتَ ودُمْ في كلِّ عام
شامَ برقاً راعَهُ مُبْتَسماً
شامَ برقاً راعَهُ مُبْتَسماً / عن يَمين الجَزْع شرقيّ الحمى
فبكى ممَّا به من لَوعةٍ / لا بكتْ أعْيُنُه إلاَّ دما
دَنِفٌ قد لَعِبَ الوجد به / ورماه البين فيمن قد رمى
وقضى الحبُّ عليه أنَّه / لا يزال الدهر صبًّا مغرما
رحمةً للصبِّ لو يشكو الجوى / في الهوى يوماً إلى من رحما
عبرة يا سعد قد أهرقتُها / ليتها بَلَّتْ من القلب ظما
وإلى الله فؤاد كلَّما / اضطرم البرق اليماني اضطرما
يا خليليَّ اسعداني إنَّني / لم أجدْ لي مسعداً غيرَكما
إنَّ للدار سقى الدار الحيا / أرْسُماً لم تُبق مني أرسُما
أينَ أقماركَ غابت فَقَضت / أن تُرينا كلّ فج مظلما
ولياليَّ بسَلْعٍ أجتلي / كلَّ عذب اللفظ حلويّ اللمى
كنتُ ذقتُ الصَّبر شهداً فيهم / ثم ذقتُ الشهد فيهم علقما
كانَ حبلي بِهمُ متَّصلاً / فَرُميَ بالقَطع حتَّى انصرما
لا تَسَلْ عن دمع حال طالما / سال في آثارهم وانسجما
زعم الناقل سلواني لكم / كَذِبَ الناقل فيما زعما
عَجَباً من عاذلٍ يعذِلُني / في هواكم أبِعَيْنَيْه عمى
انقضى العهد فما لي بَعْدَه / آكلٌ كفّي عليه ندما
أتشافى في عيسى لا في عسى / يشتفي القلب ولا في ربَّما
يَعْلَمُ الجاهل وَجدي فيكم / كيف لا يعلم أمراً عُلِما
لا رعى الله زماني إنَّه / كانَ لا يرعى لحرٍّ ذمما
كلَّ يوم أنا من أرْزائه / شاهدٌ رُزءاً يَشيبُ اللِّمَما
يَبتليني صابراً لم يُلْفِني / فاغراً فيه من الشكوى فما
أتَّقي أسْهُمَه من حيثُ لا / تتَّقي الأدرعُ تلك الأسْهُما
وإذا مارَسَني مارَسني / حجراً صمَّاء صلاً صَيْلما
وسواءٌ بعد أن جَرَّبني / أقْدَمَ الدهرُ إذنْ أمْ أحجما
فَلْيَجِئْني الدهرُ فيما يشتهي / أنا لا أشكو لداءٍ ألما
وحريٌّ أن تراني بالغاً / بعليّ القدر أسباب السما
أرتقي فيه العُلى لم أتخذ / مَدْحَه للمجد إلاَّ سلَّما
بقوافيّ إليه ترتمي / بالأماني فَلَنِعْمَ المُرتَمى
عَلَويّ الجدّ عُلْويّ السَّنا / دوحةٌ طالت وفرعٌ نجما
سيّدٌ من هاشمٍ راحته / تُخْجِلُ الغيثَ إذا الغيث همى
من رسول الله من جوهره / ذلك النور الَّذي قد جُسِّما
إنْ تؤَمّلْه تُؤَمِّلْ صيّباً / أو تُجادِلْه تُجادلْ ضَيْغَما
يا له من نعمةٍ في نقمةٍ / إنْ رمى أصمى وإنْ فاض طمى
كلّما داويت آلامي به / حُسِمَ الداءُ به فانحسما
قَسَماً بالغرّ من أجداده / أترى أعظمَ منهم مقسما
أنا أستشفي ولكنْ مِنْهُمُ / بشِفاءٍ لم يغادرْ سقما
رضيَ الله تعالى عنهُمُ / وإذا صلّى عليهم سَلَّما
أنْفَقوا الأعمار في طاعته / وقَضَوْها صُوَّماً وقُوَّما
إنَّما يَرحمنا الله بهمْ / رَحمةً تَدفَعُ عنَّا النقما
ثِقَتي فيهم وفيهم عِصْمَتي / فازَ من يَغدو بهم معتصما
وهُمُ ذخريَ في آخِرَتي / يومَ لا أملكُ فيه دِرهما
آلُ بيتٍ لم يَخِبْ آمِلَهم / والَّذي يسألُهم لَنْ يُحرما
يا سماءً للعلى أنظمُ في / مدحِه غرَّ القوافي أنجما
أَنْتَ أَنْتَ اليوم فيها سيّدٌ / يُتّقى بأساً ويُرجى كرما
لا أرى وجدان من لا يرتجي / للندى والبأس إلاَّ عدما
أَنْتَ فذُّ المجد في النَّاس وإن / كنتَ والبدرَ المنيرَ تؤما
انقضى الصَّومُ جميلاً ومضى / قادمٌ كلُّ على ما قدّما
أقبلَ العيدُ نهنِّيك به / يا أبا سلمان هُنِّيت بما
كانَ فيه من ثوابٍ دائمٍ / عَظُم الأجر به إذ عظما
حُزتَ أجر الصوم فاسلم وابق لي / أبداً تولي الغنى والمغنما
مُنعِماً في البِرِّ في أعيادها / لا تزال الدهر برًّا منعما
مسبغاً فيها عَلَيْنا نِعَماً / أسْبَغَ الله عليك النِعما
أيُّها الممدوح فينا ولنا / بُدئ المدح به واختُتما
أيُّها السَّيِّدُ صَبْراً
أيُّها السَّيِّدُ صَبْراً / في المُصيبات المُلِمَّه
قد مضَتْ زوجُك للأُخ / رى وأَمضى اللهُ حُكمَه
وكذاك النَّاس تمضي / أمَّةً من بعد أمَّه
أَيُّ شخصٍ لم ترعه / الحادثاتُ المدلهِمَّه
وزعيم القوم ما ري / ع وغالى الموت حمَّه
كم أصابَ الحتفُ منَّا / كلَّما سدُّدَ سهمه
رحمةُ الله عليها / رحمةً تنزل جمَّه
جاوَرَتْ ربًّا كريماً / لنعيمٍ ولِنعْمَه
قلْ لها وادعُ وأَرِّخ / أَنتِ في الجنَّات رحمه
مَنْ لصَبٍّ مُسْتَطارِ القَلْب هائمْ
مَنْ لصَبٍّ مُسْتَطارِ القَلْب هائمْ / يشتكي المُهْجَةَ من رُمْحٍ وصارِمْ
عاقَدَ الحبَّ على أنْ لا يُرى / في التصابي غير محلول العزائم
إنَّما تَفْتِك في أحشائه / نظراتٌ ليس ترقيها التمائم
رحمة للصبِّ ما يشكو إلى / راحمٍ يوماً وهل للصبِّ راحم
يا خليليَّ انصفاني من جوًى / أنا مظلومٌ به والشَّوق ظالم
ما لهذا البرق يهفو وامضاً / باتَ يبكيني نجيعاً وهو باسم
ويثير الوَجْد يوري زنده / فاحِمَ اللَّيل وفرع اللَّيل فاحم
أذكُرُ العيش وأيَّامَ الحمى / ناعمات العيش بالبيض النواعم
يا سقى الله الحمى من موطنٍ / يزأَرُ اللَّيث به والظبي باغم
كم وكم قد فتكتْ فانتصرَتْ / أَعْيُنُ الغزلان بالأُسْد الضراغم
وكميٍّ حازمٍ أصْبَحَ في / قبضةِ الحبّ وما ثَمَّةَ حازم
نامَ عنِّي غافلاً من كمدي / ربَّ ساعٍ ساهِر الطَّرف لنائم
ويمجُّ الشَّهدَ من ريقَتِه / ولحظّي منه تجريع العلاقم
حاربتْني الأَعيُنُ النجلُ ومن / مُهْجَتي غُذُّوا ومن لي أنْ تسالم
ما أحلَّ القتل إلاَّ عامداً / مستبيحٌ سيفُ عينيه المحارم
مُعْجَبٌ من حُسنْه مبتسمٌ / يُودعُ اللؤلؤَ هاتيك المباسم
قاتلي من غير ذنبٍ في الهوى / أَنْتَ في قَتْلي رعاك الله آثم
سفكتْ أحداقُك السوُّد دمي / أينَ من أحداقك البيض الصوارم
فِعْلُ ألحاظك في عُشَّاقها / يَتَعدَّى بشباها وهو لازم
لي على قَدِّك نَوْحٌ في الدُّجى / مثلما ناحتْ على الغصنِ الحمائم
ساغَ ما جرَّعْتني من غصَّةٍ / غير أنِّي عن جنى ريقك صائم
فَضَحَ الحبُّ الهوى في أهلِهِ / وبدا من كاتمٍ وما هو كاتم
لا أرى الله عذولي راحةً / لامني فيك فما أُصغي للائم
وبلائي كلُّه من لائمٍ / باتَ يلحو وحبيبٍ لا يلائم
والهوى داء كمين في الحشا / ليثَ شعري ما لهذا الدَّاء حاسم
كانَ لي صبرٌ فما دام وما / كانَ صبر الصّبّ بعد الصَّدِّ دائم
كيفَ يسلو ذاكرٌ عهد الهوى / جدَّدَ الذكر لعهد متقادم
عَجَباً للشَّوق يبني ما بنى / يا ترى يهدمه من بعدُ هادم
وبصدْري زفرة لو كُشِفَتْ / للصَّبا يومئذٍ هَبَّتْ سمائم
غير أنِّي والأَماني جمَّة / لا أُبالي وأبو سلمان سالم
سيِّدٌ أمَّا نداه فالحيا / مستهلٌّ من سَحابٍ متراكم
فهو للصَّادي إذا بلَّ الصَّدى / مَوْرِدٌ عذبٌ وبحرٌ متلاطم
شِمْتُ منه البَرق عُلْويُّ السَّنا / مُؤْذِنُ العارضِ بالغيث لشائم
كسَحاب القطر إلاَّ أنَّه / يتبع السَّاجم منهلاً بساجم
إنَّ مَن يرويك عنه خبراً / لا كمن يرويك عن كعب وحاتم
عن رسول الله عن أبنائه / ما رَوَيْنا من أحاديث المكارم
صفوة الله من الخلق وهم / عالم المعروف والنَّاس عوالم
هم هداة الخلق لولا جدُّهُم / وهداهم كانت الخلق بهائم
آل بيتٍ خُلِقوا مُذْ خُلِقوا / للعلى ركناً وللدِّين دعائم
فَتَحَ الله علينا بِهمُ / في مفاتيح العطايا والخواتم
حبَّذا نَجْلُ عليٍّ إنَّه / عَبِقُ الأَخلاق عطريُّ النَّسائم
قالَ من أبْصَرَهُ مستبشراً / هكذا فلْتَكُ أبناءُ الأَكارم
وارثٌ بعد أَبيه في العُلى / من بني هاشم ما أَوْرَثَ هاشم
شرفٌ محضٌ ومجدٌ باذخ / أَيُّ فرعٍ من فروع الفخر ناجم
يرتقي في كلّ يوم رفعةً / في المعالي ليس تُرقى بالسَّلالم
بأبي الأَشراف عن بأس لهم / أعربت سُمر القنا وهي أَعاجم
وتوالت من يديهم أنعمٌ / فازَ من كانَ لها ما عاش لائم
لي ولي منكم وأَنْتم أَهْلُها / نِعَمٌ تَرفَعُني فوق النعائم
فَجُزِيتُم سيِّدي عن شاعرٍ / ناثرٍ فيكم مدى الدَّهر وناظم
مثلَ ما هَبَّتْ صَباً من حاجر / ترقص الأَغصان منها بالكمائم
ولنعمائِكَ فينا أَثرٌ / إنَّ آثاركَ آثار الغمائم
هل دَرى السَّيِّد فيما قد درى / أَمْ هو الآن بما أَعْلَمُ عالم
إنَّ هِنْدواتِكم في كُرْبةٍ / ما له منها سواك اليوم عاصم
تابَ ممَّا قد جنى من ذَنْبه / وعلى التَّوبةِ قد أصْبَحَ نادم
ولهذا أنا باستعطافكم / قارعٌ باللّطف أبوابَ المراحم
إنْ تَشَأْ أَنْقَذْتَهُ أَوْ لا فلا / فَعلى أَيّهما أصْبَحتَ عازم
فتَعَطَّفْ سيِّدي والطفْ به / وعليه إنَّه مولاي خادم
دُمْتَ لي ظلاًّ ظَليلاً وله / إنَّما ظِلُّك للرَّاجين دائم
جَسَدٌ ذاب نحولاً وسَقاما
جَسَدٌ ذاب نحولاً وسَقاما / وفؤادٌ زِيدَ وجداً وغراما
دَنِفٌ لولا تباريح الجوى / جَعَلَ اللائمَ في الحبّ إماما
ما الَّذي أوْجَبَ ما جئتم به / من صدود وعلاما وإلاما
يا أباة الضَّيم ما لي ولكم / أفترضون بمثلي أن يُضاما
أُظهِرُ الصَّبرَ وعندي غيره / غير أنِّي أَكتُمُ الوجد اكتتاما
وأراني جَلِداً فيما أرى / من أمور أَعْرَقَتْ مني العظاما
إنَّ برقاً شِمتُه من جانب العا / رض الوسميّ أبكاني ابتساما
ويح قلب الصّبّ لِمْ لا ينثني / فإذا قلت اسْتفق يا قلب هاما
ما بكى المغرم إلاَّ بدمٍ / بلَّ كُمَّيْهِ وما بلَّ أواما
قوَّض الرّكبُ وأبقى لي الأَسى / لا الجوى ولَّى ولا الصَّبر أقاما
ونَأَتْ سَلمى فهلْ من مبلغٍ / منكما عنِّي إلى سَلمى سلاما
خفرت من عاشقٍ ذَمَّته / إنَّ للعشَّاق في الحبّ ذماما
لستُ أنسى السّرب أشكو بَعْدَه / كَبِداً حرَّى ويُدميني قواما
أيُّها الرَّامي قلبي عَبَثاً / بُؤْتَ بالوزر وقُلّدت أثاما
ما لِمَنْ حَلَّلَ قتلي في الهوى / حَرَّم الوصل وما كانَ حراما
أَرأَيتم أَنَّني من بعدكم / في عذابٍ لم يكن إلاَّ غراما
إنْ يُلاقِ الصُّبحُ ما لاقيته / أَصبحَ الصُّبحُ لما يلقى ظلاما
بَرَزَتْ أَسماءُ أَو أَترابها / يُوقِرَنَّ السَّمْعَ عذلاً وملاما
يتناجَين بإيلام فتًى / ضَيَّعَ الحزم فلم يشدد حزاما
قلنَ لو رام وما في باعه / قِصَرٌ أدركَ بالسَّعي المراما
يا نساءَ الحَيِّ خاصَمْتُنَّني / حَسْبُكُنَّ الدَّهرَ منكنَّ خصاما
لو تنبَّهتُ لها مجتهداً / كيف بالحظِّ إذا ما الحظُّ ناما
أو رأى المقدور فينا رأيه / ما تكَلَّفْتُ نهوضاً وقياما
أبرح الدَّهر على ما لم أَرِدْ / ورزاياه اصطكاكاً واضطراما
لم يَلِنْ للدَّهر منِّي جانب / حيث لم أستعطف القومَ اللّئاما
وعناءٍ كلّها أُمنيتي / في زمانٍ أنْ أرى النَّاس كراما
بأَبي محمود ينبوع النَّدى / أُبْصِرُ الأَعلام أطلالاً ركاما
وأرى كلَّ عليٍّ دونه / فتعالى ذلك القرم الهماما
أُنْفِقُ العُمرَ جميلاً فليَدُمْ / وجميل الصّنع أنَّى دام داما
ويميناً إنَّه لوْ لمْ يَجدْ / في منام لم يذق قطّ مناما
فَسلُوه هلْ خلا ممَّا به / يصنَعُ البرَّ فيوليه الأَناما
أَمْ تَخلَّى من جميل ساعة / من زمان غير ما صلَّى وصاما
كم له من نظرةٍ في رأفَةٍ / أَيقَظَتْ لي أَعْيُناً كنَّ نياما
ذُلِّلَتْ مستصعبات لم يكَدْ / يملك القائد منهنَّ زماما
أُسْتَقِلُّ الأَنجمَ الزّهرَ له / أَنْ تُرى فيه نثاراً ونظاما
ولو أن كلَّمْتُه في لؤلؤٍ / ومن اللؤلؤ ما كانَ كلاما
تجتلي قَرماً إماماً بالنَّدى / بأَبي ذيَّالك القرم الإِماما
وحسام باترٍ لا سيَّما / إنْ هَزَزْناه على الخطب حساما
فنوال ناب عن وبل الحيا / وجمال يخجل البدر التماما
رفعةٌ قد شَهِدَ الخصمُ لها / قَعَدَ الغاربُ منها والسّناما
وإليه وإلى عليائه / أَنيق الرَّاجين أمست تترامى
وكأنِّي وكأن شعري له / مستميح حين شام البرق شاما
بالطَّويل الباع بالسَّامي الذّرى / عرف المعروف شيخاً وغلاما
وعلى ما هو فيه لم يزلْ / أو يقال التّبر قد عادَ رغاما
والكريم النَّفس لا عن غرض / أيُّها أَزكى شراباً وطعاما
هكذا النَّاس إذا قيل النَّدى / سحب تنشا جهاماً وركاما
من سوى أَيديه في فرط الظّما / لا أراني الله أَسْتَسْقي الغماما
كلَّما اعْوجَّتْ أُموري والْتوَتْ / قوَّم المعوَجَّ منها فاستقاما
يا أبا محمود يا من لم يزلْ / رحمةً للخلق برًّا باليتامى
غير ما خَوَّلْتَني من نِعمةٍ / أنا لا أملك في الدُّنيا حطاما
أَفْطَرَ النَّاس جميعاً غيرنا / وبَقينا نحن في النَّاس صياما
فلقد هُنِّيت بها / غُرَّة الأَعياد والشّهر الحراما
وابقَ للإِسلام ركناً سالماً / مُنْعِماً يا عيدنا عاماً فعاما