نكس الأعلام يا خير الملل
نكس الأعلام يا خير الملل / رزىء الاسلام بالخطب الجلل
وانتثر يا دمع أجفان التقى / قد أصيب العلم واغتيل العمل
وانفطر يا قلب واستقص الأسى / إن حبل الدين بالأمس انبتل
أشعل البرق علينا جذوة / فانطفا واتقدت فينا الشعل
حمل البرق مصاباً فادحاً / ليته أعياه حملاً ما حمل
يا رجال الدين هل جاءكم / إن بدر الدين في الأرض أفل
يا رجال الدين لا تهنأ لكم / فرصة إن مصاب الدهر حل
يا رجال الدين لم ينزل بنا / فادح أعظم مما قد نزل
يا رجال الدين أهلاً بالقضا / غاض هذا البحر واندك الجبل
يا رجال الدين ما هذا الأسى / والأسى بالعقل والعقل ذهل
يا رجال الدين ما حسن العزا / عن فقيد في السما والأرض جل
ربما أعقب فقد بدلا / وفقيد العلم ما عنه بدل
إن موتاً وحياة حتماً / قبل هذا الخلق في لوح الأزل
والتماثيل التي نهذي بها / صور يخلقها في سحر الأمل
كل ما نهفو إليه عبر / لو فقهنا الشأن أو ضرب المثل
ما يريد الحتف من أرواحنا / يتقاضاه بكوراً وأصل
إنها مستودعات أقتت / لا يزاد العمر شيئاً إن كمل
يا لعمر ناصبته آفة / تهدم المحيا وتزري بالحيل
بئس عمر حتم استرجاعه / ريثما حل رأيناه قفل
وحياة وعدت ريب الردى / كيف يغتر عليها من عقل
وهي في برهتها مرذولة / حشوها لو فكر المرء العلل
خلق العقل لدرك المنتهى / فتناسى وتلاهى وغفل
ليس من يجهل منا حاله / لمحة تمضي وعيش يختزل
إنما الشأن اغترار حاكم / سلب الألباب واستدعى الأمل
ونفوس راقها من سوئها / رنق العيش وفي العيش الغيل
هذه الدنيا وهذا أمرها / تندف الأعمار ندفاً لم تزل
كثفت عن قبحها في حسنها / وراتنا السم في هذا العسل
لم تغادرنا على مشتبه / في التفاصيل ولا طي الجمل
أيها العاقل لا تحفل بها / سوف ترمي بك من رأس جبل
قد بلوناها ولكن سحرها / ينزل الأعصم من أعلى القلل
هكذا تخبطنا فتنتها / بينما نأنس منها بالحيل
كل ما يحسن منها عطب / وهو من لا شيء في القدر أقل
أصدق الأنباء عن خستها / ليس ما ينقل عنها مفتعل
لم تسالم جاهلاً في غيه / لا ولا عالمها الحر الأجل
كل حي السعته حمة / أعيت الراقي فيها والحيل
وقمت آياتها في عبر / بقرون طحنتهم ودول
لا تبالي بك في بطشتها / كنت رب التاج أو كنت خول
يا رجال العلم أودى قطبكم / بل جميع العلم أودى والعمل
فتكت بالسالمي المرتضى / غارة شعواء ما عنها حول
فتكة أورثت الأرض البكا / والسموات وما فيها استقل
فتكة لم يحم منها جيشه / لا ولا دافعها وقع الأسل
عجباً من نعشه تحمله / فتية وهو على الكون اشتمل
جمع العالم في حيزومه / أترى العالم في القبر نزل
يا ولي اللّه إذ ودعتنا / فمن الآن عليه المتكل
من يحل المشكلات المرتجى / حيث لا ينفع من دق وجل
من يجلي ظلم الجهل ومن / ينصر الدين اضطلاعاً للجلل
من يهد الخطب من فورته / من يقيم الوزن من يشفي العلل
من يقود الأرعن الجرار في / نصرة اللّه على عزم الرسل
من يدير الحرب عن رأي له / سعة البحر إذا ضاق المحل
من على المعروف وقف نفسه / وبه النكر تولى واضمحل
من لبذل العدل والاحسان من / يحمل الكل ومن يعطي النفل
كلها خلفتها ثاكلة / يا عميد الدين تبكي من كفل
قمت للّه بأمر عجزت / همم الأبطال عنه فاستقل
فأتت معجزة خارقة / جدها الرعب وأنواع الفشل
فدعاك اللّه منه دعوة / ليكافيك على هذا العمل
قمت في خدمته محتسباً / آخذاً بالحق في أي محل
درجات الخلد قد بلغتها / وسمات المجد في الدهر مثل
غير أنا في زمان حالك / ضل فيه أغلب الناس وزل
كنت فيه الشمس نوراً وهدى / وارتفاعاً وانتفاعاً بل أجل
كنت فيه خلفاً للمصطفى / خير من قاد إلى الحق ودل
كنت للناس ربيعاً وحيا / كنت للأكوان غوثاً وبدل
مجهداً للنفس في نشر الهدى / خير من وفى واندى من بذل
صابراً في منشط أو مكره / ثابت العزم شديد المكتهل
احمس الصفحة مرهوب السطى / باهر العزمة مأمون الزلل
شاسع النظرة لا يقصرها / زخرف الدنيا وجاه وخول
راجح الايمان معصوم الخطى / قوله الفصل وإن قال فعل
سائراً بالجد حتى نلته / كل من سار على الدرب وصل
في سبيل اللّه أنفقت العنا / في مراد اللّه أنفقت العمل
في سبيل اللّه لم تحفل بها / أسقيت الصاب أو كأس العسل
في سبيل اللّه تدعو جاهداً / لتقيم القسط أو تلقى الأجل
في سبيل اللّه أجهدت القوى / لم تحد إن جد خطب أو هزل
رافعاً ألوية العلم إلى / أن دنا كيوان عنها وزحل
ونصرت اللّه حتى أنه / لك من أهل السما الجند نزل
ولقد يجدر من أهل السما / نصرة القائم في خير النحل
تلك بدر نزلوها مدداً / وعلى بدر قياس يحتمل
هم وجبريل على حيزومه / بالتسابيح لهم فيها زجل
نصروا اللّه بجيش المصطفى / فانثنى بالخزي اشياع هبل
وفتوحاتك سر مدهش / ظهرت فيها الكرامات الأول
يا ولي اللّه إني نادب / لك ما دار بكور وطفل
طالما أملت أن يجمعني / بك هذا الدهر فانسد الأمل
لهف نفسي ما الذي أقعدني / عنكم غير الذي أعيا الحيل
كلما أزمعت ترحالاً قضى / لي بالتثبيط دهر مهتبل
وإلى أين ارتحالي بعدما / أظلم الجو وأوحشت الطلل
كنت أرجو نظرة في حالتي / منك فالآن رجائي معتقل
كنت في قيد شديد حله / ضوعف اليوم بغل وكبل
يا أبا شيبة من أرجو لها / حسبي اللّه إذا عز وجل
يا أبا شيبة عز الملتقى / وقطين الرمس مقطوع النقل
يا أبا شيبة عزت حيلة / عن دفاع الموت أو وصل الأجل
لو فرضنا أن ميتاً يفتدى / لغدت روحي أدنى مبتذل
غير أن الخلق فيه أسوة / أجل يأتي على اثر أجل
تقتضي الموت حياة حددت / ولو استعلت على برج الحمل
يا فقيد الفضل عندي أسف / سل عن النار وعنه لا تسل
ذهب الصبر ولو حاولته / وجميل الصبر أحرى بالرجل
ما نعاك الكون حتى نعيت / غضبة الاسلام والكفر بجل
ما حميد العيش من بعدك في / هذه الدنيا وما معنى الجذل
والبكاء المر لا يشفي الجوى / لو طفقت الدهر استمري المقل
كل فقد دخلت فيه عسى / وهي في الموت محال كلعل
ما فقدناك هماماً مفرداً / بل فقدنا الخير في كل محل
ما فقدناك وعرفانك في / صفحات الكون ضوء يشتعل
إن رب العلم حي خالد / ولو أن الذات بالموت انتقل
ما تركت الكون حتى تركت / خطة الحمد لك الحمد الجلل
سيد العرفان دهري مأتم / فيك ما أشرق نجم أو أفل
اخرس الهول لساني في الرثا / ولساني حده يفري الجبل
ما هنئت العيش مذ فارقته / وهنيئاً لك عيشاً لا يثل
ما هناء المؤمن الحق على / صدعة الدين وما برد الغلل
أنا لا أعلم رزءاً فادحاً / كمصاب الدين أو نقص الكمل
يرفع العلم برفع العلما / وارتفاع العلم هلك وخبل
يا رمى اللّه يد الموت على / أخذ عبد اللّه رمياً بالشلل
ويلتاه استأثر اللّه به / وبقي العلم على ظهر أزل
أكرم اللّه به أمتنا / برهة ثم دعاه فرحل
يا لها من رحلة ما تركت / خلفها من كرم إلا انتقل
يا لها من رحلة صحت بها / غربة الاسلام في أزكى محل
أمة الخير لكم حسن العزا / إنها داهية أم الغيل
بعد عبد اللّه يبقى أمل / للهدى هيهات قد شط الأمل
خلها يا ابن حميد تلتوي / فتنة عمياء كالليل المضل
ليس يغني عنك فيها أحد / طمست إذ ذهب النور السبل
وهنيئاً لك بالفردوس في / جيرة اللّه على خير نزل
إن عاماً نابك الحتف به / عام سوء وبلاء ووجل
فأتى تاريخه بحزن / نكسي الأعلام يا خير الملل