هكذا يدرك في الدنيا الكمال
هكذا يدرك في الدنيا الكمال / هكذا في موتها تحيا الرجال
هكذا يشرف موت المبتغي / شرفاً ليس إذا ريم ينال
من كعبد المحسن الشهم الذي / حفّه بالموت عزّ وجلال
ما بعبد المحسن السعدون إذ / رام قتل النفس مسّ وخبال
بل رأى أوطانه يرهقها / من بني الغرب انتداب واحتلال
فانتضى الهمّة كي ينقذها / كانتضاء السيف ما فيه كلال
مارس الأحوال حتى إنه / شاب في إصلاحها منه القذال
أعمل الرأي وقد جادله / فيه بعض القوم واشتدّ الجدال
خذلوه فاغتدت آراؤه / كسهام كسرت منها النصال
كم غدا ينصحهم حتى إذا / راء أن الداء في القوم عضال
ورأى أن الذي يرجوه من / طلب استقلالهم شيء محال
جاد للأوطان منه بدم / لسوى أوطانه ليس يُسال
والفتى الحرّ له في موته / سعةٌ إن ضاق بالنفس المجال
إنه لما أرادت نفسه / ميتة حمراء ما فيها اعتلال
ميتة الأبطال فيها شمم / طأطأت من دونه الشمّ الجبال
نال بالموت حياة ما لها / أبد الدهر فناءٌ وزوال
هو حيّ أبد الدهر فما / ضرهّ من هذه الدنيا انتقال
ان يكن قد زايل القوم فما / لمساعيه عن القوم زيال
أو يكن عن أعين القوم اختفى / فله في أنفس القوم خيال
وإذا التأريخ أجرى ذكره / أخذ التأريخ بالفجر اختيال
فاندبوا يا قوم منه بطلا / هو للأبطال حسن وجمال
وأقيموا عالياً تمثاله / فهو للأوطان عزّ وجلال
واقصدوا مرقده حجاً فلا / غروَ أن شدّت لمثواه الرحال
واتركوا الغرب وأهليه ولا / تسمعوا منهم إلى ما قد يقال
وعلى أنفسكم فاتّكلوا / خاب من فيه على الغير اتّكال
فالمواعيد التي قد وعدوا / كلها منهم خداع واحتيال
كلما قال لنا ساستهم / نقضت أقوالهم منهم فعال
هكذا كونوا وإلا فاعلموا / أنما استقلالكم شيء محال