القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إلياس أبو شبكة الكل
المجموع : 3
هذِهِ القَصَّةُ لا شَأنَ لَها
هذِهِ القَصَّةُ لا شَأنَ لَها / بِأَقاصيص عَجوز خَطِلِ
فَهيَ نُطقٌ سَمِعتهُ أُذني / وَبَيانٌ أَبصَرَتهُ مُقلَي
فَأَنا في سَردِها أَصدقُ إِذ / إِنَّها قَد حَدَثَت في مَنزِلي
فَاِسمَعوها وَاِفقَهوا جَوهَرِها / وَخُذوا مَوعِظَةً مِمّا يَلي
قُمتُ في ذاتِ ضحىً من مَضجَعي / وَبناتُ الشِعرَ قَد قامَت مَعي
وَتَوَجَّهتُ كَأَمسي يائِساً / أَنزَوي مُنفَرِداً في مَخدَعي
مُخدعٌ كَالقَفص الضَيِّقِ قَد / سَكَنَت فيهِ عَذارى أَدمُعي
كُلَّ عَذراءَ عَلى قَيثارِها / هَجَعَت وَالشعرُ بَينَ المُقلِ
فَسمعتُ الطَيرَ في مَجثَمِهِ / مُنشِداً يَستَقبِلُ الفَجرَ الجَديدا
وَرَأَيتُ الفَجرَ سَكرانَ هَوىً / يَردُ الطهرَ وَلا يسقي الوُجودا
وَعلى قيثار فينوس شَدَت / ربةُ الحِكمَةِ ميزفا النَشيدا
إِنَّ لِلفَجرِ غَراماً طاهِراً / ما دَرى مَعناهُ غَيرُ البُلبُلِ
طَلَعَ الصُبحُ رُوَيداً وَأَنا / أَسكُبُ الأَشعارَ مِن قارورَتي
مُطلِقاً زَفرَةَ صَدري بِأَسى / فَأَثيرُ الروحَ في نرجيلَتي
وَأَرى دَخنَتَها ثائِرَةً / تَتَلاشى في زَوايا غُرفَتي
كُلَّما أَطلَقتُ فيها زَفرَةً / هَمَسَت في الصُبحِ حَتّى يَنجَلي
وَإِذا صَوتٌ تَعالى مُلحِناً / مِن بَعيدٍ مِثل أَوتارِ النَغَم
صادَمتَهُ نَسماتٌ في الصَبا / فَأَتى كَالهَمسِ في أُذنِ النسم
عِندَ ذا أَطلَلتُ من نافِذَتي / تارِكاً قِرطاسَ شِعري وَالقَلَم
فَإِذا بصارَةٌ برّاجةٌ / تَكشِفُ البَختَ بِقَولٍ مُنزلِ
ما تَرددتُ بِأَن نادَيتُها / وَعَلى ثَغري خَيالُ البَسمات
فَأَتَت وَالوَشمُ في مرشفِها / طُرقاتٌ لمرورِ المُعجِزات
قُلتُ يا عرّافَتي هل أَنتِ مَن / قَرَأَت في الغَيبِ أَسرارَ الحَياةِ
أَطلِعيني عَن مَآتي وَطَني / وَعن الحالَةِ في المُستَقبَلِ
فَأَجابَت بَعد أَن مَدَّت يَداً / لاِستِلامِ الغَرشِ من كَفّي نَصيب
وَرَمَت في حُجرَتي أَبواقِها / فَتَعالى نَغَمٌ مِنها غَريبُ
ضَع عَلى الأَبواقِ يُمناكَ وَقل / إِنَّني آمَنتُ بِاللَهِ المُجيب
ثُمَّ قالَت لي كَلاماً صائِباً / فَاِسمَعوا يا قَومُ ما قالَتهُ لي
إِنَّ لُبنانَ ضَعيفٌ رزاحٌ / تَحت أَثقالِ ظَلامٍ أَسودِ
لَعبَت فِتيانُهُ فيهِ دداً / ما اَرادَت مهنَةً غيرَ الدَدِ
هَجَعَت سكرى بِأَحلامِ الصِبا / هَل دَرَت ماذا تَوارى في الغَدِ
إِنَّ شَعباً كَثُرت أَحلامُهُ / لَهو شَعبٌ ضائِعٌ في الدُوَلِ
لبِلادِ الأَرزِ أَبناءٌ نَأَت / فَهيَ تَشقى في زَوايا المَهجرِ
وَلها قَلبٌ إِذا ما ذُكر ال / وَطنُ اِهتَزَّ اِهتِزازَ الشَجرِ
سَعدُ لُبنانَ كَبيرٌ إِنَّما / بِسِوى أَبنائِهِ لَم يكبُرِ
وَله بُرجٌ علا مُرتَفِعاً / مِن قَديمٍ وَغداً لا يُعتَلى
عِندَما الغُؤّابُ تَعتادُ الحمى / لِتَرى مُستَقبَلاً في الوَطَنِ
عِندَما الأَمواهُ تُمسي مُسكِراً / جارِياتٍ من أَعالي القُننِ
عِندَما المَهجِرُ يُمسي خالِياً / من رِجالٍ نَشَأَت في الدِمَنِ
بَشَّروا لُبنانَ بِالعودِ إلى / زَمنٍ مِثل الزَمانِ الأَوَّلِ
عِندَما البَغضاءُ تُمسي مهجاً / تَنسلُ الحُبُّ وَتَأوي الرجلا
عِندَما الأَرماحُ تُمسي سككاً / وَفرند السيفِ يُمسي منجلا
عِندَما الحاكِمُ في عِزَّتِهِ / يُنجِد الفَلّاح حَتّى يَعمَلا
بَشَّروا لُبنانَ بِالعِزِّ فَما / وَطنٌ عَزَّ بِغَيرِ العَملِ
كُنتُ أُصغي وَفُؤادي نابِضٌ / وَعُيوني شاخِصاتٌ في السَحاب
ناظِراً في عالَمِ الماضي إِلى / مَجد قَومي المُتَلاشي كَالضَباب
إِنَّ زَيتَ المَجدِ تشعلُهُ / زَفَراتٌ اليَاسِ من صَدرِ الشَباب
فَالتَآخي وَالقُوى تَضرُمُه / هَل مُؤاخاة بِهذا الجَبلِ
عِندَ هذا نَهَضَت عَرّافَتي / بَعد ما قَد جَمَعت أَبواقها
وَمَضَت تَسرع بِالمشي وَقد / وَهَبت من سحرها أَحداقها
وَلَدُن قَد خَرجَت مِن مَنزِلي / وَمَضَت ناشِدَةً عشاقَها
صَرخت بصارَةٌ براجةٌ / تَكشِفُ البَختَ بقَولٍ مُنزَلِ
جثمَ اللَيلُ بِأَحضانِ التِلال
جثمَ اللَيلُ بِأَحضانِ التِلال / حالَكَ البَردةِ مَنشورَ الظلال
كخضَمٍّ غَرقَ الهَمُّ بِهِ / فَاِعتَرى أَمواجَه صمتُ الجلال
وَأَنا في مخدَعي لا تَنثَني / عن جُفوني مُردا الشَهد الطوال
في فُؤادي مِن غَرامي صورَةٌ / وَعلى عَينَيَّ من حُبّي خَيال
هوذا البَدرُ بِأَبهى رَونَقِ / صاعِدٌ خَلفَ جبالِ المَشرقِ
غَرقت هالتُه في غيمَةٍ / كَدُموعٍ غَرَقَت في حَدَقِ
أَو كَأَحلامِ لَيالِيَّ وَقد / ذُوِّبَت بَين بخارٍ أَزرَقٍ
فَتَراءى اللَيلُ سَكرانَ بِما / ذابَ في مرشِفِهِ المحتَرِقِ
يا فَتاةً بَينَ جنبَيَّ هواها / لَكِ عندي حرمةٌ رَبّي رَعاها
كانَ في صَدرِيَ آمالٌ وَقَد / مَرَّ إِخفاقي عَلَيها فَمَحاها
إِنَّ في عَينَيكِ آثاري فَلا / تُنكِريها عَزَّزَ اللَهُ بَقاها
فَهما مِرآةُ قَلبي في الهَوى / كَم أَرَتني مُهجَتي عِندَ رُؤاها
يا فَتاتي تَحت زَهرِ الياسمين / قَد تَعاهَدنا عَلى حُبٍّ أَمين
لا يَزالُ الزَهرُ بَسّاماً لَنا / شاهِداً عَدلاً عَلى تِلك اليَمين
فَاِذكُري ذلِكَ وَالدَمعَ الَّذي / قَد ذرَفناهُ بِشَوقٍ وَحنين
كانَ ذاكَ الدَمعُ ماءً منزِلاً / عَمَّدَ الحُبَّ بِدينِ العاشِقين
يا فَتاتي كانَ لي مَسعىً وَقَد / صَفِرت مِنهُ عُيوني وَيَدي
إن يَكُن أَخفَقَهُ الحَظُّ فَلا / بُدَّ من يَومِ نُهوضٍ في الغَدِ
أَنا في العِشرينَ عَفواً إِنَّني / أَمرَدٌ لا تعبَثي بِالأَمرَدِ
إِنَّ لِلأَشبالِ ساعاتِ دَدٍ / وَكَذا لِلصبِّ ساعاتُ دَدِ
يا فَتاتي إِن تَكوني تَفخَرين / عِندَما أُذكَرُ بَينَ النابِهين
فَليَكُن فَخرُكِ قَلبي إِنَّهُ / ذابَ من أَجلِكِ في كَأسِ الأَنين
وَإِذا ما اِفتَخَرَ الناسُ غَداً / فَاِفتِخاري بِشِعارِ البائِسين
ريشَةٌ من قَصَبٍ عَلَّقتُها / فَوقَ تاريخِ الرِجالِ الخالِدين
ريشَةٌ من قَصبٍ ناجيتُها / وَأَنا أَلثُمُ هاتيكَ الخُدود
إِن أَكُن ناجيتُها مُنذُ الصِبا / سَوفَ من بعدي يُناجيها الوُجود
سَوف من بَعدِيَ تَبقى أَثَراً / بِرَسمُ المَجدَ عَلى لوحِ الخُلود
وَيُطِلُّ الدَهرُ مِن كوَّتِهِ / لِيَراها كَيف تُرمى بِالوُرود
بَينَما كانَ فَتى المُستَقبَل
بَينَما كانَ فَتى المُستَقبَل / سائِراً بَينَ غياضِ الجَبلِ
بَدَرَت من مُقلَتَيهِ لَفتَةٌ / فَرَأى وَجهَ غَزالٍ مُقبِل
هُو ظَبيٌ يَتَثَنّى باسِماً / بَينَ زَهرٍ باسِمٍ لِلطَلَلِ
ذاكَ ظَبيُ العزِّ في المُستَقبَلِ / يَتَراءى قادِماً في عَجَلِ
سَكب الفَجرُ عَلَيهِ كَأسَه / وَسَقاهُ من رَحيقٍ سَلسَلِ
بَينَ عَينَيهِ تَراءى هَيكَلٌ / سَجد الحسنُ بِذاكَ الهَيكَلِ
أَرسلَ الشِعرُ إِلَيهِ راهِباً / فَغَدا مُحتَفِلاً بِالمرسَلِ
ثغرُهُ قارورَةٌ من عَسَلٍ / مَزجت مرشفَه بِالعَسَلِ
وَلهُ في وُجنَتَيهِ آيَةٌ / هَبط السِحرُ عَلَيها من عَلِ
عِندَها هاروتُ أَلقى طرفَه / صاح من وَهلَتِهِ وَآخجلي
وَاِنثَنى من وجهِه مُستَعجِلاً / راغِباً في مَشيةِ المُستَعجل
أَقبلَ الظبيُ عَلى ذاكَ الفَتى / مُستَرِقّاً فيهِ قَلبَ الرجلِ
وَأراهُ مُنجلاً في يَدِهِ / قائِلاً سرُّ الهَوى في المنجلِ
إِن تَرُم تَقرن بِالمَجدِ الهوى / فَتجنَّب عادِياتِ الكَسلِ
هوذا المُنجلُ فَاِطلُب عَملاً / إِنَّما المنجلُ رَمزُ العَمَلِ
شارِكِ العُمّالَ في مِهنَتِهِم / وَاِجتَهِد في كُلِّ أَمرٍ تَصِلِ
إِنَّما العُمّالُ أَركانٌ إِذا / هَبَطَت يهبِطُ مجدُ الدوَلِ
حينذا هبَّت نسماتُ الصَبا / مُنشداتٍ معَ لَحنِ البُلبُلِ
وَتَوارى الظَبيُ عَنهُ عِندَما / حَرَّكَت لُطفاً مياه الجدولِ
شعر الصبُّ بِحُبٍّ لم يَكُن / غير سَهمٍ من فُؤاد المُبتَلي
غَلبَ الحُزنُ عَلَيهِ إِنَّما / لَم يَكُن يَقطَع حَبلَ الأَمَلِ
قالَ لا بُدَّ لِجَفني مرَّةً / أَن يَراهُ راتِعاً في مَنزِلي
سَأُضَحّي كلَّ ما عِندي فَلا / بُدَّ لي من قَلبِهِ لا بُدَّ لي
حينذا أَصغى لِصَوتٍ قائِلٍ / لَن تَنالَ الغايَ فَوقَ المخمَلِ
إِن تَرُم تَهوى غَزالاً فَاِقتَرِن / قَبلَ هذا بِعَروسِ العَمَل

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025