خلق الشاعر و البؤس معا
خلق الشاعر و البؤس معا / فهما خلاّن لم يفترقا
ذهب العمر و لم تمسك بدي / بين أترابي صفيّا أو خليلا
أنا في الكون شقيّ حائر / لا أرى نورا و لا أهدى سبيلا
أنا طير لم يغرّد فاسمعوا / بالدجى منه نواحا و عويلا
أنا إنسان غريب أمره / شرب السمّ و عاف السلسبيلا
أنا روح حرّة طائرة / رضيت بين الراري مقيلا
تومق الدنيا فتبكي جزعا / و تناجي أهلها جيلا فجيلا
شاركت في الحزن من ذاق الأسى / و أبت حين نوى الإلف الرحيلا
بورك الحبّ و ما أعدله / ملك الروح و لم ينس الهيولي
قد سرى في الكون حتّى لم يدع / في قلوب الناس قلبا مغلقا
هو حزن هادئ في غبطة / و هو لو ذقت نعيم في شقا
إيه يا موج سلاما هكذا / يرسل الصبّ مع الموج سلامه
مرّ بي الدهر فأدمى مقلتي / بعد أن اثبت في قلبي سهامه
لم يغيّرني سقاما و هوى / إن يكن غيّرني وجها و قامه
هات حدّثني عن العهد الذي / كان في ثغر لياليّ ابتسامه
لا أرى من بعد عشرين مضت / عجبا إن عاود القلب غرامه
ذكر الشام سقاها صيّب / طاهر المزن وحيّتها غمامه
لا تلمه حين يصفيها الهوى / إنّما الشام بوجه الدّهر شامه
كيف لم أقض حنينا وأسى / يوم فارقت برغمي جلّقا
للّقا : قالت : و من أعلمها / أنّني أحيا إلى يوم اللّقا
أنشقي أزهار شعري غضّة / إنّني ألقيتها بين يديك
و اعذريني حين أبكي و اذرفي / دمعة طاهرة من مقلتيك
حرت في الحبّ إلى أن لاح لي / سرّه مجتجبا في ناظريك
قوّة قاهرة تجذبني / حيثما يمّمت مضطرّا إليك
هذه الموجة فرّت بعدما / قبّلت بالسرّ إحدى قدميك
لا تلوميها فما في قبلة / طهرت إثم عليها أو عليك
و نسيم الصبح ما أسعده / حين ترويه حميّا شفتيك
ويح شنفيك قد اهتزّا هوى / حينما شمّا الشذى من وجنتيك
كلّ ما في الكون يهواك فهل / حلية الزندين تهوى معصميك
إنّ في نهديك طيبا عبقا / أنشقي الشاعر هذا العبقا
و اذكري الشاعر و البؤس معا / فهما خلاّن لم يفترقا