أَلمها أهدت إليها المقلتين
أَلمها أهدت إليها المقلتين / والظبا أهدت إليها العنقا
فهما في الحسن أسنى حليتين / للعذراى، جل من قد خلقا
ودرى الروض بتين المنحتين / وقديماً يعشق الروض الحسان
فكسا بالورد منها الوجنتين / وكسا مبسمها بالأقحوان
ورمى في صدرها رمانتين / من رآى الرمان فوق الخيزران
فهما في صدرها كالموجتين / أي صب ما تمنى الغرقا؟
أو هما وليسلما كالتوأمين / كلما همت بأمر قلقا
ورآها الليل فأختار المقام / ولقد طاب له - في شعرها
وصبا الفجر فأضحى ، حين هام / بهواها، درة في ثغرها
فإذا مي كما شاء الغرام / ما نجا ذو صبوة من أسرها
غير أن الطهر للحسناء زين / أنزلته قلبها فاستوثقا
فإذا خافا افتراق الصاحبين / ذكرا عهدهما فاعتنقا
هكذا فلتكن الغيد الحسان / عفة في رقة في أدب
ذلك الكنز الذي لا يستهان / أين من ذلك كنز الذهب
وحلى كانت على صدر الزمان / فاستباحتها نساء العرب
فروت عنها ليالي الرقمتين / خير ما يروى ، وغزلان النقا
فشهدنا من لقاء العاشقين / كل ما يجمل في عين التقى
هل رأيت الورد في الوعر نما / فبدا للعين شيئاً عجبا
وردة ، صارت بها الأرض سما ، / عندما لاحت عليها كوكبا
منعت مبسمها الناس ، وما / منعته عن نسيمات الصبا
هكذا مي نمت في أبوين / خلفاها وأخاها للشقا
واستراحا بعد ذا في حفرتين / واباحا جفن مي الأرقا
رب، إن الكون مهما عظما / هو في عينيك لا يحسب شي
قدرة ذلت لديها العظما / كلهم فان وسبحانك حي
ألأمر ضل عنه الحكما / شئت يا ربي أن توجد مي
وأخاها، وهو دون السنتين / لم يكد يحسن بعد النطقا
وأثرت الحرب ملء الخافقين / فغدا الكون بها منصعقا
رب، لو شئت لما سالت دما / أمرك الأمر فمن ذا ينكر
ولما يتم من قد يتما / ولما استل السلاح العسكر
رب، إن نحن بلغنا الهرما / أو يكن حان الذي ينتظر
مر، ولا كفران، ذين الكوكبين / يخرقا الناموس أو يحترقا
واسترح منا، فنغدو بعد عين / أثراً لا بد أن ينمحقا
واخلق الإنسان خلقاً راقيا / واقتل البغض به والكبرياء
واجعل الحب إلهاً ثانياً / واسجن المال ولا تبق الرياء
وليكن كل امتياز لاغيا / يخرج الناس على حد سواء
رب، هل من نصفة في ولدين / خرجا من مصدرين افترقا
فإذا الموسر يكسى حلتين / بينما المعسر يكسى الخرقا
من ترى يشرح لي ذنب الفقير / أو ترى يظهر لي فضل الغني
يرثان البؤس والعيش النضير / ويقيمان معاً في الكفن
أفهذي حكمة الله القدير؟ / لا وجل الله عن هذا الغبن
إنما هذين مثل البذرتين / نثرا في الأرض حتى انبثقا
فكسا المقدور تين النبتتين / هذه قبحاً وهذي رونقا
ضاق جوبيتير صدراً، فانبرى / يتمشى في فراديس الجنان
فبدا أهيب شيء منظرا / وعليه حلة من أرجوان
ورمى الأرض منه نظرا / فرأى الهول وأنواع الهوان
ملعباً للشر، ما من صالحين / فوقها أو أخوين اتفقا
فرمى غيظاً عليها جمرتين / فتلظت وتلظا حنقا
إنها الحرب .. ولم تترك على / سطحها إلا جسوماً باليه
ونفوساً حوماً حول البلى / تتمشى في صدور خاويه
تشتكي الجوع وتقري العللا / عجباً منها جياعاً قاريه
وشكا لبنان منها علتين / حاكماً جلفاً وعيشاً ضيقا
وأموراً لو أصابت جبلين / رسخا فوق الثرى ، لانسحقا
ضرب الجوع بصمام رهيف / فإذا قتلاه ملْ السبل
موقف أمسى به نيل الرغيف / أملاً ، أكذب به من أمل
ويح مي وهي من جنس ضعيف / ما لها بقايا المنزل
وثياب لا تساوي ورقتين / رحم الرحمان ذاك الورقا
ليتها كانت تساوي ذهبين / علها كانت تسد الرمقا
مي، ما السحر سوى ما رسمت / ريشة المبدع في هذي العيوم
لم تصادف مهجة إلا رمت / وأصابت ، هكذا الفتك يكون
فهي لو رقت لمن قد تيمت / وأباحت ذلك الثغر المصون
لجرى التبر إليها واللجين / وكلا الإثنين يبغي السبقا
ومشت من زهوها في موكبين / وحنا الرغد لديها العنقا
في سكون الليل والناس نيام / وفؤاد الكون محموم كئيب
وعلى النجم من الغيم لئام / وهلال الأفق في حضن المغيب
رن في أذن الدجى صوت غلام / وأجابته فتاة بالنحيب
فأسال الأفق منه دمعتين / أترى ذلك أبكى الأفقا؟
ورنا البدر لذين البائسين / فتلظى لوعة فانفلقا
إيه يا ليل، فهذا بيت مي ، / طرق الباب .. فمن زور الدجى
إفتحي. قالت: من الآتي إلي؟ / أنا. من أنت؟ أجابتها: رجا
لم يمر اسم رجا في أذني / أترى تحسب بيتي ملتجا؟
رددت في النفس تين الكلمتين / ومشت تنظر من قد طرقا
فإذا شمطاء تطلي الوجنتين / وينث الطبيب عنها العبقا
يا ابنتي لا تجزعي ، ثم رنت / وانحنت كالأم فوق الولد،
قوتلت هذي الليالي كم جنت / ما عفت - لا عوفيت - عن أحد
ولدي أنت، ولما طعنت / ولدي قد طعنت في كبدي
ما حرام أن أرى هذا الغصين / ذاوياً من بعد ما قد أورقا
وهو لو شاء لأجرى نبعتين / من ينابيع الأماني واستقى
أنا لو شئت؟ لماذا لا أشا / من يطيق الجوع من يهوى السقام
فأخي قد نام من دون عشا / وأنا ما ذقت في يومي طعام
من لهذا القلب أن ينتعشا ؟ / خففي عنك فما مات الكرام
وندى الحاكم يزري المزنتين / فمتى تستمطريه أغدقا
أترى يرحمنا ؟ - سوف ترين / فاستريحي ... وغداً يوم اللقا
أرقت مني كأن الأملا ، / حين نامت ، سارق الجفن الغرارا
فستحال الحزن فيها جذلاً / واستمد القلب منها فاستنارا
حسبتهما نعمة من ذي العلى / من رأى أطهر من قلب العذارى
منح الله العذارى ملكين / يحرسان الطهر كي لا يسرقا
فلذا يشعر من هم بشين / بجناح حولها قد خفقا
لمن القصر بدت فيه الشموس / فعلى وجه الدجى منه نهار
وأديرت في مغانيه الكؤوس / مزجوا فيها رضاباً بعقار
هو كالدنيا: سعود ونحوس / والبرايا منه في ماء ونار
يسبح النذل به في لجتين / ويقاسي الحر منه الحرقا
فمتى ينصف بين الرجلين / إن الإنصاف باباً مغلقا
لا رعاك الله يا قصر ولا / سالم الدهر ولا جاد الغمام
فدماء الشهدا هذي الطلا / وعواميدك من تلك العظام
فاعتصرها أكبداً أو مقلاً / وترشفها غراماً وعرام
تستقي الرغد وتسقي كأس حين / وترى مصطبحاً مغتبقا
فكلانا أبداً في سكرتين / للهنا كأس وكأس للشقا
أيها الناس الألى خاطوا الكفن / لفقير ، كي يفوزوا بالثراء
هب ورثتهم بعده الأرض فمن / يصلح الأرض لكم يا أغنياء
فإذا طاح بذي الفقر الزمن / فالغنى إن يشمل الناس عناء
من روى فيما روى عن حاجزين / يمنعان الماء أن يندفقا
حرما الظمآن بل الشفتين / وأقاما يشكوان الغرقا
وقفت مي بباب الحاكم / كملاك الله مقصوص الجناح
وقفت ، عطشى كطير حائم / حول ماء يحسب الورد مباح
وتخطته برجلي صائم / أو برجلي ثمل من غير راح
وهي لو أن لديها كسرتين / لثنتها عزة عن ذا اللقا
إنما يأس الفتى ليس بهين / لا يبالي يائس أن يخفقا
مي يا أخت الغزال النافر / خبرينا إن ضيعت النفورا
يا ضيا وجه الصباح الطاهر / كيف يبقى ذلك الوجه طهورا
يا أسيراً تحت حكم الآسر / هكذا الآسر يرضى أن تسيرا
سر.. فسارت خطوة أو خطوتين / فإذا الباب عليها أغلقا
قال: أهلاً ... ثم مد الراحتين / ثم
رب! قل للجوع يصبح شبعا / وانقذ الطهر الذي قدسته
أو مر الفسق فيغدو ورعا / إن يكن شراً فلما أوجدته
طبعته قدرة فانطبعا / أي شيء أنت ما قدرته
ملك حطمت منه الجانحين / فهوى من بعد ما قد حلقا
ما ترى بفعل مكتوف اليدين / أترى يقدر أن لا يغرقا؟
يا سما قولي لنا الإنصاف أين / أتراه ضل عنا الطرقا؟