بي يا ساقي الطلا ابدأ أولا
بي يا ساقي الطلا ابدأ أولا / وبي اختم دورها من قرقف
ألبست خديك منها شعلا / تسلب الليل رداء السدف
خمرة فاح شذاها بعدما / فضح الأرجاء بل أرجها
هي من نار ولكن كلما / نضح الماء بها أججها
وحباب المزج فيها انتظما / كثغور جل من فلجها
وبدت فيها لآلٍ تجتلي / ما حكتهن لآلي الصدف
عقدت في نظمها عقد الولا / رصفه راق كماء الرصف
حربها حربي وسلمي سلمها / فأناً مغرىً بها بها مستهتر
من خدود الغيد يجني كرمها / وبأحدق المها تعتصر
فإذا ما فض عنها ختمها / في الدجى بات الدجى يستعر
سكب الماء بها فاشتعلا / وأبت شعلتها أن تنطفي
وهي في الحالين عند النبلا / منية المقتبس المغترف
من ثناياك استعارت حببا / ومن الريق طلاها تستعار
فكأن صورة ثغر أشنبا / لاثه الخمر وما لاث الخمار
رشحه لو لم نصفه ذهبا / لم يكن في معصم الساقي سوار
فهو لو ينطق ما بين الملا / لسوى ثغرك لم يعترف
فاسقني ثغر لا ثغر الطلا / أنه أعذب للمرتشف
خمرة عتقها القس سنين / فأقامت وهي لا تبغي حول
فهي في بطن الحوانيت جنين / وهي تروي سير الفرس الأول
أفصحت إذ بات عياً من تلا / شرح أنبائهم في الصحف
كم جلوناها وكم فيها انجلى / نبأ القس وسر الأسقف
أبداً تجلى ويجلى القمر / فيرى ثم لها سر أنيق
طاب في مثل حساها السمر / إذ بدت تحسبها نار الفريق
وإذا الركب رأوها أبصروا / وأضح النهج وقد ضلوا الطريق
تترك المعقول حساً للملا / وهي من وشي البها في مطرف
فترى فيها الطراز الأولا / وهي تحكيه عياناً فتفي
كن لدى جلوتها منتبها / فعلى تكييفها طال اللجاج
أهي بالكاس أم الكأس بها / أذ بدت صرفاً فأخفاها المزاج
فهماً شيء بدا مشتبها / أم هما شيئان خمر وزجاج
لا الطلا كأس ولا الكأس طلا / عزب القصد على المعتسف
ولها إن شئت فاضرب مثلا / وحدة الوصف مع المتصف
فهي لا تنفك تجلو حببا / كاللآلي انتظمت في سلكها
هي كالفضة لاقت ذهبا / وغدت ممتازة في سبكها
أو كشمس بسناك اتصلا / ما أتى الدهر بليل مسدف
والذي أبصر ليلاً أليلا / فهو عن مرآكما في كنف
من فم الإبريق لما انسكبت / شربتها مقلتي قبل فمي
أترى كفك منها اختضبت / بدم العنقود لا بلا بدمي
هي من نار إذا ما التهبت / أحرقت بالكف زهر العندم
إن ما خضب تلك الأنملا / دم مشعوف جرى من شعف
طل في تلك الترافي والطلى / وسوى خدك لم يغترف
هاتها تشرق في أكوابها / صبغت ثوب الدجى لون الصباح
على نفسي من ضني أوصابها / تجد البرء ويعروها ارتياح
وأنعتنها ويك في ألقابها / فهي روح وهي روح وهي راح
وكأوصاف الطلا ساقي الطلا / ولماه العذب للمرتشف
إذ سعى يرتاح فيها معجلا / عاثراً بالريط ريط الرفرف
رشأٌ يرتاع من مغرمه / وهو في مأمنه بين الفرق
وإذا ما خفت من لومه / ظلت أكني عنه بالغصن الرشيق
ولكم موهت عن مبسمه / بثنايا الجزع من وادي العقيق
قد لوى جيدي عن ريم الفلا / ربرب القصر ربيب الترف
جؤذر قد راح يأوي منزلا / بين أطباق الضلوع الرجف
فهو من قلبي يأوي مكنسا / وبأجفاني إذ تنطبق
ناظماً دمعي إذ ما انبجسا / لؤلؤاً في جيده يتسق
وعلى نار الصبا قد غرسا / ورد خديه فلا يحترق
وبميل السحر لما اكتحلا / مسح اللحظ بحد المرهف
وجلا سيفاً ورمحاً قتلا / وهما من دعج أو هيف
رقرقت وجنته ماء الشباب / فأراقت أدمعي فيه المقل
ولنار الحسن في الخد التهاب / يبعث الوجد إلينا بالقبل
كم رنا لا بل رمى أصاب / من حشا عاشقه مأوى الغلل
وإذا الألحاظ كانت أنصلا / لم يكن غير الحشا من هدف
أي وعينيه إذا ما اعتقلا / صعدةً من قده المنعطف
علق القرط بأذنيه وثن / ضل من صلى إليه وغوى
كم بذاك القرط ذو اللب افتتن / إذ تجلى وعلى العرش استوى
مرسلاً من سبط الشعر علن / ودعا الناس إلى شرع الهوى
كافراً جاء إلينا مرسلاً / وهو لم يؤمن بما في الصحف
أتلف الناس جيمعاً وتلا / ليس من شرعي ضمان التلف
ذاك ريم بات عندي بعدما / أخذت منه الحميا مأخذ
كلما قبلته ملتثما / فاح لي من نشره طيب الشذا
ولقد عنقته ملتزما / شارباً ريقته حتى إذا
ما أباح الصبح لما اتصلا / أقحوان الشهب للمقتطف
كان كالبدر تجلى وانجلى / أو كما طاحت يد من كتف
بمحياً قد بدا فانعكسا / شكله شمساً أضاءت مطلعا
فكأن الليل لما اندرسا / ثم غيمٌ قد غشى فانقشعا
وكأن الدهر زهر يبسا / بعد أن أينق أو أن أينعا
وكأن البدر لما أفلا / درهم ضمته كف الصيرفي
وكأن الصبح لما أقبلا / مفعم سال بقاع صفصف
فلتطب نفسي عن أخدانها / فالأماني ضلة بعد الفراق
أين من نجد ومن سكانها / قاطن الحيرة من أرض العراق
إنما الراحة في سلوانها / وعناء ذكر أيام التلاق
كم مشوق قد تسلى فسلا / وطوى الأشواق طي الصحف
وإذا ظل الوصال انتقلا / لم يعد فائته بالأسف
بيد أني شمت في ربع الهنا / بارقاً لاح به يأتلق
ظل يحدو للأماني مزنا / هي بالأنس غدت تندفق
صدقتني وعدها فيها المنى / وهي في عهدي قليلاً تصدق
جددت لي عيشها المقتبلا / وغدت تنجز وعد المخلف
ولعمري قد بلغت الأملا / ولقد شاع الهنا في كنفي
يوم تزويج بدور وشموس / بزغت ليلاً وباتت بزغا
واصلت نوراً بمرآة النفوس / أدركت أمناً ونالت مبتغى
هزمت في سعدها جيش النحوس / وبها ثوب النحوس انصبغا
فشدا القمري لا بل هلهلا / بمثاني الساغبات الهتف
ملأت بالبشر أقطار الملا / فرحة بأرض النجف
يا أبا القاسم خذها قسما / بمعاليك بلا خنث ومين
أنت لو تخطب من أم السما / بنتها الشمس لزفت رأي عين
وأتت تنحو مغانيك كما / أقبلت تنحوك شمس الحسبين
أو لست البدر لما انسدلا / فوق متن الليل ثوب السدف
ومعير الروض خلقاً مجتلي / من سجاياك بأسنى زخرف
فاهن يا عباس في قرة عين / وأشأ سبقاً يا جواد الحلبات
بفتاتين هما بالمنسكين / طافتا والعرف ينحو عرفات
زارتا شمسين برجي قمرين / فغدا سعد قران النيرات
قلت إذ ذاك وهي اتصلاض / من لفي تلك وذا في مألف
تلك بلقيس سليمان العلى / وكذا هذي زليخا يوسف
حبذا أناء لهوٍ قد غدا / باسم الثغر بها عباسها
بلغت فيها الورى أقصى مدى / للهنا حيث جرت أفراسها
وإذا ما أسرةٌ عمت يدا / بالندى عمت هنا أعراسها
وكذا أنتم بلى ثم بلى / لم تزالوا خلفاً عن سلف
فاشد يا سعد وغن طربا / وجد العود بجس الوتر
فاح نشر البشر ترويه الصبا / وسرى منه بذيل عطر
وجرت خيل التهاني خببا / لعلي المجد سامي المفخر
من له ابتز المعالي حللا / وهي في دهري شمس الشرف
يتوارى البدر منه خجلا / كيف يرعاه بوجه كلف
ملك ما إن تجلى وبدا / سجد الدهر على أقدامه
وله تاج الكمال انعقدا / واستقام الشرع في أحكامه
ولكم جد له واجتهدا / رافعاً للزيغ في أقلامه
رب أقلام تضاهي الأسلا / في شباها وحدود المشرفي
هي أحرى للفتى معتقلا / حيث لا زحف لغير الأحرف
علم يؤتم في للرشاد / إن دجا للجهل مسدف
ببيان لو وعى قس أياد / مثله راح به ينشغف
ولسان كلما أدبى أعاد / جاحد الفضل له يعترف
يتثنى الدهر فيه جذلا / فهو منهز بقدٍّ أهيف
أترى ذا الحبر يملي الغزلا / أم ترى للدهر فرط الشغف
ذو قدور ملأت صدر الفضاء / راسيات أو جفانٍ كالجواب
تحسب الغلي بها كان رغاء / فحل البزل بها وهي عراب
وإذا ما اتنصبت عند الغناء / فأثافيها شماريخ الهضاب
وإذا ما الليل ألقى كلكلا / أو قدوا نيرانها بالشغف
أوقدوا العود بها والمندلا / فهو للأعين أو للأنف
لا يرى لا لجواب تصلح / ونعم تأتي فتاتينا النعم
صحفت في لظه إذ تفتح / نونها أدهى للناس نعم
ذات لا يسام مما يسمح / وسخاء الطبع لا يدري السآم
فاسأل الغيث إذا ما انهملا / عن ندى كفيه إن تكتف
عن ندى كفِّ نداها أخجلا / طله غيث الغمام الوكف
فلو أن الغيث يمتاز الندى / منه ما أجدب يوماً مشهد
واستهل البرق منه عسجدا / ولجيناً هل فيه البرد
وكذا البحر لو نال يدا / من أياديه إذا ما يزيد
لجلا اللؤلؤ للناس ولا / حازه في قعره بالصدف
وغدا بينهم مبتذلا / أي وعينيه ابتذال الخزف
ذاك من لو كلنا مداحه / ما نرى بالعشر من معشاره
ذاك إن جن الدجى مصباحه / يفضح البدر سنا أنواره
مدحه قد عجزت شراحه / فاكتفوا بالعين من آثاره
غير أني رمت فيها رتلا / أن أوشي في ثناه صحفي
ونظمت الشهب فيه جملا / كي أحليها بأسنى شرف
لم يزل منك عل جيد الفخام / طوق عز أبد الدهر اتصل
صاغه من صاغ أطواق الحمام / وكسا الطاووس موشي الحلل
وغدا مغناك مأوىً للملا / ملجأ الخائف خصب المعتفي
ما شدت ورق وغنت طربا / ترقص الغض بروض أنف