المجموع : 3
عثر الدهرُ فاستقال سريعا
عثر الدهرُ فاستقال سريعا / رُبَّ عبدٍ عصى فآب مطيعا
زلَّ لكنَّه تراجع لمَّا / ملأت هيبةً حشاه صدوعا
قرنَ الذنبَ بالإِنابةَ واستش / عرَ من عظم ما جناه الخشوعا
وتمنَّى وإن هو استدرك الهف / وةَ لو قبلها تردَّى صريعا
ورأى أنَّه أساءَ لرجلٍ / شرفاً بالرؤوس تُفدى جميعا
وإلى منكبٍ عليه استقلّت / قبةُ الدين لا به الدين ريعا
راحتا جبرئيل منه تلقَّت / منكبَ المصطفى تقية الصُدوعا
وترقَّى يبشر الملأ الأعلى / بمولًى عليه خافوا الوقوعا
يا عيوناً سهرتِ بالأمس قرِّي / أقبل اليوم مَن مَلاكِ هجوعا
وقلوباً رففتِ شوقاً إليه / لكِ وافى فلا تشقّي الضلوعا
قد أتى رافهاً بصحَّة جسمٍ / تركت قلبَ حاسديه وجيعا
وأتى الدهر تائباً وهو يدعو / مَن عذيري فقد أسأتُ الصنيعا
رافع الطرفِ نحو مَن لعُلاه / كسرت طرفَها الملوكُ خضوعا
وعلى كفِّه رأى الصيدَ تهوي / طلب اللثم سجَّداً وركوعا
فدنى لاثماً ثرى أخمصيه / لم يقدّم سوى البكاء شفيعا
ولسان المسيء أعطفُ شيء / لكريمٍ بأن يكون دموعا
قد لعمري استقال أحلم مولى / كرماً يغفر الذنوبَ جميعا
حيّ مُستحفظَ العلومِ بعصرٍ / فيه لولاهُ أوشكت أن تضيعا
ذو بنانٍ حوالبُ المزن ودَّت / أن تراها الورى لهنَّ صريعا
فيه عمر الفيحاءِ قد عادَ غضًّا / وزهت بالسرور فيه ربوعا
ولأن قيل جاءَ فاستقبلته / قمراً طالعاً وغيثاً مريعا
فهو من ردَّ كلّ ليلٍ نهاراً / بحماه وكلّ قيضٍ ربيعا
ولده الطيّبون أصلاً وفرعاً / علّم المسكَ خُلقُهم أن يضوعا
إخوة البيض ألسناً وبنو الشهبِ / وجوهاً آباؤهنَّ طلوعا
سبقوا النيّراتِ منها وجوداً / ومشوا فوقها فرادى جميعا
كلّ عفٍّ عن الهوى بتقاه / فطم النفسَ يوم كانَ رضيعا
وُلعوا بالنهى على حين شبُّوا / وسواهم باللهو شاب ولوعا
مِن سهام الزمان كم من صنيعٍ / نسجوه على العفاف دروعا
علماء منها نضوا سيفَ فكرٍ / تركوا مَعطسَ الضلال جديعا
لا يزالوا معاً على حوزة الد / ين لأهل الإِيمان سوراً منيعا
عرَّفت ناسكةَ ذاتُ اللمى
عرَّفت ناسكةَ ذاتُ اللمى / فرنت فاتكةً في أضلعي
ولكم بالهدب راشت أسهما / فرمت شاكِلتي صبري معي
أنشقتني يومَ جمع عَرفَها / وعلى الخيفِ حَمتني رشفَها
كحلَ الحسنُ لحسنٍ طرفَها / ما رنت للصبِّ إلاَّ أقسما
ما كذا ترنو ضباءُ الأجرعِ / والغواني تَدَّعي السحرَ وما
هو إلاَّ تحت ذاك البُرقعُ /
غادةٌ أَقتَلُها لي كلُّها / مثلَ ما أحيى لقلبي وصلُها
ذاتُ غنجٍ قد سباني دلُّها / طرقت وهناً فقالت أجرما
إذ رأتني بائتاً في الهجَّعِ / ونعم يا ريمُ طرفي هوَّما
طمعاً منك بطيفٍ مُمتعِ /
دُميةٌ نشرُ الخزامى نشرُها / بفُتاتِ المسك يزري شعرُها
كم ليالٍ هي عندي بدرُها / قابلت فيهنَّ مرآةً السما
بمحيَّاها فقيل انطبعي / هي والظبيةُ من وادٍ كما
هي والبدرُ معاً من مَطلع /
كلَّما ورَّد خدَّيها الخجل / قطفت ذيّالك الوردَ المُقل
لا تسل عنِّي وعنها لا تسل / وقفت فاستوقَفتني مسقما
وأفاضت فأفاضت أدمعي / عجباً راقبتُ فيها الحَرَما
واستحلّت صيدَ قلبي الموجعِ /
كم قضت في سعيها من منسك / ما أضاعت فيه إلاَّ نُسُكي
فلقد عدتُ بقلبٍ مُشركٍ / في الهوى يعبدُ منها صنما
فهو في اللاّهين لا في الركَّع / ظِلّة يقرأ قُل مَن حرَّما
زينةَ اللهِ ولمّا يقلعِ /
لست أنسى بالمصلَّى موقفا / فيه يُرجى العفوُ عمَّا سَلفا
فبدت أحلى الغواني مَرشفا / تجرح النسكَ بلحظٍ إن رمى
سهمَه قَرطَسَ قلبَ الورع / وانثنت تطعنُ بالحج بما
قد حوى لينَ الرماحِ الشُّرَّع /
يا سقى اللهُ ضحيَّاتِ النقى / وكَساها الروضُ وشياً مونقا
كم أرت عينيَ وجهاً مُشرقاً / وجلت لي من فتاةٍ مبسما
عن شتيتٍ واضحٍ ملتمع / فدعي دمعي ولكن رخّما
فأجابت بعقيقٍ أدمعي /
عجبت حين بدت في تربها / ورأتني بين صرعى حبِّها
ثمَّ قالت للَّتي في جنبِها / هل وصلنَ الغيدُ قبلي مغرما
وسوى الشيبِ له لم يشفعِ / سُنَّةٌ ما عَمِلت فيها الدُمى
وهي في دين الهوى لم تُشرَعِ /
لا ومن أودع في خصري النُحول / ورمى نرجِسَ جفني بالذبول
لستُ أُحيي أشيباً واسمي قَتول / للذي ماءُ الصبا فيه نما
غصنه من ناشئٍ أو يَفِعِ / كلَّما استقطرتُ منه اللَّمما
قطَّرت ماءً فبلَّت موضعي /
قلتُ يا سالبتي طيبَ الوَسن / ما لمن تُصبي المعنَّى والسُنن
فصلي الصبَّ الذي فيكِ افتتن / واجعلي وصلَك في هذا الحمى
بدعةً جاءت كبعض البِدعِ / وأَلمّي كخيالٍ سَلّما
هوَّم الركبُ فحيّا مضجِعي /
مَن رأى خدّيكِ قال العجبُ / كيفَ في الماءِ يشعُّ اللَهبُ
والتي طاب أبوها العنبُ / بالذي أودعها منكِ الفما
وبهِ حلّت بأحلا موضعِ / ما الذي مَن يرتشفه أَثِما
هي أم فوكِ فزيدي ولعي /
وحديثٌ تتهاداه الربى / طاب نشراً بين أنفاسِ الصَبا
عن بشيرٍ جاء يطوي السبسبا / تأرجُ البشرى عبيراً أَينما
حلَّ في الأربُعِ بعد الأربع / شعبت شملَ العُلى فالتأما
ودعت قلبَ الحسود انصدع /
فأدر يا صاحبي كأسَ الطرب / واطّرح في كأسِها بنتَ العنب
قُم فشاركني بما سرَّ الحسب / بَشِّرِ المجدِ وَهنّ الكرَما
وعلى هذا الهنا باكِر معي / قد تجلَّى كلُّ أُفقٍ أَظلما
بسنا هذي البدورِ الطلّع /
زُهرُ مجدٍ زَهَر المجدُ بهم / لا خلت أفلاكُه من شُهبِهم
كلّما خفَّ الهوى في صَبّهم / وعلى المسرى إليهم عَزَما
ثَقُلت نهضتُه في المربع / في أمور طاريات كلّما
همَّ ينحو قصدَهم قُلنَ ارجعِ /
لكَ يا عبد الكريمِ الفرَحُ / ولحُسّادكَ ذاك الترح
وصَفت لابن أخيكَ المنحُ / مصطفى المجدِ بأزكى من نما
شرفٌ سامٍ لمجدٍ أرفعِ / كبدورِ التمّ تنضو اللثُما
عن ثغورٍ كالبروقِ اللُّمعِ /
قَرَّ طرفُ الفخرِ منها بالحسن / ذاك من قرَّت به عينُ الزمن
شخصُه والدهرُ روحٌ وبدن / فحياةُ الدهرِ لمّا قَدِما
رجعت للناس أحلا مَرجعِ / ما براه اللهُ إلاَّ عيلما
لبني الآمالِ عذبَ المَشرعِ /
ردَّ في صدرِ المعالي قلبَها / ولأفلاكِ المساعي قُطبَها
والقوافي سبَّحته ربَّها / وأتت تهدي إليه أنجما
ما حواها فلكٌ في مَطلع / دُرَراً وهي تُسمى كَلِما
مثلُها ما أنشدت في مجمعِ /
شهدت للمجد أبهى محفل / فادَّعت فخراً وقالت هو لي
أيّها القالةُ مثلي فصلِّي / من فريدِ المدح ما قد نُظِما
ثمَّ يا صاغةُ مثلي رصِّعي / أو فكفِّي وأريحي القلَما
وبياضَ الطرسِ للطرس دعي /
هذه الأفناءُ أفناءُ الشرف / مُنتدى الآداب فيها والظرف
لم يزل للمدح فيها معتكَف / مَن يَردْ يهدي إلى هذي السما
يلتقط من هذه الزهرِ معي / ما وعاها الدهرُ إلاَّ مغرما
قال أحسنتَ ففرّط مسمعي /
دار مجدٍ مصطفى الفخرِ بها / كأَبيه حلمُه من هُضبِها
فالورى في شرقِها أو غربِها / كلُّها تلحظُ منه عَلَمَا
شامخاً هضبته لم تطلعِ / خيرُها مجداً وأعلى منتما
في العُلى من كلّ ندبٍ أروعِ /
طاوَلَ الأمجادَ حتَّى ابتدروا / غايةً جازَ إليها القمرا
وغدا جُوداً يُمير البشرا / بيدٍ أخجلَ فيها الدِيَما
قائلاً يا أيُّها السحب اقلعي / ما أتاه الوفدُ إلاَّ كرما
حلَّ منه في الجناب الممرعِ /
يا عرانينَ المعالي والشرف / لكُم أهديتُها أسنى التحف
ولكم تُجلى عروساً وتُزف / فلها البشرُ بكم زهواً كما
لكم البشرُ بها في المجمعِ / والبسوا الأفراح ثوباً مُعلَما
عنكم طولَ المدى لم يُنزعِ /
نَصبَ العشقُ لعقلي شَركا / مِن جعودٍ كم سبت ذا ولعِ
ومِن اللحظِ بقلبي فتكا / بسهامٍ ليتها لم تُنزَعِ
يا نديميَّ على الوردِ الندي / مِن خدودِ الخرّدِ الغيدِ الكعاب
غَنِّياني بِلَعوبٍ بالعشيّ / ليس غيرَ العطر تدري والخضاب
قد حوى مرشفُها العذبُ الشهي / شهدةً قد لقَّبوها برضاب
أَطرِباني ودعا من نسكا / إنَّما الجنَّةُ تحتَ البرقعِ
في محيَّا ذاتِ قَدٍّ قد حكى / قمرَ التمِّ بأبهى مطلعِ
عَلِّلاني برشُوفٍ ثغرُها / مرتوٍ خلخالُها عطشى الوشاح
غضةِ الجيدِ رهيفٍ خصرُها / لم تكن تبسم إلاَّ عن أُقاح
طَرقت زائرةً تستُرُها / طرَّةٌ في ليلها تعمي الصباح
بتُّ لا أجذبُها إلاَّ اشتكى / خصرها ممَّا تلوَّى ولعي
لفَّنا الشوقُ وقال احتبكا / بعناقٍ وبضمٍّ ممتعِ
غادةٌ قامتها الغصنُ الوريق / فوقها ريحانةُ الفرعِ تَرِفّ
صدغُها والخدُّ آسٌ وشقيق / فتروَّح وإذا شئتَ اقتطِف
خالُها والريقُ مسكٌ ورحيق / فتنشَّق وكما تَهوى ارتشِف
نصبت ألحاظُها مُعتركا / غير عُذريّ الهوى لم يجمع
جفنُها في سيفهِ كم سفكا / من دمٍ لولا الهوى لم يَضِعِ
معرَكٌ للشوقِ كم فيه مُقام / لأخي قلبٍ من الوجدِ صديع
وبه كم قلَّبت أيدي الغرام / بين ألحاظِ الغواني مِن صريع
ودعت حوراؤه موتوا هيام / فلدينا أجرُكم ليسَ يَضيع
في سبيلِ الحبِّ من قد هلكا / فمعي يُمسي ومَن يمسي معي
كانَ في جنَّة حُسني مَلِكاً / أينَ ما مدَّ يداً لم يُمنعِ
أقبلت سَكرى ومن خمرِ الصبا / عَطَفتها نشوةُ الدَّلِّ عَليك
تَسرِقُ النظرةَ من عينِ الضِبا / وبلحظٍ فاترٍ ترنو إليك
تخذت ماشطةً كفَّ الصبا / كلَّما رجَّلت الجعدَ لديك
نَثَرت مِسكاً بذي البانِ ذكا / فسرت نفحتُهُ في لَعلَع
كم تستَّرت بها فانهتكا / ذلك السترُ بطيب المضجع
ونديمٍ لفظهُ العذبُ الرخيم / كنسيمِ الورد في رقَّته
قبلَه ما خلتُ وُلدانَ النعيم / بعضُهم يُسرقُ مِن جَنَّته
إنَّما آنستَ يا قَلبي الكليم / شُعلةً بالكاسِ مِن وَجنتِه
لا تقل كيفَ من الكاس ذكا / جمرُ خدَّيه معاً في أضلعي
فذُكاً وهي تَحلُّ الفَلكا / إن تُقابَل بزجاجٍ تَلذعِ
عَدِّ عن ذكرِك رَبَّاتِ الخدور / وأَعد لي ذكرَ أربابِ الحسب
وأَدر راحَ التهاني والحُبور / للندامى واطَّرح بنتَ العنب
فَصبا الأفراح عن نَورِ السرور / فتَّحت يا سعدُ أكمامَ الطرب
والعُلى والمجدُ بشراً ضحِكا / في ختانٍ قال للشمسِ اطلعي
إن يكن قطعاً ففيه اشتركا / بسرورٍ ليس بالمنقطع
طاوِلوا الشمَّ بني الشمِّ الرعان / والبسُوا الفخرَ على طولِ السنين
ما أتمَّ المجدُ فيكم فالزمان / منكُم العليا به في كلِّ حين
لم تلد إلاَّ غنياً عن ختان / وسليمٍ عن زياداتٍ تشين
كلُّهم في منبتِ العزِّ زكا / وكطيبِ الأصلِ طيبُ المفرع
من تَرى منهم تخله مَلكا / قد تراءى بشراً في المجمع
لكم البُشرى ذوي الفخر الأغر / بسليلي أكرمِ الناسِ قبيل
لستُ أدري أفهل أنتم أسرّ / بهما اليومَ أم المجدُ الأثيل
وهل العلياءُ عيناها أقرّ / بهما أم عينُ ذي الرأي الأصيل
مصطفى المعروفِ مَن لو مَلكا / حوزةَ الأقطارِ لم تتَّسع
لأياديكم بها قد سمكا / مِن سماءٍ لعلاءٍ أرفع
إن أقل يا بدرَ مجدٍ زَهَرا / وبزعمي غايةَ المدحِ بَلغت
قالَ لي البدرُ كفاني مَفخراً / فبتشبيهكَ لي فيهم مَدحت
أو أقل يا بحرَ جودٍ زَخَرا / قال لي البحرُ لماذا بي سَخرت
قست من لوازم فخراً لا تكن / وكفى عنِّي بصُغرى إصبع
كم بها بخَّل غيثاً فبكى / وغدا ينحبُ بالرعد معي
واحداً في كلِّ فضلٍ منفرد / بمزاياً في الورى لم تكنِ
حلف الدهرُ به أن لا يلد / للعُلى مثلاً له في الزمن
لا تخلها حِلفةً لم تنعَقد / فَبِها استثنى له بالحسن
ذاكَ من أُصعدَ حتَّى أدركا / ذُروَةَ المجدِ التي لم تطلع
كم من المجدِ سماءً سَمكا / لاح والشمسَ بها من مطلع
ذو مزاياً سُقيتها روضتُه / فارتوت بالعذبِ من ماءِ النُهى
كمُلت عندَ المعالي نهضتُه / لو بها شاءَ إذاً حطَّ السهى
وهو الغيثُ ولكن ومضتُه / تُنبِت الشكرَ بمنهلّ اللهى
مثلما ينبت طوراً حسكا / في عيونٍ حسداً لم تهجع
أعينٌ ليت الكرى إن سَلَكا / بين جفنيها جَرى في الأدمع
يا خليليَّ وأيامُ الصبا / حلباتٌ فانهضا نستبقِ
خَلَعت خيلُ التصابي عذرَها / فَرِدا فيها بحزوى غدرَها
واقنصا بين الخزامى عفرَها / فاتَ فيما قد مضى أن تطربا
فخذا حظّكما فيما بقي /
إنَّ أيَّامَ الصِبا في مذهبي / لأخي الشوقِ دواعي الطربِ
فعلى جلوةِ بنتِ العنبِ / أو على نرجس أحداق الظبا
غنّياني من لصبّ شيّق /
زالَ عنِّي يا نديميَّ الوَصبْ / أقبلَ النورُ ولي فيه أَرب
أبرز الأنقاءَ في زيٍّ عَجب / ومن الوشيِ كساها قُشُبا
حُللَ السندسِ والإستبرقِ /
وشّح الطلُّ عروسَ الزهرِ / بسقيطِ اللؤلؤ المُنحدر
ثم حيَّاها نسيمُ السحَر / وجَلاها فوق كرسيِّ الرُبا
لمعُ برقٍ من ثنايا الأَبرق /
أعرسَ الروضُ بنوَّارٍ حلا / عندليبُ الأَيكِ فيهِ هَلهَلا
رقصَ القطرُ فغنَّى وعلى / منبرِ الأغصانِ لمَّا خطبا
عقدَ البانَ وقال اعتنقي /
في ربيعٍ بالتهاني زَهَرا / فرشَ الأرضَ بهاراً بَهَرا
ودَنانيراً عليها نَثَرا / بيد الوسميِّ ليست ذهبا
بل خدودُ الجلّنارِ المونقِ /
كم شقيقٍ قد جلى عن نظرةٍ / من بياضٍ مُشربٍ في حمرةٍ
ومن الريحانِ كم من وفرةٍ / رفرفت ما بين أنفاسِ الصَبا
فوق قدٍّ من قضيب مُورق /
وعلى خدٍّ من الوردِ بدا / صدغُ آسٍ بلَّهُ طلُّ الندى
في رياضٍ غضَّةٍ فيها غدا / ضاحكاً ثغرُ الأقاحي عَجَبا
وبها النَرجِسُ ساهي الحدقِ /
في الرياحين يطيبُ المجلسُ / لبني اللهوِ وتحلو الأكؤُسُ
نُزَهٌ ترتاحُ فيها الأنفسُ / لمدامٍ عتّقوها حُقبا
ونديمٍ ناشئ ذي قُرطُقِ /
بين سمطي ثغره للمستلَذ / خمرةٌ لم يعتَصِرها مُنتَبذ
إن تغنَّى هَزَجاً قلتُ اتخذ / مِعبداً عبداً وبعه إن أبى
وعلى إسحاقَ بالنعلِ اسحقِ /
ذي دلالٍ يتكفَّى غَنَجا / فاقَ أنفاسَ الخُزامى أرَجا
كلَّما شَعشها تحتَ الدُجى / خلتهُ أوقد منها لَهبا
كادَ أن يَحرِقَ ثوب الغسق /
أيها المخجلُ ضوءَ القمرِ / حرِّك الشوق بجسِّ الوتر
فإلى ريقك ذاك الخَصِر / طربَ الصبُّ فزده طربا
بغنًى يصبي ذوات الأطوق /
واجلها وجنةَ خدٍّ أشرِبت / ماءَ وردِ الحسنِ حتَّى شرقت
وبكأسٍ من ثناياك حَلَت / عاطِنيها خمرَ ريقٍ أعذبا
من جنى النحلِ وربّ الفلق /
كم ليالٍ بالهنا مُبيضةٍ / نعَّمتنا بفتاةٍ غضَّة
صيغ حسناً نحرُها من فضَّةٍ / وهي تلويه وشاحاً مُذهبا
فوق خصرٍ مثلُه لم يُخلَق /
ذاتُ خدٍّ وردُه للمقتطِف / عقرب الصدغِ عليه تَنعطِف
وعلى فرشٍ من الجعدِ تَرِفْ / طالما العاشقُ منها قلّبا
حلوةَ المرشَفِ والمعتنَق /
حيِّها عاقدةً زِنَّارَها / كم قضت مِن صبِّها أوطارَها
ودعت في خِدرِها مَن زارَها / لبني الأتراكِ أفدي العَرَبا
فظُباهم خدرُها لم يُطرقِ /
لو تَطيقُ العربُ من إشفاقِها / حمت الطيف على مُشتاقِها
وغواني التركِ مع عُشَّاقِها / كلَّما مدَّ الظلامُ الغَيهبا
كم لها في مَضجعٍ من عَبَق /
من عذيري من غزالٍ ثملٍ / ثعلي الجفن لا من ثعل
راش بالأهدابِ سهمَ المُقلِ / لو رمى من حاجب فيمن صبا
حاجباً راح بقوسٍ غلق /
يا خليليَّ على ذكرِ المُقلِ / خلتُما همتُ ومَن يسمَع يخَل
لا وما في الرأس من شيبي اشتعَل / إنَّما كان غرامي كَذِبا
وحديثي في الهوى لم يَصدقِ /
إن ريعانَ الشباب النظِر / وطرُ العمرِ وعمرُ الوَطِر
فخذا غيدَ الطلى عن بَصري / فاتني العشق وفي عصرِ الصِبا
خسرت صفقةُ من لم يَعشق /
كانَ ذيَّاك السوارُ المنقلِب / شافعاً عندَ العذارى لم يَخِب
فأتى الشيبُ ولي قلبٌ طَرِب / فبماذا أبتغي وصل الظِبا
ولها عندي بياضُ المِفرق /
وعظ الحلمُ فلبَّاه النُهى / ونهى جهل التصابي فانتهى
فبِما راع بفوديَّ المَها / خبّراها إنَّ طرفي قد نبا
عنكِ يا ذاتَ المحيَّا المُشرق /
قد وهبنا لسُلَيمى قدَّها / وعلى اللثمِ وفرنا خدّها
بَرُد الشوقُ فعفنا بردَها / واقتبلنا فرحةً قد أعربا
حسنُها عن جدّةً لم تخلقِ /
إن في عرسِ الحسينِ ذي النهى / حيّز الكون جميعاً قد زهى
وبهاءُ الغرب للشرقِ انتهى / يَبهجَ العينَ ويجلو الكُرُبا
وإلى الغرب بهاءُ المشرق /
بشِّر الدينَ به أن سَيلد / مَن حُبا الدينِ عليهم تَنعقد
والمعالي هنِّها أن سَتجد / منه في أُفقِ سناها شُهبا
وهو بين الشهبِ بدرُ الأُفق /
فله الأملاكُ لمَّا عَقَدوا / كلُّهم للهِ شكراً سَجَدوا
وعلى المهديِّ طُرًّا وفدوا / ثمَّ هنُّوهُ وقالوا لا خبا
نورُ هذا الفرحِ المؤتلقِ /
يا صَبا البشرِ بنشرٍ رَوِّحي / شيبةَ الحمدِ وشيخَ الأبطحِ
وعلى الهادي بريَّاكِ انفحي / ولأنفِ المرتضى والنُقَبا
ولده عرفَ التهاني انشقي /
وعلى الفيحاء زهواً عرِّجي / وانقلي فيها حديث الأرج
وانشري وسطَ حِماها المُبهج / لا عن الشيح ولا عودِ الكبا
بل عن المهديِّ طيبَ الخُلقِ /
مَن به الدينُ الحنيفيُّ اعتضد / والهدى فيه اكتسى عزّ الأبد
جدَّ في كسبِ المعالي واجتهد / وسواه يَستجيدُ اللقَبا
فوق فرشٍ حفَّها بالنِمرقِ /
ضَمنَ الفخرَ بمُثنى بُردِه / ووطى الشهبَ بعالي جَدّه
كانَ نصفاً لو أعادي مَجدهِ / كلَّما حلّت لمرآه الحُبا
رفعت نعلَيه فوقَ الحُدقِ /
نَشَرَ المطوي عمَّن سَلَفوا / فطوى مَن نَشرتهُ الصُحفُ
أينَ منهُ وهو فينا الخَلفُ / إنَّه أعلمُ ممَّن ذَهَبا
من ذوي الفضلِ وأعلى من بقي /
يابن مَن قد عُبِدَ اللهُ بهم / ولهم من سَلَّم الأمرَ سَلِم
إن أنفاً إن مدحناك رُغم / ليتَه ما شمَّ إلاَّ التربا
أو أطاحته مُدَى معترقِ /
لكَ لا مُدَّت من الدهرِ يدٌ / فلأَنتَ الروحُ وهو الجسدُ
وهو الباعُ وأنت العضدُ / كم ألنَّا بكَ منهُ المنكبا
بعد ما كان شديد المِرفَقِ /
تزدهي الأمجادُ في آبائِها / وتباهى الصيدَ من أكفائِها
ونرى هاشمَ في عَليائِها / أنت قد زيَّنتَ منها الحسبا
فاكتسى منكَ بأبهى رَونقِ /
فالورى شخصٌ بجدواك كما / أصبحت في مدحك الدنيا فما
لو بتقريضِك أفنى الكَلِما / لم يصف معشارَ ما قد طَلبا
من معانيك لسانُ المُفلقِ /
دارك الدنيا وأنتَ البشرُ / ولك الوِردُ معاً والصَدَرُ
وبتعليمك جادَ المطرُ / فالورى لو كفرت منك الحَبا
لكفى شكرُ الغمامِ المغدق /
هي أرضٌ أنتَ فيها مَلِكٌ / أم سماءٌ أنتَ فيها مَلَكُ
دارُ قدسٍ يتمنَّى الفَلكُ / لو حوى ممَّا حوته كوكبا
ولها كلُّ نجومِ الأُفقِ /
كلُّ ذي علمٍ فمنهم يستمد / وإليهم كلُّ فضلٍ يستَند
وبتطهيرِهم اللهُ شهد / حَنق الخصمُ فقلنا اذهبا
عنهمُ الرجسَ لأهلِ الحنق /
حسدت شمسُ الضحى أمَّ الهدى / فتمنَّت مثلهم أن تَلدا
وابنُها البدرُ لهم قد سجدا / وحياءً منه مهما غَرُبا
ودَّ من بعد بأن لم يشرق /
كلُّهم جعفرُ فضلٍ من يَرد / خُلقَه العذب ارتوت مِنه الكَبد
أبداً في الوجهِ منه يطّرد / ماءُ بشرٍ من رآه عَجبا
كيف قد رقَّ ولمّا يُرق /
ففداءً لمحيَّاه الأغرّ / أوجهٌ تُحسبُ قُدَّت من حجر
أين هم من ذي سماحٍ لو قدر / وعلى قدرِ عُلاهُ وهبا
وهبَ المغربَ فوق المشرق /
لا تفقه والورى في حلبةٍ / فلقد بان بأعلى رتبةٍ
ولئن كانَ وهم من منبتٍ / فالثرى يُنبتُ ورداً طيبا
وصريماً ليس بالمنتشق /
جاءَ للمجدِ المُعلّى صالحا / بحرَ جودٍ بالمزايا طافحا
فغدا فكريَ فيه سابحا / يُبرز اللؤلؤُ عِقداً رَطبا
والعُلى تَلبسَهُ في العنق /
فرعُ مجدٍ كرمت أخلاقه / فكستها طيبَها أعراقُه
يهجر الشهدَ لها مشتاقُه / لو بكأسِ الدهر منها سكبا
ثمل الدهر ولمَّا يَفِقِ /
وَرِعٌ أعمالُه لو وزّعت / في الورى عنها الحدودُ ارتفعت
أو بتقواه الأنامُ ادَّرعت / لَوَقَتها في المعادِ اللَّهبا
أو لنارٍ لهبٌ لم يُخلَق /
بأبي القاسم قد حلَّت لنا / راحةُ الأفراحِ أزرارَ المنى
لم يُزنه بل زين الثنا / أُفحِمَ المُطرِي فكنَّى مُغرِبا
إذ رأى ذكرَ اسمه لم يُطَقِ /
بالحسينِ استبشروا آلَ الحسب / وابلغوا في عُرسِه أسنى الأرب
ولكم دام مدى الدهر الطرَب / بختان الطيبينَ النجبا
خيرِ أغصانِ العلا المُعرق /
اجتلي الكأس فذي كفُّ الصَبا / حَدرَت عن مبسمِ الصبح اللثاما
واصطحبها من يَدي غضِّ الصِبا / أغيدٍ يجلو محيَّاهُ الظلاما
بنتُ كرمٍ زُوِّجت بابنِ السحب / فتحلَّت في لآلٍ من حَبَب
مذ جلاها الشربُ في نادي الطرَب / ضَحِكت في الكاسِ حتَّى قَطّبا
كلُّ مَن كانَ لها يُبدي ابتساما / وانثنى الزامرُ يشدو مُطرِبا
غرِّقوا بالراحِ كِسرى يا ندامى /
هيَ نارٌ في إناءٍ من بَرَد / عجباً ذابت به وهو جَمد
أبداً تحرقُ نمرودَ الكمد / وإذا منها الخليلُ اقتربا
غُودرت بَرداً عليه وسلاما / فاحتسي أعذبَ من ماءِ الربى
خمرةً أطيبَ من نشرِ الخُزامى /
أشبهت صافيةً في الأكؤس / دمعةَ الهجرِ بخدَّي ألعس
إن أُديرت مَثَّلت للمحتسي / وجنةَ الساقي بها فاستُلبا
رشدهُ حتَّى تراه مُستهاما / ليس يدري وجنةً قد شربا
أم سُلافاً عتّقت عاما فعاما /
تنشئ الخفَّة في روحِ النسيم / وتروضُ الصعبَ منهم للكرم
لو حساها وهو في اللؤمِ عَلَم / مادرٌ منه إذاً لانقلبا
ذلكَ اللؤمُ سماحاً مُستداما / ودعى خذ مع عقلي النشبا
آخرَ الدهر ودعني والمداما /
كم على ذاتِ الغضا مِن مجلس / قد كساه الروضُ أبهى مَلبس
فيه بتنا تحت بُردِ الحندس / نتعاطى من كؤوسٍ شُهبا
تطردُ الهمَّ وإن كان لزاما / إذ به نامت عيونُ الرُقبا
ليتها تبقى إلى الحشر نياما /
ونديمي مِن بني الترك أغَن / شهدةُ النحل بفيه تُختَزن
هبَّ يثني عطفَه سُكرُ الوسن / بمدامٍ خلتُ منها خُضّبا
أنملاً أبدى بها الحسنُ وشاما / وكأَن خدَّيه منها أُشرِبا
خمرةً إذ زفَّها جاماً فجاما /
رشأٌ جُسّد صافي جسمِه / من شعاعِ الخمرِ لا من جُرمِه
خَفيت صهباؤُه من كتمِه / لسناه مذ عليها غلبا
نورُ خدَّيه فما تدري الندامى / أسنا خدَّيهِ أبدى لهبا
أم سنا الكاس لهم أبدى ضَراما /
إن يقل لليلِ عَسعِس شعرُه / قال للصبحِ تنفَّس ثَغرهُ
أو من الردف تشكَّى خصرُه / قال يا زادك مَن زانَ الظِبا
بالخصورِ الهيفِ ضعفاً وانهضاماً / ولكاسِيكَ الوشاحَ المُذهبا
زاد جفنيه فتوراً وسَقاما /
يا أليفي صبوتي بُشراكما / جاء ما قرَّت به عيناكما
ذا جديدُ الأُنسِ قد حيَّاكما / وخلاصاً لكما قد جلبا
ناقلاً من صفةِ الراحِ النظاما / فاجعلاه للتهاني سببا
فعلَ من يرعى لذي الودِّ الذماما /
خلِّيا ذكرَ أحاديثِ الغَضا / واطويا من عهدِ حزوى ما مضى
وانشرا فرحةَ إقبالِ الرضا / وأخيه المصطفى ابن المجتبى
إنَّ إقبالَهما سَرَّ الأناما / وكذا الدنيا استهلت طربا
إذ معاً آبا وقد نالا المُراما /
بوركا في الكرخ من بدري عُلا / شعَّ برجُ المجدِ لمَّا أقبلا
ومحيَّا الفخرِ بالبِشرِ انجلى / وغدا زهواً ينادي مَرحبا
بمُنيرَي أبرجَ المجدِ القُدامى / بكما قرَّت عيونُ النُجبا
آلِ بيتِ المصطفى السامي مقاما /
رجع السعدُ إلى مطلعِه / والبها رُدَّ إلى موضعه
والندى عادَ إلى منبعِه / بسِراجي شرفٍ قد أذهبا
بالسنا من أُغف الكرخ الظلاما / وخضمَّي كرمٍ قد عَذُبا
مورداً يروي من الصادي الأُواما /
هل بَناتُ السير في تلك الفلا / علمت عادَ بها ما حملا
وبماذا بوقارٍ وعُلى / رحلت بالأمس تطوي السبسبا
حَدَراً تهبطُ أو تعلو أُكاما / وأُريحت بالمصلَّى لُغبا
قد برت أقتابُها منها السَناما /
حملت من حرمِ المجد الكرَم / وانبرت تسعى إلى نحوِ الحرم
وألمَّت لا لتمحيصِ اللمم / بمقام البيتِ لكن طَلَبا
لمزيد الأجرِ وافينَ المقاما / وبمغناه طرحنَ القتبا
بغيةَ الفوز وألقين الخُطاما /
قَرَّبت منه ومُنشي الفَلكِ / صفوتي بيتِ التُقى والنُسُك
بالسما أُقسمُ ذاتِ الحُبك / لهما بالحجِّ حازا رُتبا
ما حبا في مثلِها اللهُ الأناما / هي كانت من سواها أقربا
عنده زُلفى وأعلاها مقاما /
رتباً لا يتناهى قدرُها / يسعُ الخلقَ جميعاً برُّها
حيثُ لو عادَ إليهم أجرُها / واستووا في الإِثم شخصاً مذنبا
لمحى اللهُ به عنه الإِثاما / وله من حسناتٍ كتبا
ضِعفَ مَن حجَّ ومن صلَّى وصاما /
بهما سائِل تجد حتَّى الحجر / شاهداً أنَّهما بين البشر
خيرُ من طافَ ولبَّى واعتمر / وهما مُذ للحطيم اقتربا
مسحاهُ بيدٍ تنشئ الحُطاما / هي بالجودِ لأجزالِ الحَبا
كَعبةٌ تعتادُها الوفد استلاما /
حيثُ كلٌّ منهما أين يُحلّ / بين إحرامٍ عن الإثم وحِلّ
ويرى للهدي بالنحرِ يصلِ / كلَّ يومٍ ويميحُ النشبا
بيدٍ لم يحكِها الغيثُ انسجاما / كان طبعاً جودُها محتلبا
لا كما تحتلبُ الغيثَ النُعاما /
ثمَّ لمّا أكملا الحجَّ معاً / ودَّعا مكَّة فيمن ودَّعا
وإلى يثرب منها أزمعا / قصد من ألبس فخراً يثربا
وحباها شرفَ الذكرِ دَواما / وبه فاقَ سناها الشهُبا
فاشتهت تغدو لها الشهبُ رُغاما /
ونحى كلٌّ ضريحَ المصطفى / ناشقاً طيبَ ثراه عرفا
وبه طاف ومنه عطفا / نحوَ مغنى المرتضى مرتغِبا
لسواه عنه لا يلوي الزِماما / فقضى مِن حقِّه ما وجبا
وأتى الكرخ فحيّا وأقاما /
كم لأيدي العيسِ يا سعدُ يدُ / أبداً مشكورةٌ لا تُجحدُ
فعليها ليسَ ينأى بلدُ / وبها وخداً سَرَتْ أو خبَبا
يدرك الساري أمانيه الجساما / ويرى أوطأَ شيءٍ مركبا
ظهرَها من طَلِبَ العزَّ وراما /
أطلعت بالكرخ من حجب السرى / قمري سعدٍ بها قد أزهرا
وغراماً بهما أمُّ القُرى / لو أطاقت لهما أن تصحَبا
حين آبا لأتت تسعى غراما / وأقامت لا ترى منقلبا
عن حمى الزوراءِ ما دامت دواما /
أوبةٌ جاءت بنيلِ المِنَحِ / ذهبت فرحتُها بالترح
فبهذا العامِ أمَّ الفرحِ / وَلَدتها فأجدَّت طربا
بعد ما جاءت بها من قبلُ عاما / ولها الإقبالُ قد كان أبا
سعدُه أخدَمَه اليمنَ غُلاما /
فاهنَ والبشرى أبا المهديّ لك / تلك علياكَ لبدرَيك فلك
قد بدا كلٌّ بها يجلو الحلك / فترى الأقطارَ شرقاً مغرِبا
لم يدع ضوؤهما فيها ظلاما / والورى أبعدَها والأقربا
بهما تَقتسمُ الزهو اقتساما /
مَلَت القلبَ سروراً مثلما / قد ملأتَ الكفَّ منها كَرَما
واحتبت زهواً تهنّيك بما / خصَّك الرحمنُ من هذا الحَبا
حيث لا زلتَ لها ترعى الذماما / جالياً إن وجهُ عامٍ قَطّبا
للورى وجهاً به تُسقي الغماما /
ففداءُ لك يا أندى يدا / من بني الدهرِ وأزكى مَحتِدا
معشرٌ ما خُلِقوا إلاَّ فدا / لبسوا الفخرَ مُعاراً فنبا
عن أُناسٍ تلبسُ الفخرَ حراما / كلّ من فيهم على الحظّ أبى
قدرهم عن ضعةٍ إلاَّ الرغاما /
تَشتكي من مسِّ أبدانِهمُ / حللٌ ترفعُ من شانِهمُ
وإذا صرَّ بأيمانِهمُ / قلمٌ فهو ينادي عَجبا
صرتُ في أنملةِ اللؤمِ مُضاما / من بها قرَّ مُقيماً عُذِّبا
إنها ساءت مقرًّا ومُقاما /
هب لهم درهمهم أصبحَ أب / فسما فيهم إلى أعلا الرُتب
إكرامٌ هم لدى نصّ النسب / إن يعدّوا نسباً مُقتَضَبا
لا عريقاً في المعالي أو قدامى / عدموا الجودَ معاً والحسبا
فبماذا يتسمّونَ كراما /
عَبَدوا فلسَهمُ دهرَهمُ / وعليه قَصروا شكرَهمُ
فاطّرِح بين الورى ذكرَهمُ / وأعِد ذكرَ كرامٍ نُجبا
قصروا الوفرَ على الوفدِ دواما / وبنوا للضيفِ قدماً قِببا
رفعت منها يدُ المجد الدُعاما /
إذ على تقوى من الله الصمد / أُسِّس البنيانُ منها وَوطد
من له كلُّ يدٍ تشكرُ يَد / مصطفى الفخرِ وفيها أعقبا
عَشرةَ ألقى له الفضلُ الزماما / إذ سهامُ الفضلِ عشرٌ قَصبا
فيه كلُّ فحوى العشر السِهاما /
أعقبَ الصالحَ فيها خَلَفا / وأبا الكاظم من قد شُرِفا
والرضا الهادي حسيناً مصطفى / وأميناً كاظماً إن أغضبا
وجواداً جعفراً كلاًّ هُماما / صبيةٌ سادوا ولكن في الصِبا
بأبي المهديّ قد سادوا الأناما /
معشرٌ بيتُ عُلاهم عامرُ / بهم للضيفِ زاهٍ زاهرُ
فيه يا أمُّ الأماني عاقرٌ / تَلِدُ النجحَ فتكفي الطَلَبا
وأبو الآمالِ لا يشكوا العُقاما / وعلى أبوابِه مثلُ الدَبي
نَعَمُ الوفد لها تلقي الزماما /
أرضعت أمُّ العُلى ما ولدوا / فزكى ميلادُهم والمولِدُ
إنّهم طفلُهم والسؤدُد / يستهلاّنِ فداعٍ للحبا
ذا وهذا قائلٌ طبتَ غلاما / إبقَ في حجر المعالي حقبا
لا ترى من لبنِ العليا فِطاما /
صفوةَ المعروفِ قِرّوا أعينا / واهنئوا بالصفوِ من هذا الهنا
لكم السعدُ جلا وجهَ المُنى / بيدِ اليمنِ ومنه قرَّبا
لكم الإقبالُ ما ينأى مراما / فالبسوا أبرادَ زهوٍ قُشُبا
منكم لا نزُعَت ما الدهرُ داما /
وإليكم غادةً وشّحتُها / وبريّا ذكركم عَطّرتُها
وإلى علياكم أرفقتُها / فلها جاءَ افتتاحاً طيّبا
نشرُ راح الأنسِ منكم لا الخزامى / ولها تشهدُ أنفاسُ الصَبا
من ثناكم مسكه كانَ ختاما /
قد خططنا للمعالي مضجعا
قد خططنا للمعالي مضجعا / ودفنا الدينَ والدنيا معا
وعقدنا للمساعي مأتماً / ونعينا الفخرَ فيه أجمعا
آه ماذا وارت الأرضُ التي / رمقُ العالم فيها أُودعا
وارت الشخصَ الذي في حمله / نحنُ والأملاكُ سرنا شرعا
صاحب النعش الذي قد رُفعت / بركاتُ الأرضِ لمَّا رفعا
ملكٌ حيًّا وميتاً قد أبى / قدرُه إلاَّ الرواقَ الأرفعا
إن تسلني كيف من ذاك الحمى / فيه زاحمنَ العرينَ المسبعا
فبه أدنى إليه شبله / أسدَ الله وحيًّا ودعا
فأسلناها على إنسانها / حدقاً وهي تسمّى أدمعا
وبللنا تربة القبر الذي / دفنوا فيه التقى والورعا
وعقرناها حشاً فوق حشاً / يتساقطن عليه قطعا
ونضحناها ولكن مهجاً / صنع الوجدُ بها ما صنعا
فعلى ماذا نشدُّ الأضلعا / كذبَ القائلُ قلبي رجعا
وحللنا عقدة الصبر أسًى / وعلى الوجد شددنا الأضلعا
ورجعنا لا رجعنا وبنا / رمقٌ ممسكه ما رجعا
يا ابن ودّي إنَّ عندي فورةً / تملأ الجنبين كيف اتَّسعا
فإلى مكَّة لي إنَّ بها / مندى الحيِّ المعزّي أجمعا
ابتدرها واعتمد بطحاءها / إنَّها كانت لفهرٍ مجمعا
قفْ بها وانعَ قريشاً كلَّها / فقريشُ اليوم قد ماتوا معا
وتعمَّد شيبة الحمدِ وخذْ / نفثةً تحطمُ منها الأضلعا
قلْ له إن متَّ قدماً وجعاً / فمت الآن بنعيٍ جزعا
صدعت بيضتكم قارعةٌ / كبدُ الوحيِ عليها انصدعا
زالَ درعُ الهاشميين الذي / بردائيْ حسبيه ادَّرعا
وانطوى عزُّ نزار كلّها / بمصابٍ سامها أن تخضعا
ما فقدتُ اليوم إلاَّ جبلاً / نحوه يلجأ من قد روِّعا
كانَ أرسى زمناً لكن على / مهج الأعداء ثم اقتلعا
شهرت أيدي المنايا سيفها / فاستعاذَ الدهرُ منها فزعا
وحمى عن أنفه في كفِّه / فإذا الأقطعُ يحمي الأجدعا
قرعت سمعَ الهُدى واعيةٌ / أبداً في مثلها ما قُرعا
لو رأت ما غاب عينٌ لرأت / عيننا جبريلَ يُدمي الإصبعا
قائلاً حسبُك ملْ عن هاشمٍ / وعلى الفيحاءِ عرِّج مسرعا
إنَّها منعقدُ النادي الذي / قد حوى ذاك الجناب الأمنعا
قفْ بها وقفة عانٍ ممسكاً / كبداً طاحت بكفٍّ قطعا
وأنخ راحلة الوجد وقل / لستِ يا أربعُ تلك الأربعا
إنَّما كنت على الدهر حمًى / لم تجدْ فيك الليالي مطمعا
بعليم فيك قد أحيا الهدى / ومليكٍ قد أماتَ البدعا
فالعمى والجورُ عنك افترقا / والجدا والعدل فيك اجتمعا
بأبِ الرشد إذا ضلَّ الورى / وأخي الجلّى إذا الداعي دعا
قد لعمري راعك الخطبُ بمن / كانَ في الخطبِ الكميَّ الأروعا
جدَّ ناعيه فقلنا هازلٌ / ليس يدري كنه مَن كانَ نعى
فدعا لمَّا أبى تلك التي / طارت الأحشاء منها جزعا
قد بكى الغيثُ أخاهُ قبلكم / فانضحوا الأكبادَ منكم أدمعا
رحلَ الصادقُ منكم جعفرٌ / وبه الإِسلامُ قسراً فُجعا
فإلى أينَ وهل من مذهبٍ / كابدوها غلَّةً لن تنقعا
يا أبا موسى أصخ لي سامعاً / وبرغمي اليوم أن لا تسمعا
بل كفاني لوعةً أنِّي أرى / منك أخلى الموتُ هذا الموضعا
أوَما عندك في نادي العُلى / لم تزل تحلو القوافي موقعا
أين ذاكَ الوجهُ ما حيّيته / بطريف المدح إلاَّ التمعا
أينَ ذاكَ الكفُّ تندى كرماً / كلَّما جفَّ الحيا أو منعا
هاكِ يا أفعى الليالي كبدي / فانهشي منها بنابيْك معا
ماتَ من يثنيك يا نضناضةً / ترشحين الموت سمًّا منقعا
واقشعرِّي أيُّها الأرضُ بنا / فغمامُ الجودِ عنَّا انقشعا
وطرافَ المجد قوِّض زائلاً / فعمادُ المجدِ منك انتزعا
عثر الدهرُ فقولا لا لعاً / فخذا باللوم منه أو دعا
فلقد جاءَ بها قاصمةً / خلعت صلبَ العُلى فانخلعا
انتهت كلُّ الرزايا عندها / فتعدَّى العذلُ والعذر معا
أدرى أيَّ صفاتٍ قرعا / أم درى أيَّ قناةٍ صدعا
فاستحالت مقلةُ الدين قذاً / طبّه المهديُّ حتَّى هجعا
إنَّما المهديُّ فينا آيةٌ / بهر الخالقَ فيما ابتدعا
لم يزعزعْ حلمه الخطبُ الذي / لو به يقرع رضوى زعزعا
ملكَ الأجفانَ لكن قلبُه / والجوى خلف الضلوع اصطرعا
أيُّها الحاملُ أعباءَ العُلى / ناهضاً في ثقلها مضطلعا
مقتدى الأمَّة أنتم ولهم / بكم دينُ التأسِّي شرعا
يتداوى برقى أحلامكم / مَن بأفعى رزئه قد لُسعا
قد نشأتم في بيوتٍ لكم / أذن اللهُ بها أن ترفعا
لا أرى الفيحاءَ إلاَّ غابةً / سبعٌ يخلفُ فيها سبعا
إن مضى عنها أبو موسى فها / بأبي الهادي إليها رجعا
من سراجٍ في سراجٍ بدلٌ / انطفى ذاكَ وهذا سطعا
ماجدٌ يبسطُ كفًّا لم تزلْ / لمن ارتادَ الندى منتجعا
ذو عُلًى ما نالها العقلُ ولا / طائرُ الوهم عليها وقعا
سيِّدٌ قالَ له المجدُ ارتفع / حيث لا تلقى السهى مرتفعا
وحّد القول له لكنَّه / بأبي القاسم ثنَّى متبعا
فجرى في إثره مرتفعاً / يركب الجوزاءَ ظهراً طيِّعا
وسنا المجد الذي في وجهه / ذاكَ في وجهِ الحسين التمعا
سادتي عفواً دهتني صدمةٌ / أفحمت منِّي الخطيبَ المصقعا
لم أخل ينعى لساني جعفراً / وبودِّي قبل ذا لو قطعا