أَقْبَلَ الصُّبْحُ يُغنِّي
أَقْبَلَ الصُّبْحُ يُغنِّي / للحياةِ النَّاعِسَهْ
والرُّبى تَحلمُ في ظِلِّ / الغُصونِ المائِسَهْ
والصَّبا تُرْقِصُ أَوراقَ / الزُّهورِ اليابسَهْ
وتَهادى النُّورَ في / تِلْكَ الفِجاجِ الدَّامسَهْ
أَقبلَ الصُّبْحُ جميلاً / يملأُ الأُفْقَ بَهَاهْ
فتَمَطَّى الزَّهرُ والطَّيْرُ / وأَمواجُ المياهْ
قَدْ أَفاقَ العالم الحيُّ / وغَنَّى للحياهْ
فأَفيقي يا خِرافي / وهَلُمِّي يا شِياهْ
واتبعِيني يا شِياهي / بَيْنَ أَسرابِ الطُّيورْ
واملإِي الوادي ثُغاءً / ومِراحاً وحُبُورْ
واسمعي هَمْسَ السَّواقي / وانشقي عِطْرَ الزُّهُورْ
وانظري الوادي يُغَشِّيهِ / الضَّبابُ المُسْتَنيرْ
واقطُفي من كلإِ الأَرضِ / ومَرعاها الجَديدْ
واسمعي شبَّابتي تَشْدُو / بمعسولِ النَّشيدْ
نَغَمٌ يَصْعَدُ مِنْ قلبي / كأَنفاسِ الوُرودْ
ثمَّ يَسْمو طائراً كالبلبلِ / الشَّادي السَّعيدْ
وإذا جئْنا إلى الغابِ / وغطَّانا الشَّجَرْ
فاقطُفي مَا شئْتِ مِنْ عُشْبٍ / وزهرٍ وثَمَرْ
أرضَعَتْهُ الشَّمسُ بالضَّوءِ / وغذَّاهُ القَمَرْ
وارتَوَى مِنْ قَطَراتِ الظَّلِّ / في وقتِ السَّحَرْ
وامْرَحي مَا شئتِ في الوديانِ / أَو فَوْقَ التِّلالْ
واربضي في ظلِّها الوارِفِ / إنْ خِفْتِ الكَلالْ
وامْضَغي الأَعشابَ والأَفكارَ / في صَمْتِ الظِّلالْ
واسمعي الرِّيحَ تُغَنِّي / في شَمَاريخِ الجِبَالْ
إنَّ في الغابِ أَزاهيراً / وأَعشاباً عِذابْ
يُنشِدُ النَّحْلُ حوالَيْها / أَهازيجاً طِرابْ
لمْ تُدَنِّسْ عِطرها الطَّاهرِ / أَنفاسَ الذِّئابْ
لا ولا طافَ بها الثَّعْلَبُ / في بعضِ الصِّحابْ
وشذاً حلواً وسِحْراً / وسَلاماً وظِلالْ
ونَسيماً ساحرَ الخطوَةِ / مَوْفُورَ الدَّلالْ
وغُصوناً يرقُصُ النُّورُ / عليها والجَمالْ
واخضراراً أَبديًّا / لَيْسَ تَمحوهُ اللَّيالْ
لن تَملِّي يا خِرافي / في حِمى الغابِ الظَّليلْ
فزَمَانُ الغابِ طفلٌ لاعبٌ / عَذْبٌ جميلْ
وزمانُ النَّاسِ شَيْخٌ / عابِسُ الوجهِ ثَقيلْ
يتمشَّى في مَلالٍ / فَوْقَ هاتيكَ السُّهولْ
لكِ في الغاباتِ مرعاكِ / ومَسْعاكِ الجميلْ
وليَ الإِنْشادُ والعَزْفُ / إلى وَقْتِ الأَصيلْ
فإذا طالتْ ظِلالُ الكَلإِ / الغضِّ الضَّئيلْ
فهلمِّي نُرْجِعِ المَسْعَى / إلى الحيِّ النَّبيلْ