المجموع : 77
نَعَتِ الدُنيا إِلَينا نَفسَها
نَعَتِ الدُنيا إِلَينا نَفسَها / وَأَرَتنا عِبَراً لَم نَنسَها
كُلَّما قامَت لِقَومٍ دَولَةٌ / عَجَّلَ الحَينُ عَلَيهِم نَكسَها
تَطلُبُ التَجديدَ مِن دارِ البِلى / أَسَسَ اللَهُ عَلَيها أُسَّها
كَم لَها مِن لُقَمٍ مَسمومَةٍ / يَستَبينُ القَلبُ مِنها لَمسَها
حابِسُ الدُنيا لَها مِن حَبسِهِ / فَلَتاتٍ لَم يُمَلَّك حَبسَها
يا لَها مَحروسَةً لَم يَستَطِع / أَحَدٌ دونَ المَنايا حَرسَها
قُل لِمَن يَبكي عَلى رَسمٍ دَرَس
قُل لِمَن يَبكي عَلى رَسمٍ دَرَس / واقِفاً ما ضَرَّ لَو كانَ جَلَس
اِترُكِ الرَبعَ وَسَلمى جانِباً / وَاِصطَبِح كَرخِيَّةً مِثلَ القَبَس
بِنتُ دَهرٍ هُجِرَت في دَنِّها / وَرَمَت كُلَّ قَذاةٍ وَدَنَس
كَدَمِ الجَوفِ إِذا ما ذاقَها / شارِبٌ قَطَّبَ مِنها وَعَبَس
اِسقِنيها يا نَديمي بِغَلَس
اِسقِنيها يا نَديمي بِغَلَس / لا بِضَوءِ الصُبحِ بَل ضَوءِ القَبَس
اِسقِنيها مِن قِيامي خَمسَةً / فَإِذا دارَت فَمَن شاءَ حَبَس
وَعَلى ذِكرِ حَبيبي فَاِسقِني / لا عَلى ذِكرِ مَحَلٍّ قَد دَرَس
إِنَّ ذِكراهُ عَلى هِجرانِهِ / لَتُجَلّي كَربَ قَلبٍ مُختَلَس
كانَ يَلقاني زَماناً واصِلاً / فَاِلتَوى مِن بَعدِ وَصلي وَشَمَس
أَفسَدَ الواشونَ إِلفي حَسَداً / تَعِسَ الواشي لِوَقتٍ وَنُكِس
اِسقِنيها يا نَديمي بِغَلَس
اِسقِنيها يا نَديمي بِغَلَس / لا بِضَوءِ الصُبحِ بَل ضَوءِ القَبَس
قَهوَةً عَتَّقَها خَمّارُها / زَمَناً في الدَنِّ بَحتاً وَحَبَس
ثُمَّ زُفَّت في قَميصٍ أَدكَنٍ / فَتَحَلَّت كَفَتاةٍ في العُرُس
صَبَّها الشادِنُ في طاساتِها / فَتَرامَت بِشَرارٍ يُقتَبَس
وَلَها رائِحَةُ المِسكِ فَإِن / شَمَّها الشارِبُ مِن كَأسٍ عَبَس
وَغَزالٍ في الدُجى لَي
وَغَزالٍ في الدُجى لَي / ثِ ظَلامٍ ذي فِراسِ
بِتُّ أَسقيهِ مِنَ الرا / حِ بِكاسٍ بَعدَ كاسِ
وَأُحَيِّيهِ إِلى أَن / مالَ مِن ثِقلِ النُعاسِ
ثُمَّ أَدنَيتُ يَميني / نَحوَهُ رِفقاً لَماسِ
فَتَصَدّى قائِلاً لي / بِاِبتِهارٍ وَاِنتِعاسِ
كَم تَرى مِثلَكَ يا جا / هِلُ قَد مَرَّ بِراسي
فَأَخَذناهُ اِقتِصاداً / عَنوَةً غَيرَ مِكاسِ
لَيسَ لِلرَيحانَةِ الغَض / ضَةِ بُدٌّ مِن مَساسِ
وَجَليسٍ لَيسَ فيهِ
وَجَليسٍ لَيسَ فيهِ / قَطُّ مِثلَ الناسِ حِسُّ
لِيَ مِنهُ أَينَما كُن / تُ عَلى رُغمي حَبسُ
مالَهُ نَفسٌ فَتَنها / هُ وَهَل لِلصَخرِ نَفسُ
إِنَّ يَوماً فيهِ أَلقا / هُ لَيَومٌ هُوَ نَحسُ
ما عَلى ظَنِّيَ باسُ
ما عَلى ظَنِّيَ باسُ / يَجرَحُ الدَهرُ وَياسو
رُبَّما أَشرَفَ بِالمَر / ءِ عَلى الآمالِ ياسُ
وَلَقَد يُنجيكَ إِغفا / لٌ وَيُرديكَ احتِراسُ
وَالمَحاذيرُ سِهامٌ / وَالمَقاديرُ قِياسُ
وَلَكَم أَجدى قُعودٌ / وَلَكم أَكدى التِماسُ
وَكَذا الدَهرُ إِذا ما / عَزَّ ناسٌ ذَلَّ ناسُ
وَبَنو الأَيّامِ أَخيا / فٌ سَراةٌ وَخِساسُ
نَلبَسُ الدُنيا وَلَكِن / مُتعَةٌ ذاكَ اللِباسُ
يا أَبا حَفصٍ وَما ساواكَ / في فَهمٍ إِياسُ
مِن سَنا رَأيِكَ لي في / غَسَقِ الخَطبِ اِقتِباسُ
وَوِدادي لَكَ نَصٌّ / لَم يُخالِفهُ قِياسُ
أَنَ حَيرانٌ وَلِلأَمرِ / وُضوحٌ وَاِلتِباسُ
ما تَرى في مَعشَرٍ حالوا / عَنِ العَهدِ وَخاسوا
وَرَأَوني سامِرِيّاً / يُتَّقى مِنهُ المَساسُ
أَذأُبٌ هامَت بِلَحمي / فَاِنتِهاشٌ وَاِنتِهاسُ
كُلُّهُم يَسأَلُ عَن حالي / وَلِلذِئبِ اِعتِساسُ
إِن قَسا الدَهرُ فَلِلماءِ / مِنَ الصَخرِ انبِجاسُ
وَلَئِن أَمسَيتُ مَهبوساً / فَلِلغَيثِ اِحتِباسُ
يَلبُدُ الوَردُ السَبَنتى / وَلَهُ بَعدُ اِفتِراسُ
فَتَأَمَّل كَيفَ يَغشى / مُقلَةَ المَجدِ النُعاسُ
وَيُفَتُّ المِسكُ في التُربِ / فَيوطا وَيُداسُ
لا يَكُن عَهدُكَ وَرداً / إِنَّ عَهدي لَكَ آسُ
وَأَدِر ذِكرِيَ كَأساً / ما اِمتَطَت كَفَّكَ كاسُ
وَاِغتَنِم صَفوَ اللَيالي / إِنَّما العَيشُ اِختِلاسُ
وَعَسى أَن يَسمَحَ الدَهرُ / فَقَد طالَ الشِماسُ
أَسَقيطُ الطَلِّ فَوقَ النَرجِسِ
أَسَقيطُ الطَلِّ فَوقَ النَرجِسِ / أَم نَسيمُ الرَوضِ تَحتَ الحِندِسِ
أَم نِظامٌ لِلَآلٍ نَسَقٍ / جامِعٍ كُلَّ خَطيرٍ مُنفِسِ
أَم قَريضٌ جاءَني عَن مَلِكٍ / مالِكٍ بِالبِرِّ رِقَّ الأَنّفُسِ
دَلَّهَت فِكرِيَ مِن إِبداعِهِ / حيرَةٌ في مَنطِقٍ لي مُخرِسِ
بِتُّ مِنهُ بَينَ سَهلٍ مُطمِعٍ / خادِعٌ يُتلى بِحُزنٍ مُؤيِسِ
يا نَدى يُمنى أَبي القاسِمِ غِم / يا سَنا شَمسِ المُحَيّا أَشمِسِ
يا بَهيجَ الخُلُقِ العَذبِ اِبتَسِم / يا مُهيجَ الأَنِفِ الصَعبِ اِعبِسِ
يا جَمالَ المَوكِبِ الغادي إِذا / سارَ فيهِ يا بَهاءَ المَجلِسِ
أَنتَ لَم يُقنِعكَ أَن أَلبَستَني / نِعمَةً تُذكِرُ عَهدَ السُندُسِ
فَتَلَطَّفتَ لِأَن حَلَّيتَني / مولِياً طولي مُحَلّىً مُلبَسِ
داكَ تَنويهٌ ثَناني فَخرُهُ / سامِيَ اللَحظِ أَشَمَّ المَعطِسِ
شَرَّفَت بِكرَ المَعالي خِطبَةٌ / مِنكَ فَاِنعَم بِسُرورِ المُعرَسِ
تُمنَحُ التَأييدَ يُجلى لَكَ عَن / ظَفَرٍ حُلوٍ وَعِزٍّ أَقعَسِ
وَاِرتَشِف مَعسولَ نَصرٍ أَشنَبٍ / تَجتَنيهِ مِن عَجاجٍ أَلعَسِ
وَاِرتَفِق بِالسَعدِ في دَستِ المُنى / تُصبِحِ الصُنعَ دِهاقَ الأَكؤُسِ
فَاِعتِراضُ الدَهرِ فيما شِئتَهُ / مُرتَقىً في صَدرِهِ لَم يَهجِسِ
إِنَّ لِلجَنَّةِ في الأَندَلُسِ
إِنَّ لِلجَنَّةِ في الأَندَلُسِ / مُجتَلى حُسنٍ وَرَيّا نَفَسِ
فَسَنا صُبحَتِها مِن شَنَبٍ / وَدُجى ظُلمَتِها مِن لَعَسِ
فَإِذا ما هَبَّتِ الريحُ صَبّاً / صِحتُ وا شَوقي إِلى الأَندَلُسِ
دَع نَديماً قَد تَنائى وَحُبِس
دَع نَديماً قَد تَنائى وَحُبِس / وَاِسقِني وَاِشرَب عُقاراً كَالقَبَس
هامَ قَلبي بِفَتاةٍ غادَةٍ / حَولَها الأَسيافُ في أَيدي الحَرَس
لا تَنامُ اللَيلَ مِن حُبّي وَإِن / غَرَّدَ القُمريُّ زارَت في الغَلَس
وَتُسَمّيني إِذا ما عَثَرَت / وَإِذا ما فَطَنوا قالَت تَعَس
طِب عَنِ الإِمرَةِ نَفسا
طِب عَنِ الإِمرَةِ نَفسا / وَاِرضَ بِالوَحشَةِ أُنسا
ماعَلَيها أَحَدٌ يَس / وى عَلى الخِبرَةِ فِلسا
حازمٌ يسلسُ من بعد الشماسِ
حازمٌ يسلسُ من بعد الشماسِ / كلُّ أمرٍ راضَه صعب المراس
ذو ذَكاءٍ لو ذكاءٌ رامَهُ / لدعاهُ عجزُه عُد بأَياس
قتلَ الأيامَ خُبراً وله / قبسُ التجريب أسنى الاقتباس
لو سيوفاً طُبعت آراؤه / لبرت ما أدركت حتَّى الرواسي
مَن لِنِضوٍ يَتَنَزّى أَلَما
مَن لِنِضوٍ يَتَنَزّى أَلَما / بَرَّحَ الشَوقَ بِهِ في الغَلَسِ
حَنَّ لِلبانِ وَناجى العَلَما / أَينَ شَرقُ الأَرضِ مِن أَندَلُسِ
بُلبُلٌ عَلَّمَهُ البَينُ البَيان / باتَ في حَبلِ الشُجونِ اِرتَبَكا
في سَماءِ اللَيلِ مَخلوعَ العِنان / ضاقَتِ الأَرضُ عَلَيهِ شَبَكا
كُلَّما اِستَوحَشَ في ظِلِّ الجِنان / جُنَّ فَاِسَتَضحَكَ مِن حَيثُ بَكى
اِرتَدى بُرنُسَهُ وَاِلتَثَما / وَخَطا خُطوَةَ شَيخٍ مُرعَسِ
وَيُرى ذا حَدَبٍ إِن جَثَما / فَإِن اِرتَدَّ بَدا ذا قَعَسِ
فَمُهُ القاني عَلى لَبَّتِهِ / كَبَقايا الدَمِ في نَصلِ دَقيقِ
مَدَّهُ فَاِنشَقَّ مِن مَنبَتِهِ / مَن رَأى شِقَّي مِقَصٍ مِن عَقيقِ
وَبَكى شَجواً عَلى شَعبِهِ / شَجوَ ذاتِ الثُكلِ في السِترِ الرَقيقِ
سَلَّ مَن فيهِ لِساناً عَنَماً / ماضِياً في البَثِّ لَم يَحتَبِسِ
وَتَرٌ مِن غَيرِ ضَربٍ رَنَّما / في الدُجى أَو شَرَرٌ مِن قَبَسِ
نَفَرَت لَوعَتُهُ بَعدَ الهُدوء / وَالدُجى بَيتُ الجَوى وَالبُرَحا
يَتَعايا بِجَناحٍ وَيَنوء / بِجناحٍ مُذ وَهى ما صَلَحا
سائَهُ الدَهرُ وَما زالَ يَسوء / ما عَلَيهِ لَو أَسا ما جَرَحا
كُلَّما أَدمى يَدَيهِ نَدَماً / سالَتا مِن طَوقِهِ وَالبُرنُسِ
فَنِيَت أَهدابُهُ إِلّا دَماً / قامَ كَالياقوتِ لَم يَنبَجِسِ
مَدَّ في اللَيلِ أَنيناً وَخَفَق / خَفَقانَ القُرطِ في جُنحِ الشَعَر
فَرَغَت مِنهُ النَوى غَيرَ رَمَق / فَضلَةَ الجُرحِ إِذا الجُرحُ نَغَر
يَتَلاشى نَزَواتٍ في حُرَق / كَذُبالٍ آخِرَ اللَيلِ اِستَعَر
لَم يَكُن طَوقاً وَلَكِن ضَرَما / ما عَلى لَبَّتِهِ مِن قَبَسِ
رَحمَةُ اللَهِ لَهُ هَل عَلِما / أَنَّ تِلكَ النَفسَ مِن ذا النَفَسِ
قُلتُ لِلَّيلِ وَلِلَّيلِ عَواد / مَن أَخو البَثِّ فَقالَ فِراق
قُلتُ ما واديهِ قالَ الشَجوُ واد / لَيسَ فيهِ مِن حِجازٍ أَو عِراق
قُلتُ لَكِن جَفنُهُ غَيرُ جَواد / قالَ شَرُّ الدَمعِ ما لَيسَ يُراق
نَغبِطُ الطَيرَ وَما نَعلَمُ ما / هِيَ فيهِ مِن عَذابٍ بَئِسِ
فَدَعِ الطَيرَ وَحَظّاً قُسِما / صَيَّرَ الأَيكَ كَدورِ الأَنَسِ
ناحَ إِذ جَفنايَ في أَسرِ النُجوم / رَسَفا في السُهدِ وَالدَمعُ طَليق
أَيُّها الصارِخُ مِن بَحرِ الهُموم / ما عَسى يُغني غَريقٌ مِن غَريق
إِنَّ هَذا السَهمَ لي مِنهُ كُلوم / كُلُّنا نازِحُ أَيكٍ وَفَريق
قَلِّبِ الدُنيا تَجِدها قِسَماً / صُرِّفَت مِن أَنعُمٍ أَو أَبؤُسِ
وَاِنظُرِ الناسَ تَجِد مَن سَلِما / مِن سِهامِ الدَهرِ شَجَّتهُ القِسي
يا شَبابَ الشَرقِ عُنوانَ الشَباب / ثَمَراتِ الحَسَبِ الزاكي النَمير
حَسبُكُم في الكَرَمِ المَحضِ اللُباب / سيرَةٌ تَبقى بَقاءَ اِبنَي سَمير
في كِتابِ الفَخرِ لِلداخِلِ باب / لَم يَلِجهُ مِن بَني المُلكِ أَمير
في الشُموسِ الزُهرِ بِالشامِ اِنتَمى / وَنَمى الأَقمارَ بِالأَندَلُسِ
قَعَدَ الشَرقُ عَلَيهِم مَأتَما / وَاِنثَنى الغَربُ بِهِم في عُرُسِ
هَل لَكُم في نَبَإِ خَيرِ نَبَأ / حِليَةِ التاريخِ مَأثورٍ عَظيم
حَلَّ في الأَنباءِ ما حَلَّت سَبَأ / مَنزِلَ الوُسطى مِنَ العِقدِ النَظيم
مِثلَهُ المِقدارُ يَوماً ما خَبَأ / لِسَليبِ التاجِ وَالعَرشِ كَظيم
يُعجِزُ القُصّاصَ إِلّا قَلَما / في سَوادٍ مِن هَوىً لَم يُغمَسِ
يُؤثِرُ الصِدقَ وَيَجزي عَلَما / قَلَبَ العالَمَ لَو لَم يُطمَسِ
عَن عِصامِيٍّ نَبيلٍ مُعرِقِ / في بُناةِ المَجدِ أَبناءِ الفَخار
نَهَضَت دَولَتُهُم بِالمَشرِقِ / نَهضَةَ الشَمسِ بِأَطرافِ النَهار
ثُمَّ خانَ التاجُ وُدَّ المَفرِقِ / وَنَبَت بِالأَنجُمِ الزُهرِ الدِيار
غَفَلوا عَن ساهِرٍ حَولَ الحِمى / باسِطٍ مِن ساعِدَي مُفتَرِسِ
حامَ حَولَ المُلكِ ثُمَّ اِقتَحَما / وَمَشى في الدَمِ مَشيَ الضِرسِ
ثَأرُ عُثمانَ لِمَروانٍ مَجاز / وَدَمَ السِبطِ أَثارَ الأَقرَبون
حَسَّنوا لِلشامِ ثَأراً وَالحِجاز / فَتَغالى الناسُ فيما يَطلُبون
مَكرُ سُوّاسٍ عَلى الدَهماءِ جاز / وَرُعاةٌ بِالرَعايا يَلعَبون
جَعَلوا الحَقَّ لِبَغيٍ سُلَّما / فَهوَ كَالسِترِ لَهُم وَالتُرُسِ
وَقَديماً بِاِسمِهِ قَد ظَلَما / كُلُّ ذي مِئذَنَةٍ أَو جَرَسِ
جُزِيَت مَروانُ عَن آبائِها / ما أَراقوا مِن دِماءٍ وَدُموع
وَمِنَ النَفسِ وَمِن أَهوائِها / ما يُؤَدّيهِ عَنِ الأَصلِ وَالفُروع
خَلَتِ الأَعوادُ مِن أَسمائِها / وَتَغَطَّت بِالمَصاليبِ الجُذوع
ظَلَمَت حَتّى أَصابَت أَظلَما / حاصِدَ السَيفِ وَبيءَ المَحبَسِ
فَطِناً في دَعوَةِ الآلِ لِما / هَمَسَ الشاني وَما لَم يَهمِسِ
لَبِسَت بُردَ النَبِيِّ النَيِّرات / مِن بَني العَبّاسِ نوراً فَوقَ نور
وَقَديماً عِندَ مَروانٍ تِرات / لِزَكِيّاتٍ مِنَ الأَنفُسِ نور
فَنَجا الداخِلُ سَبخاً بِالفُرات / تارِكَ الفِتنَةِ تَطغى وَتَنور
غَسَّ كَالحوتِ بِهِ وَاِقتَحَما / بَينَ عِبرَيهِ عُيونَ الحَرَسِ
وَلَقَد يُجدي الفَتى أَن يَعلَما / صَهوَةَ الماءِ وَمَتنِ الفَرَسِ
صَحِبَ الداخِلَ مِن إِخوَتِهِ / حَدَثٌ خاضَ الغُمارَ اِبنَ ثَمان
غَلَبَ المَوجَ عَلى قُوَّتِهِ / فَكَأَنَّ المَوجَ مِن جُندِ الزَمان
وَإِذا بِالشَطِّ مِن شِقوَتِهِ / صائِحٌ صاحَ بِهِ نِلتَ الأَمان
فَاِنثَنى مُنخَدِعاً مُستَسلِماً / شاةٌ اِغتَرَّت بِعَهدِ الأَلَسِ
خَضَبَ الجُندُ بِهِ الأَرضَ دَما / وَقُلوبُ الجُندِ كَالصَخرِ القَسي
أَيُّها اليائِسُ مُت قَبلَ المَمات / أَو إِذا شِئتَ حَياةً فَالرَجا
لا يَضِق ذَرعُكَ عِندَ الأَزَمات / إِن هِيَ اِشتَدَّت وَأَمِّل فَرَجا
ذَلِكَ الداخِلُ لاقى مُظلِمات / لَم يَكُن يَأمُلُ مِنها مَخرَجا
قَد تَوَلّى عِزُّهُ وَاِنصَرَما / فَمَضى مِن غَدِهِ لَم يَيأَسِ
رامَ بِالمَغرِبِ مُلكاً فَرَمى / أَبَعدَ الغَمرِ وَأَقصى اليَبَسِ
ذاكَ وَاللَهِ الغِنى كُلُّ الغِنى / أَيُّ صَعبٍ في المَعالي ما سَلَك
لَيسَ بِالسائِلِ إِن هَمَّ مَتى / لا وَلا الناظِرِ ما يوحي الفَلَك
زايَلَ المُلكُ ذَويهِ فَأَتى / مُلكَ قَومٍ ضَيَّعوهُ فَمَلَك
غَمَراتٌ عارَضَت مُقتَحِما / عالِيَ النَفسِ أَشَمَّ المَعطِسِ
كُلُّ أَرضٍ حَلَّ فيها أَو حِمى / مَنزِلُ البَدرِ وَغابُ البَيهَسِ
نَزَلَ الناجي عَلى حُكمِ النَوى / وَتَوارى بِالسُرى مِن طالِبيه
غَيرَ ذي رَحلٍ وَلا زادٍ سِوى / جَوهَرٍ وافاهُ مِن بَيتِ أَبيهِ
قَمَرٌ لاقى خُسوفاً فَاِنزَوى / لَيسَ مِن آبائِهِ إِلّا نَبيه
لَم يَجِد أَعوانَهُ وَالخَدَما / جانَبوهُ غَيرَ بَدرِ الكَيِّسِ
مِن مَواليهِ الثِقاتِ القُدُما / لَم يَخُنهُ في الزَمانِ الموئِسِ
حينَ في إِفريقيا اِنحَلَّ الوِئام / وَاِضمَحَلَّت آيَةُ الفَتحِ الجَليل
ماتَتِ الأُمَّةُ في غَيرِ اِلتِئام / وَكَثيرٌ لَيسَ يَلتامُ قَليل
يَمَنٌ سَلَّت ظُباها وَالشَآم / شامَها هِندِيَّةً ذاتَ صَليل
فَرَّقَ الجُندَ الغِنى فَاِنقَسَما / وَغَدا بَينَهُم الحَقُّ نَسي
أَوحَشَ السُؤدُدُ فيهِم وَسَما / لِلمَعالي مَن بِهِ لَم تانَسِ
رُحِموا بِالعَبقَرِيِّ النابِهِ / البَعيدِ الهِمَّةِ الصَعبِ القِياد
مَدَّ في الفَتحِ وَفي أَطنابِهِ / لَم يَقِف عِندَ بِناءِ اِبنِ زِياد
هَجَرَ الصَيدَ فَما يُغنى بِهِ / وَهوَ بِالمُلكِ رَفيقٌ ذو اِصطِياد
سَل بِهِ أَندَلُساً هَل سَلِما / مِن أَخي صَيدٍ رَفيقٍ مَرِسِ
جَرَّدَ السَيفَ وَهَزَّ القَلَما / وَرَمى بِالرَأيِ أُمَّ الخُلَسِ
بِسَلامٍ يا شِراعاً ما دَرى / ما عَلَيهِ مِن حَياءٍ وَسَخاء
في جَناحِ المَلَكِ الروحُ جَرى / وَبِريحٍ حَفَّها اللُطفُ رُخاء
غَسَلَ اليَمُّ جِراحاتِ الثَرى / وَمَحا الشِدَّةَ مَن يَمحو الرَخاء
هَل دَرى أَندَلُسٌ مَن قَدِما / دارَهُ مِن نَحوِ بَيتِ المَقدِسِ
بِسَليلِ الأَمَوِيّينَ سَما / فَتحُ موسى مُستَقِرَّ الأُسُسِ
أَمَوِيٌّ لِلعُلا رِحلَتُهُ / وَالمَعالي بِمَطِيٍّ وَطُرُق
كَالهِلالِ اِنفَرَدَت نُقلَتُهُ / لا يُجاريهِ رُكابٌ في الأُفُق
ما بُنِيَت مِن خُلُقٍ دَولَتُهُ / قَد يَشيدُ الدُوَلَ الشُمَّ الخُلُق
وَإِذا الأَخلاقُ كانَت سُلَّما / نالَتِ النَجمَ يَدُ المُلتَمِسِ
فَاِرقَ فيها تَرقَ أَسبابَ السَما / وَعَلى ناصِيَةِ الشَمسِ اِجلِسِ
أَيُّ ملُكٍ مِن بِناياتِ الهِمَم / أَسَّسَ الداخِلُ في الغَربِ وَشاد
ذَلِكَ الناشِئُ في خَيرِ الأُمَم / سادَ في الأَرضِ وَلَم يُخلَق يُساد
حَكَمَت فيهِ اللَيالي وَحَكَم / في عَواديها قِياداً بِقِياد
سُلِبَ العِزَّ بِشَرقٍ فَرَمى / جانِبَ الغَربِ لِعِزٍّ أَقعَسِ
وَإِذا الخَيرُ لِعَبدٍ قُسِما / سَنَحَ السَعدُ لَهُ في النَحسِ
أَيُّها القَلبُ أَحَقٌّ أَنتَ جار / لِلَّذي كانَ عَلى الدَهرِ يَجير
هاهُنا حَلَّ بِهِ الرَكبُ وَسار / وَهُنا ثاوٍ إِلى البَعثِ الأَسير
فَلَكٌ بِالسَعدِ وَالنَحسِ مُدار / صَرَعَ الجامَ وَأَلوى بِالمُدير
ها هُنا كُنتَ تَرى حُوَّ الدُمى / فاتِناتٍ بِالشِفاهِ اللُعُسِ
ناقِلاتٍ في العَبيرِ القَدَما / واطِئاتٍ في حَبيرِ السُندُسِ
خُذ عَنِ الدُنيا بَليغَ العِظَةِ / قَد تَجَلَّت في بَليغِ الكَلِمِ
طَرَفاها جُمِعا في لَفظَةٍ / فَتَأَمَّل طَرَفَيها تَعلَمِ
الأَماني حُلمٌ في يَقظَةِ / وَالمَنايا يَقظَةٌ مِن حُلُمِ
كُلُّ ذي سِقطَينِ في الجَوِّ سَما / واقِعٌ يَوماً وَإِن لَم يُغرَسِ
وَسَيَلقى حَينَهُ نَسرُ السَما / يَومَ تُطوى كَالكِتابِ الدَرسِ
أَينَ يا واحِدَ مَروانَ عَلَم / مَن دَعاكَ الصَقرُ سَمّاهُ العُقاب
رايَةٌ صَرَّفَها الفَردُ العَلَم / عَن وُجوهِ النَصرِ تَصريفَ النِقاب
كُنتَ إِن جَرَّدتَ سَيفاً أَو قَلَم / أُبتَ بِالأَلبابِ أَو دِنتَ الرِقاب
ما رَأى الناسُ سِواهُ عَلَما / لَم يُرَم في لُجَّةٍ أَي يَبَسِ
أَعَلى رُكنِ السِماكِ اِدَّعَما / وَتَغَطّى بِجَناحِ القُدُسِ
قَصرُكَ المُنيَةُ مِن قُرطُبَه / فيهِ وارَوكَ وَلِلَّهِ المَصير
صَدَفٌ خُطَّ عَلى جَوهَرَةٍ / بَيدَ أَنَّ الدَهرَ نَبّاشٌ بَصير
لَم يَدَع ظِلّاً لِقَصرِ المُنيَةِ / وَكَذا عُمرُ الأَمانِيِّ قَصير
كُنتَ صَقراً قُرَشِيّاً عَلَما / ما عَلى الصَقرِ إِذ لَم يُرمَسِ
إِن تَسَل أَينَ قُبورُ العُظَما / فَعَلى الأَفواهِ أَو في الأَنفُسِ
كَم قُبورٍ زَيَّنَت جيدَ الثَرى / تَحتَها أَنجَسُ مِن مَيتِ المَجوس
كانَ مَن فيها وَإِن جازوا الثَرى / قَبلَ مَوتِ الجِسمِ أَمواتُ النُفوس
وَعِظامٌ تَتَزَكّى عَنبَراً / مِن ثَناءٍ صِرنَ أَغفالَ الرُموس
فَاِتَّخِذ قَبرَكَ مِن ذِكرٍ فَما / تَبنِ مِن مَحمودِهِ لا يُطمَسِ
هَبكَ مِن حِرصٍ سَكَنتَ الهَرَما / أَينَ بانيهِ المَنيعُ المَلمَسِ
أحمدُ الله بكَ الحال الَّتي
أحمدُ الله بكَ الحال الَّتي / أسْعَدُ التَّوفيق فيها ليسَ يُبْخَسُ
ماتَ من قد كنت أرجو موته / فهو ميت هالك لا يتنفَّس
وأحقُّ النَّاس في ميراثه / أخرسٌ يطمع في ميراث أخرس
كُلُّ شَيءٍ لي فِداءٌ
كُلُّ شَيءٍ لي فِداءٌ / لمُطيعِ بنِ إياسِ
رَجُلٌ مُستَملحٌ في / كُلِّ لينٍ وَشِماسِ
عِدلُ روحي بَينَ جَنبَي / يَ وَعَينَيَّ بِراسي
غَرَسَ اللَّهُ لَهُ في / كبدي أَحلى غِراسِ
لَستُ دَهري لمُطيع ب / ن إِياسِ ذا تَناسِ
ذاكَ إِنسانٌ لَهُ فَض / لٌ عَلى كُلِّ أُناسِ
فَإِذا ما الكاسُ دارَت / وَاِحتَساها من أُحاسي
كانَ ذِكرانا مُطيعاً / عِندَها رَيحانَ كاسي
حيِّ يا سعدُ قباباً بالحِمى
حيِّ يا سعدُ قباباً بالحِمى / تَحتَها ربعُ المنى لم يدرسِ
جادهُ الغيثُ إِذا الغيث همى / لا زمانَ الوصل بالأندلسِ
إِن يكُن ما بلّ شوقي قربهُ / فلِساني دائماً يذكرهُ
وَبِقلبي مُستقرٌّ حبّه / بِهواهُ لم أزل أعمرهُ
أَعظمُ النعمةِ أنّي صبّهُ / دائِماً أحمده أشكرهُ
سعدُ إِن جئتَ إليهِ فاِنعَما / واِستضئ مِن نورهِ واِقتبسِ
وَإِذا بحرُ أَياديهِ طَما / فَاِنتبِه مِن فيضِه واِحترسِ
وَأَفض يا سعدُ مِن دمعِ الهنا / ما يُروّي الأرضَ إِن شحّ الغمام
كنتَ حالَ البعدِ تبكي حَزَنا / إِن رأيتَ البرقَ أو غنّى الحمام
وَبِهذا اليومِ قَد نلتَ المُنى / فاِبكِ واِستبكِ فما ثمّ ملام
آهِ مَن لي بالحِمى أَن ألثما / تربهُ لو نهزة المختلسِ
لَم يَحن بعدُ اللقا فاِبكي دما / وَاِهجسي يا نفسُ أو لا تهجسي
ليتَ شِعري هَل أُرى يوماً أجول / في رُبا طيبةَ أو تلكَ الجبال
وَأَرى مِن أَثلِها فوقي ذيول / سابِغاتٍ مِن ظَليلاتِ الظلال
حبّذا ثمَّ حُزونٌ وسهول / حلَّها الأنسُ وحلّاها الجمال
فاقتِ الحصباءُ فيها الأنجما / وَثَراها يَزدري بالأطلسِ
أَنا لَو خُيّرت في أَعلى سما / أَو بِها لاِخترتُ فيها مجلسي
يا بِرُوحي كلّما هبّت صبا / نفحةٌ أَنشقُها مِن عطرها
وَإِذا ما جاءَني مِنها نبا / أَملأُ الدُنيا بريّا شكرها
مُنيَتي بِالجزعِ والسفح ربا / عطّرت كلَّ الوَرى من نشرها
أيُّ شَوقٍ في فُؤادي اِضطَرما / جَفّفَ الدمعَ فلَم ينبجسِ
وَلَكَم فاضَت عُيوني ديَما / بِشواظِ الوجدِ لم تنحبسِ
كيفَ يا سعدُ ثنيّات اللِوى / أَتُراها بِنَداها تبسمُ
زادَ في قَلبي لِلُقياها الجَوى / فَمَتى أرشفُها أو ألثمُ
طابَ لي في حبِّها شرحُ الهوى / فبهِ إِن عزَّ وصلٌ أنعمُ
وَإِذا ليلُ غَرامي أظلَما / ولِنَفسي لَم أجِد من مؤنسِ
أَجدُ الراحةَ في شِعري فما / نَفّس الكربةَ إلّا نَفَسي
أَنا ذا أشدو بسلعٍ والنقا / وَرَوابي حاجرٍ والمُنحنى
لا أَرى الورقاءَ منّي أخلقا / إنّني أعظمُ منها حَزَنا
خيرَ أرضِ اللَّه غرباً مشرقاً / أَنا أَهوى وهيَ تَهوى الدمنا
فَاِرحمي طيبةُ صبّاً مُغرما / بكِ إن يرجُ اللِقا أو ييأسِ
هو لا ينفكّ عَبداً قيّما / شدّدي في هجرهِ أو نفّسي
لستُ واللَّه بذا الخلقِ خليق / إنّما ذلك تَمويهُ الكلام
إِن أَكُن حَقّاً بما قلتُ حقيق / فَعَلى ما ولِما هذا المُقام
وَلِماذا إِن يجِئ ذكرُ العقيق / لَستُ أُجريهِ بدمعٍ كالغمام
لَو تَرى طيبة عِندي هِمما / أَكتَسي مِنها بِأبهى ملبسِ
أَدخَلتني مِن رِضاها حَرَما / كلُّ مَن يدخلهُ لم يبأسِ
لكنِ الظنُّ بها ظنٌّ جميل / لَم يَزل يَزدادُ فيها أملي
عالمٌ أنّي أُرى فيها نزيل / يذهبُ العسرُ وتُشفى عللي
وَلِسانُ الدهرِ نادى مستحيل / إِذ بَدا فَقري وقلّت حيلي
قالَ ما أمّلتَ حتّى تغنَما / ومَتى تمّت أماني مفلسِ
قلتُ أمّلتُ النبيّ الأكرما / أَحتَسي مِن جودهِ ما أحتسي
سيّدُ الخلقِ لهُ الكلُّ عبيد / وَهوَ عبدُ الواحدِ الفرد الصمد
فائقٌ في فضلهِ فذٌّ وحيد / مُفردٌ في قربِ مولاهُ الأحد
أحمدُ الرسلِ لمولاه الحميد / أفضلُ الكلِّ وأعلاهُم رشَد
كانَ هذا الكونُ ليلاً مُظلما / وَمنَ الشرك الورى في غلسِ
فبصبحُ الحقِّ منه اِبتَسما / مُشرقاً من نوره لم يعبسِ
كلُّ آيِ الرسلِ من آياتهِ / قَد رَأى ذلكَ أربابُ العقول
قُل لِمَن يزعمُ مثلاً هاتهِ / ليسَ بينَ الخلقِ مثلٌ للرَسول
بدءُ هَذا الدهرِ مع غاياتهِ / فوقَ أَهليهِ لهُ حكمُ الشمول
وَبهِ خيرُ الوَرى قد حكَما / فهوَ في خدمتهِ كالحَرسي
إِن يُرِد يُقدم وإلّا أحجما / لَم يخالِف فعلَ عبدٍ كيّسِ
ليلةُ المِعراجِ لم يحظَ بها / غيرهُ في سالفِ الدهرِ كريم
كَم بِها نالَ اِختِصاصاً وبها / لَم يُقاربه خليلٌ وكليم
وَيح غمرٍ جاهلٍ ما اِنتبها / لاِقتدارِ اللَّه مولانا العظيم
قَد رَقى العرشَ بجسمٍ بعدما / أمَّ بالرسلِ ببيتِ المقدسِ
تَرَكَ السدرةَ خلفاً وسما / وَبِها خلّف روحَ القدسِ
وَإِلى مكّة للبيتِ اِنثنى / ذا اِبتِهاجٍ قبل إشراق الصباح
بَعدما نالَ منَ اللَّه المُنى / وَحباهُ كلّ فوز ونجاح
وَرَأى المَولى فأولاهُ الغِنى / وَلهُ دامَ الهنا والإنشراح
جوهرٌ فَردٌ تعالى قيَما / بِجحودٍ قدرهُ لم يبخسِ
بحرُ فَضلٍ فاضَ حتّى عمّما / لَم يدَع بينَ الورى من يبسِ
إنّما الخلقُ لمَولاهم عيال / وَهوَ عنهُ نائبٌ في خلقهِ
يرزقُ الكلَّ الكريمُ المُتعال / وهوَ قسّامٌ لجاري رزقهِ
هذهِ الشمسُ كبدرٍ وهلال / وَنُجومٌ لمعةٌ من برقهِ
كانَ عندَ اللَّه نوراً أعظما / وَالوَرى بعدُ بعُدمٍ مكتسي
خُلقوا منهُ فنالوا مغنما / كلُّ فردٍ فائزٌ بقبسِ
ثمّ لمّا ظَهروا هذا الظهور / آمنَ البعضُ وبعضٌ جحدوا
ليسَ بِدعاً جحدُهم أعظمَ نور / منهُ قبلَ اليومِ قدماً وجدوا
هذهِ العينُ بها عنها سُتور / وَتَرى مَن قرُبوا أَو بعُدوا
ما تفيدُ العينُ إن عمّ العمى / عينَ قَلبٍ مظلمٍ منتكسِ
وَلِسانٌ ناطِقٌ مهما نما / ليسَ يُجدي مَع فؤادٍ أخرسِ
كَم جَمادٍ في الورى كما حيوان / كَضبابٍ وذئابٍ وظباء
صدّقتهُ وأقرّت باللِسان / أنّهُ المرسلُ مِن ربِّ السماء
إنّما اللَّهُ المُعينُ المُستعان / مَن يَشأ يُضلِل ويَهدي مَن يشاء
لَم نَزَل نَحمدهُ أَن أنعَما / وَهَدانا بالنبيّ الأنفسِ
نَحنُ لَو لَم ينفِ عنّا الظُلما / لَم نزَل مِن غيّنا في حندسِ
وَهوَ مِن بعدُ على اللَّه كريم / فمَتى يَشفَع يشفّعهُ بنا
أَوَ ليسَ الصاحبَ الجاه العظيم / إِذ خليلُ اللَّه يَشكو ما جَنى
آدَمٌ نوحُ المسيحُ والكليم / قائلٌ كلٌّ أَنا نَفسي أنا
إِذ يَرَونَ الهولَ هولاً أعظَما / يَستَوي المُحسنُ فيهِ والمُسي
وَالوَرى في ليلِ كربٍ أظلما / كلُّ فَردٍ منهم في محبسِ
وَمَتى جاؤوهُ جاؤوا ماجدا / يَملأُ الدلوَ لعقد الكربِ
إِذ يُرى للَّه عبداً ساجدا / فَيقول اِرفَع وما شئت اِطلبِ
فَتَرى منهُ البرايا واحدا / شافِعاً قَد نالَ أقصى مطلبِ
وَبِهذا لَم يُخصّص مُسلما / كلُّ خلقِ اللَّه بالفضل كسي
وَاِستَوت شمسُ عُلاه عندَما / قالَ مَولاهُ على العرش اِجلسِ
يا أَبا الزهراءِ كُن لي مُسعدا / فَلَقد أَوهى زماني جَلَدي
لَستُ أَبغي مِن سواكَ المددا / أنتَ مِن بينِ الوَرى معتمدي
وَعَلى ضَعفي إِذا صال العدا / جاهُكَ الأعظمُ أَقوى عددي
أَدركَ اِدركنيَ ما دامَ الذما / لا تَدعني مضغةَ المفترسِ
أَنا واللَّه ضعيفٌ وفقير / باِحتياجٍ زائدٍ للمددِ
أَنا واللَّه ذليلٌ وحقير / إنّما عزّي أَتى من سيّدي
لَيسَ لي غيركَ في الناسِ مُجير / أَنتَ بعدَ اللَّه أقوى سندي
لا تَدَعني سيّدي مُهتضما / ليسَ عِندي مِن سهامٍ أو قسي
كلُّ مَن حارَبني أو ظلما / ما وَفى حقَّ الجنابِ الأقدسِ
يا عِمادي أنتَ أَدرى بالزمان / ما لأهليهِ وفاءٌ وعهود
كلّما اِخترتُ فتىً للصدق مان / قابَلوا المعروفَ منّي بالجحود
ضَعُفَ الإيمانُ فيهم والأمان / ودُّهُم مَذقٌ وجَدواهم وعود
ليسَ يُجديني جَداهُم إنّما / أَجتَدي مِن جودك المنبجسِ
فَأَجِبني وأجِرني كَرما / يا ملاذَ البائس المبتئسِ
لا أُهَنّيكَ بِطوس
لا أُهَنّيكَ بِطوس / بَل أُهَنّي بِكَ طوسا
أَصبَحت بعد خُمول / بِكَ يا فَضلُ عَروسا
جملاً أبصرت في حو
جملاً أبصرت في حو / مانة الدرَّاج أَمسِ
يَتَراءى كالكَثيب ال / فرد فاِستصغرت نَفسي
ما لمن كان حقودا منطق
ما لمن كان حقودا منطق / قتل الحاقد ما انحسه
يلعن المصلح حيا فاذا / مات من كارثة قدسه
حبذا من طالع عصر الشباب
حبذا من طالع عصر الشباب /
لاث لي من دونه الشيب نقاب /
ذهبت أيامه أي ذهاب /
بعت منها باللجين الذهبا / والقنا اللدن بمعوج القسي
بيعةً ما أربحت من كسبا / بعد أن عاد بكفي مفلس
يا خليلي على تلك القباب /
عرجاً بي نقتفي خط الشباب /
إن فيها من بني الفرس كعاب /
حلفت أن تسترق العربا / حين سامت مهرها بالأنفس
وارتضينا رقها واعجبا / يرتضي بالرق من لم يدنس
كسرويات على دين المجوس /
حاكمتنا فسبت منا النفوس /
طالعتنا فحسبناها شموس /
فارتقبنا نحوها مرتقبا / فإذا نحن بواد مشمس
نلتظي من دونه ملتهبا / دونه النار التي لم تمسس
يا بنفسي من ظبيات الكناس /
ظبية مال بعطفيها النعاس /
خالستها النظر العين اختلاس /
إذ تراءت فتلقت غضبا / غيرة من نظر المختلس
قلت بالكعبة أن أدنو الخبا / منك قالت لا وبيت المقدس
غردي عاذرةً ذات الجناح /
ما على من شفه الحب جناح /
إن من ديني أن نهوى الملاح /
سنة لا أختشيها مذهبا / دين من قد كان بالأندلس
بعث اللَه العليم الكتبا / قبل أن يبعث روح القدس
فسل الفرقان عما قد حكى /
من هوى يوسف لما ملكا /
وسلن آدم ممن قد بكى /
حينما عن وجه حوا احتجبا / إذ يقاسي حيرة الملتمس
أيها المظهر مني عجباً / تحسب الماضي قديماً قد نسي
أو فسل مدين فيها من ولج /
واصطفى الوصل على سبع حجج /
وعلى من تحسب الصرح لجج /
بعد ما قد ملكت قوم سبا / إذ أتت ذات قياد سلس
سل سليمان بها كم قد صبا / لا هياً عن جنه والأنس
فبروحي من بها لست أبوح /
أبدا ما دام في جنبي روح /
أبذل الدمع بها وهو سفوح /
وأروض القلب أن يضطربا / لا يحس السر من يحسس
علق القلب هواها أشيبا / فهو من علقتها في يأس
أجتدي الغيث وقد عز المغيث /
لجوى يا سلم بالقلب يعيث /
فحديثي فيك ما أشقى الحديث /
جذوة شبت فعادت لهبا / كشهاب بيدي مقتبس
فأنا من فوق أعلام الربى / علم الخنساء للمغلتس
أعجبت عز بأشواق كثير /
وبثين من جميل ليسير /
أنا يا سلم وإن كنت الأخير /
قد ركبت اليوم ما لن يركبا / مصعب الهجر بشوق أهيس
ورجائي دون ما قد طلبا / ولئن كانت جموحاً فرسي
قادها حبك مرخاة الزمام /
ليس يثنيها عن الحب الجام /
لا وعيش لك في دار السلام /
ألبست نعماه أكناف الربى / من رياض حلة لم تلبس
برقت تصقلها كف الصبا / فهي من استبرق أو سندس
هي مما غزلت أيدي الرباب /
نسجتها فوق كرسي الشعاب /
الحمت ماء وسدته تراب /
ثم حاكته تباهي قعضبا / إذ أتت حسا بما لم يحدس
أتنجت من ذا وهذا عجبا / من عقيم الشكل شكل النرجس
نشرت للبشر أعلام الفرح /
فانطوى الأفق لها قوس قزح /
وعليها موكب الريح انسرح /
وتغشاها الحيا فانسكبا / مطرباً يرنو بلحظ منكس
قد تطوى خجلاً فاحدودبا / فهو من فرط انحناء كالقسي
لو تراه وهو في متن الغمام /
خلت أن الزهر في البيد سهام /
إذ تخال الأكم الخضر خيام /
والربيع الحزن فيها طنبا / مؤذناً في يوم حرب أنحس
حيث طبل الرعد فيها ضربا / سائقاً جيش الغمام المكدس
زهر ما أدرعت تلك البطاح /
والغصون اشتبكت فيها رماح /
وجفون البيض عن بيض الصفاح /
صافحت للبرق سيفاً فنبا / حده عن حدة المحترس
ما بها فل تفل اليلبا / لا تبالي مدرعاً من مترس
أرحب البرق وقد شب التهاب /
فانطوى ناراً بأحشاء السحاب /
فرزت فيها حواياها فذاب /
فهو إذ ينهل ذوباً صببا / كفؤاد المستهام اليئس
غالب الشقوة كان الأغلبا / فتولى بشقاء الملبس
جحفل يحسبه الطرف منيع /
نمنمت في جيشه زهر الربيع /
شربت شامته منه النجيع /
وغدت تصبغ كفاً خضبا / فيه صبغ الأرجوان الأنفس
سقت القمري كأساً مذهبا / فتغنى بذهاب الأنفس
يا بنفسي وسليماها الربوع /
كم حنيناً بمحانيها الضلوع /
إذ حمت سلم مريعاً عن مروع /
يجتلي مغناه ورداً أطيبا / ويقاسي منه شوك الملمس
كم رعيناه مخصباً / وارتعينا بالهشيم اليبس
كم على وجدي على دار السلام /
لا مين سعد ومن عوفي لام /
أنا يا سعد وإن طال السقام /
لست أبغي بالحمى منقلبا / فأطلق اللوم به أو فاحبس
لا ومن يلقي عليك الكثبا / إذ تناجي جندل المرتمس
سل سمير الليل كم كان السمير /
ليلة طال بها الليل القصير /
بات مرتاحاً على جنب الغدير /
مازجاً بالجد مني اللعبا / عل أن أجفانه لم تنعس
راعه النجم إذا ما غربا / فهو يرميه بلحظ أشوس
إن نسلني علم أخبار النجوم /
فعلى خبرتها جم العلوم /
سل أحدثك أحاديث الرجوم /
إنها يشهد عن عنها كبا / نفسات خلقت من نفسي
لجوىً كلمت فيه الشهبا / فهي مما أشتكي في حرس
قتل العيوق كم كان الرقيب /
رصداً لليل يخشى أن يغيب /
ما لنا للحشر في الوصل نصيب /
إذ له الميزان مهما انتصبا / دلس الصبح وماء الغلس
لا جزاك اللَه عنا كوكبا / ولحاك اللَه من مدلس
في عهود سلفت حيث الحمى /
كنت أشهدت عليه الأنجما /
أقذف الدمع عليهن دما /
من جفون شفها ما ذهبا / فهي شيئاً بعده لم تؤنس
عندها سيان مهما نسبا / وضح الصبح وليل الحندس
كم لها قاسيت عين الأرمد /
غب يوم غبه لم يحمد /
ليت يومي كان في سعد غدي /
إذ سقاني ما أطيبا / خمرة الريق بكأسٍ ألعس
فحمى عن مسه ما ذهبا / حين وافى بشفيع الغلس