المجموع : 4
بِتُّ أَرعى في الظَلامِ الأَنجُما
بِتُّ أَرعى في الظَلامِ الأَنجُما / لَيسَ لِلعُشّاقِ حَظٌّ في الكَرى
صَرَعَتني نَظرَةٌ حَتّى لَقَد / كُدتُ أَن أَحسُدَ مَن لا يُبصَرُ
نَظرَةٌ قَد أَورَثَت قَلبي الكَمَد / ما بَلاءُ القَلبِ إِلّا النَظَرُ
لا رَعاكَ اللَهُ يا يَومَ الأَحَدِ / لا وَلا حَيّاكَ عَنّي المَطَرَ
أَنتَ مَن أَطلَعتَ هاتيكَ الدُمى / سافِراتٍ فِتنَةً لِلشُعَرا
هِمتَ فيمَن حَسُنَت صورَتُها / مِثلَما قَد حَسُنَت مِنها الخِصال
أَخجَلَت شَمسَ الضُحى طُلعَتُها / وَاِستَحى مِن لَحظِها لَحظُ الغَزال
كُلُّ ما فيها جَميلٌ يُشتَهى / ما بِها عَيبٌ سِوى فَرطِ الجَمال
لَو رَآها لائِمي فيها لَما / لامَني في هُبِّها بَل عَذَرا
ذاتُ حُسنٍ خَدُّها كَالوَردِ في / لَونِه وَالطيبِ في نَكهَتِهِ
زَهرَةٌ لَكِنَّها لَم تُقطَفِ / وَجَمالُ الزَهرِ في رَوضَتَيهِ
دُرَّةٌ ما خَرَجَت مِن صَدَفٍ / تُرخِصُ الدَرَّ عَلى قيمَتِهِ
بَضَّةُ الخَدَّين وَالنَهدَينِ ما / سَفَرَت إِلّا رَأَيتُ القَمَرا
ذاتُ شَعرٍ مُسبَلٍ كَالأُفعُوان / يَتهادى فَوقَ رِدفٍ كَالكَئيب
وَقَوامٌ لَو رَآهُ الغُصنُ بان / خَجِلاً مِن ذَلِكَ الغُصنِ الرَطيب
كادَ لَولا مابِهِ مِن عُنفُوان / يَقِفُ الوِرقُ بِه وَالعَندَليب
وَجُفونٌ أَشبَهَتني سَقَماً / كَمَنَ السِحرُ بِها وَاِستَتَرا
تَبعَثُ الحُبَّ إِلى قَلبِ الخَلي / وَهوَ لا يَدري وَلا يَستَشعِرُ
وَالهَوى في بَدَنِهِ عَذبٌ شَهِيُّ / كُلُّ شَيءٍ بَعدَهُ مُحتَقَرُ
كُلُّ مَن لا يَعرِفُ الحُبَّ شَقِيُّ / لا يَرى في دَهرِهِ ما يُشكَرُ
يَصرُفُ العُمر وَلَكِن سَأَماً / عَبَثاً يَطلُبُ أَن لا يَضجُرا
لَم أَكُن أَعرِفُ ما مَعنى الهَنا / قَبَ أَن أَعرِفَ ما مَعنى الغَرام
يَضحَكُ الناسُ سُرورا وَأَنا / عابِسٌ حَتّى كَأَنّي في خِصام
عَجَبوا مِنّي وَقالوا عَلَناً / قَد رَأَينا الصَخرَ في زَيِّ الأَنام
أَوشَكوا أَن يَحسِبوني صَنَماً / لَو رَأَوا الأَصنامَ تَخفي كَدَرا
لَم أَزَل في رَبقَةِ اليَأسِ إِلى / أَن أَعادَ الحُبُّ لي بَعضَ الرَجا
كُنتُ قَبلَ الحُبِّ أَسري في ظَلامٍ / وَلا أَلقى لِنَفسِيَ مَخرَجا
فَجَلاهُ الحُبُّ عَنّي فَاِنجَلى / مِثلَما يَجلو سَنا الشَمسُ الدُجى
باتَ قَلبِيَ بِالأَماني مُفعَما / وَهوَ قَبلاً كانَ مِنها مَقفَرا
رَوَّعَتني بِالنَوى بَعدَ اللِقاء / وَكَذا الدُنيا دُنُو وَاِفتِراق
غَضِبَ الدَهرُ عَلى كَأسِ الصَفاء / مُذ رَآها فَأَبى أَلّا تُراق
وَلَو أَنَّ الدَهرَ يَدري بِالشَقاء / ساعَدَ الصَبَّ عَلى نَيلِ التَلاق
لَم أَجِد لي مُشبِهاً تَحتَ السَما / في شَقائي لا وَلا فَوقَ الثَرى
وَأَبي لَو أَنَّ ما بي بِالجِبال / أَصبَحَت تَهتَزُّ مِن مُرِّ النَسيم
فَاِعذُروني إِن أَكُن مِثلَ الخَيال / وَاِعذُلوني إِن أَكُن غَيرَ سَقيم
إِنَّ دائِيَ جاءَ مِن صاد وَدال / وَدَواءُ القَلبِ في ضاد وَميم
باتَ صَبِيَ مِثلُ جِسمي عَدَما / إِنَّما يَصبُرُ مَن قَد قَدِرا
رُبَّ لَيلٍ عادَني فيهِ السُهاد / وَنَأى عَن مُقلَتي طيبُ الكَرى
هاجَتِ الذِكرى شُجوناً في الفُؤاد / فَبَكى طَرفي عَقيقاً أَحمَرا
نَبَّهَ الأَهلَ بُكائِي وَالعِباد / فَأَتوا يَستَطلِعونَ الخَبَرا
قُلتُ داءٌ في الفُؤادِ اِستَحكَما / كادَ قَلبِيَ مِنهُ أَن يَنفَطِرا
صَدَّقوا ما قُلتُهُ ثُمَّ مَضى / واحِدٌ مِنهُم يَستَدعي الطَبيب
سار وَالكُلُّ عَلى جَمرِ الغَضا / وَأَنا بَينَ أَنين وَنَحيب
لَم يَكُن إِلّا كَبَرقٍ وَمَضا / وَإِذا الدُكتورُ مِن مَهدي قَريب
قالَ لِلجُمهورِ ماذا الاِجتِماع / أُخرُجوا أَو زِدتُموهُ خَطَرا
خَرَجَ الكُلُّ فَأَمسَت غُرفَتي / مِثلُ قَلبِ الطِفلِ أَو جَيبِ الأَديب
فَدَنا يَسأَلُني عَن عِلَّتي / وَأَنا أَسمَعُ لَكِن لا أُجيب
فَنَضا الثَوبَ فَأَبصَرتُ الَّتي / كادَ جِسمِيَ في هَواها أَن يَغيب
خَلَعَت عَنها لِباسَ الحُكَما / فَرَأَت عَينايَ بَدراً نَيِّرا
وَاِعتَرَتني دَهشَةٌ لَكِنَّها / دَهشَةٌ مَمزوجَةٌ بِالفَرَحِ
كدتُ أَن أَخرُجَ عَن طَورِ النُهى / رُبَّ سُكرٍ لَم يَكُن مِن قَدَحِ
يا لَها مِن ساعَةٍ لَو أَنَّها / بَقِيَت كَالدَهرِ لَم تُستَقبَحِ
عانَقَتني وَأَنا أَبكي دَماً / وَهيَ تَبكي لِبُكائِيَ دُرَرا
وَجَعَلنا بَعدَ أَن طالَ العِناق / تَتَناجى بِأَحاديثِ القُلوب
بَينَما نَحنُ عَلى هَذا الوِفاق / قُرِعَ البابُ فَأَوشَكنا نَذوب
فَأَشارَت لِيَ قَد حانَ الفُراق / فَاِنقَطَعنا وَاِرتَدَت ثَوبَ الطَبيب
أَقبَلَ القَومُ فَقالَت كُلُّ ما / كانَ يَشكو مِنهُ عَنهُ قَد سَرى
دُميَةٌ حَسناءُ تُغري النَظَرا
دُميَةٌ حَسناءُ تُغري النَظَرا / أَم مَلاكٌ طاهِرٌ فَوقَ الثَرى
طِفلَةٌ ساذَجَةٌ أَطهَرُ مِن / زَهرَةِ الرَوض وَأَنقى جَوهَرا
شَرُفَت أَصلا وَطابَت عُنصُراً / وَاِرتَقَت نَفسا وَراقَت مَنظَرا
حَمَلَت قَلباً أَبى أَن يَحمِلَ / الحِقدَ أَو يَكتُمَ نَفَساً كَدَرا
تَجهَلُ الشَر وَلا تُحسِنُ أَن / تَخدَعَ الغَير وَلا أَن تَغدِرا
لا تُبالي بِبَناتِ الدَهرِ إِن / أَقبَلَ الدَهرُ بِها أَو أَدبَرا
وَعظُمُ الكَونُ لَدَينا جُرمُهُ / وَتَراهُ عِندَها قَد صَغُرا
إِنَّما الدُنيا لَدَيها كُلُّها / أَبَواها وَهُما كُلُّ الوَرى
جُؤذَرٌ لَكِنَّها آنِسَةٌ / لَم يَرُعها ما يَروعُ الجُؤذَرا
سَرَقَ التُفّاحُ مِن وَجنَتِها / وَاِستَعارَ الظَبيُ مِنها الحَوَرا
ذاتُ شِعرٍ ذَهَبِيٍّ لَونُهُ / قَد حَكى نورَ الضُحى مُنتَشِرا
وَعُيونٍ بِالنُهى عابِثَةٍ / جَذَبَ الغُنجُ إِلَيها الخَفَرا
شُغِفَت بِالبَدرِ حُبّاً فَهيَ لا / تَعرِفُ الغَمضَ إِلى أَن يُسفَرا
وَقَفَت تَرقُبُهُ في لَيلَةٍ / مِثلِ حَظِّ الأُدَباءِ الشُعَرا
تَكتُمُ الظَلماءُ مِن لَألائِها / أَيُّ بَدرٍ في الظَلامِ أَستَرا
أَرسَلَت نَحوَ الدَراري لَفتَةً / أَذكَرَت تِلكَ الدَراري القَمَرا
وَإِذا بِالبَدرِ قَد مَزَّقَ عَن / وَجهِهِ بُرقَعَهُ ثُمَّ اِنبَرى
فَأَضاءَ الجَو وَالأَرضَ مَعاً / نورُهُ الفِضِّيُّ لَمّا ظَهَرا
فَرَنَت عَن فاتِر وَاِبتَسَمَت / عَن نَظيمٍ قَد أَكَنَّ الدُرارا
ثُمَّ قالَت يا حَبيبي مَرحَباً / لا رَآكَ الطَرفُ إِلّا نَيِّرا
قِف قَليلاً أَو كَثيراً فَعَسى / نورُكَ الباهِرُ يَجلو البَصَرا
إِن تَغِب فَالصُبحُ عِندِيَ كَالدُجى / وَالدُجى إِن جِئتَ بِالصُبحِ اِزدَرى
لَم تُحِبَّ السَيرَ لَيلاً فَإِذا / ذَرَّ قَرنُ الشَمسِ عانَقتَ الكَرى
أَتَخافُ الشَمسَ أَم أَنتَ كَذا / تَعشَقُ اللَيل وَتَهوى السَهَرا
ثُمَّ ناجَت نَفسَها قائِلَةً / أَتُرى أَبلُغُ مِنهُ وَطَرا
لَيتَ لي أَجنِحَةً بَل لَيتَني / نَجمَةً أَتبَعُهُ أَنّى سَرى
وَهُمَ البَعضُ فَقالوا دِرهَمٌ / ما أَرى الدِرهَمَ إِلّا حَجَرا
وَلَقَد أَضحَكَني زَعمُهُمُ / أَنَّهُ يُشبِهُ في الحَجمِ الثَرى
زَعَموا ما زَعَموا لَكِنَّما / هُوَ عِندي لُعبَةٌ لا تُشتَرى
خَيرُ ما يَكتُبُهُ ذو مَرقَمٍ
خَيرُ ما يَكتُبُهُ ذو مَرقَمٍ / قِصَّةٌ فيها لِقَومٍ تَذكِرَه
كانَ في ماضي اللَيالي أُمَّةٌ / خَلَعَ العِزُّ عَلَيها حِبرَه
يَجِدُ النازِلُ في أَكنافِها / أَوجُهاً ضاحِكَةً مُستَبشِرَه
وَيَسيرُ الطَرفُ مِن أَرباضِها / في مَغانٍ حالِياتٍ نَضِرَه
لَم يَقِس شَعبٌ إِلى أَمجادِها / مَجدَهُ الباذِخَ إِلّا اِستَصغَرَه
هَمُّها في العِلمِ تُعلي شَأنَهُ / بَينَها وَالجَهلِ تَمحو أَثَرَه
ما تَغيبُ الشَمسُ إِلّا أَطلَعَت / لِلوَرى مَحمَدَةً أَو مَأثُرَه
فَتَمَنّى الصُبحُ تَغدو شَمسَهُ / وَتَمَنّى اللَيلُ تَغدو قَمَرَه
وَمَشى الدَهرُ إِلَيها طائِعاً / فَمَشَت تائِهَةً مُفتَخِرَه
كانَ فيها مَلِكٌ ذي فِطنَةٍ / حازِمٌ يَصفَحُ عِندَ المَقدِرَه
يَعشَقُ الأَمرَ الَّذي تَعشَقُهُ / فَإِذا اِستَنكَرَتهُ اِستَنكَرَه
بَلَغَت في عَهدِهِ مَرتَبَةً / لَم تَنَلها أُمَّةٌ أَو جَمهَرَه
فَإِذا أَعطَت ضَعيفاً مَوثِقاً / أَشفَقَت أَعدائُهُ أَن تَخفِرَه
وَإِذا حارَبَها طاغِيَةٌ / كانَتِ الظافِرَةَ المُنتَصِرَه
ماتَ عَنها فَآقامَت مَلِكاً / طائِشَ الرَأيِ كَثيرَ الثَرثَرَه
حَولَهُ عُصبَةُ سوءٍ كُلَّما / جاءَ إِدّاً أَقبَلَت مُعتَذِرَه
حَسَّنَت في عَينِهِ آثامَهُ / وَإِلَيهِ نَفسَهُ المُستَكبِرَه
وَتَمادى القَومُ في غَفلَتِهِم / فَتَمادى في المَلاهي المُنكَرَه
زَحزَحَ الأُمَّةَ عَن مَركَزِها / وَطَوى رايَتِها المُنتَشِرَه
وَرَأَت فيها اللَيالي مَقتَلاً / فَرَمَتها فَأَصابَت مُدبِرَه
فَهَوَت عَن عَرشِها مُنعَفِرَه / مِثلَما تَرمي بِسَهمٍ قُبَّرَه
كانَ فيها شاعِرٌ مُشتَهِرٌ / ذو قَوافٍ بَينَها مُشتَهِرَه
كُلَّما هَزَّت يَداهُ وَتَراً / هَزَّ مِن كُلِّ فُؤادٍ وَتَرَه
تَعِسُ الحَظ وَهَل أَتعَسُ مِن / شاعِرٍ في أُمَّةٍ موحتَضَرَه
يَقرَءُ الناظِرُ في مُقلَتِهِ / ثَورَةً طاهِرَةً مُستَتِرَه
ما يَراهُ الناسُ إِلّا واقِفاً / في مَغاني قَومِهِ المُندَثِرَه
حائِراً كَالرَيحِ في أَطلالِها / باكِيا وَالسُحُبَ المُنهَمِرَه
وَهيَ في أَهوائِها لاهِيَةٌ / وَكَذاكَ الأُمَّةُ المُستَهتِرَه
ما رَأَت مُهجَتُهُ المُنفَطِرَه / لا وَلا أَدمُعُهُ المُنحَدِرَه
فَشَكاهُ الشِعرُ مِمّا سامَهُ / وَشَكاهُ اللَيلَ مِمّا سَهَرَه
ثُمَّ لَمّا عَبِثَ اليَأسُ / مَزَّقَ الطِرس وَشَجَّ المِحبَرَه
مَرَّ يَوماً فَرَأى أَشيُخاً / جَلَسوا يَبكونَ عِندَ المَقبَرَه
قالَ مالُكُمُ ما خَطبُكُم / أَيُّ كِنزٍ في الثَرى ىَو جَوهَرَه
وَمَنِ لثاوي الَّذي تَبكونَهُ / قَيصَرٌ أَم تُبَّعٌ أَم عَنتَرَه
قالَ شَيخٌ مِنهُم مُحدَودِبٌ / وَدُموعُ اليَأسِ تَغشى بَصَرَه
إِنَّ مَن نَبكيهِ لَو أَبصَرَهُ / قَيصَرٌ أَبصَرَ فيهِ قَيصَرَه
كَيفَ يا جاهِلُ لا تَعرِفَهُ / وَحُداةُ العيسِ تَروي خَبَرَه
هُوَ مَلِكٌ كانَ فينا وَمَضى / فَمَضَت أَيّامِنا المُزدَهِرَه
وَلَبِثنا بَعدَهُ في ظُلَمٍ / داجِيَتٍ فَوقَنا مُعتَكِرَه
وَالَّذي كانَ بِنا مَعرِفَةً / لِصُروفِ الدَهرِ أَمسى نَكِرَه
فَاِنتَهى التاجُ إِلى مُعتَسِفٍ / لَم يَزَل بِالتاجِ حَتّى نَثَّرَه
كُلُّ ما تَصبو إِلَيهِ نَفسُهُ / مُعصَرٌ أَو خَمرَةٌ مُعتَصَرَه
مُستَهينٌ بَِلَّيالي وَبِنا / مُستَعينٌ بِالطَغامِ الفَجَرَه
كُلَّما جاءَ إِلَيهِ خائِنٌ / واشِياً قَرَّبَه وَاِستَزوَرَه
فَإِذا جاءَ إِلَيهِ ناصِحٌ / شَكَّ في نِيَّتِهِ فَاِنتَهَرَه
مُستَبِّدٌ باذِلٍ في لَحظَةٍ / ما اِذَّخَرناهُ لَه وَاِذَّخَرَه
يَهَبُ المَرء وَما يَملُكُهُ / وَعَلى المَوهوبِ أَن يَستَغفِرَه
هَزَأَ الشاعِر مِنهُم قائِلاً / بَلَغَ السوسُ أُصولَ الشَجَرَه
رَحَمَةُ اللَهِ عَلى أَسلافِكُم / إِنَّهُم كانوا تُقاةً بَربَرَه
رَحمَةُ اللَهِ عَلَيهِم إِنَّهُم / لَم يَكونوا أُمَّةً مُنشَطِرَه
إِنَّ مَن تَبكونَهُ يا سادَتي / كَالَّذي تَشكونَ فيكُم بَطَرَه
إِنَّما بَأسُ الأُلى قَد سَلَفوا / قَتلَ النَهمَةَ فيه وَالشَرَه
فَاِحبُسوا الأَدمُعَ في آماقِكُم / وَاِترُكوا هَذي العِظامَ النَخِرَه
لَو فَعَلتُم فِعلَ أَجدادِكُم / ما قَضى الظالِمُ مِنكُم وَطَرَه
ما لَكُم تَشكونَ مِن مُحتَكِمٍ / أُضتُمُ أَلسِنَكُم أَن تَشكُرَه
وَجَعَلتُم مِنكُم عَسكَرَهُ / وَحَلَفتُم أَن تُطيعوا عَسكَرَه
كَيفَ لا يَبغي وَيَطغى آمِرٌ / يَتَّقي أَشجَعُكُم أَن يَنظُرَه
ما اِستَحالَ الهِرُّ لَيثاً إِنَّما / ىُسُدُ الآجامِ صارَت هِرَرَه
وَإِذا اللَيثُ وَهَت أَظفارُهُ / أَنشَبَ السِنَّورُ فيهِ ظُفرَه
لا تَسَل أَينَ الهَوى وَالكَوثَرُ
لا تَسَل أَينَ الهَوى وَالكَوثَرُ / سَكَتَ الشادي وَبُحَّ الوَتَرُ
فَجأَة وَاِنقَلَبَ العُرسُ إِلى / مَأتَمٍ ماذا جَرى ما الخَبَرُ
ماجَتِ الدارُ بِمَن فيها كَما / ماجَ نَهرٌ ثائِرٌ مُنكَدِرُ
كُلُّهُم نُستَفسِرٌ صاحِبَهُ / كُلُّهُم يُؤذيهِ مَن يَستَفسِرُ
هَمَسَ المَوتُ بِهِم هَمسَتَهُ / إِنَّ هَمسَ المَوتِ ريحٌ صَرصَرُ
فَإِذا الحَيرَةُ في أَحداقِهِم / كَيفَما مالوا وَأَنّى نَظَروا
عَلِموا يا لَيتَهُم ما عَلِموا / أَنَّ دُنيا مِن رُأىً تُحتَضَرُ
وَالَّذي أَطرَبَهُم عَن قُدرَةٍ / باتَ لا يَقوى وَلا يَقتَدِرُ
يَبِسَ الضِحكُ عَلى أَفواهِهِم / فَهوَ كَالسُخر وَإِن لَم يَسخَروا
وَإِذا الآسي يَدٌ مَذولَةٌ / وَمُحَيّا اليَأسُ فيهِ أَصفَرُ
شاعَ في الدارِ الأَسى حَتّى شَكَت / أَرضَها وَطَأَته وَالجَدرُ
فَعَلى الأَضواءِ مِنهُ فَترَةٌ / وَعَلى الأَلوانِ مِنهُ أَثَرُ
وَالقَناني صُوَرٌ باهِتَةٌ / وَالأَغاني عالَمٌ مُندَثِرُ
الهَنا أُفلِتَ مِن أَيديهِم / وَالأَماني إِنَّها تَنتَحِرُ
ذَبَحَت أَفراحَهُم في لَمحَةٍ / قُوَّةٌ تَجني وَلا تَعتَذِرُ
تَقلَعُ النَبتَ الَّذي تَغرُسُهُ / وَالشَذا فيه وَفيهِ الثَمَرُ
إِعبَثِ ما شِئتِ يا دُنيا بِنا / وَتَحَكَّم ما تَشاءُ يا قَدَرُ
إِن تَكُن زَهراً فَما أَمجَدَنا / أَو نَكُن شَوكاً فَهَذا الخَطَرُ
فَلنَعِش في الأَرضِ زَهراً وَليَطُل / أَجَلُ الشَوكِ الَّذي لا يُزهِرُ
رَحَلَ الشاعِرُ عَن دارِ الأَذى / وَاِنقَضَت مَعَهُ اللَيالي الغُرَرُ
كَم حَوَته وَحَواها مَلِكاً / دَولَةُ الروحِ الَّتي لا تُقهَرُ
عاشَ لا يُنكِرُ إِلّا ذاتَهُ / إِنَّ حُبَّ الذاتِ شَيءٌ مُنكَرُ
شاعِرٌ أَعجَبُ مَعنىً صاغَهُ / لِلبَرايا مَوتُهُ المُبتَكَرُ
الجَمالُ الحَقُّ ما يَعبُدُهُ / وَالجَمالُ الزورُ ما لا يُبصِرُ
وَالحَديثُ الصَفوُ ما يَنشُرُهُ / وَالحَديثُ السوءُ ما يَختَصِرُ
إِنَّهُ كانَ مَلاكاً بَشَراً / فَمَضى عَنّا المَلاكُ البَشَرُ
وَنُفوسُ الخَلقِ إِمّا طينَةٌ / لا سَنا فيها وَإِمّا جَوهَرُ
يا رَفيقي ما بَلَغتَ المُنتَهى / لَيسَتِ الحَدَّ الأَخيرَ الحُفَرُ
فَاِعبُرِ النَهرَ إِلى ذاكَ الحِمى / حَيثُ جُبرانُ العَميدُ الأَكبَرُ
وَرَشيدٌ نَغمَةٌ شادِيَةٌ / وَنَسيبٌ نَغَمٌ مُستَبشِرُ
وَجَميلٌ فِكرَةٌ هائِمَةٌ / وَأَمينٌ أَمَلٌ مُخضَوضِرُ
قُل لَهُم إِنّا غَدَونا بَعدَهُم / لا حَديثٌ طَيِّبٌ لا سَمَرُ
كَسَماءٍ لَيسَ فيها أَنجُمٌ / أَو كَرَوضٍ لَيسَ فيهِ زَهرُ
كُلُّنا مُنتَظِرٌ ساعَتَهُ / وَالمَصيرُ الحَقُّ ما نَنتَظِرُ