المجموع : 5
رُبَّ ليل قد صفا الأفق به
رُبَّ ليل قد صفا الأفق به / وبما قد أبدع الله ازدهر
وسرى فيه نسيم عَبِقٌ / فكأن الليل بُستَان عطر
قلت يا رب لمن جمَّلته / ولمن هذي الثريات الغرر
فعرا الأفقَ قتام وبَدَت / سحب تحبو إلى وجه القمر
كلما تقرب تمتد له / كأكفّ شرهاتٍ تنتظر
صحت بالبدر تنبه للنذر / أدركِ الهالة حفت بالخطر
لا تبح مائدة النور لهم / لا تبحها لسواد معتكر
قهقه الرعد ودوَّى ساخراً / فكأن الرعد عربيد سكر
قمت مذعوراً وهمت قبضَتي / ثم مدت ثم ردت من خَور
لهف القلب على الحسن إذا / قهقه الغربان والذِئب سخِر
تحتمي الوردة بالشوك فإن / كثر القطاف لم تغن الإبر
آهِ من غصن غنيّ بالجنى / ومِن الطامع في ذاك الثمر
آه من شك ومن حب ومن / هاجِسات وظنونٍ وحذر
كست الأفقَ سواداً لم يكن / غير غيم جاثم فوق الفكر
طالما قلت لقلبي كلما / أنّ في جنبي أنين المحتضر
إن تكن خانت وعقَّت حبنا / فأضِفها للجراحات الأخر
صورة للبحر أم صورة نفس
صورة للبحر أم صورة نفس / عندما النفس من اليأس تثور
قد علا الموج وقد عز التأسي / لم يعد إلا عبابٌ وصخور
زلزل البحر على راكبه / مثلما زلزل قلبٌ ضجرُ
سفر صار على طالبه / ركبُ ضنك والمنايا سفرُ
غرَّب الحظ كما مال الشراع / هكذا الأعمار في الدنيا تميل
وسرت في الجو أشباح الوداع / وتنادى كل شيء بالرحيل
أإذا اشتد على القلب البلاء / أإذا جار عبابٌ وتناهى
تعصف الأمواج عصفا بالرجاء / كيف ننسى أن للكون إلها
حان حرماني وناداني النذير
حان حرماني وناداني النذير / ما الذي أعدَدت لي قبل المسير
زمني ضاع وما أنصفتني / زاديَ الأول كالزاد الأخير
ريّ عمري من أكاذيب المنى / وطعامي من عفاف وضمير
وعلى كفك قلبٌ ودمٌ / وعلى بابك قيدٌ وأسير
حانَ حرماني فدعني يا حبيبي / هذه الجنة ليست من نصيبي
آه من دار نعيم كلما / جئتها أجتاز جسراً من لهيبِ
وأنا إلفك في ظل الصِّبا / والشباب الغض والعمر القشيب
أنزل الربوة ضيفاً عابراً / ثم أمضي عنك كالطير الغريب
لِمَ يا هاجرُ أصبحتَ رحيما / والحنان الجمّ والرقة فيما
لِم تسقينيَ من شهد الرضا / وتلاقيني عطوفاً وكريما
كل شيء صار مرّاً في فمي / بعد ما أصبحت بالدنيا عليما
آه من يأخذ عمري كله / ويعيد الطفلَ والجهلَ القديما
هل رأى الحب سكارى مثلنا / كم بنينا من خيالٍ حولنا
ومشينا في طريق مقمر / تثب الفرحة فيه قبلنا
وتطلعنا إلى أنجمه / فتهاوين وأصبحن لنا
وضحكنا ضحك طفلين معاً / وعدونا فسبقنا ظلنا
وانتبهنا بعد ما زال الرحيق / وأفقنا ليتَ أنا لا نفيق
يقظةٌ طاحت بأحلام الكَرَى / وتولّى الليلُ واللَّيل صَدِيق
وإذا النُّور نَذِيرٌ طَالِعٌ / وإذا الفجر مُطِلٌّ كالحَريق
وإذا الدُّنيا كما نعرفها / وإذَا الأحبابُ كلٌّ في طَريق
هاتِ أسعدني وَدَعني أسعدُك / قَد دنا بعدَ التنَّائي موردُك
فأذقنيه فإني ذاهِبٌ / لا غدي يُرجَى ولا يُرجَى غدُك
وابلائي من لياليَّ التي / قرَّبَت حَيني وراحَت تبعدُك
لا تَدَعني لليالي فغداً / تجرَح الفرقة ما تأسو يَدُك
أزف البين وقد حان الذّهَاب / هذه اللَّحظة قَدَّت مِن عَذَاب
أزف البين وهل كان النَّوى / يا حبيبي غير أن أغلق باب
مضت الشّمس فأمسيت وقد / أغلقت دونَي أبواب السَّحاب
وتلفَّتُّ على آثارِهَا / أسألُ الليَّل ومَن لي بالجواب
أيها الجالسُ في مرقبِه
أيها الجالسُ في مرقبِه / أترى الدميةَ تمشي أترَى
أترى كيفَ مشت مبطئةً / وتأنت فَهيَ تمشي القهقرَى
أترى هذا الذَى ساومَهَا / لا يبالي ما الذي قالَ الورَى
عصبت شهوتُه أعينَه / فَهوَ بالشهوةِ أعمى لا يرى
نسوةٌ معدنُهَا هذا الثرى / هُنَّ دوماً لاصقاتٌ بالثرَى
رُبَّ ليلٍ قد صفَا الأفقُ به
رُبَّ ليلٍ قد صفَا الأفقُ به / وبما قد أبدَعَ الله ازدهر
قد سرى فيه نسيمٌ عبقٌ / فكأنَّ الليلَ بستان عطر
قلتُ يا ربِّ لمن جمَّلتَه / ولمن هذي الثرياتُ الغرر
فخلي نائمٌّ عنه القَدَر / نامَ لم يسعد بهاتيك الصور
وشجيُّ القلبِ يشدو للذكر / دَامِيَ الألحانِ مجروحَ الوتر
كلُّ شيءٍ مأتمٌ في عينه / لا الكرى طابَ ولا طابَ السهر
غام وجهُ الأفقِ واربدَّت به / سُحُبٌ حامت على وجهِ القمر
كلما تَقرُبُ تمتدُّ له / كأكفّ شرهاتٍ تنتظر
قاتماتٍ كذئابٍ حُوَّمٍ / جائعاتٍ مثل غربانِ الشجر
صِحتُ بالبدرِ تنبَّه للنُذر / أدرِكِ الهالةَ حُفَّت بالخطر
لا تبح مائدةَ النورِ لهم / لا تبحهَا لسوادٍ معتكر
قهقه الرعدُ ودوَّى ساخراً / فكأنَّ الرعدَ عربيدٌ سكر
قمتُ مذعوراً وهمَّت قبضتي / ثم مدَّت ثم ردَّت من خور
لَهَفُ القلبِ على الدنيا إِذا / عَجَزَ القادرُ والباعُ قصر
لَهَفُ القلبِ على الحسنِ إذا / قهقه الغربانُ والذئبُ سخر
تحتمي الوردةُ بالشوكِ فإن / كَثُرَ القُطَّافُ لم تُغنِ الإِبر
آهِ من غصنٍ غنيٍّ بالجنَى / ومِنَ الطامعِ في ذاك الثمر
آهِ من شكٍّ ومن حبٍّ ومن / هاجساتٍ وظنونٍ وحذر
كَسَتِ الأفقَ سواداً لم يكن / غيرَ غيمٍ جاثمٍ فوق الفِكَر
طالما قلتُ لقلبي كلَّما / أَنَّ في جنبي أنينَ المحتضر
إن تكن خانت وعقَّت حبَّنَا / فأَضِفهَا للجراحاتِ الأخر
كان طيفاً من ظنونٍ لم يدم / وسحاباً من جنونٍ وعبر