المجموع : 8
قَدَحت في مزجها بالماء ناراً
قَدَحت في مزجها بالماء ناراً / فأعادت ظلمةَ اللَّيل نهارا
شمس راحٍ في الدجى يحملها / طلعة البدر إذا البدر استنارا
عُتِّقَتْ في الدَّنِّ حتَّى إنها / لتعي ما كانَ في الماضي وصارا
فسلوها كيف كانت قبلنا / عادٌ الأولى صغاراً وكبارا
أيّ نادٍ للهوى يومئذٍ / يوم نادينا إلى اللهو البدارا
وجلوناها عروساً طالما / حبيب من حَبَب المزج نثارا
وكسونا بالسَّنا جسم الدجى / وخلعنا في اللذاذات العذارا
وسعى ساقٍ بها تحسبُه / غصناً يهدي إلينا الجلَّنارا
علَّمَ الغصن التثني والصّبا / طرب الأنفس والظبي النفارا
وبما فُضِّل من بهجته / تفضل المرو على البيض العذارى
سمحٌ ممتنعٌ قيل له / أدِرِ الكأسَ علينا فأدارا
فترى الناس سكارى في هوى / ذلك الساقي وما هم بسكارى
يا شبيه الورد والآس وما / أحسن التشبيه خدًّا وعزارا
بأبي أنتَ وإن جلَّ أبي / عاطنيها مثل خدَّيك احمرارا
واسقني من فيك عذباً سائغاً / إنَّ بي منك ومالسكر خمارا
بين ندمانٍ أراقوا دَمَها / بنت كرم تسلبُ الشيخ الوقارا
حنفاءٍ حلَّلوا ما حرّمت / ورأوا في أخذها رأي النصارى
ركبوا لِلَّهو في مضماره / أشقراً يصدم أجراهم عثارا
وكميتاً ما جرتْ في حلبةٍ / للوغى يوماً ولا شقَّت غبارا
فكأَنَّ الكأسَ فيما فَعَلَتْ / أدركتْ عند عقول القوم ثارا
كلُّ مختال بها في عزَّةٍ / قد مضى يسحبُ في الفخرِ الإِزارا
وإذا ما عاودته نشوةٌ / ألبسته تاج كسرى والسوارا
خَفَّ بالراح فلو طارَ امرؤٌ / قبل هذا اليوم بالراح لطارا
وسمرنا بالذي يطربنا / من حديث وشربناها عقارا
وتناشدنا على أقداحها / مِدَحاً تزهو نظاماً ونثارا
بأغرٍّ أبلج من هاشم / أبلَجَ المحتد فرعاً ونجارا
تشرق الأقمار في غُرَّته / فهو الشمسُ التي لا تتوارى
سرّ رمز المجد مبنى بيته / علم السؤدد سرًّا وجهارا
كالحيا المنصبِّ بل أندى يداً / والحسام العضب أو أمضى شفارا
تلك أيديه التي إحداهما / تورثُ اليُمْنَ وبالأخرى اليسارا
مستفاض الجود منهلُّ الندى / يوم لا تلقى به إلاَّ الأوارا
والقوافي الغرّ في أيَّامه / يجتنيها بأياديه ثمارا
في زمانٍ مذنبٍ لم يعتذر / بكريم لبني الفضل اعتذارا
ترك الدهر ذليلاً طائعاً / لمنيع من أعزّ الناس جارا
ولي الفخر بأنِّي شاعر / لأناس لبسوا التقوى شعارا
هم أقاموا عَمَدَ الدِّين وهم / أوضحوا في الحقِّ للخلق المنارا
كلّ حِلي من فخارٍ وعُلًى / كانَ حِلياً من حُلاهم مستعارا
في سبيلِ الله ما قد أنفقوا / من أيادٍ فاسألوها نضارا
أمَّةٌ يستَنزَلُ الغيثُ بهم / وبهم تَستكشِفُ الناس الضرارا
فإذا استنجدتهم كانوا ظبا / وإذا استمطرتهم كانوا قطارا
جبروا كلّ مهيض للعُلى / وأنابوا الكفر ذلاًّ وانكسارا
أجَّجوا نيرانها يوم الوغى / بمواضيهم وإن كانوا بحارا
في مقامٍ قَصُرَتْ فيه الخُطا / بالطَّويلات وما كنَّ قصارا
فعليهم صلوات أبَداً / تَتولاّهم غُدُوًّا وابتكارا
أو لستَ الآن من بعدهم / قبساً من ذلك النور أنارا
طالما سيّرتها قافيةً / غرَّة لم تتَّخذ في الأرض دارا
حاملات مثل أرواح الصبا / من شذى مدحك شيحاً وعرارا
هذه أيَّام أنواء الحيا / إنَّ أنواءَكَ ما زالت غزارا
فاسقني فيهنَّ سحًّا غدقاً / أجلب العزّ وأستقصي الفخارا
واتَّخذني لك ممَّن لم يجِد / عنك في معترض المدح اصطبارا
وابق للعيد وحزْ في مثله / مفخراً يسمو وصيتاً مستطارا
بارق الشام إلى الكرخ سرى
بارق الشام إلى الكرخ سرى / فروى عن أهل نجد خبرا
وبنا هبَّت له بارقة / أضرمت بالريّ منها شررا
وإلى الله فؤاد كلَّما اس / تعرت نار الطلول استعرا
غنّ لي يا حادي العيس ولا / تهمل السَّير فقد طال السرى
وأعِدْ أخبار نجد إنَّها / تجبر القلب إذا ما انكسرا
آه كم ليلة طالتْ وقد / ذكروا نجداً وهمٍّ قصرا
كيف لا أعشق أرضاً أهلها / شملت ألطافُهم كلَّ الورى
قلْ بهم ما شئت واذكر فضلهم / إنَّ كلّ الصيد في جوف الفرا
كَرُموا أصلاً وطابوا مغرساً / وعَلَوْا قدراً وجادوا عنصرا
إنْ تَرَ منهم فتًى ظنَّيت في / ذاته كلّ الكمال انحصرا
قسماً بالزُّهر من أجدادهم / من به طابَ ثرى أمّ القرى
مدحهم ذخري وديني حبُّهم / يا ترى هل يقبلون يا ترى
يشهد الله بأنِّي عبدهم / تحت بيع إن أرادوا وشرا
وإذا انجرت أحاديثُهُم / لا تسل عن مقلتي عمَّا جرى
وهبوا عيني الكرى واحسرتا / ودلالاً أحرموا جفني الكرى
وتراني حينما قد نفروا / ألفت عيني البكا والسهرا
شرفوا الأرض ومن هذا نرى / منهمُ في كلِّ حيٍّ أثرا
كأبي القدر المعلى والهدى / والندى والعلم مرفوع الذُّرا
بضعة السادات من أهل العبا / كوكب الإشراق تاج الأُمَرا
وارث القطب الرفاعيّ الَّذي / صيته أملى الملا واشتهرا
عَلَمُ الأشياخ سلطان الحمى / غوث أهل الشرق شيخ الفقرا
يا لها والله من سلسلة / كلما طالت نداها انحدرا
عصبة من آل خير الأنبيا / عَزَّ من يغدو بهم مفتخرا
سيّدي يابا الهدى يا ابن الَّذي / خضعت ذلاً له أُسْدُ الشرى
يا كريم الطبع يا كنز التقى / يا شريف القدر أنّى حضرا
لك وجه لمعت من وجه / شمس رشد نورها لن ينكرا
مظهر أيّده الله وكم / أرجو منه فوق هذا مظهرا
لك من مجد الرفاعي رفعةٌ / ترجع الطرف كليلاً حسرا
ويد روحي فداها من يدٍ / تخجل الغيث إذا الغيث جرى
ولسان راح يروي قلبه / ما به بحر الفتوح انفجرا
لك طرف أحمديٌّ إنْ رمى / نبله العزم يشق الحجرا
لك صدر طاهر من دنس / عن مياه الحقد طبعاً صدرا
بأبيك ابن الرفاعي وبالأ / وصيا نعمَ الجدودُ الكُبَرا
لا ترى من حاسد إنكاره / مثل هذا عن أبيكم ذكرا
وأسلم الدهر رفيعاً سيّداً / مرشداً لم تلق يوماً كدرا
وأقبل العبد محبًّا خالص ال / قلب لا زال بكم مفتخرا
فهو عن مدح سواكم أخرسٌ / وبكم أفصحُ حزبِ الشُّعرا
شَرَّفَ البَصرةَ مولانا المشيرُ
شَرَّفَ البَصرةَ مولانا المشيرُ / وتَوالى البشرُ منه والسرورُ
قَرَّتِ الأعينُ في طلعته / مُذ بدا وانشرَحَتْ منا الصدور
أشرقت في أُفقنا وانتهجت / وكذا تطلعُ في الأفق البدور
يرفع الجَوْرَ ويبدي عدله / منصفٌ بالحكم عدلٌ لا يجور
أُوتيَ الحكمةَ والحكم وما / هو إلاَّ العالم البحر الغزير
فَوَّض الأمر إليه مَلِكٌ / ما جَرَتْ إلاَّ بما شاء الأمور
من وزير أصْبَحت آراؤه / يسعد السلطان فيها والوزير
كانَ سر اللّطف مكتوماً وقد / آنَ للرحمة واللطف الظهور
من أمير المؤمنين انبعثَتْ / حَبّذا المأمورُ فيها والأمير
دولةٌ أيَّدها الله به / فَلَقَدْ طالتْ وما فيها قصور
وبشيرٌ لمليكٍ همُّهُ / أنْ يرى النَّاس وما فيهم فقير
أنتَ سيفٌ صارِمٌ في يده / وسحابٌ من أياديه مطير
أنتَ ظلٌّ مدَّه الله على / أهْلِ هذا القطر أن حان الهجير
جِئْتَ بالبأس وبالجود معاً / إنَّما أنتَ بَشيرٌ ونذير
تَمحقُ الباغين عن آخرهم / مثلما يمحو الدجى الصبحُ المنير
أصْلَحَتْ بيضُك ما قد أفسدوا / وكبا بالمفسد الجدُّ العثور
في حُروب تدرك الوتر بها / حاضَتِ البيضُ بها وهي ذكور
عُدت منصوراً بجيشٍ ظافرٍ / وجَنابُ الحقِّ مولانا النَّصيرُ
بَذَلوها أنفساً عن طاعة / ضمنها الفوزُ وعقباها الحبور
تخطَفُ الأرواح من أعدائها / مثلما تَخْتَطِفُ الطيرَ الصقور
إنَّما قرّبَتهم عن نظرٍ / ما له في هذه النَّاس نظير
عارفاً إخلاص مَن قرَّبْتَه / ولأنْتَ الناقدٌ الشهمُ البصير
فَتَحتْ باباً لراجيك يدٌ / سُدِّدتْ في حدّ ماضيها الثغور
وحمى أطرافها ذو غيرة / وهو أنت الباسل الشهم الغيور
أسْمَعتْ صُمَّ الأعادي رهباً / من مواضيك صليلٌ وزئير
مُهلِكٌ أعداءك الرعبُ كما / أهلكَتْ عاداً من الريح الدبورُ
يا لك الله مشيراً بالذي / يُرتضى منه وبالخير مُشير
فإذا جادَ فغيثٌ مُمْطِرٌ / وإذا حاربَ فالليث الهصور
وإذا حلّ بدارٍ قد بَغَتْ / حَلَّ فيها الويل منه والثبور
إنْ تَسلْ عمَّن بغى في حكمه / فقتيلٌ من ظباه وأسير
أوقدوا النار الَّتي أوروا بها / وسعى في هلكهم ذاك السعير
إذ يسير النصر في موكبه / مُعلناً تأييده حيث يسير
كيف لا يُرجى ويُخشى سطوةً / لا الندى نزر ولا الباع قصير
وإذا طاشت رجال لم يَطِشْ / أينَ رضوى من علاه وثبير
ذو انتقام شقي الجاني به / ولمن تاب عفوٌ وغفور
أبْغَضَ الشر فلا يَصْحَبُه / وانطوى منه على الخير الضمير
أنْقذَ الأخيار من أشرارها / وشرار الشرّ فيهم مستطير
فالعراق الآن في خفضٍ وفي / مجدك الباذخِ مختال فخور
أنتَ للناس جميعاً مَوْرِدٌ / ولها منك وُرودٌ وصُدور
أنتَ للناس لعمري منهلٌ / ونداك السائغُ العذب النمير
هذه البصرة منذ استبشرت / بِكَ وافاها من السعد بشير
حَدَثَت بالقرب من عمرانها / بعدما أخْرَبَها الدهرُ المبير
كبقايا أسطرٍ من زُبُرٍ / بليَتْ وابتُلِيتْ تلك السُّطور
فلعلَّ الله أن يعْمُرَها / بك والله بما شاء قدير
تتلافاها وإنْ أشْفَتْ على / جُرفٍ هارٍ وأيْلَتها العصور
لك بالخير مساعٍ جَمَّةٌ / وبما تعزم مقدار جسور
وإذا باشرتَ أمراً معضلاً / هان فيك الأمر والأَمر عسير
قد شَهِدنا فوق ما نسمعه / عنك والقول قليل وكثير
فشهِدنا صحَّة القول وإن / قَصَّر الرَّاوي وما في القول زور
ونشرتَ الفضلَ حتَّى خِلْتُه / قام منك البعث حشر ونشور
طلعت من أنجم الشعر بكم / وبَدَتْ من أُفقه الشّعرى العبور
كلّ يومٍ لك سَعْدٌ مقبلٌ / وعلى الباغي عَبوسٌ قمطرير
أيُّها الدارُ لقد نلت الحبورا
أيُّها الدارُ لقد نلت الحبورا / وبَلَغْتِ اليوم مقداراً كبيرا
يا عرين المجد يا ركن العلى / قد حوى غابك ضرغاماً هصورا
تستفيد الوفد من أفضاله / جوهر الإفضال والجود الغزيرا
إن يكنْ للدهر جدوى كفِّهِ / ما رأت عينٌ على الأرض فقيرا
فسقاك الله يا ساحاتها / من ندى راحته غيثاً مطيرا
فهو الفرد وأمَّا فَضْلُه / كانَ للمعروف والحسنى كثيرا
لم يزل يغمرنا نائِلُه / ومحيَّاه لنا يشرق نورا
مشكلات العلم فيه اتَّضَحَتْ / بخفايا العلم تلقاه خبيرا
أيّ دارٍ حلَّها أرَّخْتُها / حازت الدار بمحمود السرورا
ما لها تَطوي فيافي الأرض سَيرا
ما لها تَطوي فيافي الأرض سَيرا / وتخدُّ البيدَ قَفْراً ثم قفرا
أتراها ذَكَرَتْ أحبابها / فطوى فيها المغار الشوقُ قَسرا
فلهذا لَعِبَ الوجدُ بها / فترى أعْيُنَها بالدَّمع عبرى
كلَّما عَلَّلها الحادي بمَن / سَكَنوا سلعاً أحبَّت منه ذكرا
وعلامات الهوى بيّنَةٌ / ليس يخفي الشوقُ من ذي العشق سترا
ذكَرَتْ من خَيَّموا بالمنحنى / فجرَت أدْمُعُها شفعاً ووترا
كلُّ غصنٍ ما بدا إلاَّ أرى / حاملاً من صَنْعَة الخلاّق بدرا
وإذا يرنو إلى مشتاقِهِ / سلَّ سيفَ اللّحظ عنواناً وكرّا
شَرِبَتْ من ريقِه قامَتُه / فانثَنَتْ من ذلك السلسال سكرى
وبقلبي ذلك القدّ الَّذي / بقناه طَعَنَ القلبَ وأفرى
وعلى عارضه من خَطِّهِ / كتَبَ الرَّيحانُ فوق الخد سطرا
أيها المُمْزِجُ دَمعي بدمي / إنَّني لم أستطع بالهجر صبرا
إنْ تكنْ عيناك أنكرنَ دمي / فبه خدّاك عمداً قد أقرّا
عَسَليُّ اللّون حلويُّ اللمى / لم جرَّعتَ أخا الأشجان مرّا
وأميناً كُنْ إذا ما لامني / إنَّ في أُذني عن اللّوّام وقرا
ما يفيد اللّوام في مستغرم / عَدَّ ما يأمُرُه العذّال كفرا
كيفَ أنسيتَ ليالينا الَّتي / قد تقضّت فَرَحاً منّا وبشرى
إذ أمِنّا ساحةَ الواشي بنا / حيثُ لَمْ نَشْرَبْ سوى ريقك خمرا
وزمانٍ قد نَهَبْنا شَطْرَه / ما حَسِبنا غَيره في الدهر عُمرا
لا أُبالي بزمانٍ جائرٍ / كانَ عسراً كلُّه أمْ كانَ يسرا
إنَّ محمود السجايا قد غدا / في صروف الدهر لي عوناً وذخرا
لو أُفيضَتْ أبْحرٌ من علمِه / ونَداه صار هذا البر بحرا
إنَّه لَو لم يكن بحراً لما / قَذَفَتْ ألفاظه للناس درا
لو تفكَّرْتَ به قلت له / في عُلاك الله قد أوْدَعَ سرّا
أيُّ معنى غامضٍ تَسألُه / وهو لم يكشف عن المضمون سترا
وعَويصاتِ علومٍ أشْكَلَتْ / زَحْزَحَتْ عنها له الآراء خدرا
هبة الله الَّذي أوْهَبَه / من علومٍ جاوزتْ حداً وحصرا
ما سمعنا خبراً عمَّن مضى / لم يحط فيه على الترتيب خُبرا
ركنُ هذا الدِّين فيه قائم / ولكسر العلم قد أصبح جبرا
يَرِدُ العافون من تيّارِه / شَرَحَ الله له بالدين صدرا
يوضِحُ المبهم في آرائه / ويرى الأشياء قبل العين فكرا
بذكاء كحسامٍ باترٍ / أو كزند حيثما يقدح أورى
رَزِنٌ لو لم يكن إحْلاله / فوقَ هذي الأرض فينا ما استقرا
ولطيف لو معاني خلقه / عُصرت كانت لنا شهداً وخمرا
وإذا تُصغي إلى ما عنده / من بيان خلْتَه للذهن سحرا
وهَدى الله به النَّاس إلى / طُرُق الحقّ وأبدى فيه أمرا
وإذا ما ذكر الله لنا / وَجِلَ القلبُ به لو كانَ صخرا
بلسانٍ كانَ بقراط النهى / عِلَلَ النَّفْس بذاك الوعظ أبرا
وكريمٍ من معالي ذاتِهِ / لم تجد في نفسه عُجباً وكِبرا
وإذا يمَّمْتَه في حاجة / زاد في ملقاك إكراماً وبشرا
أيُّها النحريرُ في هذا الورى / والَّذي فاق بني ذا العصر طرّى
منذُ شاهَدْتُك شاهَدْتُ المنى / وأياديك مدى الأيام تترى
وبإحسانكَ رِقّي مالكٌ / قبلَ عِرفانك لي قد كنت حرّا
هاكَ منِّي بنتَ فكر أٌبْرِزَتْ / ليس تبغي غير مرضاتك مهرا
هاكَها عَذراء في أوصافكم / سيّدي واقبل من المسكين عذرا
واعذُرِ العبدَ على تقصيره / إنها في مَدْحكم حمداً وشكرا
وارغم الحاسد في نيل العلى / وَلْيَمُتْ خَصْمُك إرغاماً وقهرا
قَد نَحَرْنا الزِّقَّ يومَ العيدِ نَحْرا
قَد نَحَرْنا الزِّقَّ يومَ العيدِ نَحْرا / وأَذَبنا بلُجَين الكأس تبرا
وتخيَّلنا الحميّا لهباً / وحسِبنا أنَّها بالماء تورى
قال لي الساقي وقد طاف بها / هي خمرٌ وتراها أَنْتَ جمرا
يا نديماً قد سَقاني كأسَه / إسقنيها في الهوى أخرى وأخرى
إنَّ أحلى العيش ما مرَّ على / روضة غنَّاء والكاسات تترى
ويد المزن وأزهار الرُّبا / نُشِرَتْ من بعد ذاك الطيّ نشرا
فأدِرْها قرقفاً إن مُزِجت / كَلَّلَتْ ياقوتها بالمزج درّا
لا تَخَفْ من وِزْرِها في شربها / أو تخشى مع عفو الله وزرا
راحة الأرواح بالراح الَّتي / لم تدع للهمّ في الأحشاء ذكرا
وبأهلي ذلك الظبي وإن / أوْسَعَ المغرم إعراضاً وهجرا
غَرَّني في حبّه ذو هيف / كلّما لام به العاذل أغرى
صال باللحظ على عشاقه / ولَكَم من كرّةٍ في الحب كرّا
قد مضى في الحبّ أن أقضي به / وقضايا حبّه صغرى وكبرى
ما عليه في الهوى صيَّرَ لي / كبداً حرّى وقلباً ما استقرّا
يا زماناً حَذرت أخطاره / نحن لم نأخذ من الأيام حذرا
أَنْتَ من دون النقيب القرم لا / تَمْلِكُ اليومَ لنا نَفعاً وضَرّا
سيّدٌ أمَّا نَداه فالحيا / دونه جوداً وأدنى منه وفرا
هكذا من كانَ تجري كفّه / نايلاً وفراً وإحساناً وبرّا
وإذا ما المُعوِل العافي أتى / بابه العالي اغتنى فيه وأثرى
باليد البيضاء كم أمطرنا / من غوادي جودها بيضاً وصُفرا
وَرَدوا البحر أُناسٌ قبلنا / لا وَرَدنا غير تلك اليد بحرا
نَتَحرّى كلَّ آنٍ جودَها / وهو بالفضل وبالمعروف أحرى
وإذا مُدَّت إلى أعدائها / جزَرَتْهم بالمواضي البيض جزرا
هو ربّ الكَرم المحضِ الَّذي / لا يرى الإقلال يوم الجود عذرا
وإذا أولاكَ من إحسانه / ساعةً في عمره أغناك دهرا
فيميناً كلَّما شاهدته / قلت فيه إنَّ بعدَ العسر يسرا
سيٍّدٌ سهلٌ في بأوقات النَّدى / وبأَيَّامِ الوغى لا زالَ وعرا
يصنع المعروف مع كلّ امرئٍ / وهو لا يبغي على المعروفِ أجرا
لمْ يَخِبْ في النَّاس يوماً آمِلٌ / جاعِلٌ آل رسول الله ذخرا
نَثرَ المالَ على وُفَّادِه / فشكرنا فضله نظماً ونثرا
سيِّدي والفضلُ لولاكَ عفا / فجزاك الله عن عافيك خيرا
بأبي أَنْتَ وأُمٍّي ماجدٌ / قادرٌّ هو أعلى النَّاس قدرا
مَلَكتْ رقِّيَ منه أنعمٌ / بعدَ ما كنتُ وأيم الله حرَّا
أَيُّ نعمائك يقضي حقّها / أيُّها السَّيِّد هذا العبد شكرا
إنَّما الفخر الَّذي طُلْتَ به / شرحَ الله به للمجد صدرا
ولقد جاوَزْتَ حدًّا في العُلى / رَجَعَتْ من دونه الأَبصار حسرى
فاهنا بالعيد ودم مبتهجاً / ناحِرُ الحاسِدِ بالنّعْمَةِ نحرا
قد ذكرناكُم على بُعد المزار
قد ذكرناكُم على بُعد المزار / فانتَشينا بمُدام الادّكار
وتعاطينا حُميّا ذكركم / فَغنينا عن معاطاة العقار
وتجاذَبنا أحاديثَ النوى / وزمانَ الوَصلِ في قرب الديار
فكثيراً ما تمنّى قربكم / ذائبُ الدَّمع قليل الاصطبار
فكأنَّ الوَجْدَ في أحشائه / لِسَنا أوجُهِكم جذوة نار
ربَّ صَحْبٍ نظمت شملهم / ليلةٌ أحسن من نظم الدراري
فكأنّي بينهم في روضة / من شقيق وأقاحٍ وبهار
ينثر اللؤلؤ من ألفاظهم / فتراني في نظام ونثار
أنا ما زِلت أُداري بينَهم / غير أنّي في الهوى ممن يداري
فاذكرونا بكتاب منكم / أنا ما زِلتُ له بالانتظار
إنَّما هذا لَعمري مَرْكَبٌ
إنَّما هذا لَعمري مَرْكَبٌ / في أمانِ الله فيه من يُسافرْ
فاركبوا فيه على أمنٍ به / فهو ممّا فيه ترتاح الخواطر
يملأ القلبَ سروراً ويرى / منه في البحر إذا ما سار طائر
وإذا سُخِّرتِ الريح له / كانَ من أمثاله في السير ساخر
وسموا نصرةَ شاهٍ باسمه / ناصر الدِّين لدين الله ناصر
شاه إيران وفي أيامه / جابرٌ أضحى لهذا الفلك واثر
خلَّد الله تعالى ملكه / وَوَقاه ربّه مما يحاذر
إنْ يكن جابرُ من أنصاره / فهو منصور وللأعداء كاسر
ثم لما كانَ في نصرته / أرّخوه نصرة الشاه بجابر