سألوني عن بياني وقصيدي
سألوني عن بياني وقصيدي / أسفاً باريس قد مات نشيدي
لك ذكراكِ ولي عهدٌ بها / كيف أنسى ذكرياتي وعهودي
أنا لا أنسى لياليّ على / روضك الرفاف بالزهر النضيد
ثمرُ الفكر ومجنى نورِه / ومراح العين والقلب العميد
خطرةٌ عابرةٌ عدت بها / عودة الغوّاصِ بالدرّ الفريد
فاعذري المزهرَ في كفّي إذا / أخسرتهُ ضجة الرزء الشديد
يوم قالوا جلّلَ القيد يدا / حطمَت بالأمس أصفاد العبيد
حملت مشعل حرّياتهم / في شراة من شباب المجد صيد
كيف يا باريس باللّه هوى / ذلك النجم من الأفق البعيد
إن ينل منك المغيرون فما / فتحوا غير تخومٍ وحدود
لستِ بنيانا ولا أرضاً ولا / غاب آسادٍ ولا جنّة غيدِ
أنت معنىً عالمُ الفكر به / يتحدّى قبضة الباغي المريد
كعبة الأحرار هذي محنةٌ / راعت الأحرارَ في أكرم عيد
صرع النورُ به وانحسرت / جبهة الشمس عن النور الشهيد
وأتى الليلُ ومن أهوالهِ / أن تُرَي بين ظلامٍ وقيود
أين من فرساي أفقٌ ضاحكٌ / مشرقٌ عن أملِ الشعب السعيد
وعلى كل طريق موكبق / صادح الأبواقِ خفّاق البنود
لكأني اليوم ألقى مأتما / وأرى الكنكرد كالقبر الحريد
حال شدو الماء في أحواضهِ / نفثة الغرقى ببحرٍ من صديد
وقفت مصر به ساخرة / من نحوسٍ تتوالى وسعود
غلَبَ الصمتُ عليها وهي في / صمتها الخالدِ طلّسمُ الوجود
ساحة الباستيل حانَ الملتقى / وتعالت صرخة الفجر الوليد
أين أبطالك ماذا أترى / ضرب الليل عليهم بالوصيد
أغمدوا أسيافهم ويح وما / عوّدوا أسيافهم حبسَ الغمود
ويحهم قد شيّعوا أعيادهم / بين عصف النار أو قصف الحديد
فوق أرض صبغت من دمهم / وتحدّت كل جبار عنيد
فوق أحجارك صرعى أمسهم / فلذاتٌ كتبَت سفر الخلود
فاذكريهم بالذي مرّ بهم / واقرئي تاريخهم ثم أعيدي
أيها العائد من غاراته / راقداً تحت قباب الأنفليد
تلك راياتك فانظر أترى / من سيوف تحتها أو من جنود
أين من موسكو ومن آفاقِها / جيشك الظافر بالجيش البديد
تطأ الأرض إلى مشرقها / موغلاً في أثر الدبّ الشريد
ففرنسا همة لا تنثني / أمشت في النار أم تحت الجليد
بالقليل الجمعِ من أبنائها / تنزع النصر من الجمع العديد
أممٌ ترسف في أحقادها / دتتها بالصفح والصنع الحميد
لم تسيّر فوقها دبّابة / أو تباغتها بطيرٍ من حديد
شرَفُ الحرب كما لقّنتَهُ / ملتقى سيفين في ظلّ البنود
فاعذر اليومَ فرنسا إنها / وثقت بالعهد في دنيا الجحود
قرَعت للنصر كأسا ويحها / صرعتها خمرة النصر التليد
رقدَت عن غدرها وانتبهت / حيثُ لا ينفع صحو من رقود
أسفرت سيدان عن مأساتها / وتهاوى حجرُ الحصن المشيد
ثغرةٌ أنفذِ منها خنجرٌ / قد تلقّته على حزّ الوريد
شهِدَ المجد لها باسلةً / خضّبت بالدم من نحر وجيد
فابعث العزّة من تاريخه / وتألّق بسناه من جديد
واطلع اليوم عليها سيرةً / وكن الشاعر واهتف بالقصيد
أيها الفاتحُ لا يغررك ما / أنت فيه من حصونٍ وسدود
لك فيّ العبرةُ المثلى فلا / تأمَنِ الزلةَ في أوج الصعود
ربّةَ النور سلاماً كلّما / هتف الشعر بماضيك المجيد
لك في كلّ خيالٍ صورةٌ / برئت من وصمة العصر الجديد
غير ذكرى يرجع الفكر بها / لليالٍ من عصور الظلم سود
لهف نفسي لدمشق ولمن / خرّ فيها من جريحٍ وشهيد
من شواظٍ يقذفُ الموت على / ركّعٍ في ساحة اللَه سجود
فأنا الشرقيّ لا أنسى الذي / حاقَ من حكمك بالشرق العتيد
ألمساواةُ التي أعلنتها / أعلنتَه بنذير ووعيد
والإخاءُ الحرّ ما كان سوى / مدفعٍ يرمي بمرد ومبيد
وطني الروحيّ إن أغضب له / فلآباء كرامٍ وجدود
وتراثٍ خالدٍ من أدب / أنا فاديه بروحي ووجودي
كفرت ثورتك الكبرى به / وهو المحسنُ يجزى بالكنود
سارَ بالإسلامِ نوراً وهدى / بسنى عيسى خطى الحقِ الطريد
ألنبيّونَ همو ثوارُه / حاملو الشعلة أعداء القيود
فخذي بالحق والروح الذي / هزّ بالثورة أركان الوجود
وابعثيها ثورة أخرى فما / يعرفُ الأحرارُ معنى للجمود