ها أنا عُدتُ إلى حيثُ التقينا
ها أنا عُدتُ إلى حيثُ التقينا / في مكانٍ رَفرَفَت فيه السعاده
وبه قد رفرفَ الصمتُ علينا / إنَّ في صَمتِ الحبيبين عباده
ربَّ لَحنٍ قَصَّ في خاطِرنا / قصَّةَ الساري الذي غَنَّى سهاده
وكأَنَّ الصمتَ منهُ واحةٌ / هَيَّأَت من عُشبِها الرَّطبِ وساده
صَمَتَ السّهلُ ولكن أقبَلَت / من ثَنَايا السهلِ أصداءٌ بعيده
كلُّ لحنٍ في هدوءٍ شاملٍ / تشتهي النفسُ به أن تستعيدَه
يتهادى في عُبابٍ ساحرٍ / باعِثٍ للشَّطِّ أمواجاً مديده
فإذا ما ذَهَبَ الليلُ بها / تَزخَرُ النفسُ بأصداءٍ جديده
هدأ الليلُ هُنا لكنني / كنتُ في حُسنِك بالصّمتِ أُغنّي
كلُّ لحنٍ لَجِبٍ يَغشَى دمي / لَعِبَ العازف بالعُودِ المُرِنّ
ناقلاً للنّهرِ والسهلِ معاً / قصةً يشرحُها عنكِ وعني
قصةَ الشاعرِ والحسنِ إذا اس / تبقا للخلدِ في حَومة فنّ
ما الذي في خُصلَةٍ راقِدةٍ / ما الذي في خطِّهِ أو كُتُبِه
ما الذي في أثَرٍ خَلَّفَهُ / من أفانينِ الهوى أو عَجَبِه
ما الذي في مجلسٍ يَألَفُهُ / عَقَدَ الحبُّ عليه مَوعِده
ربما يَبكي أسىً كرسيُّه / إن نَأَى عنه وتَبكِي المائده
ولقد نَحسَبُها هَشَّت إذا / عائدٌ هَشَّ لها أو عائده
ولقد نَحسَبُها تسأَلُنا / حين نَمضِي أفِراقٌ لِعِدَه
كم أعَدَّت نفسَها وانتظرت / واستَوت موُحشةً تحت السماء
وهي لو تَملِك كفّاً صافحت / كفَّكِ الغَضَّةَ في كلِّ مساء
رُبَّ كَرمٍ مَدَّه الليلُ لنا / فَتواثَبنا له نَبغِي اقتطافَه
وعلى خَيمَته حارسُه / عَرَبِيُّ الجودِ شَرقِيُّ الضيَافه
وَجَدَ العُرسَ على بهجتِه / وسناه دونَ وَردٍ فأَضافه
ثم وارتهُ غياباتُ الدّجى / كخيالٍ من أساطيرِ الخُرافه
أرَجٌ يَعبَقُ في جُنحِ الدّجى / حَمَلَتهُ نحو عَرشَينا الرياح
كلُّ عطرٍ في ثناياه سَرَى / كان سِرّاً مُضمراً فيه فباح
يا لهَا من حِقبَةٍ كانت على / قِصَرٍ فيها كآمادٍ فِساح
نتمنَّى كلما امتدَّت بنا / أن يَظَلَّ الليلُ مجهولَ الصباح
أنا إِن ضَاقَت بيَ الدنيا أفِئ / لثَوانٍ رحبةٍ قد وَسِعَتنا
إنما الدنيا عُبابٌ ضَمَّنا / وشطوطٌ مِن حُظُوظٍ فَرَّقتنا
ولقد أطفُو عليه قَلِقاً / غارقاً في لحظةٍ قد جمعتنا
ومعاني الحسنِ تَترَى وأنا / ناظرٌ فيها لِمَعنًى خَلفَ معنى
هذه الدنيا هجيرٌ كلُّها / أين في الرمضاء ظلٌّ من ظلالك
ربما تَزخَرُ بالحسن وما / في الدُّمى مَهما غَلَت سحرُ جمالك
ولقد تزخر بالنّورِ وكم / من ضياءٍ وهو من غيرِك حالك
لو جَرَت في خاطري أقصى المُنى / لتمنّيتُ خيالاً من خيالِك
قلتُ للّيلِ الذي جلّلنا / والذي كان على السرِّ أمينا
أينَ يا قلبِيَ مَن قلبي اجتَبَى / لهواهُ واصطفاهُ لي خدينا
لم أكن أطمع أن ترحمني / بعد أن قَضَّيتُ في الوجدِ السنينا
لم أكُن أطمعُ أن تُضمِرَ لي / آسياً يُبرئُ لي الجُرح الدفينا
لم أكن أعلمُ يا ليلَ الأسى / أن في جُنحِكَ لي فجراً جنينا
أيها اللائذُ بالصَّمتِ كَفَى / وأدِر وجهَكَ لي وانظر طويلا
لا تَمِل واسخر من الدنيا إذا / شاءت الأيامُ يوماً أن تميلا
ما الذي مَكَّن في القلبِ الوداد / ما الذي صَبَّك صَبّاً في الفؤاد
ما الذي مَلَّكَ عينيك القياد / ما الذي يَعصِفُ عَصفاً بالرشاد
ما الذي إن أُقصِهِ عنِّيَ عاد / طاغياً سِيّانِ قُربٌ أو بعاد
ما الذي يَخلُقُنا من عدمٍ / ما الذي يُجرِي حياةً في الجماد
كم حبيبٍ بَعُدَت صَهباؤُه / وتَبقَّت نفحةٌ من حَبَبِه
في نسيجٍ خالدٍ رَغمَ البِلى / عَبَثَ الدهرُ وما يَعبثُ به
أين سُلطاني ومجدي والذي / حُبُّه مجدٌ وسلطانٌ وعِزَّه
أين إلهامي ونوري والذي / أيقظَ القلبَ إلى البَعثِ وهَزَّه