وَهَبَ الدّهرُ نفيساً فاسترَدّ
وَهَبَ الدّهرُ نفيساً فاسترَدّ / رُبّما جاد لئيمٌ فحسَدْ
إنّما أعْطى فُواقَيْ ناقَةٍ / بيَدٍ شيئاً تَلَقّاهُ بِيَد
كاذبٌ جاءَ جَهاماً زِبْرِجاً / بَعْدَمَا أوْمَضَ بَرْقٌ وَرَعَد
إنّها شِنْشِنَةٌ من أخْزَمٍ / قَلّما ذُمَّ بخيلٌ فَحُمِدْ
خابَ من يرجو زماناً دائماً / تُعرَفُ البأساءُ منه والنكَدْ
فإذا ما كَدَّرَ العَيْشَ نَما / وإذا ما طَيَّبَ الزادَ نَفَدْ
فلقد ذَكَّرَ من كان سَها / ولقد نَبَّهَ مَنْ كان رَقَدْ
قلْ لَمنْ شاءَ يَقُلْ ما شاءَهُ / إنَّ خَصْمي في حياتي لألَدّ
مُنْتَضٍ نَصْلاً إذا شاءَ مَضَى / رائشٌ سَهماً إذا شاءَ قَصَد
فإذا فَوَّقَهُ انْفَلَّ لَهُ / بَينَ صُدَّينِ فُؤادٌ وكَبِد
أبداً يَعْجُمُ منّي نَبْعَةً / وقَنَاةً ليسَ فِيهَا من أوَدْ
كُلَّ يومٍ ليَ فيهِ مَصْرَعٌ / مِنْ سماءٍ أو طِرافٍ أو عَمد
أوَمَا يَعْجَبُ مِنّا أنّنَا / عَرَبٌ نُوتِرُ لا نُعْطي القَودَ
ماتَ مَنْ لوْ عاشَ في سِرْبالهِ / غلبَ النُّورُ عليهِ فاتَّقَدْ
سَيَّدٌ قُوبِلَ فيه معشَرٌ / ليس في أبنائهم مَن لمْ يَسُدْ
نافَسَ الدّهُر عليه يَعْرُباً / فرأى موضعَ حِقْدٍ فَحَقَدْ
هابَ أن يُجري عليه حُكمَه / فنَوى الغَدْرَ له يومَ وُلِدْ
حيثُ لم يُنْظِر به رَيْعانَهُ / إنّما اسْتَعجَلَهُ قبل الأمد
أقصَدتْهُ تِرْبَ خمسٍ أسهُمٌ / لو رَمَتْه تِرْبَ عَشْرٍ لم تكَد
إذ بدا في صَهَواتِ الخيل كال / قمرِ الملآن والسيف الفَرَد
ونَشَرْنَا عن رِداءَيْهِ لهُ / صارِماً يُذكى ورُمْحاً يَطَّرِد
ورَجَوْناهُ مَلاذاً للوَرَى / وَدَعَوْنَاهُ عَتاداً للأبَد
إنّمَا كان شِهَاباً ثاقِباً / صَعِقَ اللّيْلُ له ثمَّ خَمَد
ورُدَيْنِيّاً هَزَزْنَا مَتْنَهُ / فَتَثَنّى ساعَةً ثم انْقَصَد
أجَنوبٌ أم شَمالٌ هَصَرَتْ / منك في الأيكة باناً فانخَضَد
قَلمّا يملأُ عيْناً من سَناً / غيرَ ما يملأُ قلباً من كَمدْ
لا رجاء في خُلودٍ كُلُّنَا / وَارِدُ الماءِ الذي كان وَرَدْ
جاوَرَتْ رَوْضَ ثراه ديمةٌ / تحمِلُ اللؤلؤَ رَطْباً لا البَرَدْ
إنّ في الجوْسَقِ قَبراً تُربُهُ / مِن دَمِ الباكينَ إضريجٌ جسَد
وَطِئَتْ نفسي عليه قَدَمي / ومشى في فضْلةِ الرُّوح الجسدْ
يومَ عايَنْتُ كُماةَ الحرْبِ في / مَعْرَكٍ لو كانَ حَرْباً لم يُرَدْ
بُدِّلَ الإقْدامُ فيه هَلَعاً / فاستوى الأبطالُ والهِيفُ الخُرُد
واستْحالَ الزَّأرُ إرناناً كما / رَجَّعَ الباكي على الأيكِ الغرِد
قد رآهُ وهو مَيْتٌ فبَكى / مَن رآهُ وهو حيٌّ فَسَجَد
لو تراخى اليومُ عنه ساعةً / ملأ الأرضَ طِعاناً وصَفَد
لو حمتْه الطعنة السُّلْكى لمَا / كان إبراهيمُ فيه يُضْطهَدَ
ولحالَتْ دونَه رَجْراجة / كعُبابِ البحرِ يَرْمي بالزَّبَد
ولُيُوثٌ يُتَّقَى مَكرُوهُها / وعَناجِيجٌ طِوالٌ تَنْجرِد
ولَصَرَّتْ حَلَقٌ ماذيَّةٌ / وقناً ذُبلٌ وأسيْافٌ تَقِد
خيرُ زَنْدٍ كان في خيرِ يَدٍ / منك قد نِيطتْ إلى خيرِ عَضُد
غيرَ أنَّ الذَّخرَ خَيرٌ لامرىءٍ / لم يَجِدْ من أحزَم الأمرَينِ بُدّ
لو نَجا أشرفُ شيءٍ قَدَراً / فازَتِ الشمسُ بتخليد الأبد
ولوَ انّ المجدَ يُبقي ماجِداً / لم يُنازِع جِدَّةَ العيشِ أحَد
لا أرى عُرْوَةَ حَزْمٍ لم تكنْ / مِن عُرَى الحزْم الذي كان عقد
كلُّ مُلْكٍ لملِيكٍ بعدَهُ / فهْوَ لَغْوٌ عندما كان عُهِد
إن تكُنْ عُدَّةُ صِلٍّ مُطرِقٍ / تَدرَأُ الخطبَ فقد كان استَعَدّ
تَخذَ الحزمَ عليهِ كفَّةً / مِنْ مِجَنٍّ وقتيراً مِن زَرَد
في سريرِ المُلكِ إلاّ أنّهُ / هَبَطَ النَّجْمُ إليه وَصَعَد
فترقّى نحوهُ حتى دَنَا / وتهادَى خلفَهُ حتى بَعُد
ومضى يقطُرُ بالبأسِ دَماً / وبكفَّيْهِ من الأُسْدِ لِبَد
ومن البِيضِ صُدورٌ بِتَكٌ / ومن السُّمْرِ أنابيبٌ قِصَد
يا أبا أحمدَ والحكمةُ في / قولِ مَنْ قال إلى اللّهِ المرَدّ
لا ملومٌ أنت في بعض الأسى / غيرَ أنَّ الحُرَّ أولى بالجَلَد
وإذا ما جهَشَتْ نفسُ الفَتى / كان في عسكره الصَّبرُ مَدَد
لو يَرُدُّ الحزْنُ مَيْتاً هالِكاً / رُدَّ قحطانُ وَأُدُّ بنُ أُدَد
واكتستْ أعظُمُ كسرَى لحمَها / وسعى لُقمانُ أو طار لُبَد
في عليٍّ من عليٍّ أُسْوَةٌ / صَدَعَ الضِّلعَ الذي أنكى الكَبِد
أيَّ مَفْقُودَيكَ تبكيه أبٌ / هِبْرِزِيٌّ أنتَ منه أمْ وَلد
ضَمَّ هذا نحرَ ذا فاعتَنَقا / في ثرى الملحود شبِلٌ وأسَد
خَطَراتٌ فَالْهُ عنْ ذِكْرِكَها / إنّها أقربُ منْ هزْلٍ وَدَد
إنَّ إبراهيمَ مردودٌ إلى / زَمَنٍ غَضٍّ وأيّامٍ جُدُد
دَوْلَةٌ سَعْدٌ وفَحْلٌ مُنجِبٌ / وشَبابٌ مثلُ تفويفِ البُرَد
وفتىً ودَّتْ نِزارٌ كلُّهَا / أنّه منها ولم تَعقُبْ أحَد
والمُنى أنتَ إذا دُمْتَ لنا / دامتِ النَّعماءُ والعيشُ الرَّغَد
وَهيَ الأيّامُ لا يأمَنُهَا / حازمٌ يأخُذُ من يومٍ لِغَد
لو مُعافىً من خُطوبٍ عُوفِيَتْ / لَقْوَةٌ بينَ هِضابٍ ونُجُد
ترْتَبي مرهوبةً تَحْسَبُها / كوكَبَ الليل على الليلِ رصَد
تلكَ أو مُغْفِرَةٌ في حالقٍ / تأمَنْ الإنسَ إذا الوحشُ شَرَد
فهي في قُدسِ أواراتٍ إذا / جاورَ الميسَ ثَبيراً أو أُحُد
حَيْثُ لا النازلُ معهودٌ ولا ال / ماءُ مورودٌ ولا القَلْتُ ثمَد
تلكَ أو وحشيّةٌ أُدْمانَةٌ / أنبتَتْ أنقاءُ رَمْلٍ وعَقَد
تَنفُضُ الضّالَ بتَيْماءَ ولا / تألَفُ الخَلصاءَ من ذاتِ الجَرَد
تَتَقرّى جانِباً من عانِكٍ / باردِ الفَيءِ إذا الفيءُ بَرَد
وهْيَ في ظِلّ أراكٍ مائِدٍ / تَرتَدي المَرْدَ إذا ذابَ الوَمَد
وهيَ تَعْطوهُ على خوْفٍ كمَا / مَدَّ رَقّاءٌ إلى الأرْقَمِ يَدْ
يقَعُ الطَّلُّ عليَها مِثلما / قطَعَتْ عَذراءُ عِقداً فانسرَد
وبِعَيْنَيْهَا غريرٌ وَسِنٌ / وُسِّدَتْ أظْلافُهُ مِسْكاً ثأد
يَنْثَني الأيكُ على صَفحَته / وهو كالشعْرَى إذا لاحَ وَقَد
فإذا ما أخطَأتْهُ فِيقَةً / نَشَدتْهُ وهو غِرٌّ ما نَشَد
فأتَتْهُ خَرِقاً منْطوِياً / بيديه فوقَ حِقْفٍ مُلْتَبَد
كفَتاةٍ كَسَرَتْ خَلْخالَها / ضاعَ نصْفٌ منه والنصْفُ وُجِد
تلك أم أيْمٌ خفيفٌ وطؤه / يرْبَأُ القُفَّ كَلُوْءاً ما هَجَد
باتَ يُدْني حُمَةً من حُمَةٍ / وهْوَ يَطوي مسَداً فوْق مَسَد
شَرِبَ السَّمَّ بنابَيْهِ ففي / صَلَوَيْهِ منه سُكْرٌ ومَيَد
فَتَرى للْبَغْيِ في أعْطافِهِ / كاندفاعِ الموج في طامٍ يَمُدّ
مثِلما اصْطفَّتْ قسيٌّ في الثرى / مُوتَرات فهيَ تُرخى وتُشَدّ
ذاك أو جبّارُ غِيلٍ أشِبٍ / طَرَدَ الآسادَ عنْهُ وانفَرَد
نازلٌ كُرْسيَّ أرضٍ هابَهُ / مَلِكُ الخابلِ فيها إذْ مَرُد
ذا ولكن تُبَّعُ الأكَبرُ مِنْ / يَمَنٍ كان لخُلْدٍ لو خَلَد
والملوكُ الصِّيدُ من ذي إصْبَحٍ / وَرُعَينٍ وبَني الشّاهِ مَعَدّ
كلُّنا نَبْشَعُ من كأس الرَّدى / غير أنّا لا نَرانا نَسْتَبِدّ
نحنُ في الإدلاجِ نَبْغي منْهَلاً / وبناتُ الخِمس من عشْرٍ صَدَد
إن تَسَلْنَا ففَريقٌ ظاعِنٌ / وليالينا بنا عيسٌ تَخِدْ
فاتَني ريبُ زَماني بالذّي / أبتَغيه وهو ما لستُ أجِدْ
ولقد فاتَ بنَا أنفسَنا / وإذا ما فات شيءٌ لم يُرَد
ليتَ شِعْري أيَّ شيءٍ يرتجي / مَن رجاهُ أو لماذا يَستَعِدّ
فلقَدْ أسرعَ ركْبٌ لم يَعُجْ / ولقد أدبَرَ يومٌ لم يَعُدْ