طرَقتني فجر يوم المولد
طرَقتني فجر يوم المولد / وأبوها عاكفٌ في المسجد
فالتقى الثغران رغم الحسد / وكلانا متعبُ القلب صدي
غادةٌ لم تخش إنذار أبيها / لا ولم تحفل بتهديد أخيها
حين قالت أمّها قومي أغنميها / ساعة هيا معي لا تقعدي
فارتدت ثوبَ أخيها وهو نائم / وأتت تحرسُها والجوّ غائم
بأبي هائمة زفّت لهائم / موجع القلب جريح الكبد
فشجا نفسيَ ما مرّ ببالي / حين أبكاها شحوبي وهزالي
قلتُ صونيها فإنّ الدمع غالي / أدمعاً للروح لا للجسد
ونشرنا وطوينا صفحات / وسخرنا من أراجيف الوشاة
وتصفّحنا سجل الذكريات / برهةٌ واندمل الجرح الندي
ثم قالت ورذاذ المطر / حبس الطير ولما يطر
هات بنت النخل يا ابن العسكر / لا يطاق الصحو في ذا البلد
هاتها بيضاء من خمر العراق / كم بها حلّق بالندمان ساقي
ولنعاقرها معا قبل الفراق / ثم قامت ونضَت ما ترتدي
وفضضنا ختمها والسعد باسم / وسكبناها على همس النسائم
وأدرناها وأنف الشيخ راغم / وشربناها ولم نقتصد
خمرةً تسمو بذي الخلق الكريم / بتّ منها في فراديس النعيم
قبلتي كأسي ومعبودي نديمي / ما ألذّ الخمر من تلك اليد
يد حسناءٍ تعطي الراح شاعر / ذات حسٍّ يخلبُ الألبابَ ساحر
فجبين زاهر والجفن فاتر / وفم يغري وشعر عسجدي
يا لمرآى شاعر يسقي غريره / ويناغيها بألحانٍ مثره
ولمرآى غادة نشوى صغيره / وهي تسقيه وكم قالت زد
وشفينا إذ سكرنا الغللا / وتغنّت بهوانا كيف لا
فانتشى الكون وقد أصغى إلى / صوتها العذب الحنون الغرد
واعتنقنا يا لها من لحظات / هي سر العيش بل معنى الحياة
من رآنا خالنا صرعى السبات / آه لو كان سباتا أبدي
وترشفنا حميا القبل / وتركنا النوم للغر الخلي
وتحدثنا عن المستقبل / وأزحنا الستر عن دنيا الغد
وأفقنا فإذا بالشيخ قادم / وكلانا مطمئن النفس ناعم
وافترقنا ولتقُم شتى المزاعم / فلظى مأوى الأثيم المعتدي