مَن لِيَومٍ نَحنُ فيهِ مَن لِغَد
مَن لِيَومٍ نَحنُ فيهِ مَن لِغَد / ماتَ ذو العَزمَةِ وَالرَأيِ الأَسَد
حَلَّ بِالجُمعَةِ حُزنٌ وَأَسىً / وَمَشى الوَجدُ إِلى يَومِ الأَحَد
وَبَدا شِعري عَلى قِرطاسِهِ / لَوعَةً سالَت عَلى دَمعٍ جَمَد
أَيُّها النيلُ لَقَد جَلَّ الأَسى / كُن مِداداً لي إِذا الدَمعُ نَفِد
وَاِذبُلي يا زَهرَةَ الرَوضِ وَلا / تَبسِمي لِلطَلِّ فَالعَيشُ نَكِد
وَاِلزَمِ النَوحَ أَيا طَيرُ وَلا / تَبتَهِج بِالشَدوِ فَالشَدوُ حَدَد
فَلَقَد وَلّى فَريدٌ وَاِنطَوى / رُكنُ مِصرٍ وَفَتاها وَالسَنَد
خالِدَ الآثارِ لا تَخشَ البِلى / لَيسَ يَبلى مَن لَهُ ذِكرٌ خَلَد
زُرتَ بَرلينَ فَنادى سَمتُها / نَزَلَت شَمسُ الضُحى بُرجَ الأَسَد
وَاِختَفَت شَمسُكَ فيها وَكَذا / تَختَفي في الغَربِ أَقمارُ الأَبَد
يا غَريبَ الدارِ وَالقَبرِ وَيا / سَلوَةَ النيلِ إِذا ما الخَطبُ جَد
وَحُساماً فَلَّ حَدَّيهِ الرَدى / وَشِهاباً ضاءَ وَهناً وَخَمَد
قُل لِصَبِّ النيلِ إِن لاقَيتَهُ / في جِوارِ الدائِمِ الفَردِ الصَمَد
إِنَّ مِصراً لا تَني عَن قَصدِها / رَغمَ ما تَلقى وَإِن طالَ الأَمَد
جِئتُ عَنها أَحمِلُ البُشرى إِلى / أَوَّلِ البانينَ في هَذا البَلَد
فَاِستَرِح وَاِهنَأ وَنَم في غِبطَةٍ / قَد بَذَرتَ الحَبَّ وَالشَعبُ حَصَد
آثَرَ النيلَ عَلى أَموالِهِ / وَقُواهُ وَهَواهُ وَالوَلَد
يَطلُبُ الخَيرَ لِمِصرٍ وَهوَ في / شِقوَةٍ أَحلى مِنَ العَيشِ الرَغَد
ضارِبٌ في الأَرضِ يَبغي مَأرَباً / كُلَّما قارَبَهُ عَنهُ اِبتَعَد
لَم يَعبَه أَن تَجَنّى دَهرُهُ / رُبَّ جِدٍّ حادَ عَن مَجراهُ جَد
يَستَجِمُّ العَزمَ حَتّى إِن بَدَت / فُرصَةٌ شَدَّ إِلَيها وَصَمَد
فَهوَ لا يَثني عِناناً عَن مُنىً / وَهوَ هِجّيراهُ مَن جَدَّ وَجَد
فَأَياديهِ إِذا ما أُنكِرَت / إِنَّما تُنكِرُها عَينُ الحَسَد
فَقَدَت مِصرُ فَريداً وَهيَ في / مَوطِنٍ يُعوِزُها فيهِ المَدَد
فَقَدَت مِصرُ فَريداً وَهيَ في / لَهوَةِ المَيدانِ وَالمَوتُ رَصَد
فَقَدَت مِنهُ خَبيراً حُوَّلاً / وَهيَ وَالأَيّامُ في أَخذٍ وَرَد
لَم يَكَد يُمتِعُها الدَهرُ بِهِ / في رُبوعِ النيلِ حَيّاً لَم يَكَد
لَيتَهُ عاشَ قَليلاً فَتَرى / شَعبَ مِصرٍ عَينُهُ كَيفَ اِتَّحَد
وَيحَ مِصرٍ بَل فَوَيحاً لِلثَرى / إِنَّهُ أَبلَغُ حُزناً وَأَشَد
كَم تَمَنّى وَتَمَنّى أَهلُهُ / لَو يُوارى فيهِ ذَيّاكَ الجَسَد
لَهفَ نَفسي هَل بِبَرلينَ اِمرُؤٌ / فَوقَ ذاكَ القَبرِ صَلّى وَسَجَد
بَل بَكَت عَينٌ فَرَوَّت تُربَهُ / هَل عَلى أَحجارِهِ خَطَّ أَحَد
ها هُنا قَبرُ شَهيدٍ في هَوى / أُمَّةٍ أَيقَظَها ثُمَّ رَقَد