المجموع : 12
سَعِدتْ نجدٌ إذا وافيتَ نجدا
سَعِدتْ نجدٌ إذا وافيتَ نجدا / بقدومٍ منك إقبالاً وسَعْدا
وإذا أصبحتَ في أحسائها / قيل للشرّ عن الأَحساء بُعْدا
أقبل الخير عليها كلُّه / منجزاً فيك بلطف الله وعدا
وأَراد الله أنْ يعصمها / من شرار كادتْ الأَخيار كيدا
كانَ كالضائع ملكاً هُملاً / فاستردَّ الملك أهلوه فَرُدَّا
إذ تصدَّيت لأمرٍ لم نجد / قبل علياك له من يتصدَّى
منجداً مستنجداً أنقذته / بفريق صالح سارَ مجدا
ورجالٍ أنت قد أعددتهم / يوم تلقى الأُسدُ في الهيجاء أُسْدا
كلّ مقام إلى الحرب يرى / شكر نعمائك فرضاً أنْ يؤدَّى
كاللواء المقدم الشهم الَّذي / كانَ في الهيجاء لا يألوك جهدا
وفريق نفذت أحكامه / بالَّذي تأمره حلاًّ وعقدا
والسَّعيد السّيّد الشهم الَّذي / كانَ من اسعد خلق الله جدا
إنَّما التوفيق والإِسعاد ما / برحا سيفاً لعلياك وزندا
جرّبوا الأيام سخطاً ورضاً / وَبَلَوْا أهوالها شيباً ومردا
بذلوا أنفسهم في خدمة / أورَثَتْهم بعدها عزًّا ومجدا
بعقول لم تزل مشرقة / وسيوف تحصد الأَعمار حصدا
فعلت آراؤهم ما لو جرى / معها العضب اليمانيّ لأكدى
عامَلوا باللّطف منهم أمَّةً / لم تجد من طاعة السلطان بدَّا
جلبت طايعهم عن رغبة / حين أقصت من أبى الطَّاعة طردا
صدقوا الله على ما عاهدوا / إنَّهم لم ينقضوا في الله عَهْدا
شَمِلَتْهُمْ منك باستخدامهم / أنْعُمٌ تترك حُرَّ القوم عبدا
ولَعمري ليس بالمغبون من / يشتري منك الرضا بالروح نقدا
لمزايا خصَّك الله بها / أكثرَ الناسُ لها شكراً وحمدا
يا مشيراً بالذي يرشدنا / إنَّما أنتَ بطرق الرُّشد أهدى
كلّ ما جئت به مبتكر / من عموم النفع فعلاً يتعدَّى
فاركب البحرَ وخض لُجَّتَهُ / يا شبيه البحر يوم الجود مدَّا
وانظر الملك الَّذي استنقذته / واجرِ ترتيبك فيه مستبدا
يتلقَّاك بأعلى همَّةٍ / فتُحيَّا بالتَّهاني وتُفدَّى
قد أقَرَّتْ واستقرَّت عندما / زجرت طائرك الميمون سعدا
أصْبَحْت في عيشة راضية / وبأيَّامك نلقى العيش رغدا
يسَّر اللهُ لم الأمر كما / ينبغي لطفاً وإحساناً وقصدا
لا دم سالَ ولا دمعٌ جرى / وكفاها ربّك الخصمَ الألدَّا
يهنك السيف الَّذي أُهدي من / ملك أهداه إنعاماً وأسدى
لستُ أدري سيِّدي أيَّكما / هو أمضى إذ يكون الروع حدا
كلَّما جرّدته من غمده / كانَ برقاً في أياديك ورعدا
وإذا أغْمَدْتَهُ كانَ له / هام من يعصيك في الهيجاء غمدا
دُمْتَ للدَّولة عَيناً ويَداً / والحسامَ العضبَ والركنَ الأشدَّا
دولة قد أيَّدت واتَّخذت / من جنود الله أنصاراً وجندا
ويميناً إنَّها إن صَدَمَتْ / جبلاً بالبأس منها خرَّ هدَّا
أَو أَتَت نار عدوٍّ أُوقِدَت / لأَحالت حَرَّ تلك النار بردا
يا لك الله هماماً بالذي / يَدْحَضُ الغيَّ وما جانب رشدا
مرُّ طعم السُّخط حلويّ النَّدى / يجتني المشتار من أيدي شهدا
ما رأتْ عيناي أندى راحة / منك في الجود ولا أثقب زندا
راحة الدُّنيا وناهيك به / مخلصٌ لله ما أخفى وأبدى
فلوَ انِّي فُزت في أنظاره / جعلت بيني وبين البؤس سدَّا
أنت كالدُّنيا إذا ما أقبلَتْ / لامرئٍ والدهر إعراضاً وصَدَّا
أنتَ أسنى نِعَم الله الَّتي / نحنُ لا نحصي لها حصراً وعدَّا
لك في النَّاس على الناس يدٌ / نظمت في جيد هذا الدهر عقدا
فقدت وجدان ما نحذره / لا أراعتنا بك الأيام فقدا
فعلى الأَقطار مُذْ وُلِّيتَها / ظلُّك الضافي على الأَقطار مُدَّا
فتوجَّه حيثُ ما شئت لكَي / تملأَ السَّاحل إحساناً ورفدا
في أمان الله محفوظاً به / تصحب النصر ذهاباً ومردَّا
دَنِفٌ ذو مهجةٍ في الحبّ تَصْدا
دَنِفٌ ذو مهجةٍ في الحبّ تَصْدا / كُلّما زيدَ ملاماً زاد وَحْدا
أمطرت أدْمُعُه وبلَ الحيا / وهو يشكو من لظى الأشواق وقدا
مغرمٌ أخفى الهوى عن عاذل / في الهوى العذريّ ما أخفى وأبدى
فتكتْ أعْيُنُها الغيد به / ورَمَتْه أسهُم الألحاظ عَمْدا
كيف يستطيعُ اصطباراً وهو لا / يجدُ اليوم من الأشواق بدا
لا تلمني فصبابات الهوى / جعلت بيني وبين اللوم سَدّا
عَبرة أهرقتها من أعين / ألِفَتْ في هجرها للغمض سهدا
وبما قاسيتُ من حرِّ الجوى / في غرام مدّ سيل الدمع مدا
أنْحَلَ الحبُّ ذويه فاغتدتْ / من معاناة الضنى عظماً وجلدا
كُلَّما يقرب منِّي عاذلٌ / بملام قلتُ للعاذل بعدا
رُبَّ ليلٍ أطبقَتْ ظلماؤه / تحسب الشهب عيوناً فيه رمدا
بتُّ لا أستطعمُ الغمضَ به / وأواري عَبرتي أنْ تتبدى
أذكر الأغصانَ من بان النقا / كلّما أذكر من هيفاء قدا
ومعَ السرب الَّذي مرَّ بنا / رشأٌ يصرع بالألحاظ أسدا
مَن معيدٌ لي أياماً مضت / كانَ فيها الغيُّ لو أنصفت رشدا
أهْصِرُ الغصن إذا ما كانَ قدًّا / وأشمُّ الوردَ إذا ما كانَ خدّا
كم أهاج الشوق من وجد بها / كلما جدَّدَه الذكر استجدا
وجرى دمعي من الوجد فما / يملك الطرف لجاري الدمع ردا
خبّراني بعدَ عِرفاني بها / كيف أقوت دار سُعدى بعد سُعدى
أينَ قِطّانُك في عهد الصبا / يا مراحاً كانَ للهو ومغدى
يوم سارت عنك للركب بهم / مشمعلاّت تقدّ السير قدّا
قد ذكرنا عهدكم من بعدكم / هل ذكرتم بعدنا للودّ عهدا
ولو أنَّ الوصل مما يشترى / لاشترينا وصلكم بالروح نقدا
وقصارى مُنية الصبِّ بكم / مطلبٌ جدَّ به الوجدُ فأكدى
فسقاكم وسقى أربُعَكم / من قطار حامل برقاً ورعدا
وإذا مرّت بكم ريحُ صباً / حملت ريح صبا شيحاً ورندا
زارني الطيف فما أشوى جوىً / من حشا الصادي ولا نوّل رفدا
ما عليه لو ترشَّفْتُ لمىً / مزجت ريقته خراً وشهدا
نسب التشبيب في الحب إلى / ذلك الحسن فكان الهزل جدا
وإلى عبد الحميد انتسَبَتْ / غرر الشعر له شكراً وحمدا
عالم البصرة قاضيها الَّذي / لا ترى فيها له في الناس ندا
قوله الفصل وفي أحكامه / يدحض الباطل والخصم الألدا
إذ يريك الحقَّ يبدو ظاهراً / لازماً في حكمه لا يتعدى
أوجب الشكر علينا فضله / فمن الواجد عندي أن يؤدى
سيّدٌ إحسانه في بِرّه / لم يزل منه إلى العافين يسدى
وبأمر الله قاضٍ إنْ قضى / كانَ أمضى من شفير السيف حدا
ثابت الجأش شديد ركته / إذ تخر الراسيات الشمّ هدّا
سيّدٌ من سيّدٍ إذ ينتمي / أكرم الناس أباً فيهم وحدا
آل بيت لبسوا ثوب التقى / تلبس الفخر نزاراً ومعدا
هم أغاظو بالذي يرضونه / زمناً تشقى به الأحرار وغدا
ذلّلوا الصَّعبَ وقادوا للعلى / حيث ما انقادت لهم قوداً وجردا
هل ترى أبعدَ منه منظراً / أو ترى يومئذٍ أثقب زندا
باسطٌ أيْديه لما خلقت / ديماً ما برحت بالجود تندى
عدّدا لي نعمة الله به / أنا لا أُحصي له النّعماء عدا
مكرمات لأياديه الَّتي / تركت بالبر حرّ القوم عبدا
حبذا البصرة في أيامه / لا أراها الله من علياه فقدا
وجميل الذكر من أخلاقه / سار في أقطاره غوراً ونجدا
توأم المجد فريد في الحجى / جامع الفضل براه الله فردا
بيمين الحقّ سيف صارم / يجعل الباطل في غربيه غمدا
طالما ألقت إليه كَلِماً / أورثت ما لم يرثه لنثر خلدا
فترنَّمتُ بها قافيةً / نظمت في جيد هذا الدهر عقدا
وكفاني صولة الهمّ امرؤ / جاعل بيني وبين الهم سدا
رغد العيش لمن في ظلِّه / عاش طول الدهر بالأفراح رغدا
كلّما يلحظني ناظره / عكس الأمر فكان النحس سعدا
بأبي أفديه من قاضٍ به / صرت في رأفته ممن يفدّى
إنَّ من أخلص فيكم وُدَّه / مخلص في حبّه الأمجاد ودا
ناظمٌ فيكم على طول المدى / مدحاً ترفع لي بالفخر مجدا
فهو مُهديها إليكم عبدكم / فَتقبَّل ما إليك العبد أهدى
وَلَدٌ قد أشرَقَ الكونُ به
وَلَدٌ قد أشرَقَ الكونُ به / مِنْ عُلى سلطاننا عبد الحميد
بُشِّرَ الإِسلام في مولده / فأسرَّ الناس من هذا السعيد
فزهت بغداد حتَّى إنَّها / قابلت أيَّام هارون الرشيد
وغدت تشرق من أنواره / مثلما قد أشرق البدر بعيد
زادنا بشراً فزدنا طرباً / ما عليه قبل هذا من مزيد
قد حبانا الله في مولده / كلّ ما نهواه من عزٍّ مديد
فترانا دائماً في فرج / كلّ يوم نحنُ في عيدٍ جديد
وإذا الكون أضا أرَّخته / فضياء الكون من عبد الحميد
جَدِّد اللّذَّة حتَّى نتجدَّدْ
جَدِّد اللّذَّة حتَّى نتجدَّدْ / واسقنيها من لجين الكأس عَسْجَدِ
وخُذِ اليوم بها لذَّتنا / وأعدها يا نديمي لي في غد
بين ندمانٍ كأزهار الرُّبى / كلُّ فرد منهم بالفضل مفرد
نظمت شملهم كأس الطّلا / فهو كالعقد وكالدّرّ المنضد
برزَ الروض بأبهى هيبةٍ / فتهيَّا للسرور اليوم واعتدِ
ولقد جرّد من غمد الدُّجى / صارم الفجر عياناً فتجدُّد
وبقايا غلس أبصرتها / ما تبقى من دخان العود والغد
نبّه الورقاء حتَّى نبّهت / للحُميَّا أعيُناً للشرب هجّد
أطرَبتْنا الوُرقُ في ألحانها / يا فدتها في الغواني أُمُّ معبد
في رياضٍ نضراتٍ أنبتت / ورق الياقوت من قضب الزبرجد
ولكم عدنا إلى أمثالها / بعد حينٍ فوجدنا العَوْدَ أحمد
وشهدنا مشهد الأُنس بها / وقعدنا للهوى في كل مقعد
وقضينا جباً من روضةٍ / شرب الغصنُ فما للطير عربد
ومُدير الكأس في أرجائها / قمر يبدو وغصن يتأوّد
إنَّ أشهى الرَّاح ما تأخذه / من يَدَيْ ساق نقي الخدّ أمرد
خِلْتُ ما في يده في خدِّه / فسواء بين ما في اليد والخدّ
بابليُّ الطَّرف حلويّ اللّمى / ليِّن الجانب قاسي القلب جلمد
ألعسٌ مُذْ بردتْ ريقته / أورثتنا نار شوقٍ تتوقَّد
فشربنا خدّه من يده / واقتطفنا منه غصن الآس والورد
واتَّخذناه وإنْ يأبَى التُّقى / صنماً لكنَّه للحُسن يعبد
يبعث الوجد إلى كلّ حشا / لِخَلِيٍّ من هواه حيث لا وجد
لو رآه تائب من ذنبه / قد تبدَّى وهو مثل البدر لارتد
جحدت أعينُه سفك دمي / وعليه حدّه في الوجه يشهد
لستُ أدري أيّما أمضي شباً / في فؤادي ذلك الطرف أم القد
إنَّ هاروت وماروت لقد / أخذا عنه حديث السَّحر مسند
ليِّن الأَعطاف حتَّى إنَّه / كادَ من شدَّة ذاك اللِّين يعقد
يا له من مطربٍ يعجبني / غزلي فيه ومدحي لمحمد
ذي يدٍ طولى فشكراً ليدٌ / من عريق في المعالي الغرِّ ذي يد
ضمَّ برداه تقيًّا ماجداً / وجد التّقوى مزاداً فتزوَّد
قد نظرنا جدَّه أو جَدَّه / فنظرنا بالعلى ما يصنع الجدّ
يقتفي آثار آباءٍ له / أثر المجد اقتفى عنهم وقلَّد
وعلى ما عُوِّدت آباؤُه / عوّدته من قديم فتعوَّد
علماءٌ عملوا في علْمِهم / مَهَّدوا الدِّين من المهد إلى اللّحد
ولكم حُلَّ بهم من مشكل / وهم إذ ذاك أهل الحلّ والعقد
رفعت آثاره أعلامَهم / فبنى بي معاليهم وشيّد
ماجدٌ يعلو على أقرانه / وقد احتلَّ رعان العزّ والمجد
ليس يخفى فهمه أو علمه / لاح للعالم مثل العلم الفرد
قَصَدَتْ وُفَّاده إحسانَه / قلَّ من يُرجى لإحسانٍ ويُقْصَدِ
غير بدعٍ إنْ تحرّينا له / مكرمات من كريم الأَب والجد
فإذا أفسد حالاً زمنٌ / أصْلَحَتْ ما أقصد الدهر وأفسد
وأمدَّتْني يداه بالنَّدى / وكذاك البحر يوم الجزر والمدّ
إذ حلَلْنا نادياً حلَّ به / لم نحلّ إلاَّ بغاب الأسدِ الورد
وإلى ناديه في يوم النَّدى / أدبٌ يُجبى ومال يتبدّد
عارض من فضله ممطرنا / لا كما العارض إنْ أبرقَ أو أرعد
فَلَكَ الأَيدي على طول المدى / أبداً بيضٌ بجنح الخطب أسود
فتولَّ من ثنائي مدحةً / أيُّها المولى فقد لاذَ بك العبد
قد مضى الشَّهر صياماً وتقًى / فابقَ واسلمْ دائم العزِّ مخلّد
واهنأ بالعيد فقد عاد بما / تشتهيه أنت من عزٍّ وسؤدد
لستُ أدري أؤهَنِّيك به / أمْ أُهنِّي بك في إكرامك الوفد
وجزاك الله عنِّي خير ما / جُوزيَ المنعِمُ بالشّكران والحمد
أعد اللَّهو فإنَّ اللَّهوَ أحْمَدْ
أعد اللَّهو فإنَّ اللَّهوَ أحْمَدْ / وأدِرْها في لُجَين الكأس عَسْجَد
واسقنيها قهوةً عاديَّةً / أخبرت عمَّا مضى في ذلك العهد
لو رأى كسرى سنا أنوارها / ظنَّها النار الَّتي في الفرس تعبد
لبست من حَبَب المزج لها / تاجَ إسكندر ذي القرنين والسد
فاسقني اليوم أفاويق الطّلا / وأعدها يا نديمي لي في غد
قَدُمت لكنَّنا في شربها / كلّ يوم في سرور يتجدَّد
في رياضٍ لعبت فيها الصّبا / وأذاعت سرّ نشر الشّيح والرند
أخَذَت زخرفها من بعد ما / حاكت المزن لها أثواب خرّد
نثر الطلّ عليها لؤلؤاً / أين من لؤْلؤها الدرّ المنضَّد
أحسب القطر على أزهارها / أدمُعاً سالتْ من العينِ على الخد
فانثنت أغصانها مائسةً / طرب النشوان راحت تتأوَّد
فَقَضَت عيناي منها عجباً / ومن القمريّ إذ غنَّى وغرَّد
هذه أغصانها قد شربت / فعلام الطَّير في الأَفنان عربد
زمن الورد وما يُعجبُني / زمنٌ لِلَّهوِ إلاَّ زمنُ الورد
تنقضي أيَّامه محمودةً / في أمان الله من حَرٍّ ومن برد
فاغتنمها فرصةً ما أمكنت / قبل أن تذهب يا صاحِ وتفقد
بين شادٍ تطرب النفس به / يتغنَّى ومليح يتأوَّد
ما ألذَّ الرَّاح يُسقاها امرؤٌ / من يَدَيْ ساقٍ نقيِّ الخدِّ أمرد
يخجلُ الأَقمار حُسناً وجهه / وغصون البان ليناً ذلك القد
فالعوالي والغوالي إنَّما انتَس / بَتْ منه انتساب القدّ والند
أرأيت السّحر فيما زعموا / إنَّه راح إلى عينيه يسند
أُنْزِلتْ للحسن آيات به / آمن العاشق فيهنَّ وما ارتد
ما رمى قلبي إلاَّ عامداً / قاتلٌ لي ولقتلي يتعمَّد
يأخذ الأَرواحَ من أربابها / لعباً منه فما قولك إن جد
سمح المهجة لا ممتنع / عن محبٍّ خضل الطرف مسهَّد
لا يشوب الوصل بالصّدّ ويا / ربَّ إلفٍ لا يشوب الوصل بالصد
بأبي الأَغيد لا بمزجها / من لماه بسوى العذب المبرد
وبأحشائي من الوجد إلى / بارد الرّيقة نار تتوقَّد
حبَّذا العيش بمن قد تصطفي / لا النوى بادٍ ولا الشَّمل مبدّد
تحت ظلَّي مالِكَيْ رقِّي وما / غير محمود ولا غير محمد
النجيبين اللَّذين انتدبا / بجميل الصنع والذكر المخلّد
والمجيدين وكلٌّ منهما / طيّب العنصر زاكي الأَصل والجد
والكريمين وما صوبُ الحيا / إنْ يكنْ أبرقَ بالجود وأرعد
والرَّفيقين كأنِّي بهما / بلغا الغاية من مجد وسؤدد
إنْ أُفاخِر بهما غيرهما / فَلَقَد أفْخَرُ بالحُرِّ على الوغد
خُلِقا للفضل وارتاحا له / لا كمن عُوِّد قسْراً فتعوَّد
إنَّ هذين هما ما برحا / للمعالي بمحلّ الكفّ والزند
فتأمَّلْ بهما أيّهما الذا / بل الخطيُّ والسيف المهنَّد
إنْ يكونا قلَّداني نعمةً / أنا فيها فنعما أتقلَّد
وَصَلا حَبْلي وشادا مفخري / ولمثلي فيهما الفخر المشيَّد
هكذا فلتكُ أبناء العُلى / تقتفي الأَبناءُ إثر الأَب والجد
إنَّما الشّبل من اللَّيث وما / يلدُ الأَصيدُ يوماً غير أصيد
من أبٍ يفتخر المجد به / إنْ رمى أصْمى وأنْ ساعدَ أسعد
هو بحرٌ ما له من ساحل / وحُسامٌ لم نقف منه على حد
وهزبر باسل برثنه الأسم / رُ العسَّال والعَضْبُ المجرَّد
هو مولايَ إذا استعطفتُه / عطف المولى من البرّ على العبد
مالكٌ حكَّمني في ماله / فلي الأَخذ خياراً ولي الرَّد
وحباني نعماً أشكرها / فله الشكر عليها وله الحمد
لا أُبالي إنْ يكنْ لي جُنَّةً / بزمان كانَ لي الخصمَ الأَلَنْدد
طاول الأَيدي فطالت يده / ما على أيدي للعالم من يد
حَفِظَ الحافِظُ نَجْلَيْه ولا / برحا في أطيب العيش وأرغد
لم يلد مثل أبيهم والدٌ / لم يلد قبل ولا من بعد يولد
نصروا المجد وكانوا حزبه / فهم الأنصار والحزب المؤيّد
فلقد طابوا وطابت خيمهم / طيِّبوا الأَعراق من قبل ومن بعد
نبتوا فيها نباتاً حسناً / وغذاهم بلبان العزّ والمجد
وإذا أمْعَنْتَ فيهم نظراً / لم تجد إلاَّ شهاباً ثاقب الزند
كلَّما زادَ وقاراً زدته / مِدَحاً تُتلى مدى الدهر وتنشد
وعذارٍ مذ بدا أرَّخته / لاحَ كالمسك عذار لمحمَّد
مَنْ مُجيري من فؤادٍ كلَّما
مَنْ مُجيري من فؤادٍ كلَّما / اتَّقد البَرْقُ اليماني اتقَدا
كادَ لولا أدمُعي تحرِقُه / زفرةُ الوجدِ بما قد وجدا
عَرَفَ القلب يد العين بها / إنَّ للعينِ على القلبِ يدا
لا أبيتُ اللَّيلَ إلاَّ راعياً / أنجُماً سارتْ على غير حَدا
طال ليلُ الصّبّ حتَّى خِلْتُه / جُعِلَ الليلُ عليه سرمدا
وتحرّوا رشداً عُذَّالُه / ولعَمري ما تحرّوا رشدا
بي حبيبٌ أنا ألقى في الهوى / منه ما ألقاه من كيد العِدى
تطلبُ السُّلوان إلاَّ إنَّ لي / لوعةً قامتْ وصبراً قعدا
ما رمى الرَّامي فؤادي خطأً / منه في الحبِّ ولكن قصدا
يا رعى عهد الهوى إنَّ الهوى / جارَ بالحكمِ عليه واعتدى
خشية الواشين صبٌّ لم يزلْ / يُظهِرُ الدَّمع ويخفي الكمدا
أترى أحبابنا يوم التقى / وجدوا من لوعةٍ ما وجدا
قد وَقَفْنا بعدَهم في ربعِهِم / فبكَيْنا الدَّمع حتَّى نفدا
ثمَّ لمَّا نفد الدَّمع على / طَلَل الربع بكيْنا الجَلَدا
ما قَضى إلاَّ على الصّبِّ العميدِ
ما قَضى إلاَّ على الصّبِّ العميدِ / وغدا يعثر في ذَيل الصُّدود
رشأٌ يقتنص الأُسْدَ ومَن / علَّمَ الظبي اقتناصاً للأُسود
بأبي الشادن يرنو طرفه / بلحاظٍ كلحاظ الرِّيم سود
ما أُلاقي من سيوفٍ وقناً / ما أُلاقي من عيونٍ وقدود
ويحَ قلبٍ لَعِبَ الشَّوقُ به / من عيون بابليَّات وجيد
ربَّ طيفٍ من زَرودٍ زارني / فسقى صوبُ الحيا عهدَ زرود
فتذكَّرتُ زماناً مرَّ بي / طرب النشوة مرعيَّ العهود
وبعيد الدَّار في ذاك الحمى / من فؤادي في الهوى غير بعيد
يا دموعي روِّضي الخدَّ ويا / حرَّ نيران الجوى هل من مزيد
أين أيَّامُ الهوى من رامة / يا لياليها رعاك الله عودي
وبكاء المزن في أرجائها / وابتسام الراح عن درٍّ نضيد
قَذَفَتْ أنجُمُها كأسَ الطلا / كلّ شيطانٍ من الهمِّ مريد
فأَدِرْها قهوةً عاديَّةً / عُصِرَت في عهد عادٍ وثمود
أيُّها السَّاقي وَهَبْ لي قُبلةً / هبةً منك بإحسان وجود
أنا لا أَشرَبُها إلاَّ على / أُقحوانِ الثَّغر أو وَرْدِ الخدود
وبفيك المورد العذب الَّذي / أرتوي منه ومن لي بالورود
وبقلبي نارُ خَدَّيْك الَّتي / لم تزل في مهجتي ذات الوقود
من معيد لي زماناً قد مضى / بمذاب التِّبر في الماء الجَمود
دارتِ الأَقداح فيها طَرَباً / من يَدَيْ أَحوى ومن حسناءَ رود
وكأنَّ الكأس في توريدها / قُطِفَتْ واعْتُصِرَتْ من خدِّ خود
في رياض غرَّدت ورقاؤها / بفنون السَّجع منها والنشيد
وغصون البان في ريح الصبا / تنثني بين ركوع وسجود
فسقى تلك المغاني عارضٌ / مستطيرُ البَرقِ مِهدارُ الرُّعود
كانت الجنَّة إلاَّ أنَّها / لم تكن حينئذٍ دار الخلود
في ليالٍ أشْبَهَتْ ظلماؤها / بدخانٍ كانَ من ندٍّ وعود
وكأَنَّ الأَنجُمَ الزّهر بها / أَعيُنٌ من وجدها غير رقود
وكأَنَّ البدرَ فيها مَلِكٌ / حُفَّ بالموكب منها والجنود
وكأَنَّ الصُّبْحَ في إثر الدُّجى / طائرٌ يركض في إثر طريد
رقَّ فيه الجوُّ حتَّى خِلتَه / رقَّةَ القاضي بنا عبد الحميد
لَطُفَتْ أخلاقُه وابْتَهَجَتْ / كابتهاج الرَّوض يزهو بالورود
إنَّ من يأوي إلى أحكامه / إنَّما يأوي إلى ركن شديد
عادلٌ في الحكم يمضي حكمه / بقضاء الرّبّ ما بين العبيد
كلَّما كرَّرْتُ فيه نظراً / رَمَقَتْني منه أَلحاظُ الورود
حجَّتي فيه الأَيادي والنَّدى / وجميل الصّنع بالخلق الحميد
وشهودي من مزاياه ولا / تثبت الحجَّةُ إلاَّ بالشُّهود
قمرٌ في المجد يكسوه السَّنا / شرف الآباء منه والجدود
وافرُ الجود يدا آملِهِ / إنَّما تغرف من بحرٍ مديد
ذو نوالٍ مستباح نيلُه / من مُنيلٍ ومراد لمريد
عالم فيه لنا فائدة / فجزى الله مفيد المستفيد
أَلمعيٌّ ناظرٌ في بَصَرٍ / في خوافي غامضِ الأَمر حديد
وبما في ذاته من هِمَمٍ / كلّما تُرْهَفُ أَزْرَتْ بالحديد
شَرَحَتْ معنى معاليه لنا / فهيَ لا تخفى على غير البليد
وأَرَتْنا منه في أَقرانه / مُفْرداً يغني عن الجمع العديد
شرعةُ الدِّين ومنهاج الهُدى / قائمٌ بالقسط مجريُّ الحدود
حاملٌ للحقِّ سيفاً خاضعٌ / لمضاه كلُّ جبَّار عنيد
يُرتجى أو يُختشى في حدِّه / مُؤْنِسُ الوعد وإيحاش الوعيد
وَعَدَتْني منه آمالي به / فوَفَتْ لي بعد حَوْلٍ بالوعود
فحمِدْتُ الله لما أنْ بدا / طالعاً كالبدر في برج السعود
عاد للمنصب قاضٍ لم يزل / كلّ يومٍ هو في عيد سعيد
وبفضل الله يعلو مجده / فتعالى الله ذو العرش المجيد
يا عماد المجد في المجد ويا / دُرَّة التَّاج ويا بيت القصيد
دمتَ في العالم عطرياً الشذا / دائمَ النعمة مَكبوتَ الحسود
يا لك الله فتًى من مُبدِئٍ / بالندى والفضل فينا ومعيد
وقوافيَّ الَّتي أُنشِدُها / نُظِمتْ في مدحه نظم العقود
أَطلَقَتْ فيه لساني أَنعُمٌ / قيَّدَتْني من عُلاه بقيود
أَنا لولا صيِّبٌ من سَيْبِه / ما ارتوى غُصْني ولا أَورَقَ عودي
ما لَها مُفْرِيةً بِيداً فَبيدا
ما لَها مُفْرِيةً بِيداً فَبيدا / تَقْطَعُ الأرضَ هُبوطاً وصُعودا
كلَّما لاح لها برق الحمى / نَثَرت من لؤلؤ الدَّمع عقودا
لستُ بالمُنْكِرِ منها عبرة / إنَّها كانت على الحبِّ شهودا
فإلى أينَ سُراها ولمن / تطس البيداء أو تحثو الصَّعيدا
أَوْقَدَ الشَّوق بها نيرانه / فَتَلَظَّتْ بلظى الوجد وقودا
تخمد النَّارُ وما لي أرى / للجوى من مهجة الصّبّ خمودا
يا أَخلاَّئي وأَعلاقُ الهوى / جاوَزَتْ من شغف القلب حدودا
أَخْلَقَت بالصَّبر عنكم لوعة / تَبْعَثُ الشَّوق بها غضًّا جديدا
ووهى يومَ نأَيْتُم جَلَدي / بعدَ ما كنتُ على الدَّهر جليدا
خُنْتُمُ عَهْدَ الهُدى ما بيننا / وَرَعَيْنا لكمُ فيها عهودا
من معيدٌ لي في وادي الغضا / زَمَناً مَرَّ ومن لي أَنْ يعودا
في زَرودٍ وقفة أَذكرُها / فسقى الله حيا المزن زرودا
ومن السِّرْبِ مهاةٌ لحظُها / يَصْرَعُ اللّبَّ ويصطاد الأُسودا
وبروحي شادنٌ من ريقه / لا أعافُ الخمرَ والماء البرودا
سلبَ الغصن رَطيباً قَدُّه / والظِّباءُ العُفْرُ ألحاظاً وجيدا
لامني اللاّئم عن جهلٍ به / والهوى يأنَفُ إلاَّ أنْ يزيدا
أيُّها العاذلُ يبغي رَشَدي / خَلِّني والغيّ إنْ كنتَ رشيدا
إنَّ مَنْ كانت حياتي عنده / طالما جرَّعني الحتفَ صدودا
وحرامٌ أنْ أرى سُلوانَه / وَلَوَ انِّي مِتُّ في الحبِّ شهيدا
غَلَبَتْني منه أجناد الهوى / إنَّ للحبِّ على الصّبّ جنودا
من يريني البانَ والوردَ معاً / في تَثَنِّيه خدوداً وقدودا
يمِّمي أيَّتها النُّوق بنا / سيّدَ السَّادات والرّكن الشَّديدا
فلئنْ سِرْتِ بنا حينئذٍ / لعليٍّ كانَ مسراك حميدا
لا تَرى وَجْهاً عبوساً عنده / حين تلقاه ولا صدراً حقودا
منعمٌ سابغةٌ نعمتُهُ / ومفيدٌ من نداه المستفيدا
كلَّما قَرَّبْتٍ من حَضْرَته / قَرَّبت أملاً كانَ بعيدا
حيثُ طالعنا فأَبْصَرْنا به / طالعاً من ذلك الوجه سعيدا
أَسرعُ العالم وعداً منجزاً / وإذا أَوْعَدَ أبطاهم وعيدا
آل بيتٍ سَطَعَتْ أنوارهم / لم تَدَعْ للغيِّ شيطاناً مريدا
وإذا أعربتَ عن أبنائهم / فاذكر الآباء منهم والجدودا
تأْخُذُ الآراء عنه رشدها / فيُريها الرّشدَ والرَّأْي السَّديدا
ليّن الجانب فيه شدَّةٌ / قد أذابت من أعاديه الحديدا
قُيِّدَتْ عادية الخطب فما / تضع الأَغلال عنها والقيودا
بِبَنِيه حَفِظَ الله بهم / مهجةَ المجد طريفاً وتليدا
رافعٌ راية أعلام الهُدى / عاقدٌ للدِّين بالعزِّ بنودا
في بيوتٍ أَذِن الله لها / أَنْ نراه في مبانيها عمودا
من سيوف الله إذا ما جُرِّدَتْ / قطعت من عنق الشّرك الوريدا
سيِّدٌ برٌّ رؤوفٌ محسنٌ / ترك الأَحرار بالبرّ عبيدا
فترى الأَشراف في حَضْرَته / قُوَّماً بين يديه وقعودا
أَمْطَرَتْ من يده قَطْرَ النَّدى / في رياض الفضل يُنْبِتْنَ الورودا
فترى الأَقلام في أمداحه / رُكَّعاً تملِي ثناه وسجودا
يا ابن قطب الغوث والغيث الَّذي / لم يَزَلْ يهلُّ إحساناً وجودا
أَنتُم البحر وما زلتُ بكم / مستمدًّا منكم البحر المديدا
إنْ وَرَدْنا منهلاً من نَيلكم / ما صَدَرْنا عنكم إلاَّ ورودا
ما سواكم مقصد الرَّاجي ولا / في سوى شكرانكم نملي القصيدا
يا مريد الخير والخير به / لا عدمناك مراداً ومريدا
ليس بالبدع ولا غروَ إذا / هِمْتُ في مدحك نظماً ونشيدا
جُدْتَ لي بالجود حتَّى خِلْتَني / بندى وابلك الروض المجودا
وقليلٌ فيك لو أنظمها / في مزاياك لها دُرًّا نضيدا
فاهنأ بالنيشان من سلطاننا / مُبدِئاً للفخر فيه ومعيدا
ذلك اليوم الَّذي وافى به / لكن للأَشراف في بغداد عيدا
مَلِكٌ أَرْسَلَهُ مفتخراً / وبه أَرْسَلَ مولاي البريدا
لم تزل ترقى إليها رُتَباً / نكبت الشَّانئَ فيها والحسودا
بَلَغَ الشَّوْقُ لعمري ما أراد
بَلَغَ الشَّوْقُ لعمري ما أراد / وقَضى من مُهجةِ الصَّبِّ المُرادا
فليَدَعْهُ في الهوى عاذِلُه / يَحْسَبُ الغيَّ وإنْ ضَلَّ رشادا
يُرسِلُ الوَجْدَ إلى أجفانه / رُسُلَ الأدمع مثنى وفرادى
لم يُرقْها عَبرةً إلاَّ إذا / اتَّقَدَتْ نارُ الجوى فيه اتقادا
قد مَنعتُم أعيني طيبَ الكرى / فحريٌّ أنْ يُصارمن الرقادا
وبخلتُم بخيالِ طارقٍ / لو دنا ما بِتُّ أشكوه البعادا
فابخلوا ما شِئْتُم أن تَبْخَلوا / إنَّ طرفي كانَ بالدمع جوادا
أهلَ وُدّي لِمَ لا ترعَوْن لي / ذِمَّةَ الوُدِّ وأرعاكم ودادا
أنْفَدَ الصَّبُّ عليكم صَبْرَه / وهو لا يخشى على الدَّمع نفادا
وعلى ما أنا فيه من جوًى / ما أظنُّ الوَجْدَ يبقى لي فؤادا
فسقى عهد الهوى من مربع / بتُّ أسقيه من القطر العهادا
أيُّ ربع وَقَفَ الركبُ به / ذاكراً بالربع سلمى وسعادا
وبكى أرْسُمَ رسمٍ دارسٍ / أحْسَنَ القطرُ بكاها وأجادا
يَقِفُ المغرمُ فيها وقفةً / يخضل السَّيف عليها والنجادا
ما حَضَ النُّصحَ به مجتهداً / أخطأ الرأي به والاجتهادا
ذاكراً في الربع أيام الهوى / من لأيامك فيها أن تعادا
أينَ أسرابك ما إن سَنَحَتْ / أعْيَتْ القانِصَ إلاَّ أن يُصادا
وإذا ما نَظَرَتْ أو خَطَرَتْ / عَرَّفَتْك البيضَ والسُّمْر الصعادا
ولكَمْ من طُرَّةٍ في غُرَّةٍ / خلع الليلُ على الصُّبحِ السوادا
وقَوامٍ يَرقُصُ البانُ له / وتَثَنَّى مُعْجَباً فيه ومادا
آه من فاتكةٍ ألحاظُهُ / فتكةَ السَّهمِ إذا أصمى الفؤادا
لا تؤاخِذْ بدمي ناظِرَهُ / وقَتيلُ الحبّ يأبى أن يفادى
قد بَلَوْتُ الدهر وَصلاً وقلًى / وَوَرَدْتُ الحبَّ غمراً وثمادا
فتمنَّيْتُ مع الوصل القلى / وتخيَّرْتُ على القرب البعادا
عَرف العالمَ من خالَطَهم / واستفاد العلمَ فيهم وأفادا
وإذا ما اتقد النَّاسَ امرؤٌ / زهد النَّاسَ وملَّ الانتقادا
قل لمن ظنَّ علياً راجياً / أن يبارى في المعالي أو يحادى
وإذا ما قَدَحَتْ أيديهُمُ / بزنادٍ كانَ أوراهم زنادا
بَعُدَ النجمُ على طالبه / ومن المعجز يوماً أن يرادا
رفعةٌ قائمةٌ في ذاتِه / أطِرافاً يبتغيها أم تلادا
قمرُ النادي إذا نادَيته / حبَّذا النادي مجيباً والمنادى
لِمُلِمٍ تَتَرجَّى نَقْصَه / ونوالٍ تبتَغي منه ازديادا
أبحُر الجود وكلٌّ منهمُ / ربَّما أربى على البحر وزادا
جاذَبوا العَلياءَ فانقادت لهم / يوم قادوها من الخيل جيادا
ولئن لانوا قلوباً خَشَعَتْ / فلقد كانوا على الكفر شدادا
أعْرَضوا عن عَرض الدنيا وما / زُوِّدوا غيرَ التقى في الله زادا
سادَةَ الدّنيا وأعلام الهدى / أكرمَ الخلق على الله عبادا
حَسْبُ آل البيت من مفتخر / ولَبيتِ المجد مذ أضحى عمادا
سيْد في الغرّ من أبنائهم / لمباني مجدهم شاد وسادا
منعمٌ أمرح في أنعامه / وإذا ما زدته بالشكر زادا
يا أبا سلمان يا ربَّ النَّدى / والأيادي البيض ما أعطى وجادا
قُدْتَها مستصعباتٍ في العُلى / قد أبَتْ إلاَّ لعلياك انقيادا
رُبَّ أنْفٍ شامخٍ أرْغَمْتَه / فاستحالت نارهُ فيك رمادا
قد جَنَيْتَ العزَّ غضاً يانعاً / ومضى يخرُط شانيك القَتادا
مَنَعَ الصدقُ أكاذيب العدى / فإذا خاضوا بها خاضوا عنادا
عَقَدَ الله به ألْسِنَةً / كانت الأمس على الزور حدادا
لستُ أستوفي ثنائي فيكم / ولو انِّي أجعل البحر مدادا
أنا ممن يرتجي إحسانكم / أبَدَ الدهر وإن مات وبادا
قد مَلأتُ الأرض فيكم مِدَحاً / ذَهَبَتْ في الأرض تستقري البلادا
كلَّما أنْشَدَها مُنْشِدُها / أطربَ الإنسانَ فيها والجمادا
ولقد ألتَذُّ في مدحي لكم / في الأحاديث وإن كانَ معادا
وإذا أمْلَقْتُ أيْقَنْتُ الغنى / ثقةً بالجود منكم واعتمادا
لامَني سَعْدُ على
لامَني سَعْدُ على / وجديَ في آل سُعادِ
فَذَرِ اللَّومَ ولا تعبأ / بِغَيٍّ أو رشاد
أنا في وادٍ ومَن / لام على الوجد بواد
قوَّضَ الركبُ صباحاً / وحدا بالركب حادي
فدموعي بانسكابٍ / وفؤادي باتّقاد
قادني الوَجْدُ وقد / كنتُ له صعب القياد
وإلى الجزع وأهل الج / زع هذا القلب صادي
فسقى الجزع ومن في / الجزعِ منهلّ الغوادي
قرَّبوا منِّي تَلافي / يومَ جَدُّوا بالبعاد
وأرادوا بنواهم / في الهوى غيرَ مرادي
حانَ حَيني يا رفيقيَّ / وأبناءَ ودادي
من نعيمٍ لعُيوني / وعذابٍ لفؤادي
هذه الغاية في الحبّ / لهاتيك المبادي
دُمْتَ بالنيشان والعيد سعيدا
دُمْتَ بالنيشان والعيد سعيدا / فترى أيَّامَك الغَرّاء عيدا
أَنْتَ قد ألَّفْتَ فيما بينهم / وأغظْتَ البَرْمَ والخصم الحسودا
تترقّى رُتَب المجد الَّتي / ترتقي فيك إلى المجد صعودا
أقْبَلَ الخيرُ علينا كلُّه / ولقد أوسَعنا قبلُ صدودا
يا أميراً في كرامٍ نُجُبٍ / فَضَلوا العالم إحساناً وجودا
كانَ روضُ الأنس روضاً ذاوياً / فَغَدا من فَضْلكم غَضًّا جَديدا
شملَتْهم رأفةٌ منك بهم / وألانتهم وإنْ كانوا حديدا
تلكَ أيَّام نحوس قد خَلَتْ / واستحالت في مزاياك سعودا
قلت يا عُنْقَ المعالي فَزَهَتْ / عُنْقاً منك إلى المجد وجيدا
وَقَفَ الرَّبْع على مُرْتَبَعٍ
وَقَفَ الرَّبْع على مُرْتَبَعٍ / قد خلا يا سعدُ من آل سعاد
ورسومٍ رحت أستسقي لها / من عيون الركب منهلَّ الغوادي
فبكاها كلُّ صبٍّ بدمٍ / نائباً عني وما ذاك مرادي
وهذيم لم يجد ممّا به / جَلداً وهو قويٌّ في الجلاد
فتعجبت على علمي به / أنَّه صَلْدُ الصفا واري الزناد
من صبابات جوًى أضمرها / ودموعٍ فوق خدَّيْه بوادي
قائلاً كيف مَضَتْ أيامنا / وهوًى لم يك منها بالمعاد
وانقضى المعهد فَلِمْ لا تنقضي / زفرات الوجد من هذا الفؤاد