هاجَ بَرقُ السَعدِ قَمَرِيَّ الهَنا
هاجَ بَرقُ السَعدِ قَمَرِيَّ الهَنا / فَتَغَنّى هَزجاً في هَزجِ
وَسَرَت بِاليُمنِ مِن رَوضِ المُنى / نِسمَةٌ هَبَّت بِطيبِ الأَرَجِ
وَحَمامُ البِشرِ غَنّى وَتَلا / سَيرُ اللَهوِ بِنادي الطَرَبِ
قَد رَقى مِنبَرُ بانٍ وَاِعتَلى / في مُروجٍ كَمُروجِ الذَهَبِ
فَهوَ لا يَنفَكُّ يُملي لِلمَلا / أَعنَقَت بِالحُزنِ عَنْقاً مُغرِبِ
بغناً ناهيك فيه من غنا / خمرة اللهو به لم تمزج
أترى معبد القى المدنا / لحمام السقط والمنعرج
فترى فيها الفضا لما ارتدى / وله من لامع البرق شنوف
يرقص القطر زفوناً إذ غدا / يضرب الرعد بجنبيه دفوف
وترى الآكام في قطر الندى / ظهرت في مده مثل الحروف
وترى فيه الرواسي سفنا / سبحت ما خرة في لجج
وترى الضب يؤم المكمنا / ثانياً برثنه لم يعج
وترى منتظم الطل السقيط / فيه بطن الواديين اتشحا
والصبا قد حملت عرف الخليط / ولذا كانت لقلبي أرواحا
فصلت هذي وذياك يخيط / مطرف الزهر فيكسو الأبطحا
إذ حدا الرعد يسوق المزنا / مثقلات كالظعين المدلج
ودعا عند محاني المنحنى / يا ربوع ابتشري وابتهجي
عارض الوسمي كم قد روضاً / وجه وهدٍ وكثيب أوعس
فكأن الماء لما غيضا / قيل يا أرض أبلعي ثم أكتسي
والبسي أخضر لكن فضضا / بالأقاحي فهو أسنى ملبس
الحمت آساً وسدت سوسناً / يد أزهار الربيع الأبهج
ثم حاكته تباهي اليمنا / هكذا صنعاء لا تنسجي
دولة للزهر ترتاح النفوس / في تجليها وفي أطوارها
أرغمت كرتها أنف المجوس / إذ تجلى الماء في أزهارها
كم ترى نجماً ولكن الشموس / ليس يخفيه سنا أنوارها
وترى وشياً يروق الأعينا / يرقص الأغصان رقص الغنج
والشقيق الغض يصبي الغصنا / إذ بدا في خده المنفرج
والثريا مثل كف بضة / للدجى أو مت فلباها الغسق
أو كعنقود بدا من فضة / قد جلاه الإفق فالأفق طبق
وسهيل خد خود غضة / لثمت فاحمر منها وخفق
أو كقلب بالملاح افتتنا / فهو خفاق كثير الوهج
بات ينزو مستطيراً شجنا / إذ أتى الليل بظل سجسج
واتانا بعد صد ونفار / وأصلاً حبلي به من قطعا
زار ليلاً فغدا الليل نهار / قمر في أفق شعر طلعا
كلما حط عن الثغر الخمار / شيم برق بالثنايا لمعا
فارتجينا غيث أنس هتنا / يرتوي منه أوام المرتجي
وقرعنا ثم أبواب الهنا / ففتحنا كل باب مرتج
وغدا البدر إليه يستشيط / رام أن يفضحه فافتضحا
أخجل البدر فذا الطل السقيط / عرق من وجهه قد رشحا
ولئن سح على وجه البسيط / فبمنديل الدجى قد مسحا
وهو لو أنصفه كان دنا / وتدلى في مكان الدملج
أم رأى القرط يؤد الأذنا / ورأى الساق بحجل حرج
ونديمي في أوانيه سعى / ذو بنان راق في تطريفه
وفر البذل علينا إذ رعى / عهده فأزور من تطفيفه
طاف بالصغرى وبالكبرى معا / معجب الصنعة في تأليفه
فهو لي بشرى بإتناج المنى / إذ سعى نحوي بشكل منتج
جابراً صدعي فيه مذ دنا / يصدع الليل بوجه أبلج
وأباريق إذا ما عربدت / أشرقت أكؤسها بين الرياض
بابنة الكرم علنيا قد بدت / فافتضضنا ختمها لا عن تراض
زوجت من غير عقد فغدت / تنتج اللؤلؤ من غير مخاض
فانجلت أفراخ در بيننا / حضتها كف ذات الدملج
أمها في فرع كرم تجتني / وأبوها من نطاف الحشرج
دع سلاف الخمر في تصفيقه / وارتشف من ثغره خمر أتروق
حبذا شرب الطلا من ريقه / أنها أعذب ما يحسو المشوق
لم يدنسها صدا أبريقه / فلذا ساغت صبوحاً وغبوق
إذ غدا يحسو رضاباً وجنى / من ثنايا شعشعت بالبلج
تلك للمضنى بها برء الضنى / وبلال لغليل الوهج
كلما ارتج وهي رمل الكثيب / خجلاً من موجة في ردفه
وإذا ماس انحنى الغصن الرطيب / طرباً في هزة من عطفه
فإذا ريح الصبا هبت قريب / طار قلبي خشية من قصفه
وإذا ما كسر اللحظ لنا / فتكت الحاظه بالمهج
كم رماني بسهام إذ رنا / ذلك الريم بطرف أدعج
قائلاً لما جلا لي شنفه / شم بن برق المنى يا مبتغي
قلت ورد الخد أبغي قطفه / قال يا عقرب صدغي ألدغي
قلت يا نفس ترجي عطفه / أو كل البذل لوا والأصدغ
فغدا يضحك مني وانثى / ينظم القول باسلك الغنج
قال طب نفساً فقد نالت المنى / ما على أهل الهوى من حرج
قسماً بالراقصات الضمر / تترامى للمصلى والحجون
وبما يحملن من معتمر / مسعر القلب بنيران الشجون
بادر النسك بقلب مقصر / وقضى من منسك الحج شؤون
وبمن بات ثلاث بمنى / ضارعاً في همه المعتلج
ذاهل اللب عناه ما عنى / فالتجا حيث يغاث الملتحي
ومبيت الركب في روضة خاخ / بي أحقاف النقا والأبرق
وبمن يقنص من غير فخاخ / متهمات كل ركب معرق
كم مول ثار عن قلب أناخ / فهي أشتات به لا تلتقي
كم رأت عيناي وجهاً حسنا / بين هاتيك الربي والفرج
من ظباء الخيف إذ عنت لنا / بين أدماء وخشف أدعج
وبمسرى العيس للحادي اللجوج / قد كساها الليل ثوب الحلك
في بدور أشرقت بين الحدوج / قد سبت حسناً بدور الفلك
تخذت من فاحم الشعر بورج / وحباك الرمل ذات الحبك
في قدود كأنابيب القنا / بسوى الأدلال لم تنعوج
كم رأى من جاء ذاك الظعنا / بدر تمٍ مشرق في هودج
وبمن يجررن ربط الأزر / يختلسن الخطو تيهاً لا حذرا
كل غيداء سعت للمشعر / قد جلا معصمها رمي الجمار
وانثنت في بدنها للمنحر / ولها أشفار عينيها شفار
ليت شعري لم تسوق البدنا / أو لم تفد بسفك المبهج
كل من حج لديها افتتنا / قد أصاب البر من لم يحجج
لقد أثاقلت عن دين الهوى / وتخلت من يدري أمراسه
إذ ذوي غصن شبابي فالتوى / ونسيمي ركدت أنفاسه
أو للغيد أرى نهجاً سوا / والصبا قد عريت أفراسه
كان ذاك الورد غصن المجتنى / وشفيعاً مولياً ما أرتجي
خلته يبقى فلم يبق لنا / وتقضي ليله في دلج
أيها المضني لركب أوجفا / وزمان عنك فابت شمسه
دعه واسل ويك عما سلفا / واقتبل دهراً جديداً أنسه
إن موسى مذ أحال الشرفا / طبق الدنيا سروراً عرسه
وبه قد راق بل رق لنا / مشرع الأفراح عمر الحجج
إن موسى ونشيدي والهنا / أرج في أرج في أرج
كان لولا فضل موسى مدركي / وأياديه التي أعيت أياد
مغرقي دمعي وشوقي مهلكي / للحبيبين شبابي وسعاد
باليد البيضاء أضحى ممسكي / إذ طغى فرعون حزني في الفؤاد
ولقد دك به طوط العنا / إذ بدا في نوره المنبلج
وهو من ياس وكرب قرنا / كان لي باب الرجا والفرج
رد غرب الشوق في فرحته / وهو بحر كان لما انبجسا
فاتل ما قد جاء في مدحته / جعل البحر طريقاً يبسا
وسرى سرحي إلى سرحته / وعليه ركب شوقي حبسا
قالت الآمال قف بي ههنا / وعلى وادي طواه عرج
في ذرى جانب طور أيمنا / هو كهف الملتجي للملتجي
كنت لم آلف لدار مألفا / أو أرى الحسناء من ألافه
ولكم كلفت ركبي نفنفا / لم تحم طير على أكنافه
أوطأت حرته نضوي حفا / فسقى الترب دما أخفافه
تارة شاماً وأخرى يمناً / مولعاً في مدخل أومخرج
تهت في وادي التصابي زمنا / وهو أفضاني لأهدي منهج
فأنا أشكره ما اخضر عود / إنما الشكر جزاء المنعم
وأهنيه بنظم كالعقود / كان سراً في ضمير الحكم
قارنت بدر الهدى شمس السعود / فتهانينا بنظم الأنجم
واستنارا بسناء وسنا / فأضاءا غسق الليل الدجي
مذ أتت تطوي الظلام المردنا / تتحرى منه أهدى منهج
بذخت في نسب من أحمد / فهي للجمرة من عدنانه
لشعيب ما اتنمت في محتد / لا ولم ترع له في ضانه
لم تقف ذائدة عن مورد / لا ولا اجتازت على أوطانه
بالغريين لها لا مدينا / منزل سامٍ رفيع الدرج
تألف الأملاك منه مأمنا / فيه ما نام القطا لم يزعج
وهو من في موسم العليا اتجر / وتجارات المعالي لن تبور
فيه للعافين كنز مدخر / إن رمت في أزمة قوس الدهور
وهو للأمال بحر قد زخر / تغرق الشعري به وهي العبور
حاز من شم المعالي القننا / وبه غير العلى لم تعرج
ذاك نهج قد نبا واستحزنا / عدلت عنه بنات الأعوج
فمتى كوكب نوءٍ أكذبا / ناكثاً في حلفه عهد العهاد
وبروق المزن كانت خلبا / وغدا البدو يكدون الثماد
وأديم الأرض أضحى أشهبا / حيث تنصاح الروابي والوهاد
كنت فيه المجتدي والمجتنى / منه أزهار الربيع الأبهج
وسجايا تمطر الناس غنا / ظل من في بابه لم يلج
قل لمن جاراه يبغي القصبا / حازها موسى فلم تستبق
فإذا ما البزل وافت خببا / قصرت عن شأوهن الحقق
وإذا البر ذون جاري سلهبا / رد مجراه مضيق أزلق
ليس من جاراه إلا زمنا / مقعداً في شلل أو عرج
وهو كالبرق وإن كان ونى / فهو كالهوج سرت في مدرج
ففتى فاراب في تعليمه / لم يكن من مسكه إلا أريج
يبهز الكندي في تنجيمه / وهو لا واللَه لم ينظر بزيج
ينزع الخصم إلى تسليمه / ولكم خاصم أساداً تهيج
فهو إن جادل أو قال أنا / سطعت حجته بالفلج
وإذا ما غالطوه برهنا / أي وعينيه بأقوى حجج
فابن سينا لم يكن في علمه / مثل من في طور سيناء ارتقى
وإياس قطرة في يمه / وأويس لا يدانيه تقى
وابن قيس لم يقس في حلمه / وكذا قس إذا ما نطقا
لا تقسه في سواه علنا / ليس كالحرة لحب المنهج
أم ترى البدر كليل أدكنا / أم شذا المسك كريح العرفج
عرقت فيه البهاليل ومن / عرقت فيه البهاليل نجب
نسب أشرق في أفق الزمن / شهباً تهزأ من ضوء الشهب
من كرام عم شاماً ويمن / نيلهم فهو كأنواء السحب
كل جيد طوقوه مننا / مشرقات في الدجى كالسرج
لم يزل ربعهم ربع الهنا / ومغانيهم مغاني الملتجي