القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : علي محمود طه الكل
المجموع : 3
قبلةٌ من ثغركِ الباسمِ دنيا وحياةُ
قبلةٌ من ثغركِ الباسمِ دنيا وحياةُ /
تلتقي الروحانِ فيها والمُنَى والصَّبواتُ /
لُغَةٌ وُحِّدَتْ الألسنُ فيها واللغاتُ /
نبعها القلب ومجراها الشفاه النضراتُ /
لغة قرَّ الشتيتُ الشملِ فيها وتواءَمْ /
وبها الأعينُ في غير حديثٍ تتفاهمْ /
مَنْ تُرى علّمها بالأمسِ حواءَ وآدمْ /
لمْ تَزُلْ جِدَّتُها وهيَ حديثٌ يتقادمْ /
قبلةٌ من ثغرِك الباسمِ رفَّتْ شفتاهُ /
من رحيقٍ لم يُحرِّمه على الناسِ الإلهُ /
كلما أُترِعَ منه القلبُ ضجَّتْ رئتاهُ /
مستزيداً وهوَ إن علَّ به زادَ صداهُ /
قبلةٌ من ثغركِ الباسمِ تمحو كلَّ ما بي /
وتواريني عن الناسِ وعن دنيا العذابِ /
وتُنَسِّي القلبَ ما جرَّعَ من سمٍ وصابِ /
قبلةٌ تمزجُ أنفاسَكِ بالقلبِ المُذابِ /
رُبَّ ليلٍ مرَّ أفنيناهُ ضماً وعناقا /
وأدرنا من حديثِ الحبِّ خمراً نتساقى /
في طريقٍ ضرَبَ الزَّهرُ حواليه نطاقا /
وتجلَّى البدرُ فيه وصفا الجوُّ وراقا /
ولزمنا الصمتَ إلَّا نظراتٍ تتكلمْ /
وشفاهاً عن جراحِ القلب راحتْ تتبسمْ /
صِحْتِ بي رعباً وما راعكِ قلبٌ يتحطّمْ /
نبأتني النفسُ بالبينِ غداً والنفسُ تُلهمْ /
ثم كان الغدُ ما نُبِّئتِ هجراً وفراقا /
ونسينا قبلةً ساغتْ على الأمسِ مذاقا /
غيرَ أناتٍ صحا القلبُ عليها وأفاقا /
فالتقينا وافترقنا وكأنْ لمْ نتلاقا /
بعد خمسٍ جِئتنِي يا ذكرياتي
بعد خمسٍ جِئتنِي يا ذكرياتي / والأماني بين موتٍ وحياةِ
بعد خمسٍ يا لها في السنواتِ / حمَلتْ كلَّ ذنوب الكائناتِ
صَاح فيها زُحَلٌ بالظلماتِ / فطوتْ نجمي وسدَّت طُرقاتي
ورمَتْ شملي ببينٍ وشتاتِ / والصِّبا نشوانُ والحبُّ مؤاتي
فاحفظيها في المآسي الخالداتِ / أو دعيها واذكري لي خطراتي
أرجعي لي بعضَ أحلامي وهاتي / صفَو أنغامي وردِّي صدحاتي
حدِّثي ليلة خُضْنا الأبيضا / في سكونٍ خِفْتُه أن ينبضا
ودُجىً كالسُّخط من بعد الرضى / قد دعونا نجمَه أن يُغمضا
جثم الرعبُ عليه فنضا / لججاً سوداً وظلاً مُقبِضا
كلما عودُ ثقابٍ أومضا / دفعَ النيلَ وأرغى ومضى
يُنْذِرُ الركب فماجوا رُكَّضا / وادَّعى منهم خبيثٌ عرَّضا
أنَّ نجماً هتلريا مُغْرِضا / شعَّ ناراً وتوارى في الفضا
ذكرياتي كيف أقبلتِ إليَّا / كيف جُزْتِ البرَّ والبحرَ القصيَّا
كيف خُضْتِ الكون لجّاً دمويّاً / وشُواظاً طاغيَ النار عتيَّا
ذكرياتي جدِّدي هذا الرويَّا / وابعثيهِ نغماً عذباً شجيَّا
ما عجيبٌ أن تردِّيهِ عليَّا / بل عجيبٌ أنني لا زلتُ حيَّا
أتلقَّاكِ وكأسي في يديَّا / ونشيدي ضارعٌ في شفتيَّا
طاف بي شاديكِ يدعوني مَليَّا / أيها الملَّاحُ حان الوقتُ هيَّا
حان أن ننشر خفّاق الشراعِ / يا سفيني ويكِ هيَّا لا تُراعي
قد تدانى البحرُ من بعد امتناعِ / وغَدَتْ فينيسيا قيدَ ذراعِ
هذه الجنّةُ يا ويح الأفاعي / نفثتْ في زهرها سُمَّ الخداعِ
آه دعني من أحاديث الصراعِ / ضاع عمري ويحَ للعمر المضاعِ
فالتمس نَهزَةَ حُبٍّ ومتاعِ / تحت أُفْقٍ صادحٍ صافي الشعاعِ
يا شراعي طُفْ بهاتيك البقاعِ / وتهيَّأ للقاءٍ ووداعِ
أيُّها البحر سفيني ما عَراها / رنَّحتها نبأةٌ رقَّ صداها
أو حقّاً قَرُبتْ من منتهاها / هذه المحنةُ وانجاب دُجاها
أغداً تستقبل الدنيا مُناها / حرَّةً تشدو بمكنون هواها
وأرى حُريّة عَزَّ حماها / لم يُضِعْ عقباه من مات فداها
أيها الشرق تأملْ أتراها / أنت من داراتها أين سناها
ذُدْتَ عنها وتقدمتَ خُطاها / يوم قالوا خَسرَ الحربَ فتاها
أيَّ بشرى زفَّها أرخم لحنِ / من تُراه ذلك الطيف المغنِّي
مسَّ قلبي صوتُهُ إذْ مسَّ أُذني / ألِحُبٍّ أم لسلمٍ أم تمنِّي
يا بشير السِّلم لا يكذِبْكَ ظنِّي / أنا ظمآنُ إلى الشدو فزِدني
عبرتْ بي الخمسُ في صمت وحزنِ / أيُّ خمسٍ بعدها تمتدُّ سِنِّي
صاح قلبي إنْ تدعْني لستَ منِّي / إفتح الباب ونحِّ القيد عنِّي
آهِ دعني أُبصر العالم دعني / قد سئمتُ اليوم في أرضيَ سجني
ما ثوائي في مكانٍ ما ثوائي / هو ذا الفجرُ فهبُّوا أصدقائي
إفتحوا نافذتي عَبْرَ الفضاءِ / إفتحوها لأرى لونَ السماءِ
في ظلالِ السِّلم أو نورِ الصفاءِ / حنَّ قيثاري لشعري وغنائي
فانشدوني بين أمواج الضياءِ / وانشدوا فوق البحيرات لقائي
لا تقولوا كيف يشكو من بقاء / شاعرٌ في موطنٍ حالي الرواءِ
قد ظلمتم دعوتي يا أصدقائي / وجهلتم ما حياةُ الشعراءِ
يا ابنة الإِيزار حُيِّيتِ سلاما / وغراماً لا عتابا ولا ملاما
هذه الحربُ التي راعت ضراما / شَبَّها طاغٍ بواديكِ أقاما
ذُقتِ في الغربة وجداً وسَقاما / أتُراها لم تَطِبْ مصرُ مُقاما
مصرُ كانت لمحبِّيها دواما / لم تُضِعْ عهداً ولم تخفُرْ ذماما
فاذكري في الغد أحباباً كراما / إنْ ألمَّت بك ذكراها لماما
واذكري بعض لياليها القُدامَى / في ضفافٍ حَمَلَتْ عنك الهُياما
في ضفافٍ كلُّ ما فيها جميلْ / تُنبِتُ الحبّ وتُنمي وتُنيلْ
يخطرُ الفجر عليها والأصيلْ / بين صفصافٍ وحورٍ ونخيلْ
يَدُ هاتور على كل جميلْ / تنشر النُّوَّارَ في كلِّ سبيلْ
وأزوريسُ على الشطِّ الظليلْ / يَعْصُرُ الخمرَ ويسقِي السلسبيلْ
هذه مصر دياراً وقبيلْ / ألها في هذه الدنيا مثيلْ
عجباً لي وعجيبٌ ما أقول / كيف يدعوني غداً عنها الرحيلْ
هاتِها كأساً منَ الخمر التي
هاتِها كأساً منَ الخمر التي /
سَكِرَتْ آلهةُ الفنِّ بها /
إسقنِيها وتفيَّأ ظُلَّتي /
وترنَّمْ بأغاني حُبّها /
هذه النكهةُ من صَهْبائها /
شبَعُ الرُّوح ورِيُّ الجسدِ /
عربد الشَّاعرُ منْ لألائها /
وهيَ كنزٌ في ضميرِ الأبدِ /
هاتِها في كلِّ يومٍ حَسَنِ /
نفحةَ الوحيِ وإشراقَ الخيالِ /
وأدِرْها نغماً في أُذني /
فاض من بين سحابٍ وجبالِ /
هاتِها سِحْرَ الوُجوهِ النَّضِراتِ /
هاتِها خمْرَ الشّفاهِ الملهماتِ /
والعيُونِ الشَّاعريَّاتِ اللَّواتي /
شعْشَعَتْ بالنُّورِ آفاقَ حياتي /
ذقتُها كالحُلمِ في ريِّق عُمري /
قُبْلةً عذراءَ من ثغْرٍ حييِّ /
وتَسمَّعتُ لها في كلِّ فجرِ /
وهي تنهَلُ بإلهامي الوضيِّ /
هاتِها جَلواءَ يا توأمَ روحي /
فيها أبصرُ للخُلدِ الطَّريقا /
لو خَلا من كرْمتَيْها فُلكُ نوحِ /
أخطأ الجوديَّ أو باتَ غريقا /
ما أراها أخطأتْ في وهمِنا /
عالَم الغابةِ أو مَهْد الجدودِ /
وأراها خِلقةً في دمنا /
يوم كُنَّا بعضَ أحلام القرودِ /
جَدُّنا الأعلى على كُبرتهِ /
لم تشِنهُ نظرةُ المنتقصِ /
هُوَ ما زالَ على فِطرَتِهِ /
ضَاحكاً خَلفَ حديد القَفصِ /
ذاقَها مُذْ كان في الغاب لعوبا /
يتغذّى من ثمار الشَّجرِ /
فمضى يحلُمُ نشوانَ طروبا /
بحفيدٍ في مراقي البشَرِ /
يا لها من قطرةٍ فوق شَفَهْ /
غيّرتْ مجرَى حياةِ العَالمِ /
في خَيالٍ مَرحٍ أو فلسفَهْ /
أبصرَ الدُّنيا بعيني آدمِ /
فلسفتهُ حين مَسَّتْ قلبهُ /
فاشتهى الفنَّ وعِلمَ المنطقِ /
وأرتهُ وأنارتْ دَرْبَهُ /
وهو في سُلَّمهِ لم يَرْتقِ /
أيها الحالمُ غرَّرتَ بنا /
وكفى سُكركَ ما جرَّ علينا /
عُدْ بنا للغابِ أو هاتِ لنا /
عهدَها أحْبِبْ به اليوم إلينا /
أوَ ترضى بالذي ما كُنْتَ ترضى /
أيُّ دنيا من عذاب وشقاءْ /
ورقيٍّ أهْلَكَ العالم بُغضا /
بين نارٍ وحديدٍ ودماءْ /
شوَّه العِلْمُ رُؤى الكونِ القديمِ /
ومحا كلَّ مسراتِ الدهورْ /
أو أرضٌ جوفها نارُ جحيمِ /
وفضاءٌ كلُّ ما فيهِ أسير /
أسرةُ الشمسِ اشتكت من أيْدها /
كيف لا يشكو الأسارى المرهَقونْ /
لو أطاقوا أفلتوا من قيدها /
فإذا هم حيث شاؤوا يُشرقونْ /
إن يكن قد أصبحَ البدر الوضيءُ /
حجراً والنجمُ غازاً وحديدْ /
فسلاماً أيها الجهلُ البريءُ /
وعزاءً أيها الكونُ الجديدْ /
يا حبيبي دَعْ حديثَ الفلسفاتِ /
طاب يومي فتفيِّأ ظُلَّتي /
أترِعِ الكأسَ وناولني وهاتِ /
قُبْلَة تُنقذني من ضَلَّتي /
أو فقُمْ للغابِ من غِرِّيدها /
نسمّعِ الرُّوح الطليقَ المرِحا /
وَنَعُبَّ الخمرَ من عُنقودها /
واتركِ الدنَّ وخلِّ القدَحا /

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025