عندما ظلَّلني الوادي مساءَ
عندما ظلَّلني الوادي مساءَ / كان طيفٌ في الدجى يجلس قربي
في يديه زهرةٌ تقطرُ ماءَ / عَرفتْ عيني بها أدمعَ قلبي
قلتُ من أنتَ فلبَّاني مجيبا / نحن يا صاحِ غريبانِ هنا
قد نزلنا السهلَ والليلَ الرهيبا / حيث ترعاني وأرعاكَ أنا
قلت يا طيفُ أثرتَ النفس شَكا / كيف أقبلتَ وقُلْ لي من دعاكَا
قال أشفقتُ من الليلِ عليكا / فتتبَّعْتُ إلى الوادي خُطاكا
ودنا مني وغنَّاني النشيدا / فعرفتُ اللحنَ والصوتَ الوديعا
هو حُبِّي هامَ في الليل شريدا / مثلما هِمْتُ لنلقاكَ جميعا
وتعانقنا وأجهشنا بكاءَ / وانطلقنا في حديثٍ وشجونْ
ودنا الموعدُ فاهتجنا غناءَ / وتنظّرناكَ والليلُ عيونْ
أقبلَ الليلُ فأقبِلْ موهنا / والتمسْ مجلسنا تحتَ الظلالِ
وافِني نصدحْ بألحانِ المنى / ونعب الكأسَ من خمر الخيالِ
أقبلِ الليلةَ وانظر واسمعِ / كلُّ ما في الكونِ يشدو بمزارِكْ
جئتُ بالأحلامِ والذكرى معي / وجلسنا في الدجى رهنَ انتظاركْ
سترى يا حسنُ ما أعددتُه / لكَ من ذخرٍ وحسن ومتاعِ
هو قلبي في الهوى ذوَّبته / لكَ في رفَّافِ لحنٍ وشعاعِ
وهو شعرٌ صَورتْ ألوانُه / بهجةَ الفجرِ وأحزان الشفقْ
ونشيدٌ مثَّلتْ ألحانُهُ / همساتِ النجم في أُذْن الغسقْ
ذاك قلبي عارياً بين يديكْ / أخذتْهُ منك روْعاتُ الإله
فتأملْه دماً في راحتيكْ / وذَماءً منكَ يستوحي الحياهْ
باكيَ الأحلامِ محزونَ المنى / ضاحكَ الآلام بسّامَ الجراحْ
لم يكن إلَّا تقياً مؤمنا / بالذي أغرى بحبيكَ الطماحْ
يتمنَّى فيكَ لو يَفْنى كما / يتفانى الغيمُ في البحرِ العُبابْ
أو يُلاشي فيك حَيّا مثلما / يتلاشى في الضحى لُمح الشهابْ
زهرةٌ أطلعها فردوسُ حُبِّكْ / استشفَّتْ فجرَها من ناظريكْ
خفقت أوراقُها في ظلِّ قربِكْ / وسَرَتْ أنفاسها من شفتيكْ
هيَ من حسنكَ تحيا وتمونْ / فاحمِها يا حسنُ إعصارَ المنونْ
أوْلها الدفءَ من الصدرِ الحنونْ / أو فهبْها النورَ من هذي العيونْ
دمعُها الأنداءُ والعطرُ الشَّجا / وصدى أنَّاتِها همسُ النسيمْ
فاحبُها منكَ الربيعَ المرتجى / تصدحِ الأيامُ باللحنِ الرخيمْ