المجموع : 5
أَنتِ يا نَفسُ أَنيبي
أَنتِ يا نَفسُ أَنيبي / آبَتِ الشَمسُ فَأوِبي
ما لِمُؤسى عِندَ صَبِّ / حاجَةٌ فَاِغلي وَذوبي
وَاِقبَلي ما طابَ مِنها / وَإِذا تابَت فَتوبي
بَعَثَت سَلمى عَلَينا / فِتنَةً عِندَ المَشيبِ
وَبَراني الحُبُّ حَتّى / كَثُرَت فيها نُحوبي
أَنا مَشغوفٌ بِسَلمى / كَالنَصارى بِالصَليبِ
لَيسَ ما قَرَّبَ مِنّي / صاحِبي لي بِالقَريبِ
مِن هَوى سَلمى سَبَتني / واحِدٌ مِثلَ الغَريبِ
لا أُرَجّي الرَوحَ إِلّا / عِندَ غَيباتِ الرَقيبِ
لَقِيَ القَلبُ بِسَلمى / عَجَباً فَوقَ العَجيبِ
أَخصَبَت عِندي وَإِنّي / عِندَها غَيرُ خَصيبِ
مِن هَوانٍ غَيرِ فانٍ / أَنزَلَتني في الجُدوبِ
قَلَبَت لي الريحَ سَلمى / شَمأَلاً بَعدَ الجَنوبِ
وَكَذاكَ الدَهرُ صَعبٌ / بَينَ خَفضٍ وَرُكوبِ
لَو بِها ما بي إِلَيها / مِن حَنينٍ وَنَحيبِ
أَقبَلَت إِقبالَ صادٍ / راعَهُ صَوتُ المُهيبِ
اِسلَمي يا سَلمَ يَوماً / وَاِكشِفي بَعضَ كُروبي
لا تَعُدّي الحُبَّ ذَنباً / لَيسَ حُبّي مِن ذَنوبي
إِنَّما الحُبُّ بَلاءٌ / وَشَكاةٌ في القُلوبِ
فَإِذا غُمَّ تَنَفَّس / تُ فَأَوهَينَ جُنوبي
إِنَّ مَن لامَ مُحِبّاً / في الهَوى غَيرُ مُصيبِ
وَلَقَد قُلتُ لِسَلمى / إِذ تَعَيّاني طَبيبي
لَيسَ وادٍ مِن سُلَيمى / لِمُحِبٍ بِعَشيبِ
لَيتَ لي قَلباً بِقَلبي / وَحَبيباً بِحَبيبي
فَلَعَلَّ القَلبَ يَصحو / وَيُواتيني لَعيبي
فَلَقَد هَيَّجَ شَوقي / ريحُ رَيحانٍ وَطيبِ
بِتُّ مِن نَفحَةِ عودٍ / شُبِّبَت لي بِثَقوبِ
لاهِياً عَن كُلِّ ساقٍ / وَأَكيلٍ وَشَريبِ
أَبتَغي سَلمى وَأَخشى / نَظَرَ الرائي المُريبِ
أَشتَهي لَو أَنَّها كا / نَت مِنَ الدُنيا نَصيبي
طالَ في هِندٍ عِتابي
طالَ في هِندٍ عِتابي / وَاِشتِياقي وَطِلابي
وَاِختِلافي كُلَّ يَومٍ / بِمَواعيدَ كِذابِ
كُلَّما جِئتُ لِوَعدٍ / كانَ مُمسىً في تَبابِ
أَخلَفَت حينَ أُريدَت / مِثلَ إِخلافِ السَرابِ
لامَني فيها يَزيدٌ / وَجَفا دونَ صِحابي
قُلتُ لِلّلائِمِ فيها / غَصَّ مِنها بِالشَرابِ
لا تُطاعُ الدَهرَ فيما / قَد عَناني بِقُرابِ
لَيتَ مَن لامَ مُحِبّاً / وَرَماهُ بِاِعتِيابِ
أَرهَقَت هِندٌ حَياتي / ما لِهِندٍ مِن مَتابِ
نالَهُ اللَهُ بِسُقمٍ / شاغِلٍ أَو بِعَذابِ
حَبَلَتني بِمُناها / وَرُقاها فَالخِلابِ
كَيفَ لا تَأوي لِشَخصٍ / هائِمِ القَلبِ مُصابِ
دَنِفٍ في حُبِّ هِندٍ / ذي شُكاةٍ وَاِنتِحابِ
دَخَلَ الحُبُّ لِهِندٍ / قَلبَهُ مِن كُلِّ بابِ
لَيتَ لي قَوساً وَنَبلاً / حينَ تَربا حُبابي
فَأُصيبُ القَلبَ مِنها / بِمُحَدّاتٍ صِيابِ
مِن سِهامِ الحُبِّ إِنّي / أَشتَهيها لِلحِبابِ
وَلَقَد تامَت فُؤادي / بِصُدودٍ وَاِجتِنابِ
يَومَ قامَت تَتَهادى / بَينَ إِتبٍ وَسِخابِ
أَملَحُ الناسِ جَميعاً / سافِراً أَو في نِقابِ
كَمُلَت في العَينِ حُسناً / وَجَمالاً في الثِيابِ
اِذكُري لَيلَةَ نَلهو / في رُعودٍ وَسَحابِ
وَحَديثاً نَصطَفيهِ / في عَفافٍ وَتَصابي
وَرَسولاً باتَ يَسري / في هَواكُم بِالكِتابِ
يُنذِرُ العاشِقَ حَتّى / نَصَبوا حَدَّ الحِرابِ
مِن عَدُوٍّ نَتَّقيهِ / وَبَني عَمٍّ غِضابِ
طَرَقَت حُبّي بِهَمٍّ / كادَ يُنسيني مَآبي
وَاِستَرادَتني عَلى الهَو / لِ بِطاعونِ الشَبابِ
يَومَ قالَت تَحذَرُ العَي / نَ عَلى ذاتِ الحِجابِ
كُن غُراباً حينَ تَأتي / بَينَنا أَو كَغُرابِ
حَذَرَ العَينِ فَإِنّا / لَم نَكُن أَهلَ مَعابِ
فَتَحَضَّرتُ بِنَفسي / نَحوَها دونَ القِرابِ
فَاِلتَقَينا بِحَديثٍ / مِن شَكاةٍ وَعِتابِ
مَنطِقٌ مِنها وَمِنّي / غَيرُ تَحقيقِ سِبابِ
قُلتُ لَمّا بَرَّحَت بي / لَم يَكُن هَذا اِحتِسابي
حَيثُ أَرجوكُم فَسُمتُم / زَورَكُم سَوطَ عَذابِ
لَيتَني قَبلَ هَواكُم / كُنتُ في بَطنِ التُرابِ
فَبَكَت هِندٌ وَقالَت / حِبِّ لا تُنكِر خِطابي
غِلظَةٌ بَعدَ التَلاقي / بَعدَها لينُ جَوابِ
وَأَخٍ ذي ثِقَةٍ آخَيتُهُ
وَأَخٍ ذي ثِقَةٍ آخَيتُهُ / ماجِدِ الأَعراقِ مَأمونِ الأَدَب
أَمحَضَ اللَهُ لَهُ أَخلاقَهُ / فَهيَ كَالإِبريزِ مِن سِرِّ الذَهَب
عَزَّني المَعروفُ حَتّى عَلِقَت / كُلُّ كَفٍّ لِيَ مِنهُ بِسَبَب
فَهوَ يُعطيني وَأُعطى فَضلَهُ / سَبَلَ الغَيثِ تَدَلّى فَسَكَب
فَإِذا أَبصَرَ وَجهي مُقبِلاً / ضَحِكَت عَيناهُ مِن غَيرِ عَجَب
وَإِذا كَلَّمتُهُ واحِدَةً / هَيَّجَت مِنهُ عُلالاتِ الطَرَب
وَإِذا ما غِبتُ عَنهُ ساعَةً / أَنَّ لِلغَيبَةِ مِن غَيرِ وَصَب
فَهوَ لي وَالحَمدُ لِلَّهِ غِنىً / وَعَفافٌ مِن دَنِيِّ المُكتَسَب
مِن تِجاراتٍ أَشابَت مَفرِقي / وَكَسَتني ثَوبَ ذُلٍّ وَنَصَب
وَمُلوكٍ إِن تَعَرَّضتُ لَهُم / عَرَّضوا ديني وَشيكاً لِلعَطَب
آبَ لَيلي لَيتَ لَيلي لَم يَأُب
آبَ لَيلي لَيتَ لَيلي لَم يَأُب / إِنَّما اللَيلُ عَناءٌ لِلوَصِب
أَرقُبُ اللَيلَ كَأَنّي واجِدٌ / راحَةً في الصُبحِ مِن جَهدِ التَعَب
وَلَقَد أَعلَمُ أَنّي مُصبِحٌ / مِثلَما أَمسَيتُ إِن لَم تَحتَسِب
فَأَرَتني ثُمَّ شَطَّت شَطَّةً / تَرَكَت قَلبي إِلَيها يَضطَرِب
ما أَقَلَّ الصَبرَ عَنها بَعدَما / كَثُرَت فينا أَحاديثُ العَرَب
قِرَّ عَيناً بِحَبيبٍ نَظرَةً / لا يُقِرُّ العَينَ إِلّا ما تُحِب
وَكَلَت بي جارَتي أَسهودَةً / شَرَّ ما وُكِّلَ بِالجارِ الجُنُب
وَنَصيحَينِ أَلَمّا باكِراً / بِطَبيبٍ وَطَبيبي المُجتَنَب
سَأَلاني وَصفَ ما أَلقى وَلا / أَستَطيعُ الوَصفَ إِنّي مُكتَئِب
غَيرَ أَنّي قُلتُ في قَولِهِما / قَولَةً أَخفَيتُها كَالمُنتَيِب
بَيَّنا مِن قُربِهِ لي حاجَةً / ثُمَّ لا يَقرُبُ وَالدارُ صَقَب
يا خَليلَيَّ أَلِمّا بي بِها / نَظرَةً ثُمَّ سَلاني عَن وَصَب
شُغِلَت نَفسِيَ عَن وَصفِ الهَوى / بِاِشتِياقي أَن أَراها وَطَرَب
فَاِترُكا لَومي فَإِنّي عاشِقٌ / كَتَبَ اللَهُ عَلَيهِ ما كَتَب
وَلَقَد قُلتُ لِقَلبي خالِياً / حينَ لَم يَلقَ هَواها وَدَأَب
أَيُّها الناصِبُ في تَطلابِها / بَعدَ هَذا ما تُبالي ما نَصَب
لا يُريدُ الرُشدَ إِلّا ناصِحٌ / وَيَلي قَتلَكَ إِلّا مَن تَعِب
كِل لِمَن يُقصيكَ مِثلاً صاعَهُ / وَإِذا قارَبَ وُدّاً فَاِقتَرِب
وَاِلقَ مَن قَد ذاقَ فيما لَم يَذُق / لا يُداوي السُقمَ إِلّا مَن يَطِب
قَتَلَتني فَأَبى قَلبي وَقَد / آنَ ما كَلَّفَني حَتّى أَحَب
فَهيَ عَجزاءُ إِذا ما أَدبَرَت / وَإِذا ما أَقبَلَت فيها قَبَب
لَم تَرَ العَينُ لِعَينٍ فِتنَةً / مِثلَها بَينَ جُمادى وَرَجَب
تَيَّمَتني بِقَوامٍ خُرعُبٍ / وَبِدَلٍّ عَجَبٍ يا لَلعَجَب
صورَةُ الشَمسِ جَلَت عَن وَجهِها / بَعدَ عَينَي جُؤذَرٍ في المُنتَقَب
حُلوَةُ المَنظَرِ رَيّا رَخصَةٌ / بَعَثَ الحُسنُ عَلَيها أَن تُسَب
تَأمَنُ الدَهرَ وَلا تَرجو لَنا / فَرَجاً مِمّا بِنا ذاكَ الكَذِب
كَم رَأَينا مِثلَها في مَأمَنٍ / قَلَبَ الدَهرُ عَلَيهِ فَاِنقَلَب
لا يَغُرَّنَّكَ يَومٌ مِن غَدٍ / صاحِ إِنَّ الدَهرَ يُغفي وَيَهُب
صادِ ذا ضِغنٍ إِلى غِرَّتِهِ / وَإِذا دَرَّت لَبونٌ فَاِحتَلِب
لَيسَ بِالصافي وَإِن صَفَّيتَهُ / عَيشُ مَن يُصبِحُ نَهباً لِلرُتَب
ما أَبو العَبّاسِ في أَثباتِهِ / لَعِبَ الدَهرُ بِهِ تِلكَ اللُعَب
أَقبَلَت أَيّامُهُ حَتّى إِذا / جاءَهُ المَوتُ تَوَلّى فَذَهَب
قَمَرُ اللَيلِ إِذا ما اِنتَقَبَت
قَمَرُ اللَيلِ إِذا ما اِنتَقَبَت / وَهيَ كَالشَمسِ إِذا لَم تَنتَقِب
رُبَّما بِتُّ بِها مُستَبشِراً / في نَعيمٍ وَتَصابٍ وَلَعِب