المجموع : 4
كيف أنسى زمناً كنت به
كيف أنسى زمناً كنت به / من أخ أغلى وأسمى من أبِ
ضقت ذرعاً بزماني وكذا / ضاقت الأيام والآلام بي
رائحاً في لجة طاغية / غادياً في عاصف مضطربِ
قد تغشاني ظلام لا أرى / فيه مغداي ولا منقلبي
صامداً للظلم والظلم له / معول يهدمني عن كثب
وأنا أدفعه عن منكبي / بيدي حتى تهاوى منكبي
وتماسكت فلم يبق سوى / كبرياء هي درع للأبي
هتفت بي النفس فلنمض إلى / ذلك الورد الكريم الطيب
إن أنطون وما أعظمه / طاهر القلب نبيل المشرب
كأس ود لم ترنق أبداً / وصفت كالذهب المنسكب
ونداماه على طول المدى / رفقة حفّوا به كالحبب
مكتب لا بل بساط عامر / بالمعالي يا له من مكتب
مكتب قد صيغ من عالي ال / مساعي ونبيل الدأبِ
مكتب يُزهي بحُر ماجد / ثابت الرأي سني المأرب
صائد الدر تراه غارقاً في / صحف أو غائصاً في كتب
مصغياً في حكمة أو مطرقاً / في وقار سامعاً في أدب
فإذا أدلى برأي تلقه / راح يدلي بالعجيب المطرب
مستفيضاً ببيان جامع / سحر هوجو وجلال العرب
ذاك أنطون وما أروعه / صفحة لا تنتهي من عجبِ
قطرات حسبت من عرق / وهي لو حققتها من ذهب
أسعد الأيام يوم ضمني / بك في دار كأفق الشهب
كُرّمت من شرف وارتفعت / بالعلا وازَّينت بالحسب
لدسوقي وما أنسى له / إنه مثلك في الفضل أبي
كيف أنسى فضله وهو الذي / ذاد عني عاديات الحقب
أنتما للمجد ذخر فابقيا / للمعالي واسلما للأدب
يا حبيبي غيمة في خاطري
يا حبيبي غيمة في خاطري / وجفوني وعلى الأفق سحابه
غفر الله لها ما صنعت / كلما شاكيتها تندى كآبه
صرخ القفر لها منتحباً / وبكى مستعطفاً مما أصابه
فأصمّ الغيث عنه أذنه / ما على الأيام لو كان أجابه
كثر الهجر على القلب فهل / من سلو أو بعاد يرتضيه
أنت فجر من جمال وصبا / كل فجر طالع ذكَّرنيه
كيف جانبتك أبغي سلوة / ثم ناجيتك في كل شبيه
أيها الساكن عيني ودمي / أين في الدنيا مكان لست فيه
عندما أزمع ركب العمر / رحلةً نحو المغاني الأخر
ظهرت تجلوك كف القدر / صورةً أروع ما في الصور
تتراءى في الشباب العطر / نفحةً تحمل طيب السحر
وقف العمر لها معتذراً / وثنى الركب عنان السفر
عندما أقفرت الدنيا جميعا / لحت لي تحمل عمراً وربيعا
إن يكن حلماً تولى مسرعاً / أجمل الأحلام ما ولى سريعا
إن يكن ما كان دَيناً يقتضي / خلني أدفعه عنك دموعا
قد شريناه عزيزاً غالياً / إن تكن بعت فإني لن أبيعا
يا ندامى الحب سُمار الهوى / سكبوا لي السهد في ذاك الشراب
أرقوني أجرع السقم وبي / صفرة الكأس وأوهام الحباب
كلما تقبل أيام المنى / تنجلى النعماء عن ذاك السراب
وترى أياميَ الحيرى على / عرسها الضاحك أحزان الضباب
لم أقيدك بشيء في الهوى / أنت من حبي ومن وجدي طليق
الهوى الخالص قيد وحده / رب حر وهو في قيد وثيق
مزّقت كفيك أشواك الهوى / وأنا ضقت بأحجار الطريق
كم ظميٍ بظميٍ يرتوي / وغريق مستعين بغريق
يا ليالي العمر ما سر الليالي / البطيئات المملات الطوال
مسرعات مبطئات ولها / خفة الموت وأثقال الجبال
كاسفات البال عرجاء المنى / عاثرات الحظ شوهاء الظلال
عجباً للعمر يمضي مسرعاً / للمنايا بسلحفاة الملال
يا قمارى الروض في أيك الهوى / جفّت الروضة من بعد النديم
حل بالأيك خريف منكر / وظلال قاتمات وغيوم
ماتت الروضة إلا طائفاً / من هوى حي على الذكرى يقوم
فإذا أنكر ما حل بها / فر يبغي سربه بين النجوم
شاهت الدنيا وجوهاً ورؤىً / وتولاها سهوم ووجوم
يا عذارى الحسن في ظل الصبا / كل حسن بعد ليلاي دميم
يا نعيم العيش في ظل الرضا / آه لو أعرف ما طعم النعيم
أنكر الجنة قلبٌ ضجر / أبدي النار موصول الجحيم
طالما موهت بالضحك فما / غير التمويه رأياً لك فيا
كلما تنظر في عيني ترى / سريَ الغافي ومعناي الخفيا
وترى في عمق روحي زهرة / قد سقاها الحزن دمعاً أبديا
ويراه الناس طلا وترى / أنت دمعاً غائماً في مقلتيا
يا فؤادي ما ترى هذا الغروب / ما ترى فيه انهيار العمر
ما ترى فيه غريقاً ذا شحوب / يتلاشى في خضم القدر
ما تراها اتأدت قبل المغيب / ورمت من عرشها المنحدر
لفتةَ الحسرةِ للشط القريب / قبل أن تسقط خلف النهر
يا فؤادي قاتل الله الضجر / وعذابي بين حَل وسفر
ما ترى قنطرةً من بعدها / راحة ترجى وبال يستقر
ذلك الجرح وما أفدحه / ما عليه لو إلى السلوى عبر
قد طواه اليوم في بردته / وأتى الليل عليه فانفجر
مرَّ يومي فارغاً منك ومن / أمل اللقيا فما أتعس يومي
أنت يومي وغدي أنت وما / من زمان مرّ بي لم تك همي
آهِ كم أغدو صغيراً حاجتي / لك كالطفل إلى رحمة أم
ولكم أكبر بالحب إلى أن / أغتدي مستشرفا آفاق نجم
أي سرٍّ فيك إني لست أدري / كل ما فيك من الأسرار يغري
خطرٌ ينساب من مفتر ثغر / فتنة تعصف من لفتة نحر
قدر ينسج من خصلة شعر / زورق يسبح في موجة عطر
في عباب غامض التيار يجري / واصلاً ما بين عينيك وعمري
ذات ليلٍ والدجى يغمرنا / أترى تذكر إذ جزنا المدينه
كلما روعتَ من نارٍ شجٍ / حرما يصلى تلمست جبينه
بيدٍ شفافة مثل الندى الرط / ب تعيد النار بردا وسكينه
أيها الآسي لناري هذه / ما الذي تصنع بالنار الدفينه
أخيالاً كان هذا كله / ذلك الجسر الذي كنا عليه
والمصابيح التي في جانبيه / ذلك النيل وما في شاطئيه
وشعاع طوفت في مائه / وظلال رسبت في ضفتيه
وحبيب وادع في ساعدي / ووعود نلتها من شفتيه
رب لحن قص في خاطرنا / قصة الحادي الذي غنّى سهاده
وكأن الصمت منه واحة / هيأت من عشبها الرطب وساده
ها أنا عدت إلى حيث التقينا / في مكان رفرفت فيه السعاده
وبه قد رفرف الصمت علينا / إنَّ في صمت المحبين عباده
رفرف الصمت ولكن أقبلت / من أقاصي السهل أصداء بعيده
تتهادى في عباب ساحر / مرسل للشط أمواجاً مديده
كم نداء خافت مبتعد / تشتهي أذن الهوى أن تستعيده
عاد منساباً إلى أعماقها / هامساً فيها بأصداءٍ جديده
رفرف الصمت ولكن ها هنا / كل ما فيك من الحسن يغني
آه كم من وتر نام على / صدر عود نومَ غاف مطمئن
وبه شتى لحون من أسى / وحنين وأنين وتمني
رقد العاصف فيه وانطوت / مهجة العود على صمت مرن
هذه الدنيا هجير كلها / أين في الرمضاء ظل من ظلالك
ربما تزخر بالحسن وما / في الدمى مهما غلت سر جمالك
ربما تزخر بالنور وكم / من ضياء وهو من غيرك حالك
لو جرت في خاطري أقصى المنى / لتمنيت خيالاً من خيالك
أنا إن ضاقت بي الدينا أفىء / لثوانٍ رحبةٍ قد وسعتنا
إنما الدنيا عباب ضمنا / وشطوط من حظوظ فرقتنا
ولقد أطفو عليه قلقاً / غارقاً في لحظة قد جمعتنا
كلما تترى المعاني أجتلي / خلف معناها لأسرارك معنى
ما الذي صبك صباً في الفؤاد / ما الذي إن أقصِه عني عاد
طاغياً يعصف عصفاً بالرشاد / ظامئاً سيان قرب وبعاد
ساهر العينين موصول السهاد / ما الذي يجري لهيباً في الرماد
ما الذي يخلقنا من عدم / ما الذي يجري حياة في الجماد
كم حبيب بعدت صهباؤه / وتبقت نفحةٌ من حببه
في نسيج خالدٍ رغم البلى / عبث الدهر وما يعبث به
ما الذي في خصلة من شعره / ما الذي في خطه أو كتبه
ما الذي في أثرٍ خلفه / من أفانين الهوى أو عجبه
ما الذي في مجلس يألفه / عقد الحب عليه موعده
ربما يبكي أسى كرسيه / إن نأى عنه وتبكي المائده
ربما نحسبها هشت إذا / عائدٌ هش لها أوعائده
ربما نحسبها تسألنا / حين نمضي أفراق لعده
كم أعدت لك ستراً في الخفاء / وتوارت عن عيون الرقباء
كم أعدت نفسها وانتظرت / واستوت موحشة تحت السماء
وهي لو تملك كفا صافحت / كفك الحلوة في كل مساء
وهي لو تملك جوداً بذلت / كل ما تملك كف من سخاء
رب كرم مده الليل لنا / فتواثبنا له نبغي اقتطافه
وعلى خيمته أسوده / عربي الجود شرقي الضيافه
وجد العرس على بهجته / وسناه دون ورد فأضافه
ثم وارت يده جنيةٌ / وطوته في أساطير الخرافه
أرج يعبق في أنحائه / حملته نحو عرشينا الرياح
كل عطر في ثناياه سرى / كان سرّاً مضمراً فيه فباح
يا لها من حقبة كانت على / قِصَرٍ فيها كآماد فساح
نتمنى كلما طابت لنا / أن يظل الليل مجهول الصباح
يا فؤادي العمر سفر وانطوى / وتبقت صفحة قبل النوى
ما الذي يغريك بالدنيا سوى / ذلك الوجه وذياك الهوى
لا تقل لي ذاك نجمٌ قد خبا
لا تقل لي ذاك نجمٌ قد خبا / يا فؤادي كلُّ شيءٍ ذهبا
ذلك الكوكبُ قد كان لعيني / السماوات وكان الشُّهُبا
هذه الأنوارُ ما أضيَعَهَا / صِرنَ في جَنبي جراحاً وظُبى
كلما أهدَت شعاعاً خَلَّفَت / بعده سجناً ومَدَّت قُضُبا
قلتُ أسلوك وكم من طعنةٍ / بالمُداراةِ وبالوقتِ تهون
فإذا حُبُّكِ يَطغَى مُزبداً / كَدفُوقِ السَّيلِ طُغيانَ الجنون
وكذا تمضي حياتي كلُّهَا / بين يأسٍ ورجاءٍ وظنون
ما على الهجر معينٌ أبداً / وعلى النّسيانِ لا شيءَ يُعين
ذلك الحبُّ الذي فُزتُ به / لا أُبالي فيه ألوان الملامه
ذلك الشطُّ الذي ذُقتُ به / بعد لُجِّ البحر أمناً وسلامه
إنّه مزَّق قلبي قسوةً / وسقاني المُرَّ من كاسِ الندامه
صارَ ناراً ودماراً في دمي / وصراعاً بين قلبٍ وكرامه
ذلك الحبُّ الذي عَلَّمَني / أن أُحِبَّ الناسَ والدنيا جميعا
ذلك الحبُّ الذي صوَّر من / مُجدِب القَفرِ لعينَيَّ ربيعا
إنه بصّرني كيفَ الورى / هدموا من قُدسِه الحِصنَ المنيعا
وجلا لي الكون في أعماقه / أعيُناً تبكي دماءً لا دموعا
لَم تُعينيني على صَرفِ النَّوى / آهِ لو كنتِ على الدهرِ أعَنتِ
قَدَرٌ نكَّسَ منّي هامتي / آذن الدهرُ بِبَينٍ وأذِنتِ
وعجيبٌ أمرُ حبٍّ لم يَهُن / هو لَو هانَ على نفسي لَهُنتِ
لهفَ قلبي لهفةً لا تنقضي / كنتِ دنياي جميعاً كيفَ كُنتِ
كنتِ في برجٍ من النورِ على / قِمةٍ شاهقةٍ تَغزو السحابا
وأنا منك فَراشٌ ذائبٌ / في لُجَينٍ من رقيقِ الضوء ذابا
فَرِحٌ بالنّورِ والنارِ معاً / طارَ للقمَّةِ محموماً وآبا
آبي من رحلتهِ مُحترقاً / وهو لا يَألُوكِ حُبّاً وعتابا
بَرِئَت نفسي من الحقدِ ولم / أُخف ضِغناً لكِ بين العَبَرات
إن يوماً واحداً أسعدَني / جمعَ الأفراحَ طُرّاً من شَتات
وهو عمرٌ كاملٌ عشتُ به / كلَّ أعمارِ الورَى مُجتمعات
لستُ أنساكِ وقد علَّمتِنِنى / كيف يحيا رجلٌ فوق الحياة
افرحي ما شِئتِ يا روحي افرحي / أنشدِي ما نَقَلتهُ الطيرُ عَنّي
واغنمي نَفح الصَّبا وانتقلي / في الصِّبا المِمراحِ من غُصنٍ لغصن
وعلى أيكِكِ نَاغي كلَّ من / مرَّ بالأيكِ ونادِي كلَّ خِدن
لن يُحِبُّوك كحبي لن تَرَي / ضاحكاً مثلي ولا حُزناً كحزني
يا كتابَ الحُسن جَلَّت آيةً / من جمالٍ وكمالٍ وشباب
زعموا أنِّيَ قد خَلَّدتُها / بأغانيَّ وألحاني العِذاب
ما أنا شادٍ ولكن قارئٌ / سُوَراً من ذلك الحسنِ العُجاب
لم أزَل أقرأُ حتى سجدوا / وَجَعَلتُ الخُلدَ عُنوان الكتاب
يا ابنةَ الأصدافِ والبحرُ أبي / قبلَ أن يُلقِي بي الموجُ هُنا
سائلي الأعماقَ عن غَوَّاصها / أنا صَيَّاد لآليها أنا
إن هَجَرنا القاعَ والليلَ إِلى / قِمَمٍ شُمٍّ وعِشنا في السَّنا
فَبِنا الأمواجُ والصخرُ وما / بَرِحَ العاصفُ في أعماقنا
عاصفٌ عاتٍ تمنّيت له / هَدأةً أينَ له ما تطلبين
اسألي عن مقلةٍ مخلصةٍ / خَبأَت رسمَكِ في جَفنٍ أمين
سَهرت تَرعاك مهما لقيت / في سبيل العهدِ والودِّ المكين
أقسمت لا تسألُ النَّومَ ولا / تطلبُ الرحمة منه بعض حين
بعدَ ما غَوَّر نجمي ودليلي / ما مسيري دون تِربٍ وخليل
في طريق الشَّوكِ والصخر وفي / شُعَب الإرهاق والكَدِّ الوبيل
الغريبانِ عليها التَقَيَا / يستعينان على الدَّربِ الطويل
ما انتفاعي بحياتي بعد ما / سَاقَكِ التيَّارُ في غير سبيلي
يا لجَهلِ اثنين أقدارَهما / آه يا ليتهما قد عَرَفَا
ما الذي نصنعُ بالعيشِ إذا / ما صَحَا القلبُ غريباً وغَفَا
ما الذي نصنعُ بالعيشِ إذا / ما السبيلان عليه اختلفا
ما الذي نصنعُ بالعيشِ إِذا / صارَ تَذكاراً فأَمسَى أسفا
عندما تُقفِرُ دارٌ من رِفاق / وتُحِسُّ السمَّ في كاسٍ وساقِ
عندما يكشِفُ بؤسٌ وجهَه / سافرَ اللّعنةِ مفقودَ الخلاق
عندما تُمسِي بِظِلٍّ عالقاً / وبخيطِ الوهم مشدودَ الوثاق
يا فؤادي انظر وفكر وأفِق / أيُّ قَيدٍ لك بالأحبابِ باق
كل جِدٍّ عَبَثٌ والدهرُ ساخر / وخبيء السرِّ للعينين ظاهر
أدَّعِي أني مقيمٌ وَغَداً / رَكبيَ المُضنَى إلى الصحراءِ سائر
عندما صافحتُ خانَتني يدي / وَوَشَى خاف من الأشجانِ سافر
كَذَبَت كفٌّ على أطرافها / رِعشَةُ البُعدِ وإحساسُ المسافر
يا دياراً يومُها من سُحُبٍ / وغيومٍ وضبابٌ أُفقُ غَد
كلّ نَبتٍ عبقريٍّ أطلَعت / جعلت منه طعاماً للحسَد
أخلَفَ الميثاقَ من كان بها / كلّ آمالي فلم يَبقَ أحد
ضاعَ عمرٌ وحصادٌ وغَدَا / من هشيم كلُّ ما كنتُ أعِدّ
قُم بنا والكونُ جَهمٌ كالدجى / نَتَلَمَّس من جحيمٍ مَخرَجا
وانج منه ببقايا رَمَقٍ / أو حُطامٍ وقليلٌ مَن نجا
لا تُدر راياً به أضيَعُ مَن / في لظاه مستعينٌ بالحِجا
واسألِ الرحمنَ أن يُصلِحَ عَه / داً كسيحاً وزماناً أعرَجا
عشتُ وامتدَّت حياتي لأرَى / في الثرى مَن كان قَبلاً في القمم
انهيار المُثُلِ العليا وإن / كار آلاءٍ وكُفرٍ بالقِيَم
مَن يَكُن عَضَّ بناناً نادماً / فأنا قَطَّعتُ إِبهامَ النّدَم
وإذا انحَطَّ زمانٌ لم تَجِد / عالياً ذا رفعَةٍ إلا الألم
ضِحكةٌ ساخرةٌ هازلةٌ / وخيالٌ تافِهٌ هذي الحياه
هذهِ الأكذوبةُ الكُبرى التي / خُدعَ الناسُ بها واأسفاه
ذلَّ فيها المالُ والجاهُ إلى / أن غدا أحقَرَها مالٌ وجاه
نَحمَدُ الله على أنَّا بها / لم نَصُن من ذِلَّةٍ إلا الجباه
عَبَثاً أهرُبُ من نفسي ومن / ذلك الساكنِ روحي والبَدَن
من لقلبٍ مُستطارِ اللُّبِّ مَن / كلما عاوده التَّذكارُ جُنّ
أينما أمضي فحولي ذِكرٌ / وحبيبٌ ومكانٌ وزمن
وربيعٌ دائمُ الخضرةِ في / روضة النفس وطَيرٌ وفَنَن
قصةٌ خالدةٌ لا تنتهي / وهي ما كان لها يومُ ابتداءِ
أنا لا أدري متى كان ولا / أين عند الله أسرارُ اللقاءِ
حينما لاحَ شِهابٌ في سمائي / أسمرُ النور رفيعُ الخُيلاءِ
عبقريٌّ مُوحشٌ منفردٌ / متعالٍ قَلِقُ الأضواءِ ناءِ
هو في الأفق بعيدٌ وهو دانِ / هو لي نفسي وروحي وكِياني
مخطئٌ من ظَنَّ أنَّا مُهجتان / مخطئٌ من ظَنَّ أنّا توأمان
هو شطرُ النَّفسِ لا توأمُها / هو منها هو فيها كلَّ آن
نحنُ نبضٌ واحدٌ نحن دمٌ / واحدٌ حتى الردى متّحدان
يا نسيم البحر ريانَ بطيب
يا نسيم البحر ريانَ بطيب / ما الذي تحمل من عطر الحبيب
صافحتني من نواحيك يدٌ / تمسح الدمعة عن جفن الغريب
وتلقَّاني رشاشٌ كالبكا / وهديرٌ مثل موصول النحيب