عَجِلَ الصبَّ وقد هبَّ طروبا
عَجِلَ الصبَّ وقد هبَّ طروبا / فتعدَّى لتهانيك النسيبا
منكَ بدر المجد قَد ألهاه عن / رشأٍ زرَّ على البدر الجيوبا
بدر حسنٍ في دجًى من فرعه / ما أُحيلاهُ طلوعاً وغروبا
كم تصبَّى من أخي حُلمٍ وكم / من أخي لُبٍّ به جدَّ لعوبا
لستُ أدري إذ يعاطي كفُّه / خمرةً من لونها يبدو خضيبا
أَجلا لامعةً في كأسه / أم سنا وجنتهِ أبدى لهيبا
شادنٌ وفرته ريحانةٌ / نشرها ينفح للنُدمان طيبا
ما أدارَ الراحَ إلاَّ مثّلت / حول كسرى منه في الكأس ربيبا
لا تقل قطّب من سَورَتِها / مَن تعاطى رشفها كوباً فكوبا
بل رآه حول كسرى فاكتسى / وجهُه من سورة الغيظ قُطوبا
لك أخلاقٌ عدتني عن طِلاً / رشفها من فمه يحيي القلوبا
ولطبعٍ فيك من رقَّته / لي أنفاسُ الصَبا رقَّت هبوبا
عفتُ منه وجنةً رقَّت إلى / أن شكت من عقرب الصدغ دبيبا
يا نسيمَ الريح إنِّي لم أكن / لسواكَ اليومَ عنِّي مستنيبا
سر إلى البصرة واحمل عن فمي / كلماً أعبق من ريَّاك طيبا
إنَّ في منتدى ربِّ حجًى / أَحرزَ السؤددَ مُذ كان ربيبا
طف بعبد الله فيه إنَّه / كعبةٌ حطَّت من الدهر الذنوبا
واعتمد طلعتَه الغرَّا وقل / بوركت من طلعةٍ تجلو الكروبا
أيُّها الثاقب نوراً كلَّما / قصدوا إطفاءه زاد ثُقوبا
أخصبت ربعَك أنواءُ الهنا / فبنوء الجود لم يبرح خصيبا
خير ما استثمرته غصن عُلاً / لك أنماه النهى غضًّا رطيبا
قد نشا في حجر علياكَ التي / رضع السؤددَ منها لا الحليبا
ذاك عَبد الواحد المالئ في / عزّه قلبَ أعاديه وجيبا
شبلك المخدر في عِرِّيسةٍ / ترهب الليث ولو مرَّ غضوبا
اصطفى المجدُ له مُنجِبةً / واصطفى منه لها كفواً نجيبا
وعلى نسلهما من قبل أن / يلداه قيل بارك كي يطيبا
فلكَ البشرى بعرسٍ سعدُه / في محيَّا الدهر ما أبقى شحوبا
مسحت قلبَ العُلى فرحتُه / بيدٍ ما تركت فيه نُدوبا
قم فهنِّي المجدَ يا سعدُ بمن / مثله لم يصطف المجد حبيبا
وعن الحسَّاد لا تسأل وقل / مهجٌ لاقت من الوجد مذيبا
قد أبات القومَ في غيظهم / يتجافون على الجمر جنوبا
خطبوا مجدكَ يا مَن كم به / عنهم قد دفع الناسُ الخطوبا
وجروا خلفك للعَليا وكم / فُتَّ مطلوباً وأدركت طَلوبا
فاتهم منك ابن مجدٍ لم يزل / في العُلى أطولَهم باعاً رحيبا
أينَ من في الأرض ممَّن عقدت / بنواصي الشهب علياه الطنوبا
حسدت شهبُ الدراري وجهه / إذ له ما وجدت فيها ضريبا
وغدا الأُفق الذي زِينَ بها / يتمنَّى فيه عنها أن ينوبا
يا بني العصر دعوا ضَربكم / بقداحٍ قط لم تحرز نصيبا
فبأعشار العُلى فاز فتًى / كان كفَّاه المعلَّى والرقيبا
أروعٌ وقّر ناديه النهى / فبصر الدهر لم يبرح مَهيبا
ما النسيم الغضُّ يسري سحراً / مُنعشاً في بُردِ ريَّاه القلوبا
لكَ أذكى من سجاياه شذاً / فانتشق زهر المعالي مستطيبا
فلبسَّام العشيَّات فِدًى / أوجهٌ تدجو على الوفد قطيبا
ولرطب الكفّ في الجدب وقًى / كفُّ قومٍ جفَّ في الخصب جدوبا
شنَّجته علةُ البخل فلا / طبَّ أو يغدو له السيفُ طبيبا
أغربت أوصاف ذي مجدٍ حوى / من مزايا المجد ما كان غريبا
أين ما يسري سرى شوقُ الورى / فهو يقتاد الحشا منها جنيبا
وهو بحرٌ ولهذا فمه / يقذف اللؤلؤَ في النادي رطيبا
وهو الغيثُ وأجدر أن ترى / علّم الغيثَ نداه أن يصوبا
أين منه معدل الضيف إذا / لِقراه التمس المسنى المطيبا
وإذا ضرع الغوادي جفَّ في / شتوةٍ واغبرَّت الأرض جَدوبا
بسط الكفَّ بها ثم دعى / دونكم حافلةَ الضرع حلوبا
وغدا يطربُ إذ يسمعها / للقِرى هدَّارة الغلي غضوبا
رثّ بردُ الحمدِ لولا ملِكٌ / كلّ آن يلبسُ الفخرَ قشيبا
أطربَ المدحَ إليه أنَّه / فاتحٌ سمعاً إلى المدح طروبا
عربيّ الذوق يستحلي التي / من عَذارى الشعر جاءته عَروبا
خطب الأبكارَ مشغوفاً بها / فأقام الجودَ في الدنيا خطيبا
فهو عذريّ الهوى في عذرها / وهي من شوقٍ له تطوي السهوبا
أبداً تدعو له قائلةً / لا رأت شمسُ معاليكَ الغروبا