المجموع : 3
يا لواءَ الحسنِ أحزابَ الهوى
يا لواءَ الحسنِ أحزابَ الهوى / أجّجوا في الحب نيران الجفَاءْ
مذ رأوْا طَرفَكِ يبدو ناعساً / أيقظوا الفتنةَ في ظلِّ اللواء
فرّقت أهواءهم ثاراتُهم / كلُّ حُبٍّ بين أشواك عِداء
جمعوا بغضاءَهم فافترقوا / فاجمعي الأمرَ وصوني الأبرياء
إن هذا الحسنَ كالماء الذي / راق حتى كاد يخفيه الصفاء
والرضابُ الْحلُو لو جدتِ به / فيه للأنفس رِيٌّ وشفاء
لا تذودي بعضنا عن وِردهِ / كلُّنا يشكو الجوى والبُرَحاءْ
فانظري ليس الصدَى في بعضنا / دون بعضٍ واعدلي بين الظماء
وتجلَّيْ واجعلي قومَ الهوى / للهوى فيك وللحسن فِداء
هم فداءٌ لك لا بل كلُّ مَن / تحت عرش الشمسِ في الحكم سواء
أقبلي نستقبل الدنيا وما / يملأ الأعينَ حسناً ورُوَاءْ
أنت كالجنَّة ضُمِّنت الذي / ضُمِّنته من معدّاتِ الهناء
واسفِري تلك حُلىً ما خُلقت / لسوى لثمٍ وضمٍ واجتلاء
ما رأينا آيةَ اللّه أتت / لتُوارَى بلثامٍ وخباء
واخطرِي بينَ الندامَى يحلفوا / أنك الغصن ازدهاراً واستواءْ
أخبرتهم نفحةٌ منكِ سَرَتْ / أن روضا راح في النادي وجاء
وانطقِي ينثْر إذَا حدّثتِنا / لفظُك العذبُ عن القلبِ العنَاء
إنه الدرُّ فهل يمنحنا / ناثرُ الدر علينا ما نشاء
وابسمِي من كان هذا ثغره / فتن الزهرَ أريجاً وبهاء
فدعيه ينشر الطِّيبَ كما / يملأُ الدنيا ابتساماً وازدهاءْ
لا تخافي شططاً من أنفس / داولت بين خضوع وإباء
إنْ أجابت دعوة الحبِّ مشت / تعثُرُ الصبوةُ فيها بالحياة
راضت النخوةُ من أخلاقنا / فخضعنا وجمحنا كرمَاءْ
وسمت فوق الهوى أحسابُنا / وارتضَى آدابَنا صدقُ الوَلاء
فلو امتدت أمانينا إلى / أسدٍ مالاث كفّاً بدماء
أو سرت أنفاسُنا في جانبيْ / مَلَكٍ ما كدّرت ذاك الصفاء
أنتِ يَمُّ الحسن فيه ازدحمتْ / زُمَرُ العشَّاقِ كُل بسِقاء
أنقذتهم بعد يأسٍ مُغرِقٍ / سفُن الآمال يُزجيها الرجَاءْ
يقذف الشوق بها في مائجٍ / ماله من ساحلٍ إلاّ الّقَاء
فهي تجري والجوى يبعثُها / بين لَجّيْنِ عناء وشقاء
شدةٌ تمضي وتأتي شدَّة / واعتداءٌ للهوى بعد اعتدَاءْ
لو علت للنجم نفسي لأتتْ / تقتفيها شدّةٌ هل من رَخاء
ساعفي آمالَ أنضاءِ الهوى / يقتل الداء إذا عزّ الدواء
واكشفي حُجْبَ النوى ينتعشوا / بقبول من سجاياك رُخاء
أنتِ رُوحانيَّةٌ لا تدّعى / غيرَها فالأمرُ كالصبح جلاء
فاسألي المِرآةَ هل يوْماً رأت / أنَّ هذا الشكلَ من طينٍ وماء
وانزِعي عن جسمِك الثوب يَبِن / رُبّ حق ضاع في ثوب رياء
وارفعي شَعْرَك عنه ينجلي / للملا تكوينُ سكانِ السَّماء
وأَرِي الدنيا جَنَاحَيْ مَلَكٍ / منهما تستمنح النورَ ذُكَاءْ
نُشِرا في مُجتَلَى ضوء الضحا / خلفَ تمثالٍ مصوغٍ من ضِياء
ضمّني مجلسُ أنسٍ زانه
ضمّني مجلسُ أنسٍ زانه / صفوةٌ من نجباءِ الأصدقاءْ
منطقُ الهزل به جِدٌّ وكمْ / نَطق الْجِدُّ به القول الهُراء
فتطارحْنا حديثاً عَجَباً / فيه للروحِ وللعقلِ غِذاء
وتَجاذبْنا فنوناً جمعتْ / طُرَفاً ممَّا رواه الأدباء
ثم رُمْنا أن نحاجِي ساعةً / لنُريحَ النفسَ من كدِّ العَناء
قلت من يبدأ قالوا فابتدىء / أنت فالكلُّ لما تُلْقي ظِماء
قلت للنحويِّ قل قال وهل / تركت حتّى لنفسي من ذَماءْ
قلت فليأت البديعيُّ بما / شاءت الفِطْنةُ من لُغْزٍ وشاء
قال أتقنتُ بديعي كلَّه / غيرَ نوع هو حسنُ الابتداء
قلت للصرفيّ فابدأ قال قد / عاقني الإعلالُ في ريحٍ وشاء
ثم قالوا قل ولا تُكْثِر فمن / أكثرَ القول أملّ الْجُلَساء
قلت من يعرِفُ علماً وحِجاً / وذَكاءً وسماحاً في رِداء
يملأ الدنيا حياةً إن بدا / كوكباً يسطع فيَّاضَ الضياء
فأجابوا الشمسُ قلتُ انتبهوا / ليس للشمس نوالٌ وذَكاء
ثم قالوا زد فناديت ومما / مَوْرِدٌ قد راح في الناس وجَاءْ
موردٌ يمشي إلى قُصَّادِه / فيه رِيٌّ وحيَاةٌ وشِفاء
فنأوا عنِّي وقالوا عَجَبٌ / كيف يمشي مثلَما تزعُمُ ماء
قلتُ هل أبصرتُمُ جسماً يُرَى / للإِخاءِ المحضِ أو صِدق الوفاء
لِلعلا للفضلِ للدينِ وللأَ / دبِ الجمّ جميعاً والإِباء
فأجابوا قد عَجَزنا قل لنا / ذاك في الأرض يُرَى أم في السماء
قلت في الأرضِ وللأرضِ بهِ / ويحكم أيُّ ازدهارٍ وازدهاء
هو في الطبِّ أَبقْراطُ وفي / حَلْبة الشعرِ إمامُ الشعراء
وإذا أعطى أبيْتُم أَنَفاً / أن تعُدُّوا حاتماً في الكرمَاءْ
فأجابوا اكشف لنا حَيَّرتنا / عن أحاجيك إن شئتَ الغِطاء
قلت كلاّ فانظروا وانتبهوا / ليس في الأمر التباسٌ أو خَفاء
هل رأيتم دَوْحَةً مثمرةً / كلَّ آن في صباحٍ أو مَساء
هي في الصيف ظِلالٌ ونَدى / وهي دفءٌ وحَنانٌ في الشتاء
يجدُ البائسُ في ساحتها / موئِلاً حُلْوَ الْجَنَى رَحْبَ الفِناء
سألوني محسنٌ قلت نعم / ملجأُ القصّادِ كهفُ الفقراء
ثم قالوا شاعرٌ قلت أجل / شعْرُه الدرُّ بهاءً وصَفاء
ثم قالوا زاهدٌ قلت نعم / عنده الدنيا وما فيها هَبَاءْ
فأشاروا قِفْ عرفناه وهل / يُجْهَلُ البدرُ فما هذا الغَباء
عَجَباً حِزنا ولم نفطُنْ له / واسمُهُ كالصبح نوراً وجَلاء
لا نسمِّيه فيكفي وصفُه / فيه عن كلِّ تعريفٍ غَناء
قم وسجِّل فضلَه واهتِفْ به / وابتكِرْ ما شئتَ فيه من ثناء
ساكنِي الفيومِ إنِّي ذاكر
ساكنِي الفيومِ إنِّي ذاكر / عهدَكُمُ والذكر في البعدِ وفَاءْ
كم شدَا شعرِي على دوحتِكُمْ / أيّ شعرٍ غَرِدٍ أيّ غِنَاءْ
بلدٌ كالزهرِ حُسناً وشَذاً / بينَ أظلالس وأَنْسامٍ ومَاءْ
مثل خدِّ البكرِ في تلوينهِ / ترتدي في كُلِّ حينٍ بردَاءْ
فهيَ بالأمسِ سِوَاهَا في غدٍ / وهيَ في الصبح سِواهَا في المَساءْ